المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9111 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19

Metronidazole
23-3-2016
أكسدة ثاني أكسيد الكبريت بتفاعلات متجانسة
2023-12-23
ابن شهيد والوزير أحمد بن عباس
13-1-2023
مصادر الاستشعار عن بعد - وسائل غير فوتوغرافية
19-6-2022
Polarizers
27-12-2020
نوفل بن الحارث
2023-03-27


محاصرة قريش لبني هاشم في شعب أبي طالب  
  
362   09:04 صباحاً   التاريخ: 2024-09-15
المؤلف : الشيخ علي الكوراني
الكتاب أو المصدر : السيرة النبوية عند أهل البيت عليهم السلام
الجزء والصفحة : ج1، ص418-436
القسم : سيرة الرسول وآله / النبي الأعظم محمد بن عبد الله / حاله بعد البعثة /

1 . مؤتمر زعماء قريش لإجبار بني هاشم على تسليم النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) )

بعد هلاك المستهزئين الخمسة ، رأى زعماء قريش أن الإسلام أخذ ينتشر في أبنائهم وعبيدهم ، ولم يستطيعوا إيقافه بتهديد النبي ( صلى الله عليه وآله ) وتعذيب من يسلم من المستضعفين ! عندها تنادت بطون قريش إلى مؤتمر في منى ، للاتفاق على مقاطعة بني هاشم مقاطعة تامة ، حتى يُسَلِّموهم محمداً ( صلى الله عليه وآله ) فيقتلوه !

واجتمع معهم قبيلة كنانة ، وكتبوا صحيفة المقاطعة ، وقعها أربعون شيخاً ، وفي رواية اليعقوبي ثمانون شيخاً ، على نفي بني هاشم من مكة ، ومقاطعتهم حتى يسلموهم محمداً ( صلى الله عليه وآله ) ! وتُعرف هذه الوثيقة بالصحيفة الملعونة الأولى ، لأن قريشاً كتبت بعدها في أيام حجة الوداع الصحيفة الملعونة الثانية ، تعاهدت فيها على أنه إن مات محمد لا ندع خلافته تصل إلى أهل بيته ! وقد روي أنهم تعاهدوا عليها في الكعبة ، وأودعوها عند أبي عبيدة بن الجراح ، وسيأتي خبرها .

قال في المناقب : 1 / 57 : « لما رأت قريش أنه ( صلى الله عليه وآله ) يفشو أمره في القبائل وأن حمزة أسلم « أعلن إسلامه » وأن عمرو بن العاص رُدَّ في حاجته عند النجاشي ، فأجمعوا أمرهم ومكرهم على أن يقتلوا رسول الله علانية ، فلما رأى ذلك أبو طالب جمع بني عبد المطلب ، فأجمع لهم أمرهم على أن يُدخلوا رسول الله شعبهم . . وكانوا أربعين رجلاً ، مؤمنهم وكافرهم ، ما خلا أبا لهب » .

وقال ابن إسحاق : 2 / 140 و 139 : « فلما قدم عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة إلى قريش ، وأخبروهم بالذي قال النجاشي لمحمد وأصحابه ، اشتد وجدهم وآذوا النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأصحابه أذى شديداً ، وضربوهم في كل طريق ، وحصروهم في شعبهم ، وقطعوا عنهم المادة من الأسواق ، فلم يدعوا أحداً من الناس يُدخل عليهم طعاماً ولا شيئاً مما يرفق بهم !

وكانوا يخرجون من الشعب إلى الموسم ، وكانت قريش تبادرهم إلى الأسواق فيشترونها ويُغْلُونها عليهم ! ونادى منادي الوليد بن المغيرة « وهومنادي أبي جهل »

في قريش : أيما رجل وجدتموه عند طعام يشتريه فزيدوا عليه !

وانطلق بهم أبو طالب فقاموا بين أستار الكعبة ، فدعوا الله على ظلم قومهم لهم وقطيعتهم أرحامهم واجتماعهم على محاربتهم ، وتناولهم بسفك دمائهم ، فقال أبو طالب : اللهم إن أبى قومنا إلا النصر علينا فعجل نصرنا ، وحُلْ بينهم وبين قتل ابن أخي . ثم أقبل إلى جمع قريش وهم ينظرون اليه والى أصحابه فقال أبو طالب : ندعو برب هذا البيت على القاطع المنتهك للمحارم . والله لتنتهين عن الذي تريدون ، أو لينزلن الله بكم في قطيعتنا بعض الذي تكرهون ! فأجابوه : إنكم يا بني عبد المطلب لاصلح بيننا وبينكم ولا رحم إلا على قتل هذا الصابي السفيه ! ثم عمد أبو طالب فأدخل الشعب ابن أخيه وبني أبيه ، ومن اتبعهم من بين مؤمن دخل لنصرة الله ونصرة رسوله ، ومن بين مشرك يحمي ، فدخلوا شعبهم وهو شعب أبي طالب في ناحية من مكة » .

