أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-05-2015
3696
التاريخ: 2023-03-27
1778
التاريخ: 21-05-2015
4331
التاريخ: 2023-02-21
3426
|
( 1 ) كيف يعيش المعصوم ( عليه السلام ) العبودية لله تعالى
1 . تختلف عبودية المعصوم لربه عز وجل عن عبوديتنا ، في نوعها ، وشمولها ، ودوامها . فيقين المعصوم بالله تعالى وشعوره به ، أقوى من شعورنا ، لأنه يملك طاقة لا نملكها ، ويكفي منها الروح القدس الذي يرافقه .
ففي بصائر الدرجات / 475 ، قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( في الأنبياء والأوصياء خمسة أرواح : روح البدن ، وروح القدس ، وروح القوة ، وروح الشهوة ، وروح الإيمان . . . وروح القدس من سكن فيه فإنه لا يعمل بكبيرة أبداً ) .
وفي الكافي ( 1 / 272 ) : ( فإذا قبض النبي ( صلى الله عليه وآله ) انتقل روح القدس فصار إلى الإمام ، وروح القدس لا ينام ولا يغفل ولا يلهو ولا يزهو ، والأربعة الأرواح تنام وتغفل وتزهو وتلهو . وروح القدس كان يرى به ) .
تأمل في قوله ( عليه السلام ) : ( وروح القدس كان يرى به ) فهو يدل على أن قدرة المعصوم على رؤية الواقع والأمور أعلى من قدراتنا ، ولذلك يختلف جوه وعالمه عن جونا وعالمنا .
فكلمة ( الله ) تعني عنده حقائق أكثر وأقوى مما تعنيه عند أحدنا .
وعبوديته لله عز وجل ، تعني عنده سلوكية أعمق وأوسع مما تعنيه عند أحدنا .
وكذلك الآخرة ، والحساب ، والجنة ، والنار . .
وكذلك الإنسان ، والمجتمع ، والقيم والعدالة ، والمساواة . .
وكذلك الأشياء ، كل الأشياء صغيرها وكبيرها ، يراها على واقعها ، وبأحجامها . .
ولا فرق في هذا المستوى الراقي في المعصوم ، بين أن يكون كبير السن أو صغيراً .
ففي إثبات الإمامة / 221 ، في وصف انتقال الروح القدس إلى الإمام المعصوم ( عليه السلام ) : ( بينا أبو الحسن ( عليه السلام ) جالس مع مؤدِّب له يكنى أبا زكريا ، وأبو جعفر عندنا إنه ببغداد وأبو الحسن يقرأ من اللوح إلى مؤدبه ، إذ بكى بكاء شديداً فسأله المؤدب : ممَّ بكاؤك ؟ فلم يجبه . فقال : إئذن لي بالدخول فأذن له ، فارتفع الصِّياح والبكاء من منزله ، ثم خرج إلينا فسألنا عن البكاء ، فقال : إن أبي قد توفي الساعة ! فقلنا : بما علمت ؟ قال : دخلني من إجلال الله ما لم أكن أعرفه قبل ذلك ، فعلمت أنه قد مضى ) .
وفي الإمامة والتبصرة / 85 : ( قال : دخلني من إجلال الله وعظمته شئ لم أعهده ) .
وفي الكافي ( 1 / 381 ) : ( قال : لأنه تداخلني ذلة لله ، لم أكن أعرفها ) .
2 . توجد قواعد وأصول لتعامل المعصوم مع ربه ، تتناسب مع عظمة الله تعالى ، ومع عبودية المعصوم ( عليه السلام ) وخضوعه وأدبه مع الله تعالى .
نعرف ذلك من كلام الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) عندما أمر شخصاً فاشترى سمكتين فوجد في جوفهما لؤلؤتين ثمينتين : ( وباع الرجل اللؤلؤتين بمال عظيم قضى منه دينه ، وحسنت بعد ذلك حاله ، فقال بعض المخالفين : ما أشد هذا التفاوت ! بينا علي بن الحسين لا يقدر أن يسد منه فاقة إذْ أغناه هذا الغناء العظيم ! كيف يكون هذا وكيف يعجز عن سد الفاقة من يقدر على هذا الغناء العظيم !
فقال علي بن الحسين ( عليه السلام ) : هكذا قالت قريش للنبي ( صلى الله عليه وآله ) : كيف يمضي إلى بيت المقدس ويشاهد ما فيه من آثار الأنبياء ( عليهم السلام ) من مكة ويرجع إليها في ليلة واحدة ، من لا يقدر أن يبلغ من مكة إلى المدينة إلا في اثني عشر يوماً ! وذلك حين هاجر منها . ثم قال ( عليه السلام ) : جهلوا والله أمر الله وأمر أوليائه معه ! إن المراتب الرفيعة لا تنال إلا بالتسليم لله جل ثناؤه ، وترك الاقتراح عليه ، والرضا بما يدبرهم به . إن أولياء الله صبروا على المحن والمكاره صبراً لمَّا يساوهم فيه غيرهم ، فجازاهم الله عز وجل عن ذلك بأن أوجب لهم نجح جميع طلباتهم ، لكنهم مع ذلك لا يريدون منه إلا ما يريده لهم ) ! ( أمالي الصدوق / 539 ) .
فهم يتحملون في طاعة ربهم أكثر من غيرهم ، ولا يقترحون على ربهم شيئاً ، بل يعيشون بالأسباب الطبيعية الظاهرية ، فيجزيهم ربهم على ذلك بأن لا يرد لهم طلباً ، ولكن طلبهم من ربهم له أصول وقواعد ، وليس كيفياً ، كما يتصور بعض الناس .
