أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-11-25
163
التاريخ: 2024-12-07
640
التاريخ: 2023-02-21
3426
التاريخ: 21-05-2015
6970
|
( 1 ) أعلن الشيعة إمامة الجواد ( عليه السلام ) فخرس خصومهم !
عرف عامة الشيعة إمامة الجواد ( عليه السلام ) من زمن أبيه الرضا ( عليه السلام ) ، لأنه نص عليه بالإمامة ، وأظهر لهم كرامته على الله تعالى .
وبعد وفاة أبيه أجمع فقهاء الشيعة في كل البلاد على إمامته ( عليه السلام ) ، لأنهم رأوا علمه وإجاباته على المسائل التي عجز عنها غيره ، وشاهدوا معجزاته ، من شفاء المرضى ، واستجابة الدعاء ، ومعرفة النوايا .
ومن الظواهر الملفتة أن خصوم الشيعة خرسوا تماماً أمام هذا الحدث الفريد ، ولم يُشَنِّعْ أحدٌ منهم على الشيعة بأنهم يأتمون بصبي ابن سبع سنوات !
وسبب سكوتهم أنهم لا يريدون الحديث عنه حتى لا يعرفه المسلمون ويؤمنون به ، خاصة أن المأمون أعلن ذلك وحدث به الناس وعقد له على ابنته !
قال المأمون : ( ويحكم ، إن أهل هذا البيت خصوا من الخلق بما ترون من الفضل وإن صغر السن فيهم لا يمنعهم من الكمال . أمَا علمتم أن رسول الله افتتح دعوته بدعاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وهو ابن عشر سنين ، وقَبِلَ منه الإسلام وحكم له به ، ولم يَدْعُ أحداً في سنه غيره . وبايع الحسن والحسين وهما ابنا دون الست سنين ، ولم يبايع صبياً غيرهما ، أفلا تعلمون الآن ما اختص الله به هؤلاء القوم ، وأنهم ذرية بعضها من بعض ، يجري لآخرهم ما يجري لأولهم ) .
( فقال المأمون : ويحكم إني أعرف به منكم وإن أهل هذا البيت علمهم من الله ومواده وإلهامه ، فإن شئتم فامتحنوه ) ! ( الإرشاد : 2 / 287 ، والمناقب : 3 / 488 ) .
وقد انتشر ذلك في البلاد ، فافتخر بإمامته الفقهاء ، وأنشد فيه الشعراء ، كالشاعر أبي الغوث الطهوي واسمه أسلم بن مهوز ، والذي كان معاصراً للبحتري ، وكلاهما من منبج قرب حلب ، قال في مدحه :
( إذا ما بلغتَ الصادقينَ بني الرضا * فحسبُك من هادٍ يُشير إلى هاد
مقاويلُ إن قالوا بهاليلُ إن دعوا * وُفَاةٌ بميعادٍ كُفَاةٌ لمرتاد
إذا أوعدوا أعْفَوْا وإن وعدوا وفَوْا * فهم أهل فضلٍ عند وَعْدٍ وإيعَادِ
كرامٌ إذا ما أنفقوا المالَ أنفدوا * وليس لعلمٍ أنفقوه بإنفاد
ينابيعُ علمِ الله أطوادُ دينه * فهل من نفادٍ إن علمتَ لأطواد
نجومٌ متى نجمٌ خبا مثله بدا * فصلى على الخابي المهمينُ والبادي
عبادٌ لمولاهم موالي عباده * شهودٌ عليهم يوم حَشْرٍ وإشهاد
همُ حجج الله اثنتا عشرةٍ متى * عددتَ فثاني عشرهم خلفُ الهادي
بميلاده الأنباءُ جاءت شهيرةً * فأعظم بمولود وأكرم بميلاد )
أورد ذلك في أعيان الشيعة ( 1 / 181 ) . وقال عنها الجوهري في مقتضب الأثر / 50 : ( وهي طويلة كتبنا منها موضع الحاجة إلى الشاهد ) .