2 . أعطونا ابنكم لنقتله ، وإلا . .

كان اليهود ينكرون نبوة أنبيائهم « عليهم السلام » ثم يقتلونهم ، ولم يقولوا يوماً نعترف بنبوة نبي ونقتله ! لكن القرشيين قالوا حتى لو كان محمد نبياً مرسلاً من الله فلا نؤمن به ونريد قتله ، لأن موتنا أفضل من الإيمان برسول من بني هاشم : وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَالْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ! فجمعوا تكبر اليهود وجلافة البدو معاً ، فهم يصرون على قتله ( صلى الله عليه وآله ) ، ولا تهمهم معجزاته !

من جهة ثانية : لا تجد قوماً أرادوا قتل شخص ، لكنهم كانوا يخافون من عشيرته ، فقرروا أن يضغطوا عليهم حتى يسلموهم ابنهم بأيديهم فيقتلوه ! فهو موقف يجمع : العناد ، والتكبر ، والجبن ، والحقارة جميعاً ، وصفات أخرى معها !

وقد اجتمعت كلها في محاصرتهم بني هاشم وتجويعهم إياهم مع أطفالهم ، حتى يخضعوا ويسلموهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) فيقتلوه !

وكانوا يرون حالة بني هاشم من الحصار أربع سنوات أو أكثر ، ويسمعون تضوَّر أطفالهم من الجوع ، لكنهم حرموا الرأفة بهم ، وحرموا أي نوع من التفاوض تحت أي ظروف ! « لايقبلوا من بني هاشم صلحاً أبداً ، ولايأخذهم بهم رأفة ، حتى يسلموه للقتل » ! الدرر لابن عبد البر / 54 ، سبل الهدى : 10 / 59 وعيون الأثر : 1 / 165 .

3 . النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) يخلد مكان المؤتمر وطغيان زعمائه

توجه النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى مكة فاتحاً ، فأراد أن يُخَلِّد في وجدان المسلمين مؤامرة قريش ولؤمهم ، فأعلن : « منزلنا إذا فتح الله تعالى علينا مكة في خِيف بني كنانة ، حيث تقاسموا على الكفر » . السيرة الحلبية : 3 / 27 .

ثم أكد ذلك عندما توجه إلى معركة حنين ، فقال : « منزلنا غداً إن شاء الله بخيف بني كنانة ، حيث تقاسموا على الكفر » ! البخاري : 5 / 92 .

ثم أكد ذلك بعد سنتين في حجة الوداع ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) يوم التروية : « منزلنا غداً

إن شاء الله تعالى بخيف بني كنانة ، حيث تقاسموا على الكفر » . البخاري : 2 / 158 .

ثم أكد ذلك عندما عاد من عرفات ، فقال يوم النحر : « نحن نازلون غداً بخيف بني كنانة ، حيث تقاسموا على الكفر . يعني بذلك المحصب » . البخاري : 4 / 247 .

فقد كان هدف زعماء قريش أن يشددوا على بني هاشم ليسلموهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) فيقتلوه ، ولما عجزوا عن قتله ، وانتصر عليهم وأقام دولة ، صار هدفهم أن يعزلوهم أهل بيته عن خلافته ويأخذوا دولته !

لذلك اهتم النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يحفظ المسلمون تلك الحادثة الخطيرة التي وقعت في هذا المكان ، ويحفظوا كيد فراعنة قريش الذي فاق كيد اليهود ! فقد تقاسموا باللات والعزى ومناة على قتل النبي ( صلى الله عليه وآله ) بأي طريقة ، غيلة أو علانية ، وعلى مقاطعة بني هاشم مقاطعة كاملة شاملة ، حتى يسلموه لهم للقتل ! وذنبه أن الله أرسله نبياً ، وهم لا يريدون نبياً من بني هاشم ، حتى لو كان صادقاً !

وحاصروا بني هاشم أربع سنين وأكثر ، وضيقوا عليهم حتى أكل أطفالهم ورق الشجر من الجوع ، ومصوا الرمل الرطب من العطش !