3 . بسبب هذه الألطاف الربانية الخاصة يعيش المعصوم جواً راقياً ولا يتنازل عنه وقد حاول الخلفاء أن يجروا الأئمة ( عليهم السلام ) ليخرجوا من جوهم الرباني إلى أجواء أهل الدنيا المادية ، فعجزوا ، وظهرت آيتهم . وقد تقدمت محاولة المأمون أن يخرج الإمام الجواد ( عليه السلام ) من جوه إلى جو الطرب والرقص والغناء !
قال محمد بن الريان ابن خال المعتصم : ( احتال المأمون على أبي جعفر بكل حيلة فلم يمكنه فيه شئ ، فلما اعتل وأراد أن يبنى عليه ابنته ، دفع إلى مائتي وصيفة من أجمل ما يكون ، إلى كل واحدة منهن جاماً فيه جوهر يستقبلن أبا جعفر ( عليه السلام ) إذا قعد في موضع الأخيار ، فلم يلتفت إليهن ! وكان رجل يقال له مخارق ، صاحب صوت وعود وضرب ، طويل اللحية ، فدعاه المأمون فقال : يا أمير المؤمنين إن كان في شئ من أمر الدنيا فأنا أكفيك أمره ، فقعد بين يدي أبي جعفر ( عليه السلام ) ، فشهق مخارق شهقةً اجتمع عليه أهل الدار ، وجعل يضرب بعوده ويغني ، فلما فعل ساعة ، وإذا أبو جعفر لا يلتفت إليه لا يميناً ولا شمالاً ، ثم رفع إليه رأسه وقال : إتق الله يا ذا العثنون ( وصف للحيته ) قال : فسقط المضراب من يده والعود ، فلم ينتفع بيديه إلى أن مات ! قال : فسأله المأمون عن حاله قال : لما صاح بي أبو جعفر فزعت فزعةً لا أفيق منها أبداً ) . ( الكافي : 1 / 495 )
وقد حاول قبله أبو هارون أن يجر جده الإمام الكاظم ( عليه السلام ) إلى أجوائه ، ففشل .
قال في مناقب آل أبي طالب : 3 / 415 : ( في كتاب الأنوار ، قال العامري : إن هارون الرشيد أنفذ إلى موسى بن جعفر جارية حصيفة لها جمال ووضاءة ، لتخدمه في السجن ، فقال ( عليه السلام ) : قل له : بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ، لا حاجة لي في هذه ولا في أمثالها ! قال : فاستطار هارون غضباً ، وقال : إرجع إليه وقل له : ليس برضاك حبسناك ، ولا برضاك أخدمناك ، واترك الجارية عنده وانصرف !
قال فمضى ورجع ، ثم قام هارون عن مجلسه ، وأنفذ الخادم إليه ليتفحص عن حالها فرآها ساجدة لربها لا ترفع رأسها تقول : قدوس سبحانك سبحانك ! فقال هارون : سحرها والله موسى بن جعفر بسحره ! عليَّ بها ، فأتيَ بها وهي ترتعد شاخصة نحو السماء بصرها ، فقال : ما شأنك ؟ قالت : شأني الشأن البديع إني كنت عنده واقفة وهو قائم يصلي ليله ونهاره ، فلما انصرف من صلاته بوجهه وهو يسبح الله ويقدسه قلت : يا سيدي هل لك حاجة أعطيكها ؟ قال : وما حاجتي إليك ! قلت : إني أدخلت عليك لحوائجك ، قال : فما بال هؤلاء ! قالت : فالتفتُّ فإذا روضةٌ مزهرة لا أبلغ آخرها من أولها بنظري ، ولا أولها من آخرها ، فيها مجالس مفروشة بالوشي والديباج ، وعليها وصفاء ووصايف ، لم أر مثل وجوههم حسناً ولا مثل لباسهم لباساً ، عليهم الحرير الأخضر والأكاليل والدر والياقوت ، وفي أيديهم الأباريق والمناديل ، ومن كل الطعام ! فخررت ساجدة حتى أقامني هذا الخادم ، فرأيت نفسي حيث كنت !
قال فقال هارون : يا خبيثة لعلك سجدت فنمت فرأيت هذا في منامك ! قالت : لا والله يا سيدي إلا قبل سجودي رأيت ، فسجدت من أجل ذلك ! فقال الرشيد : إقبض هذه الخبيثة إليك ، فلا يسمع هذا منها أحد !
فأقبلت في الصلاة فإذا قيل لها في ذلك قالت : هكذا رأيت العبد الصالح .
فسُئِلَتْ عن قولها ؟ قالت : إني لما عاينت من الأمر نادتني الجواري : يا فلانة إبعدي عن العبد الصالح حتى ندخل عليه ، فنحن له دونك ! فما زالت كذلك حتى ماتت ! وذلك قبل موت موسى ( عليه السلام ) بأيام يسيرة ) !
أقول : إذا كان المشهد الذي رأته تلك الجارية قد لازمها وغيَّر حياتها ، فعاشت بقية عمرها في تقديس الله تعالى والشوق إلى الخلود في جنته . . فكيف بالإمام الكاظم ( عليه السلام ) الذي يعيش بالروح القدس ، في ذلك الجو ، وفيما هو أرقى منه وأرقى !