وأورد الجوهري مقطوعة أخرى من قصيدة للشاعر البصري عبد الله بن أيوب الخريبي ، يخاطب الإمام الجواد ( عليه السلام ) :
يا ابن الذبيح ويا ابن أعراق الثرى * طابت أُرومته وطاب عُروقا
يا ابن الوصيِّ وصيِّ أفضلِ مرسلٍ * أعني النبيَّ الصادقَ المصدوقا
مالُفَّ في خِرَقِ القَوَابلِ مثلُهُ * أسدٌ يَلُفُّ مع الحريق حريقا
يا أيها الحبل المتين متى أعذْ * يوماً بعَقْوَتِهَ أجدهُ وثيقا
أنا عائذٌ بك في القيامة لائذٌ * أبغي لديك من النجاة طريقا
لا يَسْبِقَنِّي في شفاعتكم غداً * أحدٌ فلست بحبكم مسبوقا
يا ابن الثمانية الأئمة غربوا * وأبا الثلاثة شرقوا تشريقا
إن المشارق والمغارب أنتمُ * جاء الكتاب بذلكم تصديقا ) .
( 2 ) إخبارالجواد بشهادة أبيه ( عليهما السلام ) وحضوره إلى خراسان
وعندما توفي الإمام الرضا ( عليه السلام ) في طوس ، كان الإمام الجواد ( عليه السلام ) في المدينة فأخبر الناس بوفاته ، وأمر عائلته بإقامة المأتم ، وذهب بنحو الإعجاز إلى طوس ، فقام بتجهيزه والصلاة عليه ، ورجع إلى المدينة في ذلك اليوم !
روى في الإمامة والتبصرة / 85 : ( عن مؤدب كان لأبي جعفر ( عليه السلام ) أنه قال : كان بين يدي يوماً يقرأ في اللوح ، إذ رمى اللوح من يده وقام فزعاً وهو يقول : إنا لله وإنا إليه راجعون ، مضى والله أبي ( عليه السلام ) . فقلت : من أين علمت ؟ قال : دخلني من إجلال الله وعظمته شئ لم أعهده . فقلت : وقد مضى ؟ فقال : دع عنك ذا ، إئذن لي أن أدخل البيت وأخرج إليك واستعرضني أي القرآن شئت أفِ لك بحفظه .
فدخل البيت ، فقمت ودخلت في طلبه إشفاقاً مني عليه ، فسألت عنه فقيل : دخل هذا البيت ورد الباب دونه وقال : لا تؤذنوا عليَّ أحداً حتى أخرج إليكم . فخرج مغبراً وهو يقول : إنا لله وإنا إليه راجعون ، مضى والله أبي . فقلت : جعلت فداك وقد مضى ؟ فقال : نعم ووليت غسله وتكفينه ، وما كان ذلك ليلي منه غيري . ثم قال لي : دع عنك هذا ، إستعرضني أي القرآن شئت أفِ لك بحفظه . فقلت : الأعراف . فاستعاذ بالله من الشيطان الرجيم ثم قرأ : بسم الله الرحمن الرحيم . . . وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ .
فقلت : أ . ل . م . ص ، فقال : هذا أول السورة . وهذا ناسخ ، وهذا منسوخ ، وهذا محكم ، وهذا متشابه ، وهذا خاص ، وهذا عام ، وهذا ما غلط به الكتاب ، وهذا ما اشتبه على الناس ) .
وروى في عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) ( 2 / 271 ) : ( عن أبي الصلت الهروي ، قال : بينا أنا واقف بين يدي أبي الحسن علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) إذ قال لي : يا أبا الصلت أدخل هذه القبة التي فيها قبر هارون ، وائتني بتراب من أر بعة جوانبها .