فكان هدف النبي ( صلى الله عليه وآله ) تخليد الحادثة بمكانها وزعمائها لتعرف أجيال المسلمين أن معدن الكفر في هؤلاء الذين أخضعهم في فتح مكة بسيوف بني هاشم والأنصار ، وأنهم سيعودون لوراثة دولة الإسلام وإبعاد عترة النبي ( صلى الله عليه وآله ) !

وعندما أطلق النبي ( صلى الله عليه وآله ) كلامه كان عدد من قادة مؤتمر الكفر قد ماتوا ، لكن عدداً منهم ما زالوا أحياء ينظرون ويسمعون ! كسهيل بن عمرو ، وأبي سفيان ، وعكرمة بن

أبي جهل ، وصفوان بن أمية بن خلف ، وحكيم بن حزام ، وصهيب بن سنان ، وأبي الأعور السلمي ، وغيرهم . كانوا حاضرين في حجة الوداع يسمعون كلامه ، ويتعجبون من عفوه عنهم ! لكنه ( صلى الله عليه وآله ) كان ينفذ أمر ربه ، ويعلم أجيال المسلمين أن الخطر على الإسلام من قريش وحدها ، فبقية القبائل تبعٌ لها !

وفي مقابل عمله ( صلى الله عليه وآله ) عَمِلَ زعماء قريش لينسى المسلمون الجريمة ومكانها وأشخاصها وطمستها قريش بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! ولم يحفظها إلا آل النبي ( صلى الله عليه وآله ) وشيعتهم ، فصار خيف بني كنانة أو محصَّب منى منزل بني هاشم إلى يمين الداخل إلى منى !

وقد تعجبت هذه السنة 1429 من أن الوهابيين أقاموا رمز مسجد لمكان بيعة الأنصار للنبي ( صلى الله عليه وآله ) قرب جمرة العقبة ، لكن لم يقيموا رمزاً لمؤتمر الكفر القرشي !

كما حرصوا على إزالة شِعب أبي طالب من أساسه ، ابتداءً بمكان مولد النبي ( صلى الله عليه وآله ) فمنعتهم الحكومة خوفاً من المسلمين ، فأبقوه خرباً كتب عليه :

« مكتبة مكة » !

4 . أبو طالب يُحَصِّن الشِّعْب ويحرس النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) !

بعد قرار قريش مقاطعة بني هاشم ، وجدوا أنفسهم مضطرين لترك بيوتهم والتجمع في نقطة واحدة لحفظ حياة النبي ( صلى الله عليه وآله ) فاختاروا الشِّعْبَ حيهم القديم : « وكان دخولهم الشعب هلال المحرم سنة سبع » . الحلبية : 2 / 25 .

وحصَّنَ أبو طالب « رحمه الله » الشِّعْب ، وفرض الحراسة على رجال بني هاشم لمدخله والنقاط الضعيفة فيه من جهة الجبال والتلال المحيطة .

قال في النزاع والتخاصم / 67 : « واجتمعت قريش في مكرها أن يقتلوا رسول الله وكتبوا في مكرهم صحيفة وعهوداً ومواثيق : أن لايقبلوا من بني هاشم أبداً صلحاً ولاتأخذهم بهم رأفة حتى يسلموه للقتل ! فلبث بنو هاشم في شعبهم ثلاث سنين واشتد عليهم البلاء والجهد ، وقطعوا عنهم الأسواق ، فلا تركوا طعاماً يقدم مكة ولا بيعاً إلا بادروهم إليه فاشتروه ، يريدون بذلك أن يدركوا سفك دم رسول الله » !

وفي المناقب : 1 / 57 : « كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) إذا أخذ مضجعه ونامت العيون جاءه أبو طالب فأنهضه عن مضجعه وأضجع علياً ( عليه السلام ) مكانه ، ووكل عليه وُلْدَهُ وَوُلد أخيه ، فقال علي ( عليه السلام ) : يا أبتاه إني مقتول ذات ليلة ، فقال أبو طالب :

إصبرن يا بنيَّ فالصبر أحجى * كل حيٍّ مصيرُه لشَعوب

قد بلوناك والبلاء شديد * لفداء النجيب وابن النجيب

لفداء الأعز ذي الحسب الثاقب * والباع والفناء الرحيب

إن تصبك المنون بالنبل تبرى * فمصيب منها وغير مصيب

كل حي وإن تطاول عمراً * آخذٌ من سهامها بنصيب

فأجابه علي ( عليه السلام ) :

أتأمرني بالصبر في نصر أحمدٍ * و والله ما قلتُ الذي قلتُ جازعا

ولكنني أحببت أن ترَ نُصرتي * وتعلم أني لم أزل لك طائعا

وسعيي لوجه الله في نصر أحمد * نبي الهدى المحمود طفلاً ويافع

أقول : هذه الرواية لا تتناسب مع شجاعة علي ( عليه السلام ) ، لكن هدف إفهام الآخرين .