4 . كان الخلفاء يعرفون تميز المعصومين ( عليه السلام ) بالعلم الرباني وأنهم حجج الله تعالى على الناس . ولهذا كانوا يحسدونهم ويحقدون عليهم ، لأن معناه أن منصب خلافة النبي ( صلى الله عليه وآله ) لهم ، وغيرهم غاصب له !
قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) ( الكافي : 1 / 186 ) : ( نحن قوم فرض الله عز وجل طاعتنا ، لنا الأنفال ولنا صفوا المال . ونحن الراسخون في العلم ، ونحن المحسودون الذين قال الله : أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا ) .
ولاحظ هذا الحوار بين الإمام الرضا ( عليه السلام ) والمأمون ، الذي رواه الثقة أبو الصلت الهروي . قال كما في عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) ( 2 / 151 ) : ( إن المأمون قال للرضا ( عليه السلام ) : يا ابن رسول الله قد عرفت علمك وفضلك وزهدك وورعك وعبادتك ، وأراك أحق بالخلافة مني . فقال الرضا ( عليه السلام ) : بالعبودية لله عز وجل أفتخر ، وبالزهد في الدنيا أرجو النجاة من شر الدنيا ، وبالورع عن المحارم أرجو الفوز بالمغانم ، وبالتواضع في الدنيا أرجو الرفعة عند الله عز وجل . فقال له المأمون : فإني قد رأيت أن أعزل نفسي عن الخلافة ، وأجعلها لك وأبايعك . فقال له الرضا ( عليه السلام ) : إن كانت هذه الخلافة لك والله جعلها لك ، فلا يجوز لك أن تخلع لباساً ألبسك الله وتجعله لغيرك ، وإن كانت الخلافة ليست لك فلا يجوز لك أن تجعل لي ما ليس لك .
فقال له المأمون : يا ابن رسول الله ، فلا بد لك من قبول هذا الأمر . فقال : لست أفعل ذلك طائعاً أبداً . فما زال يجهد به أياماً حتى يئس من قبوله فقال له : فإن لم تقبل الخلافة ولم تجب مبايعتي لك ، فكن ولي عهدي له تكون الخلافة بعدي .
فقال الرضا ( عليه السلام ) : والله لقد حدثني أبي عن آبائه عن أمير المؤمنين ( عليهم السلام ) عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أني أخرج من الدنيا قبلك مسموماً مقتولاً بالسم مظلوماً ، تبكي عليَّ ملائكة السماء وملائكة الأرض ، وأدفن في أرض غربة ، إلى جنب هارون الرشيد ! فبكى المأمون ، ثم قال له : يا ابن رسول الله ومن الذي يقتلك أو يقدر على الإساءة إليك وأنا حي ؟ فقال الرضا ( عليه السلام ) : أما إني لو أشاء أن أقول لقلت من يقتلني ؟ فقال المأمون : يا ابن رسول الله ، إنما تريد بقولك هذا التخفيف عن نفسك ودفع هذا الأمر عنك ، ليقول الناس إنك زاهد في الدنيا ! فقال الرضا ( عليه السلام ) : والله ما كذبت منذ خلقني ربي عز وجل ، وما زهدت في الدنيا للدنيا ، وإني لأعلم ما تريد .
فقال المأمون : وما أريد ؟ قال : الأمان على الصدق ؟ قال : لك الأمان ؟ قال : تريد بذلك أن يقول الناس إن علي بن موسى الرضا لم يزهد في الدنيا ، بل زهدت الدنيا فيه ، ألا ترون كيف قبل ولاية العهد طمعاً في الخلافة ؟
فغضب المأمون : ثم قال إنك تتلقاني أبداً بما أكرهه ، وقد أمنت سطوتي . فبالله أقسم لئن قبلت ولاية العهد وإلا أجبرتك على ذلك ، فإن فعلت وإلا ضربت عنقك ! فقال الرضا ( عليه السلام ) : قد نهاني الله تعالى أن ألقي بيدي التهلكة ، فإن كان الأمر على هذا فافعل ما بدا لك ، وأنا أقبل على أني لا أولي أحداً ولا أعزل أحداً ولا أنقض رسماً ولا سنة ، وأكون في الأمر من بعيد مشيراً . فرضي منه بذلك وجعله ولي عهده على كراهة منه ( عليه السلام ) بذلك ) .
أقول : لاحظ أن المأمون اعترف بأن الرضا ( عليه السلام ) أحق بالخلافة ، فعرض عليه أن يعزل نفسه ويبايعه ، كما زعم . وهو غير صادق فلو قبل معه لما فعل !
لكن الإمام خصمه فقال له : هل تعطيني ما هو لك ، أو ما هو لي ؟ فلم يجبه !
ثم قال المأمون : إذن إقبل ولاية العهد . فقال الإمام إن هدفك من ذلك أن تظهر أني أطمع في الخلافة ! هنا غضب المأمون وتنمرد ونسي اعترافه للإمام الرضا ( عليه السلام ) بأنه أفضل منه وأحق بالخلافة ، وهدده بالقتل إن لم يقبل ولاية العهد !
فأخبره الإمام بنيته وهدفه ، فنيته أن يهدد بني العباس بنقل الخلافة عنهم ، فإن خضعوا له قتل الإمام الرضا ( عليه السلام ) وأعاد ولاية العهد إلى العباسيين ، وقد فعل المأمون ذلك وجعلها لابنه العباس ، لكن أخاه المعتصم قتله وأخذها !