قال : فمضيت فأتيت به ، فلما مَثُلت بين يديه فقال لي : ناولني هذا التراب وهو من عند الباب ، فناولته فأخذه وشمه ثم رمى به ، ثم قال : سيحفر لي هاهنا فتظهر صخرة لو جمع عليها كل معول بخراسان لم يتهيأ قلعها . ثم قال في الذي عند الرجل ، والذي عند الرأس مثل ذلك ، ثم قال : ناولني هذا التراب فهو من تربتي . ثم قال : سيحفر لي في هذا الموضع فتأمرهم أن يحفروا لي سبع مراقي إلى أسفل ، وأن يشق لي ضريحةٌ ، فإن أبوا إلا أن يلحدوا فتأمرهم أن يجعلوا اللحد ذراعين وشبراً ، فإن الله سيوسعه ما يشاء . فإذا فعلوا ذلك فإنك ترى عند رأسي نداوة ، فتكلم بالكلام الذي أعلمك فإنه ينبع الماء حتى يمتلئ اللحد ، وترى فيه حيتاناً صغاراً ، فَفُتَّ لها الخبز الذي أعطيك فإنها تلتقطه ، فإذا لم يبق منه شئ خرجت منه حوتة كبيرة فالتقطت الحيتان الصغار حتى لا يبقى منها شئ ، ثم تغيب فإذا غابت فضع يدك على الماء ثم تكلم بالكلام الذي أعلمك فإنه ينضب الماء ، ولا يبقى منه ولاتفعل إلا بحضرة المأمون .
ثم قال ( عليه السلام ) : يا أبا الصلت غداً أَدْخُلُ على هذا الفاجر فإن أنا خرجت وأنا مكشوف الرأس فتكلم أكلمك ، وإن أنا خرجت وأنا مغطى الرأس فلاتكلمني !
قال أبو الصلت : فلما أصبحنا من الغد لبس ثيابه وجلس ، فجعل في محرابه ينتظر ، فبينما هو كذلك إذ دخل عليه غلام المأمون فقال له : أجب أمير المؤمنين فلبس نعله ورداءه وقام يمشي وأنا أتبعه ، حتى دخل على المأمون وبين يديه طبق عليه عنب وأطباق فاكهة ، وبيده عنقود عنب قد أكل بعضه وبقي بعضه ، فلما أبصر بالرضا ( عليه السلام ) وثب إليه فعانقه وقبل ما بين عينيه وأجلسه معه ، ثم ناوله العنقود وقال : يا ابن رسول الله ما رأيت عنباً أحسن من هذا !
فقال الرضا ( عليه السلام ) : ربما كان عنباً حسناً يكون من الجنة . فقال له : كل منه فقال له الرضا ( عليه السلام ) : تعفيني منه . فقال : لا بد من ذلك ! وما يمنعك منه لعلك تتهمنا بشئ ! فتناول العنقود فأكل منه ، ثم ناوله فأكل منه الرضا ( عليه السلام ) ثلاث حبات ، ثم رمى به وقام ! فقال المأمون : إلى أين ؟ فقال : إلى حيث وجهتني !
فخرج ( عليه السلام ) مغطى الرأس فلم أكلمه حتى دخل الدار ، فأمر أن يغلق الباب فغلق ثم نام ( عليه السلام ) على فراشه ، ومكثت واقفاً في صحن الدار مهموماً محزوناً .
فبينما أنا كذلك إذ دخل عليَّ شاب حسن الوجه قطط الشعر أشبه الناس بالرضا ( عليه السلام ) فبادرت إليه فقلت له : من أين دخلت والباب مغلق ؟ فقال : الذي جاء بي من المدينة في هذا الوقت هو الذي أدخلني الدار والباب مغلق ؟ فقلت له : ومن أنت ؟ فقال لي : أنا حجة الله عليك يا أبا الصلت ! أنا محمد بن علي .
ثم مضى نحو أبيه ( عليهما السلام ) فدخل وأمرني بالدخول معه فلما نظر إليه الرضا ( عليه السلام ) وثب إليه فعانقه وضمه إلى صدره وقبل ما بين عينيه ، ثم سحبه سحباً إلى فراشه وأكب عليه محمد بن علي ( عليه السلام ) يقبله ويُسَارُّه بشئ أفهمه ، ورأيت على شفتي الرضا ( عليه السلام ) زبدا أشد بياضاً من الثلج ، ورأيت أبا جعفر ( عليه السلام ) يلحسه بلسانه ، ثم أدخل يده بين ثوبيه وصدره فاستخرج منه شيئاً شبيهاً بالعصفور ، فابتلعه أبو جعفر ( عليه السلام ) ومضى الرضا ( عليه السلام ) .