5 . بعد سنوات الحصار جاءت المعجزة الإلهية

« أوحى الله عز وجل إليه أنه قد بعث أَرَضَةً على الصحيفة المكتوبة بين قريش في هجران النبي ( صلى الله عليه وآله ) وجميع بني هاشم ، المختومة بأربعين خاتماً ، المعدلة عند زمعة بن الأسود ، فأكلت ما كان فيها من قطيعة رحم ، وتركت ما كان فيها من اسم الله عز وجل » . الهداية للصدوق / 144 .

وقال الطبرسي في إعلام الورى : 1 / ه 127 : « فلما أتى لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الشعب أربع سنين بعث الله على صحيفتهم القاطعة دابة الأرض فلحست جميع ما فيها من قطيعة رحم وظلم وجور ، وتركت اسم الله ! ونزل جبرئيل ( عليه السلام ) على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأخبره بذلك ، فأخبر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أبا طالب ( عليه السلام ) فقام أبو طالب ولبس ثيابه ، ثم مشى حتى دخل المسجد على قريش وهم مجتمعون فيه ، فلما بصروا به قالوا : قد ضجر أبو طالب وجاء الآن ليسلم ابن أخيه » .

وقال ابن سعد في الطبقات : 1 / 208 : « وحصروا بني هاشم في شعب أبي طالب ليلة هلال المحرم سنة سبع . . وقطعوا عنهم الميرة والمادة ، فكانوا لا يخرجون إلا من موسم إلى موسم ، حتى بلغهم الجهد وسمع أصوات صبيانهم من وراء الشعب . فأرسل الله عز وجل على الصحيفة دابة فأكلت كل شئ إلا اسم الله عز وجل . فأرسلوا إلى الصحيفة ففتحوها فإذا هي كما قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فسقط في أيديهم ، ونكسوا على رؤوسهم ! فقال أبو طالب : علامَ نُحبس ونُحصر وقد بان الأمر ! ثم دخل هو وأصحابه بين أستار الكعبة فقال : اللهم انصرنا ممن ظلمنا وقطع أرحامنا واستحل ما يحرم عليه منا ! ثم انصرفوا إلى الشعب » !

6 . سنوات الحصار والشدائد على بني هاشم

كتب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في جواب لمعاوية : « أما بعد ، فإن أخا خولان أتاني منك بكتاب تذكر فيه محمداً ( صلى الله عليه وآله ) ، والحمد لله الذي صدق له الوعد ، ومكن له في البلاد ، وأظهره على أهل عداوته والشنآن من قومه ، الذين ألبوا عليه العرب ، وهم قومه الأدنى فالأدنى ، إلا قليلاً ممن عصمه الله .

كنا أهل البيت أول من آمن وصدق بما أرسل به ، فأراد قومنا قتل نبينا واجتياح أصلنا وهموا بنا الهموم ، وفعلوا بنا الأفاعيل ، وأمسكوا منا المادة ، وقطعوا عنا الميرة ، ومنعونا الماء العذب ، وأحلونا الخوف ، واضطرونا إلى جبل وعر ، وكتبوا بينهم كتاباً أن لا يواكلونا ولا يشاربونا ولا يبايعونا ولا يناكحونا ولا نأمن فيهم ، حتى ندفع إليهم نبينا ( صلى الله عليه وآله ) فيقتلوه ويمثلوا به ! فعزم الله على منعه والذب عن حوزته ، فمؤمننا يرجو الثواب ، وكافرنا يحامي عن الأصل ، وأنا أول أهل بيتي إسلاماً معه ، ومن أسلم بعدنا أهل البيت من قريش فحليف ممنوع ، وذو عشيرة تحامي عنه » .

المناقب للخوارزمي / 251 .

وقال في إعلام الورى : 1 / 125 : « كتبوا صحيفة بينهم إنهم يدٌ واحدة على محمد يقتلونه غيلةً أو صراحاً ، فلما بلغ ذلك أبا طالب جمع بني هاشم ، ودخلوا الشعب ، وكانوا أربعين رجلاً فحلف لهم أبو طالب بالكعبة والحرم والركن والمقام ، إن شاكت محمداً شوكة ، لآتينَّ عليكم يا بني هاشم !