ومقابل أسلوب المأمون الملفف ، نجد أسلوب المعتصم الصريح في قراره قتل الإمام الجواد ( عليه السلام ) حتى لا يتسع جمهوره ويثور عليه !
وقد ثبت أن المأمون كان يعتقد أن بيت علي ( عليه السلام ) خصه الله بالعلم والكرامة ، وجعل منه أئمة علماء ربانيين ، لا يحتاجون إلى معلم ، وأن صغارهم كبار .
وكان يستدل على ذلك بأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لم يدعُ صبياً إلى الإسلام ودعا علياً ، ولم يبايع صبياً على الإسلام وبايع الحسن والحسين ( عليهم السلام ) . ويستدل بعلم الإمام الجواد على صغر سنه وكراماته ، وقد تحدى به العباسيين ونجح في تحديه ، وأفحمهم .
وكان المعتصم معجباً بالإمام الجواد ( عليه السلام ) ، وكان يدعوه إلى مجلسه الذي يعقده لمشاورة الفقهاء ويأخذ برأيه . فقد أخذ بحكمه في الحرابة ، عندما قطع اللصوص طريق خانقين . ثم أخذ بحمه في قطع يد السارق من أصول الأصابع الأربعة ما عدا الإبهام ، وليس من الزند ، وأعجبه دليله وحجته على الفقهاء ، وأمر بأن ينفذ رأيه .
هنا ثارت ثائرة قاضي القضاة أحمد بن أبي دؤاد ، وفار مرجل الحقد في صدره حتى تمنى الموت ! قال كما تقدم من رواية العياشي ( 1 / 319 ) : ( وددت اليوم أني قد مِتُّ منذ عشرين سنة ! قال قلت له : ولم ذاك ؟ قال : لما كان من هذا الأسود أبا جعفر محمد بن علي بن موسى اليوم ، بين يدي أمير المؤمنين المعتصم ) !
ثم نقل ابن أبي دؤاد مباحثة الفقهاء مع الإمام الجواد ( عليه السلام ) وغلبته لهم ! ثم قال : ( فأعجب المعتصم ذلك ، وأمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع ، دون الكف . قال ابن أبي داود : قامت قيامتي وتمنيت أني لم أك حياً ! قال زرقان : إن ابن أبي داود قال : صرت إلى المعتصم بعد ثالثة فقلت : إن نصيحة أمير المؤمنين عليَّ واجبة ، وأنا أكلمه بما أعلم أني أدخل به النار ! قال : وما هو ؟ قلت : إذا جمع أمير المؤمنين من مجلسه فقهاء رعيته وعلماءهم لأمر واقع من أمور الدين ، فسألهم عن الحكم فيه ، فأخبروه بما عندهم من الحكم في ذلك ، وقد حضر المجلس أهل بيته وقواده ووزرائه وكتابه ، وقد تسامع الناس بذلك من وراء بابه ثم يترك أقاويلهم كلهم لقول رجل يقول شطر هذه الأمة بإمامته ، ويدعون أنه أولى منه بمقامه ، ثم يحكم بحكمه دون حكم الفقهاء ؟ ! قال : فتغير لونه ، وانتبه لما نبهته له وقال : جزاك الله عن نصيحتك خيراً ) !
لقد قرر القاضي أن يحرك وتر الخلافة للمعتصم ، فتغير المعتصم من معجب بالإمام الجواد ( عليه السلام ) يصدر المراسيم بالعمل بفتواه ، إلى عدو قرر أن يقتله !
وقد شهد قاضي القضاة على نفسه بأنه نصح المعتصم بقتل الإمام ( عليه السلام ) وهو يعلم أنه يدخل بذلك النار ويقتل إماماً ربانياً ! لكنه يقبل بدخول النار ليطفئ أتُون حقده !
أما الإمام الجواد ( عليه السلام ) فكان يعرف ذلك ، ويعيش في جوه الروحاني مسلِّماً لأمر الله .
( لما خرج أبو جعفر ( عليه السلام ) من المدينة إلى بغداد في الدفعة الأولى من خرجتيه ، قلت له عند خروجه : جعلت فداك إني أخاف عليك في هذا الوجه ، فإلى من الأمر بعدك ؟ فكرَّ بوجهه إلي ضاحكاً وقال : ليس الغيبة حيث ظننت في هذه السنة .
فلما أخرج به الثانية إلى المعتصم صرت إليه فقلت له : جعلت فداك أنت خارج فإلى من هذا الأمر من بعدك ؟ فبكى حتى اخضلت لحيته ، ثم التفت إليَّ فقال : عند هذه يخاف عليَّ ، الأمر من بعدي إلى ابني علي ) . ( الكافي : 1 / 323 ) .
كان يعرف ما يريد منه المعتصم ، فقد تغير عليه بما أوحاه اليه شيطانه القاضي ! ولن ينفع معه تطمين الإمام له بأنه لن يثور عليه ، لأنه يتصور أن الإمام مثله يرجع عن كلامه ، فإذا اتسع جمهوره ثار عليه !
كانت الأبواب مفتوحة أمام الإمام ( عليه السلام ) أن يُدهن مع الخليفة وقاضيه فيُدهنا معه ، لكنه يعيش في عالم أرقى ، وفي جو روحاني لا يسمح له بأن يخالف ربه عز وجل .
( 2 ) أنواع عبادة الناس لله تعالى
عبادة العابدين لله تعالى أنواعٌ عديدة ، ودرجاتٌ متفاوتة ، في دوافعها ، وفي أجوائها التي يعيشها العابد ، وفي مستويات العابدين الذهنية والعقلية ، ومدى وعيهم وجهلهم .