فقال أبو جعفر ( عليه السلام ) : قم يا أبا الصلت ، إئتني بالمغتسل والماء من الخزانة ، فقلت : ما في الخزانة مغتسل ولا ماء . وقال لي : ائته إليَّ ما آمرك به . فدخلت الخزانة فإذا فيها مغتسل وماء فأخرجته وشمرت ثيابي لأغسله ، فقال لي : تنح يا أبا الصلت ، فإن لي من يعينني غيرك . فغسله ثم قال لي : أدخل الخزانة فأخرج إليَّ السفط الذي فيه كفنه وحنوطه ، فدخلت فإذا أنا بسفط لم أره في تلك الخزانة قط فحملته إليه . فكفنه وصلى عليه ، ثم قال لي : إئتني بالتابوت ، فقلت : أمضي إلى النجار حتى يصلح التابوت . قال : قم فإن في الخزانة تابوتاً ، فدخلت الخزانة فوجدت تابوتاً لم أره قط ، فأتيته به ، فأخذ الرضا ( عليه السلام ) بعد ما صلى عليه فوضعه في التابوت ، وصف قدميه وصلى ركعتين لم يفرغ منهما حتى علا التابوت ، وانشق السقف فخرج منه التابوت ومضى .
فقلت : يا بن رسول الله الساعة يجيؤنا المأمون ويطالبنا بالرضا ( عليه السلام ) فما نصنع ؟ فقال لي : أسكت فإنه سيعود . يا أبا الصلت ، ما من نبي يموت بالمشرق ويموت وصيه بالمغرب إلا جمع الله بين أرواحهما وأجسادهما . وما أتم الحديث حتى انشق السقف ونزل التابوت فقام ( عليه السلام ) فاستخرج الرضا ( عليه السلام ) من التابوت ووضعه على فراشه كأنه لم يغسل ولم يكفن ، ثم قال لي : يا أبا الصلت ، قم فافتح الباب للمأمون ففتحت الباب ، فإذا المأمون والغلمان بالباب ، فدخل باكياً حزيناً قد شق جيبه ولطم رأسه ، وهو يقول : يا سيداه فُجِعْتُ بك يا سيدي ! ثم دخل فجلس عند رأسه وقال : خذوا في تجهيزه ، فأمر بحفر القبر فحفرتُ الموضع فظهر كل شئ على ما وصفه الرضا ( عليه السلام ) ، فقال له بعض جلسائه : ألست تزعم إنه إمام ؟ فقال : بلى لا يكون الإمام إلا مقدم الناس ، فأمر أن يحفر له في القبلة فقلت له : أمرني أن يحفر له سبع مراقي وأن أشق له ضريحه ، فقال : انتهوا إلى ما يأمر به أبو الصلت سوى الضريح ، ولكن يحفر له ويلحد .
فلما رأى ما ظهر له من النداوة والحيتان وغير ذلك ، قال المأمون : لم يزل الرضا ( عليه السلام ) يرينا عجائبه في حياته ، حتى أراناها بعد وفاته أيضاً .
فقال له وزير كان معه : أتدري ما أخبرك به الرضا ( عليه السلام ) ؟ قال : لا . قال : إنه قد أخبرك إن ملككم يا بني العباس مع كثرتكم وطول مدتكم ، مثل هذه الحيتان حتى إذا فنيت آجالكم وانقطعت آثاركم وذهبت دولتكم ، سلط الله تعالى عليكم رجلاً منا فأفناكم عن آخركم ! قال له : صدقت ، ثم قال لي : يا أبا الصلت علمني الكلام الذي تكلمت به ، قلت : والله لقد نسيت الكلام من ساعتي ، وقد كنت صدقت ، فأمر بحبسي .
ودفن الرضا ( عليه السلام ) فحبست سنة فضاق علي الحبس ، وسهرت الليلة ودعوت الله تبارك وتعالى بدعاء ذكرت فيه محمداً وآل محمد صلوات الله عليهم ، وسألت الله بحقهم أن يفرج عني ، فما استتم دعائي حتى دخل عليَّ أبو جعفر محمد بن علي ( عليهما السلام ) فقال لي : يا أبا الصلت ضاق صدرك ؟ فقلت : أي والله قال : قم فأخرجني ثم ضرب يده إلى القيود التي كانت علي ففكها وأخذ بيدي وأخرجني من الدار والحرسة والغلمان يرونني فلم يستطيعوا أن يكلموني !