وحَصَّن الشعب وكان يحرسه بالليل والنهار ، فإذا جاء الليل يقوم بالسيف عليه ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مضطجع ، ثم يقيمه ويضجعه في موضع آخر ، فلا يزال الليل كله هكذا ، ويوكل وُلده ووُلد أخيه به يحرسونه بالنهار ، فأصابهم الجهد !

وكان من دخل مكة من العرب لا يجسر أن يبيع من بني هاشم شيئاً ! ومن باع منهم شيئاً انتهبوا ماله ، وكان أبو جهل ، والعاص بن وائل السهمي ، والنضر بن الحارث بن كلدة ، وعقبة بن أبي معيط ، يخرجون إلى الطرقات التي تدخل مكة فمن رأوه معه ميرة نهوه أن يبيع من بني هاشم شيئاً ، ويحذرونه إن باع شيئاً منهم أن ينهبوا ماله ! وختموا الصحيفة بأربعين خاتماً ، ختمه كل رجل من رؤساء قريش بخاتمه وعلقوها في الكعبة ، وتابعهم أبو لهب على ذلك !

فلم تزل هذه حاله فبقوا في الشعب أربع سنين ، لا يأمنون إلا من موسم إلى موسم ، ولا يشترون ولا يبايعون إلا في الموسم ! وكان يقوم بمكة موسمان في كل سنة : موسم للعمرة في رجب ، وموسم للحج في ذي الحجة . وكان إذا اجتمعت المواسم تخرج بنو هاشم من الشعب فيشترون ويبيعون ، ثم لايجسر أحد منهم أن يخرج إلى الموسم الثاني ، فأصابهم الجهد وجاعوا ، وبعثت قريش إلى أبي طالب : إدفع إلينا محمداً حتى نقتله ، ونملكك علينا » !

وقال اليعقوبي : 2 / 31 : « حصرت قريش رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأهل بيته من بني هاشم

وبني المطلب بن عبد مناف ، في الشعب الذي يقال له شعب بني هاشم ، بعد ست سنين من مبعثه ، فأقام ومعه جميع بني هاشم وبني المطلب في الشعب ثلاث سنين « وأكثر » حتى أنفق رسول الله ماله ، وأنفق أبو طالب ماله ، وأنفقت خديجة بنت خويلد مالها « الذي وصلت اليه يدها » وصاروا إلى حد الضر والفاقة » .

وفي الخرائج : 1 / 85 : « فلقوا من الجوع والعري ما الله أعلم به » !

وفي السيرة الحلبية : 2 / 52 : « جهدوا حتى كانوا يأكلون الخبط وورق الشجر » !

وقال المحامي الأردني أحمد حسين يعقوب في كتابه : المواجهة مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) / 175 : « وعانوا الحرمان والجوع ، فأكلوا نبات الأرض ، وأخذ الأطفال يَمُصُّون الرمال من العطش ، وكانت بطون قريش تشاهد كل هذا وتتلذذ به ، دون أي إحساس بالحرج ! ولكن الهاشميين لم يركعوا ولم يستسلموا ، ولم يستجيبوا لبطون قريش في طلبها تسليم النبي . لقد تحملوا ما لم تتحمله قبيلة على وجه الأرض في سبيل محمد ( صلى الله عليه وآله ) وفي سبيل دينه ولولا صبرهم وثباتهم لقتلت البطون رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كما قتل غيره من الأنبياء وأجهضت دعوته في مهدها ، ولكن الله أراد أن يظهر دينه ، وأن يتحمل البطن الهاشمي أعباء مرحلة التأسيس الحاسمة .

ثم أوحى الله تعالى لنبيه ( صلى الله عليه وآله ) أنه أرسل حشرة أكلت صحيفة الحصار ولم تُبق من كتابتها إلا اسم الله . وما أن انتهى جبريل من إلقاء تلك البشارة العظيمة حتى نهض رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأخبر عمه بتفاصيل خبر السماء ، وعلى إثر ذلك توجه النبي وأبو طالب والهاشميون جميعاً إلى مكة .