وأرقاها كما عرفت عبادة المعصوم ( عليه السلام ) ، وأدناها عبادة غير الصادقين ، أي المرائين الذين يعبدون الله من أجل الدنيا ، وهم أهل اللقلقة باللسان ، والطنطنة بالصلاة والأذكار ، وقد ظهر هؤلاء في زمن النبي ( صلى الله عليه وآله ) فحذر المسلمين منهم !
قال الإمام الجواد عن آبائه ( عليهم السلام ) أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : ( لا تنظروا إلى كثرة صلاتهم وصومهم ، وكثرة الحج والمعروف ، وطنطنتهم بالليل . أنظروا إلى صدق الحديث وأداء الأمانة ) . ( أمالي الصدوق / 379 ) .
وبهذا يكون النبي ( صلى الله عليه وآله ) والأئمة ( عليهم السلام ) أكدوا على شرط الصدق والإخلاص في عبادة الله تعالى ، وهم الصادقون بأعلى مراتب الصدق ، وأجمل صوره .
ولذا أمر الله المسلمين أن يكونوا معهم ويقتدوا بهم ويتعلموا منهم الصدق والواقعية فقال تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ .
والصدق صفة في شخصية الإنسان ، يحافظ عليها وينميها ، أو يفرط بها ويضعفها . وأول من ينميها ويحافظ عليها المعصومون صلوات الله عليهم ، ولذلك كان عطاء الله لهم متناسباً مع عمق صدقهم وإخلاصهم ، حتى يمكن القول إن النبي استحق النبوة فصار نبياً ، والإمام استحق الإمامة فصار إماماً .
ولهذا ينبغي لنا عندما ندرس سيرة المعصوم ( عليه السلام ) وننظر إلى عمله بملاحظة تأييد الله له بالروح القدس ، أن نفهم عمله ومستوى صدقه الذي استحق به ذلك التأييد .
( 3 ) برنامج المعصوم ( عليه السلام ) لحياته اليومية
كم هو مفيد أن نجمع من مصادر السيرة البرنامج اليومي الكامل للنبي ( صلى الله عليه وآله ) والمعصومين من أهل بيته الطاهرين ( عليهم السلام ) .
أو نجمع كل ما يتعلق ببرنامجهم اليومي كمجموع ، لأن مشتركاتهم كثيرة ، وهم نور واحد بألوان متعددة ، وعطر رباني لكل منهم عبقه الخاص .
ونذكر فيما يلي بعض النصوص التي تعطينا ضوءً على البرنامج اليومي للمعصومين صلوات الله عليهم ، خاصة الإمام الجواد ( عليه السلام ) .
في الكافي ( 3 / 446 ) عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : ( إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان إذا صلى العشاء الآخرة ، أمر بوضوئه وسواكه يوضع عند رأسه مخمراً ( مغطى ) فيرقد ما شاء الله ، ثم يقوم فيستاك ويتوضأ ، ويصلي أربع ركعات ثم يرقد . ثم يقوم فيستاك ويتوضأ ويصلي أربع ركعات . ثم يرقد حتى إذا كان في وجه الصبح قام فأوتر ثم صلى الركعتين ، ثم قال : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة .
قلت : متى كان يقوم ؟ قال : بعد ثلث الليل . وقال في حديث آخر بعد نصف الليل . وفي رواية أخرى يكون قيامه وركوعه وسجوده سواء ، ويستاك في كل مرة قام من نومه ويقرأ الآيات من آل عمران : إن في خلق السماوات والأرض - إلى قوله إنك لا تخلف الميعاد ) .
وفي مناقب آل أبي طالب ( 3 / 285 ) : ( فلما قتل المختار قتلة الحسين بعث برأس عبيد الله بن زياد ورأس عمر بن سعد مع رسول من قبله إلى زين العابدين ( عليه السلام ) ، وقال لرسوله : إنه يصلي من الليل ، وإذا أصبح وصلى صلاة الغداة هجع ، ثم يقوم فاستأذن عليه ، وضع الرأسين على مائدته ، وقل له : المختار يقرأ عليك السلام ويقول لك : يا ابن رسول الله قد بلغك الله ثارك ، ففعل الرسول ذلك ، فلما رأى زين العابدين الرأسين على مائدته خرَّ ساجداً وقال : الحمد الله الذي أجاب دعوتي ، وبلغني ثاري من قتلة أبي . ودعا للمختار وجَزَّاه خيراً ) .
وأكثر ما نعرف برنامج الإمام الجواد ( عليه السلام ) من أدعيته وصلواته اليومية والأسبوعية والشهرية ، فقد روي عنه قنوتات مطولة في فرائضه ، وتعقيبات بعد الصلاة .
وفي مصباح المتهجد / 523 : ( كان أبو جعفر محمد بن علي ( عليه السلام ) إذا دخل شهر جديد يصلي أول يوم منه ركعتين ، يقرأ في أول ركعة الحمد مرة وقل هو الله أحد لكل يوم إلى آخره ( وفي رواية ثلاثين مرة ) وفي الركعة الأخرى الحمد ، وإنا أنزلناه في ليلة القدر مثل ذلك . ويتصدق بما يتسهل ، يشتري به سلامة ذلك الشهر كله ) .