وخرجت من باب الدار ، ثم قال لي إمض في ودائع الله ، فإنك لن تصل إليه ولا يصل إليك أبداً ! فقال أبو الصلت : فلم ألتق المأمون إلى هذا الوقت ) .
أقول : هذه رواية أبي الصلت الهروي ( رحمه الله ) في شهادة الإمام الرضا وحضور الإمام الجواد ( عليهما السلام ) لتجهيزه .
وهناك رواية أخرى تصف حضور الجواد ( عليه السلام ) ، وهي عن عبد الرحمن بن يحيى قال : ( كنت يوماً بين يدي مولاي الرضا ( عليه السلام ) في علته التي مضى فيها . . . ولم أزل بين يدي سيدي إلى أن انفجر عمود الصبح ، فإذا أنا بالمأمون قد أقبل في خلق كثير ، فمنعتني هيبته أن أبدأ بالكلام . فقال : يا عبد الرحمن بن يحيى ما أكذبكم ! ألستم تزعمون أنه ما من إمام يمضي إلا وولده القائم مكانه يلي أمره ! هذا علي بن موسى بخراسان ، ومحمد ابنه بالمدينة .
قال فقلت : يا أمير المؤمنين ! أما إذا ابتدأتني فاسمع ، إنه لما كان أمس قال لي سيدي كذا وكذا ، فوالله ما حضرت صلاة المغرب حتى قضى فدنوت منه . فإذا قائل من خلفي يقول : مه يا عبد الرحمن . . وحدثته الحديث . فقال : صفه لي فوصفته له بحليته ولباسه ، وأريته الحائط الذي خرج منه ، فرمى بنفسه إلى الأرض ، وأقبل يخور كما يخور الثور ، وهو يقول : ويلك يا مأمون ! ما حالك وعلى ما أقدمت ! لعن الله فلاناً وفلاناً ، فإنهما أشارا عليَّ بما فعلت ) .
وروى ابن حمزة ( رحمه الله ) في الثاقب / 517 ، عن محمد بن أبي القاسم ، وعامة أهل المدينة : ( إن الرضا ( عليه السلام ) كتب في أحمال له تحمل إليه من المتاع وغير ذلك ، فلما توجهت وكان يوماً من الأيام أرسل أبو جعفر ( عليه السلام ) رسلاً يردونها ، فلم يُدْرَ لم ذلك ، ثم حُسٍبَ ذلك اليوم في ذلك الشهر ، فوُجد يوم مات فيه الرضا ( عليه السلام ) ) .
( 3 ) مؤتمر علماء الشيعة على أثر وفاة الإمام الرضا ( عليه السلام )
وصفت مصادرنا اجتماعاً في بغداد لعدد من علماء الشيعة وزعمائهم ، بعد وفاة الإمام الرضا ( عليه السلام ) ، للتشاور في إمامة الجواد ( عليه السلام ) ، واتخاذ الموقف اللازم :
قال الطبري الشيعي في دلائل الإمامة / 389 : ( فلما مضى الرضا ( عليه السلام ) وذلك في سنة اثنتين ومائتين ، وسِنُّ أبي جعفر ( عليه السلام ) ستُّ سنين وشهور واختلف الناس في جميع الأمصار ، اجتمع الريان بن الصلت ، وصفوان بن يحيى ، ومحمد بن حكيم ، وعبد الرحمن بن الحجاج ، ويونس بن عبد الرحمن ، وجماعة من وجوه العصابة ، في دار عبد الرحمن بن الحجاج في بركة زلزل ، يبكون ويتوجعون من المصيبة ، فقال لهم يونس : دعوا البكاء مَن لهذا الأمر يفتي بالمسائل إلى أن يكبر هذا الصبي يعني أبا جعفر ( عليه السلام ) ، وكان له ست سنين وشهور ، ثم قال : أنا ومَن مثلي !