أقبلت قريش تريد الوقوف على حقيقة الأمر ، وهي تظن أبا طالب قد جاء ليعلن استسلامه واستسلام بني هاشم ، ولكن أبا طالب طلب من زعماء الشرك أن يحضروا صحيفة الحصار ، فلما فعلوا ذلك قال لهم : أليست هذه صحيفتكم على العهد الذي تركتموها فيه ؟ فقالت زعامة البطون : نعم . فقال أبو طالب : فهل أحدثتم فيها حدثاً ؟ فقالوا : اللهم لا . فقال لهم : لقد أعلمني محمد عن ربه أن الله قد بعث الأرضة فأكلت كل ما فيها إلا ذكر الله ، أفرأيتم إن كان صادقاً ما تصنعون ؟ فقالت زعامة البطون : نكف ونمسك . فقال أبو طالب : فإن كان كاذباً دفعته إليكم تقتلونه ! فقالوا : قد أنصفت وأجملت . وفُضَّت الصحيفة فإذا كل ما فيها قد محي إلا مواقع اسم الله عز وجل ، وبهتت زعامة الشرك وأسلم على أثر هذه المعجزة عدد من الناس ، وأعلن أبو طالب أنه على الدين الحق ، واهتزت شرعية الحصار والمقاطعة .

إن للهاشميين فضلاً على كل مسلم ومسلمة إلى يوم الدين ، فلولا موقفهم الحاسم المشرف بقيادة أبي طالب ، لتمكنت بطون قريش من قتل محمد ( صلى الله عليه وآله ) ولما قامت للإسلام قائمة ! ومن المهازل أن تقوم السلطات التي سيطرت على مقاليد أمور المسلمين فيما بعد بتصوير أبي طالب مشركاً وتنكر كفاحه وجهاد أبنائه ، وتفرض مسبتهم على المنابر ، ولا تقبل شهادة من يواليهم ، وتلقي في أذهان العامة والغوغاء أن الهاشميين ماتوا بموت محمد ، وأنهم لم يخلقوا للقيادة ، وإنما خلقوا ليكونوا أتباعاً لخلفاء بطون قريش ، وأن الخلافة حق خالص للبطون ، مثلما كانت النبوة حقاً خالصاً للهاشميين ، وأن هذه القسمة هي القسمة العادلة ، وكأن البطون هي المخولة بتوزيع فضل الله تعالى » .

7 . أبو طالب يؤرخ بقصائده حصار الشعب

أرَّخَ أبو طالب « رحمه الله » محاصرة قريش للنبي ( صلى الله عليه وآله ) وبني هاشم ، بأكثر من عشر قصائد شرح فيها إصرارهم على قتل النبي ( صلى الله عليه وآله ) موقفه الحاسم في مقاومتهم ، ومدح النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأعلن إسلامه ، وهذا بعضها من سيرة ابن إسحاق : 2 / 141 وغيرها :

« كان أبو طالب يخاف أن يغتالوا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ليلاً أو سراً فكان رسول الله إذا أخذ مضجعه أو رقد ، بعثه أبو طالب من فراشه وجعله بينه وبين بنيه ، خشية أن يقتلوه ! فقال أبو طالب وهو يذكر ما طلبوا من محمد وما حشدوهم في كل موسم يمنعونهم أن يبتاعوا بعض ما يصلحهم ، وذكره في الشعر :

ألا هل أتى بَحْرِيَّنَا صُنْعُ ربنا * على نأيهم والأمر بالناس أور *

ألم يأتهم أن الصحيفة أُفسدت * وكل الذي لم يُرضه الله مُفْسَد *

وكانت أحق رقعة بأثيمة * يُقَطَّع فيها ساعد ومقلد *

فمن يك ذا عزٍّ بمكة مثله * فعزتنا في بطن مكة أتلد *

نشأنا بها والناس فيها أقلة * فلم ننفكك نزداد خيراً ونمجد *

جزى الله رهطاً بالحجون تتابعوا * بنصر امرئ يهدي لخير ويرشد *

قعوداً لدى خطم الحجون كأنهم * مقاولة ، بل هم أعز وأمجد *

أعان عليها كل صقر كأنه * إذا ما مشى في رفرف الدرع أحرد *

جرى على جُلَّى الخطوب كأنه * شهاب بكفٍّ قابس يتوقد *

من الأكرمين من لؤي بن غالب * إذا سيم خسفاً وجهه يتربد *

عظيم الرماد سيد وابن سيد * يحض على مقري الضيوف ويحشد *

قضوا ماقضوا في ليلهم ثم أصبحوا * على مهل سائر الناس رقَّد

متى شرك الأقوام في جل أمرنا * وكنا قديماً قبلها نتودد

وكنا قديماً لا نقر ظلامة * وندرك ما شئنا ولا نتشدد *

فيا لقصيٍّ هل لكم في نفوسكم * وهل لكم فيما يجيء به غد *

فإني وإياكم كما قال قائل * لديك البيان لو تكلمت أسود » *

ويقصد ب « بحرينا » جعفر بن أبي طالب ( عليه السلام ) . راجع : سيرة ابن إسحاق : 2 / 138 ، ابن هشام : 1 / 234 و 253 ، الطبقات : 1 / 210 ، المناقب : 1 / 57 ، إعلام الورى : 1 / 125 ، أنساب الأشراف / 31 وأبو طالب حامي الرسول / 30 .