وفي مصباح المتهجد / 814 : ( وروى الريان بن صلت قال : صام أبو جعفر الثاني ( عليه السلام ) لما كان ببغداد يوم النصف من رجب ، ويوم سبع وعشرين منه ، وصام جميع حشمه ، وأمرنا أن نصلي الصلاة التي هي اثنتا عشرة ركعة . . ) .
وقال القاسم بن حسين النيسابوري : ( رأيت أبا جعفر ( عليه السلام ) عندما وقف بالموقف ، مد يديه جميعاً ، فما زالتا ممدودتين إلى أن أفاض ! فما رأيت أحداً أقدر على ذلك منه ( عليه السلام ) ) . ( إقبال الأعمال : 2 / 73 ) .
وهذه قدرة بدنية وقوة أعصاب عجيبة ، أن يمد يديه إلى الله تعالى نصف نهار !
ودعاه أحد الوزراء في بغداد الإمام الجواد ( عليه السلام ) إلى طعام الغداء : ( فأبى أن يجيبه وقال : قد علمت أني لا أحضر مجالسكم . فقال : إني إنما أدعوك إلى الطعام ، وأحب أن تطأ ثيابي ، وتدخل منزلي فأتبرك بذلك ) . ( تفسير العياشي : 1 / 320 ) .
فهو لايحضر مجالس العباسيين ووزرائهم ، لأنها تتضمن المحرمات ، ولأن أموالها غير طيبة ، ولأنه آيس من التأثير بهم ، ولأن حضوره يضر ببرنامجه اليومي في عبادة ربه .
( 4 ) من أدعية الإمام الجواد ( عليه السلام )
في الكافي ( 2 / 547 ) عن محمد بن الفرج أن الإمام الجواد ( عليه السلام ) كتب اليه وعلمه دعاء النبي ( صلى الله عليه وآله ) بعد الصلاة ، قال : ( كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يقول إذا فرغ من صلاته :
اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت ، وما أسررت وما أعلنت ، وإسرافي على نفسي ، وما أنت أعلم به مني .
اللهم أنت المقدم وأنت المؤخر ، لا إله إلا أنت بعلمك الغيب ، وبقدرتك على الخلق أجمعين ، ما علمتَ الحياة خيراً لي فأحيني ، وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي . اللهم إني أسألك خشيتك في السر والعلانية ، وكلمة الحق في الغضب والرضا والقصد في الفقر والغنى ، وأسألك نعيماً لا ينفد وقرة عين لا تنقطع ، وأسألك الرضا بالقضاء ، وبركة الموت بعد العيش ، وبرد العيش بعد الموت ، من غير ضراء مضرة ، ولا فتنة مضلة .
اللهم زينا بزينة الإيمان ، واجعلنا هداة مهديين ، اللهم اهدنا فيمن هديت ، اللهم إني أسألك عزيمة الرشاد والثبات في الأمر والرشد ، وأسألك شكر نعمتك وحسن عافيتك وأداء حقك . وأسألك يا رب قلباً سليماً ولساناً صادقاً . وأستغفرك لما تعلم ، وأسألك خير ما تعلم ، وأعوذ بك من شر ما تعلم فإنك تعلم ولا نعلم ، وأنت علام الغيوب ) .
وفي الكافي ( 2 / 547 ) : ( عن محمد بن الفرج قال : كتب إلي أبو جعفر ابن الرضا ( عليه السلام ) بهذا الدعاء وعلمنيه وقال : من قال في دبر صلاة الفجر ، لم يلتمس حاجة إلا تيسرت له وكفاه الله ما أهمه :
بسم الله وبالله ، وصلى الله على محمد وآله ، وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد ، فوقاه الله سيئات ما مكروا ، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين ، حسبنا الله ونعم الوكيل ، فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله ، ما شاء الله لا ما شاء الناس ، ما شاء الله وإن كره الناس ، حسبي الرب من المربوبين ، حسبي الخالق من المخلوقين ، حسبي الرازق من المرزوقين حسبي الذي لم يزل حسبي ، حسبي الله الذي لا إله إلا هو ، عليه توكلت وهو رب العرش العظيم .
وقال : إذا انصرفت من صلاة مكتوبة فقل :
رضيت بالله رباً وبمحمد نبياً وبالإسلام ديناً ، وبالقرآن كتاباً ، وبفلان وفلان أئمة . اللهم وليك فلان فاحفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه ، وعن شماله ومن فوقه ومن تحته ، وامدد له في عمره ، واجعله القائم بأمرك والمنتصر لدينك ، وأره ما يحب وما تقر به عينه في نفسه وذريته وفي أهله وماله وفي شيعته وفي عدوه ، وأرهم منه ما يحذرون وأره فيهم ما يحب وتقر به عينه واشف صدورنا وصدور قوم مؤمنين ) .
وفي إقبال الأعمال ( 1 / 76 ) عن عبد العظيم الحسني ، قال : ( صلى أبو جعفر محمد بن علي الرضا ( عليه السلام ) صلاة المغرب في ليلة رأى فيها هلال شهر رمضان ، فلما فرغ من الصلاة ونوى الصيام رفع يديه فقال :
( اللهم يا من يملك التدبير وهو على كل شئ قدير ، يا من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور وتَجِنُّ الضمير وهو اللطيف الخبير .