فقام إليه الريان بن الصلت فوضع يده في حلقه ، ولم يزل يلطم وجهه ويضرب رأسه ، ثم قال له : يا ابن الفاعلة ، إن كان الأمر من الله جل وعلا ، فابن يومين مثل ابن مائة سنة ، وإن لم يكن من عند الله ، فلو عَمَّر الواحد من الناس خمسة آلاف سنة ما كان يأتي بمثل ما يأتي به السادة ( عليهم السلام ) أو ببعضه . أوَهَذا مما ينبغي أن ينظر فيه ؟ وأقبلت العصابة على يونس تَعْذله !
وقَرُبَ الحج ، واجتمع من فقهاء بغداد والأمصار وعلماؤهم ثمانون رجلاً ، وخرجوا إلى المدينة ، وأتوا دار أبي عبد الله ( عليه السلام ) فدخلوها ، وبُسط لهم بساط أحمر وخرج إليهم عبد الله بن موسى ، فجلس في صدر المجلس ، وقام مناد فنادى :
هذا ابن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فمن أراد السؤال فليسأل . فقام إليه رجل من القوم فقال له : ما تقول في رجل قال لامرأته : أنت طالق عدد نجوم السماء ؟ قال : طلقت ثلاثاً دون الجوزاء ! فورد على الشيعة ما زاد في غمهم وحزنهم .
ثم قام إليه رجل آخر فقال : ما تقول في رجل أتى بهيمة ؟ قال : تقطع يده ، ويجلد مائة جلدة وينفى . فضج الناس بالبكاء .
وكان قد اجتمع فقهاء الأمصار ، فهم في ذلك إذ فتح باب من صدر المجلس ، وخرج موفق ( الخادم ) ثم خرج أبو جعفر ( عليه السلام ) وعليه قميصان وإزار وعمامة بذؤابتين ، إحداهما من قدام ، والأخرى من خلف ، ونعل بقبالين ، فجلس وأمسك الناس كلهم ، ثم قام إليه صاحب المسألة الأولى ، فقال :
يا ابن رسول الله ، ما تقول فيمن قال لامرأته : أنت طالق عدد نجوم السماء ؟ فقال له : يا هذا ، إقرأ كتاب الله ، قال الله تبارك وتعالى : الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ . . في الثالثة . قال : فإن عمك أفتاني بكَيْتَ وكيْت . فقال له : يا عم ، إتق الله ، ولا تفت وفي الأمة من هو أعلم منك .
فقام إليه صاحب المسألة الثانية ، فقال له : يا ابن رسول الله ، ما تقول في رجل أتى بهيمة ؟ فقال : يعزر ويحمى ظهر البهيمة ، وتخرج من البلد ، لا يبقى على الرجل عارها . فقال : إن عمك أفتاني بكيت وكيت . فالتفت وقال بأعلى صوته : لا إله إلا الله ، يا عبد الله إنه عظيم عند الله أن تقف غداً بين يدي الله فيقول لك :
لم أفتيت عبادي بما لا تعلم ، وفي الأمة من هو أعلم منك ! فقال له عبد الله بن موسى : رأيت أخي الرضا ( عليه السلام ) وقد أجاب في هذه المسألة بهذا الجواب .
فقال له أبو جعفر ( عليه السلام ) : إنما سئل الرضا ( عليه السلام ) عن نباش نبش قبر امرأة ففجر بها ، وأخذ ثيابها ، فأمر بقطعه للسرقة ، وجلده للزنا ، ونفيه للمثلة . ففرح القوم ) .