ألا من لهمٍّ آخر الليل معتمِ * طواني وأخوى النجم لم يتقحمِ

طواني وقد نامت عيون كثيرة * وسائر أخرى ساهرٌ لم ينوم

لأحلام أقوامٍ أرادوا محمداً * بسوء ومن لا يتقي الظلم يُظلم

سعوا سفهاً واقتادهم سوء رأيهم * على قلل من رأيهم غير محكم

رجاء أمور لم ينالوا نظامها * وإن حشدوا في كل نفر وموسم

يرجون أن نسخى بقتل محمد * ولم تختضب سمر العوالي من الدم

يرجون منا خطة دون نيلها * ضراب وطعن بالوشيح المقوم

كذبتم وبيت الله لا تقتلونه * جماجم تلقى بالحطيم وزمزم

وتقطع أرحام وتنسى حليلةٌ * خليلاً وتغشى محرماً بعد محرم

وينهض قوم في الدروع إليكم * يذبون عن أحسابهم كل مجرم

* *

وقالوا خطة جوراً وحمقاً * وبعض القول أبلج مستقيم

لتخرج هاشم فيصير منها * بلاقع بطن مكة والحطيم

فمهلاً قومنا لا تركبونا * بمظلمة لها أمر وخيم

فيندم بعضكم ويذل بعض * وليس بمفلح أبداً ظلوم

فلا والراقصات بكل خرق * إلى معمور مكة لا يريم

طوال الدهر حتى تقتلونا * ونقتلكم وتلتقيَ الخصوم

ويعلم معشر قطعوا وعقوا * بأنهم هم الجلد الظليم

أرادوا قتل أحمد ظالموه * وليس لقتله فيهم زعيم

ودون محمد فتيان قوم * هم العرنين والعضو الصميم

* *

ألا أبلغا عني على ذات نأيها ج * لؤياً وخُصَّا من لؤيٍّ بني كعب

ألم تعلموا أنا وجدنا محمداً * نبياً كموسى خُطَّ في أول الكتب

وأن عليه في العباد محبة * ولا خير فيمن خصه الله بالخَبِّ

وأن الذي أضفيتم في كتابكم * لكم كائنٌ نحساً كراغية السقب

أفيقوا أفيقوا قبل أن يحفر الثرى * ويصبح من لم يجن ذنباً كذي الذنب

ولا تتبعوا أمر الغواة وتقطعوا ج * أياصرنا بعد المودة والقرب

وتستجلبوا حرباً عواناً وربما ج * أمرُّ على من ذاقه حلب الحرب

ولسنا ورب البيت نسلم أحمداً * على الحال من عض الزمان ولا كرب

أليس أبونا هاشمٌ شد أزره ج * وأوصى بنيه بالطعان وبالضرب

ولسنا نمل الحرب حتى تملنا ج * ولا نشتكي مما ينوب من النكب

ولكننا أهل الحفاظ ذووا النهى * إذا طار أرواح الكماة من الرعب

وقوله « رحمه الله » : نحساً كراغية السقب ، يحذرهم من يوم كأصحاب ناقة صالح ( عليه السلام ) .