اللهم اجعلنا ممن نوى فعمل ، ولا تجعلنا ممن شقي فكسل ، ولا ممن هو على غير عمل يتكل . اللهم صحح أبداننا من العلل ، وأعنا على ما افترضت علينا من العمل ، حتى ينقضي عنا شهرك هذا ، وقد أدينا مفروضك فيه علينا ، اللهم أعنا على صيامه ، ووفقنا لقيامه ، ونشطنا فيه للصلاة ، ولا تحجبنا من القراءة ، وسهل لنا فيه إيتاء الزكاة .
اللهم لا تسلط علينا وَصَباً ولا تعباً ، ولا سقماً ولا عطباً . اللهم ارزقنا الإفطار من رزقك الحلال . اللهم سهل لنا فيه ما قسمته من رزقك ، ويسر ما قدرته من أمرك . واجعله حلالاً طيباً نقياً من الآثام ، خالصاً من الآصار والإجرام . اللهم لا تطعمنا إلا طيباً غير خبيث ولا حرام ، واجعل رزقك لنا حلالاً لا يشوبه دنس ولا أسقام ، يا من علمه بالسر كعلمه بالإعلان ، يا متفضلاً على عباده بالإحسان . يا من هو على كل شئ قدير ، وبكل شئ عليم خبير .
ألهمنا ذكرك ، وجنبنا عسرك ، وأنلنا يسرك ، واهدنا للرشاد ، ووفقنا للسداد ، واعصمنا من البلايا ، وصنا من الأوزار والخطايا .
يا من لا يغفر عظيم الذنوب غيره ، ولا يكشف السوء إلا هو ، يا أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين ، صلِّ على محمد وأهل بيته الطيبين ، واجعل صيامنا مقبولاً ، وبالبر والتقوى موصولاً ، وكذلك فاجعل سعينا مشكوراً ، وقيامنا مبروراً ، وقرآننا مرفوعاً ، ودعائنا مسموعاً ، واهدنا للحسنى ، وجنبنا العسرى ، ويسرنا لليسرى ، واعل لنا الدرجات ، وضاعف لنا الحسنات ، واقبل منا الصوم والصلاة ، واسمع منا الدعوات ، واغفر لنا الخطيئات ، وتجاوز عنا السيئات . واجعلنا من العاملين الفائزين ، ولا تجعلنا من المغضوب عليهم ولا الضالين ، حتى ينقضي شهر رمضان عنا ، وقد قبلت فيه صيامنا وقيامنا ، وزكيت فيه أعمالنا ، وغفرت فيه ذنوبنا ، وأجزلت فيه من كل خير نصيبنا ، فإنك الاله المجيب والرب القريب ، وأنت بكل شئ محيط ) .
ونكتفي بهذه النماذج ، وأدعيته كثيرة صلوات الله عليه ، ومضامينها عالية .
( 5 ) حرز الإمام الجواد ( عليه السلام )
في مهج الدعوات / 42 : ( حدثنا عبد العظيم بن عبد الله الحسني ، أن أبا جعفر محمد بن علي الرضا ( عليه السلام ) كتب هذه العوذة لابنه أبي الحسن علي بن محمد ( عليه السلام ) وهو صبي في المهد ، وكان يعوذه بها ، ويأمر أصحابه به :
بسم الله الرحمن الرحيم . لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . اللهم رب الملائكة والروح والنبيين والمرسلين ، وقاهر من في السماوات والأرضين ، وخالق كل شئ ومالكه ، كف عنا بأس أعدائنا ومن أراد بنا سوءً ، من الجن والإنس ، وأعم أبصارهم وقلوبهم ، واجعل بيننا وبينهم حجاباً وحرساً ومدفعاً إنك ربنا . لا حول ولا قوة لنا إلا بالله ، عليه توكلنا وإليه أنبنا وإليه المصير . ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم . ربنا عافنا من كل سوء ، ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها ، ومن شر ما يسكن في الليل والنهار ، ومن شر كل سوء ومن شر كل ذي شر . يا رب العالمين وإله المرسلين صل على محمد وآله أجمعين وأوليائك ، وخص محمداً وآله أجمعين بأتم ذلك ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
بسم الله ، وبالله ، أومن بالله ، وبالله أعوذ ، وبالله أعتصم ، وبالله أستجير ، وبعزة الله ومنعته أمتنع من شياطين الإنس والجن ومن رجلهم وخيلهم وركضهم وعطفهم ورجعتهم وكيدهم وشرهم ، وشر ما يأتون به تحت الليل وتحت النهار ، من البعد والقرب ، ومن شر الغائب والحاضر والشاهد والزائر ، أحياء وأمواتاً أعمى وبصيراً ، ومن شر العامة والخاصة ، ومن شر نفس ووسوستها ، ومن شر الدناهش والحس واللمس واللبس ، ومن عين الجن والإنس . وبالاسم الذي اهتز به عرش بلقيس ، وأعيذ ديني ونفسي وجميع ما تحوطه عنايتي من شر كل صورة وخيال ، أو بياض أو سواد أو تمثال ، أو معاهد أو غير معاهد ، ممن يسكن الهواء والسحاب والظلمات والنور والظل والحرور والبر والبحور والسهل والوعور والخراب والعمران والآكام والآجام والغياض والكنائس والنواويس والفلوات والجبانات ، ومن شر الصادرين والواردين ممن يبدو بالليل وينتشر بالنهار ، وبالعشي والأبكار والغدو والآصال ، والمريبين والأسامرة والأفاثرة ، والفراعنة والأبالسة ، ومن جنودهم وأزواجهم وعشائرهم وقبائلهم ، ومن همزهم ولمزهم ونفثهم ووقاعهم وأخذهم وسحرهم وضربهم وعبثهم ولمحهم واحتيالهم واختلافهم ، ومن شر كل ذي شر من السحرة والغيلان وأم الصبيان ، وما ولدوا وما وردوا ، ومن شر كل ذي شر داخل وخارج ، وعارض ومتعرض ، وساكن ومتحرك ، وضربان عرق وصداع وشقيقة ، وأم ملدم والحمى والمثلثة والربع والغب والنافضة والصالبة والداخلة والخارجة ، ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها ، إنك على صراط مستقيم ) .