ورواه الحسين بن عبد الوهاب في عيون المعجزات / 109 ، مع فروقات ، فليس فيه شتم الريان ليونس بن عبد الرحمن ، وفيه : ( وكان وقت الموسم فاجتمع من فقهاء بغداد والأمصار وعلمائهم ثمانون رجلاً ، فخرجوا إلى الحج وقصدوا المدينة ليشاهدوا أبا جعفر ( عليه السلام ) فلما وافوا أتوا دار أبي جعفر الصادق لأنها كانت فارغة . . فدخل ( عليه السلام ) وعليه قميصان وعمامة بذؤابتين وفي رجليه نعلان . وأمسك الناس كلهم فقام صاحب المسألة فسأله عن مسائله فأجاب عنها بالحق ففرحوا . . . وكان إسحاق بن إسماعيل ممن حج في جملتهم في تلك السنة قال إسحاق : فأعددت له في رقعة عشر مسائل ، وكان لي حمل فقلت في نفسي : إن أجابني عن مسائلي سألته أن يدعو الله أن يجعله ذكراً ، فلما ألح عليه الناس بالمسائل وكان يفتي بالواجب ، فقمت لأخفف والرقعة معي لأساله في غد عن مسائلي ، فلما نظر إليَّ قال : يا إسحاق قد استجاب الله دعائي فسمه أحمد ، فقلت : الحمد لله هذا هو الحجة البالغة ، وانصرف إلى بلده فولد له ذكرٌ فسماه أحمد ) .
( 4 ) ملاحظات على هذه الروايات
1 . نلاحظ أن الشيعة في ذلك الوقت وجودٌ وازنٌ في بغداد ، وقد بينا ذلك في سيرة الإمام الكاظم ( عليه السلام ) . وعبد الرحمن بن الحجاج البجلي الذي اجتمعوا في داره ، من كبار علماء الشيعة البغداديين ، وهو من أصحاب الأئمة الصادق والكاظم والرضا ( عليهم السلام ) ، وشهد له الإمام الكاظم ( عليه السلام ) بالجنة .
2 . قال الحموي في معجم البلدان ( 1 / 402 ) : ( بركة زلزل : ببغداد بين الكرخ والسراة وباب المحول وسويقة أبي الورد . . وكان غلاماً لعيسى بن جعفر بن المنصور ، وكان في موضع البركة قرية يقال لها سال بقباء ، إلى قصر الوضاح ، فحفر هناك بركة ووقفها على المسلمين ، ونسبت المحلة بأسرها إليه ، فقال نفطويه النحوي في ذلك :
لوَ أن زهيراً وامرأ القيس أبصرا * مَلاحة ما تحويه بركة زلزلِ
لما وصفا سلمى ولا أمَّ جُنْدُبٍ * ولا أكثرا ذكر الدَّخُول وحَوْمَلِ )
3 . الريان بن الصلت ، ويونس بن عبد الرحمن ، كلاهما من كبار أصحاب الأئمة ( عليهم السلام ) ، والكلام الذي نسبته الرواية إلى يونس لا يتفق مع عقيدته الثابتة في إمامة الأئمة ( عليه السلام ) ولا مع جلالة قدره ، فقد أرشد الإمام الرضا ( عليه السلام ) أحدهم أن يأخذ منه معالم دينه . وكذا الشتم الذي نسبته إلى الريان لا يتناسب مع جلالته وشهادة علمائنا في حقه ومدح الأئمة ( عليهم السلام ) له .
فيحتمل أن الراوي اختلط عليه الاسم ، أو بالغ في نقل القصة ، أو أن يونس طرح تساؤله في المجلس لمن يرجعون حتى يكبر الإمام الجواد ( عليه السلام ) لأنه يوجد في المجلس من عنده هذا السؤال ، وهو يعلم أن كبار علماء الطائفة سيجيبونه ويستنكرون هذا الكلام .
4 . ردَّ السيد الخوئي في معجمه ( 21 / 226 ) هذه الرواية بحجة أنها مرسلة وبحجة عدم صحة ما نسبته إلى يونس بن عبد الرحمن ( رحمه الله ) فقال : ( هذه الرواية أولاً مرسلة غير قابلة للاعتماد عليها ، على أنها معلومة الكذب وذلك فإن يونس بن عبد الرحمن كان من المشاهير ، فلو أنه تكلم بمثل هذا الكلام في جماعة من وجوه الشيعة وثقاتهم ، لشاع الخبر وذاع ) .
أقول : الرواية ليست مرسلة فقد رواها الطبري في دلائل الإمامة بنفس سند الرواية التي قبلها وهو : ( حدثني أبو المفضل محمد بن عبد الله قال : حدثني أبو النجم بدر بن عمار الطبرستاني قال : حدثني أبو جعفر محمد بن علي قال : روى محمد بن المحمودي ، عن أبيه ، قال . . ) . ورواها في عيون المعجزات كما تقدم ، وتلقاها المفيد بالقبول .
مضافاً إلى أن هذا الإشكال في الرواية لايسقطها من الاعتبار ، لما بيناه .
( 5 ) توافد علماء الشيعة إلى المدينة
مضافاً إلى وفد الشيعة من العراق لرؤية الإمام الجواد ( عليه السلام ) ، فقد توافد علماء ووجهاء من بلاد أخرى إلى المدينة المنورة لمشاهدته ( عليه السلام ) ، وقصدوا قرية صِرْيَا التي هي مزرعة للإمام الكاظم ( عليه السلام ) في ضاحية المدينة .
ففي مناقب آل أبي طالب ( 3 / 489 ) : ( لما مضى الرضا ( عليه السلام ) جاء محمد بن جمهور القمي ، والحسن بن راشد ، وعلي بن مدرك ، وعلي بن مهزيار ، وخلق كثير من سائر البلدان إلى المدينة ، وسألوا عن الخلف بعد الرضا فقالوا : بِصِرْيَا وهي قرية أسسها موسى بن جعفر ( عليه السلام ) على ثلاثة أميال من المدينة ، فجئنا ودخلنا القصر فإذا الناس فيه متكابسون ( مزدحمون ) فجلسنا معهم ، إذ خرج علينا عبد الله بن موسى وهو شيخ فقال الناس : هذا صاحبنا ، فقال الفقهاء : قد روينا عن أبي جعفر وأبي عبد الله ( عليهما السلام ) أنه لا تجتمع الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين ( عليهما السلام ) وليس هذا صاحبنا ، فجاء حتى جلس في صدر المجلس فقال رجل : ما تقول أعزك الله في رجل طلق امرأته عدد نجوم السماء ؟ قال : بانت منه بصدر الجوزاء والنسر الطائر والنسر الواقع !
فتحيرنا في جرأته على الخطأ ، إذ خرج علينا أبو جعفر وهو ابن ثمان سنين ، فقمنا إليه فسلم على الناس ، وقام عبد الله بن موسى من مجلسه فجلس بين يديه ، وجلس أبو جعفر في صدر المجلس ثم قال : سلوا رحمكم الله ، فقام إليه الرجل الأول وقال : ما تقول أصلحك الله في رجل أتى حمارة ؟ قال : يضرب دون الحد ويغرم ثمنها ويحرم ظهرها ونتاجها ، وتخرج إلى البرية حتى تأتي عليها منيتها سبع أكلها ذئب أكلها ، ثم قال بعد كلام : يا هذا ذاك الرجل ينبش عن مَيِّتة فيسرق كفنها ويفجر بها ، يوجب عليه القطع بالسرق والحد بالزنا والنفي ، إذا كان عزباً ، فلو كان محصناً لوجب عليه القتل والرجم . فقال الرجل الثاني : يا ابن رسول الله ، ما تقول في رجل طلق امرأته عدد نجوم السماء ؟ قال : تقرأ القرآن ؟ قال : نعم . قال : إقرأ سورة الطلاق إلى قوله : وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ للَّهِ . يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِى لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا . فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَىْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ للَّهِ . يا هذا لاطلاق إلا بخمس : شهادة شاهدين عدلين ، في طهر ، من غير جماع ، بإرادة عزم ، ثم قال بعد كلام : يا هذا هل ترى في القرآن عدد نجوم السماء ؟ قال : لا . . الخبر ) .
ولم نجد تكملة الخبر لكنه غنيٌّ بالدلالة على تَثَبُّت الشيعة وإجماعهم على إمامة الإمام الجواد صلوات الله عليه ، لعلمه ومعجزاته ، على صغر سنه .
|
|
أكبر مسؤول طبي بريطاني: لهذا السبب يعيش الأطفال حياة أقصر
|
|
|
|
|
طريقة مبتكرة لمكافحة الفيروسات المهددة للبشرية
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تناقش تحضيراتها لإطلاق مؤتمرها العلمي الدولي السادس
|
|
|