وتوجد عدة عوذات وأحراز رويت عن الإمام الجواد ( عليه السلام ) ، أشهرها الحرز المعروف للحفظ ودفع الأعداء ، الذي يكتب على رق غزال ويوضع في قصبة فضة ، وله نسختان مطولة ومختصرة .
وقد رواه في عيون المعجزات / 113 ، وأن الإمام الجواد ( عليه السلام ) كتبه للمأمون بعد أن حاول المأمون قتله فضربه بالسيف وهو سكران ، فلم يؤثر به ! فقال للمأمون :
( أحب أن لا تخرج بالليل فإني لست آمن عليك من هذا الخلق المنكوس وعندي حرز تُحصن به نفسك ، وتحترز من الشرور والبلايا والمكاره والآفات والعاهات ، كما أنقذني الله منك البارحة ، ولو لقيتَ به جيوش الروم أو أكثر أو اجتمع عليك وعلى غلبتك أهل الأرض جميعاً ، ما تهيأ لهم فيك شئ بقدرة الله تعالى وجبروته ، ومن مردة الشياطين الجن والإنس . فإن أحببت بعثت به إليك تحرز به نفسك من جميع ما ذكرته ، وما تحذره . مجرب فوق الحد والمقدار من التجربة . فقال المأمون : تكتب ذلك بخطك وتبعث به إلي لأنتهي فيه إلى ما ذكرته . فقال حباً وكرامة . فقال له المأمون : فداك عمك إن كنت تجد عليَّ شيئاً مما قد صدد مني فاعف واصفح . فقال ( عليه السلام ) : لا أجد شيئاً ولم يكن إلا خيراً ) !
ثم ذكرت الرواية أن المأمون انبهر كيف لم يمت الإمام الجواد ( عليه السلام ) وكيف يعلمه حرزاً ليحفظه من أعدائه ! فعقد المأمون مجلساً وأمر الوزراء والقادة والشخصيات أن يزوروا الإمام الجواد ( عليه السلام ) ووزع عليهم الجوائز . وأن الإمام الجواد ( عليه السلام ) كتب بعد ذلك الحرز وأرسله إلى المأمون وقال لخادمه :
( قل له يصنع له قصبة من فضة ، فإذا أراد شده في عضده الأيمن فيتوضأ وضوء حسناً سابغاً وليصل أربع ركعات يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب ، وسبع مرات آية الكرسي ، وسبع مرات شهد الله ، وسبع مرات والشمس ، وسبع مرات والليل ، وسبع مرات قل هو الله ، ثم يشده على عضده عند النوائب يسلم بحول الله وقوته ، من كل شئ يخافه ويحذره ) .
ومع أن لبس الذهب والفضة محرم ، فقد أفتى فقهاؤنا بجواز لبس حرز الجواد ( عليه السلام ) المكتوب في قصبة فضة ، قال السيد الخوئي في منهاج الصالحين ( 1 / 128 ) : ( لا بأس بما يصنع بيتا للتعويذ من الذهب والفضة كحرز الجواد ( عليه السلام ) وغيره ) .
وفي مهج الدعوات / 38 : ( لما سمع المأمون من أبي جعفر ( عليه السلام ) في أمر هذا الحرز هذه الصفات كلها ، غزا أهل الروم فنصره الله تعالى عليهم ومُنح منهم من المغنم ما شاء الله ، ولم يفارق هذا الحرز عند كل غزاة ومحاربة ، وكان ينصره الله عز وجل بفضله ) .
ثم قال السيد ابن طاووس : فأما ما ينقش على هذه القصبة من فضة غير مغشوشة يا مشهوراً في السماوات يا مشهوراً في الأرضين يا مشهوراً في الدنيا والآخرة جهدت الجبابرة والملوك على إطفاء نورك وإخماد ذكرك ، فأبى الله إلا أن يتم نورك ، ويبوح بذكرك ولو كره المشركون . ورأيت في نسخة : وأبيت إلا أن يتم نورك . . . لعله يعني نورك أيها الاسم الأعظم المكتوب في هذا الحرز بصورة الطلسم . . .
ثم قال : حرز آخر للتقي ( عليه السلام ) بغير تلك الرواية : يا نور ، يا برهان ، يا مبين ، يا منير ، يا رب اكفني الشرور ، وآفات الدهور ، وأسألك النجاة يوم ينفخ في الصور ) .
أقول : وهذه الصيغة الأخيرة لحرز الجواد ( عليه السلام ) هي التي تكتب في ورق مستخرج من جلد الغزال ، وتوضع في قصبة فضة ، وتباع في الأسواق .
|
|
أكبر مسؤول طبي بريطاني: لهذا السبب يعيش الأطفال حياة أقصر
|
|
|
|
|
طريقة مبتكرة لمكافحة الفيروسات المهددة للبشرية
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تناقش تحضيراتها لإطلاق مؤتمرها العلمي الدولي السادس
|
|
|