ألا أبلغا عني لؤياً رسالة * بحق وما تغني رسالة مرسل

بني عمنا الأدنين تيماً نخصهم * وإخوتنا من عبد شمس ونوفل

أظاهرتم قوماً علينا ولاية * وأمر غويٍّ من غواة وجُهَّل

يقولون إنا إن قتلنا محمداً * أقرت نواصي هاشم بالتذلل

كذبتم ورب الهديِ تُدمى نحورها * بمكة والركن العتيق المقبَّل

تنالونه أو تبطلون لقتله * صوارم تُفري كل عظم ومفصل

وتدعو بويل أنتم إن ظلمتم * مقاليد في يوم أغر محجل

فمهلاً ولما تنتح الحرب بكرها * وتأتي تماماً أو بآخر معجل

وأنا متى ما نُمْرِها بسيوفنا * تجلجل فنعرك من نشاء بكلكل

ويعلو ربيع الأبطحين محمد * على ربوة من رأس عنقاء عيطل

ويأوي إليها هاشم إن هاشماً * عرانين كعب آخراً بعد أول

فإن كنتم ترجون قتل محمد * فروموا بما جمعتم نفل يذبل

فإنا سنحميه بكلٍّ وطمرة * وذي ميعة نهد المواكل هيكل

وكل رديني ظماءٌ كعوبه * وغضب كإيماض الغمامة يفصل

بأيمان شم من ذؤابة هاشم * مغاوير الأبطال في كل محفل

* *

تطاول ليلي بهم نصبْ * ودمعي كسحِّ السِّقاء السَّرِبْ

ولعبُ قُصي بأحلامها * وهل يرجع الحلمُ بعد اللعب

ونفيُ قصيٍّ بني هاشمٍ * كنفي الطُّهاة لِطافَ الحطب

وقولٌ لأحمد أنت امرؤ * خلوق الحديث ضعيف النسب

ألا إن أحمد قد جاءهم * بحق ولم يأتهم بالكذب

* *

وقد كان من أمر الصحيفة عبرة * متى ما يُخَبَّرْ غائبُ القوم يعجب

محا الله منها كفرهم وعقوقهم * وما نقموا من ناطق الحق معرب

وأصبح ما قالوا من الأمر باطلاً * ومن يختلق ما ليس بالحق يكذب

وأمسى ابن عبد الله فينا مصدقاً ج * على سخط من قومنا غير معتب

فلا تحسبونا خاذلين محمداً * لدى غربة منا ولا متقرب

ستمنعه منا يد هاشميةٌ * مركبها في الناس خير مركب

فلا والذي تخذى له كل نضوة * طليحٌ نجيُّ نجلةٍ فالمحصب

يميناً صدقنا الله فيها ولم نكن * لنحلف كذباً بالعتيق المحجب

نفارقه حتى نصرع حوله * وما نال تكذيب النبي المقرب

ويظهر من شعر أبي طالب « رحمه الله » أن قريشاً كانت تريد قتل النبي ( صلى الله عليه وآله ) وإجلاء بني هاشم من مكة ! وقد أحبط الله هدفها بموقف أبي طالب « رحمه الله » وبني هاشم .

8 . رواة الخلافة جعلوا لؤم قريش نبلاً !

شارك كل زعماء قريش في صحيفة المقاطعة والمحاصرة ، فلم يشذ منهم زعيم عن توقيعها ، ولا تهاون في تنفيذها ! لكن بعد انتصار النبي ( صلى الله عليه وآله ) عليهم بالآية الربانية جعلت الخلافة القرشية زعماء قريش قمة في النبل والإنسانية ! وزعمت أن خمسة أو سبعة منهم « تلاوموا » وقرروا « نقض الصحيفة الظالمة » وعملوا وعرضوا أنفسهم لأخطار ، حتى تمكنوا من نقض الصحيفة !

« وزعموا أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) شكر لهم صنيعهم ! وأوصى المسلمين أن لاتقتلوا فلاناً لأنه لم يؤذني ! وفلاناً لأنه كان خيِّراً باراً ، وبطلاً من أبطال نقض الصحيفة ! وجعلوهم خمسة » « ابن إسحاق 2 / 145 » : هشام بن عمرو بن ربيعة ، وزهير بن أبي أمية بن المغيرة بن مخزوم ، ومطعم بن عدي ، وأبي البختري بن هشام ، وزمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد . « ثم إن المطعم بن عدي قام إلى الصحيفة فشقها فوجد الأرضة قد أكلتها » ! ونظموا في مدحهم 2 / 37 :

« فتية بيتوا على فعل خير            حمد الصبح أمره والمساء

يا لأمر أتاه بعد هشام                     زمعة إنه الفتى الأتَّاءُ

وزهير والمطعم بن عدي                وأبو البحتري من حيث شاءوا

نقضوا مبرم الصحيفة إذ شد            دت عليه من العدا الأنداء » !

وزعموا أن شاعر النبي ( صلى الله عليه وآله ) رثى مطعماً ، قال ابن هشام : 1 / 255 : « وقال حسان بن ثابت يبكي المطعم بن عدي حين مات » ، ويذكر قيامه في نقض الصحيفة :

أيا عين فابكي سيد القوم واسفحي * بدمع ، وإن أنزفته فاسكبي الدما

وبكِّي عظيم المشعرين كليهما * على الناس معروفاً له ما تكلما

فلو كان مجد يخلد الدهر واحداً * من الناس أبقى مجده اليوم مطعما

أجرت رسول الله منهم فأصبحوا * عبيدك ما لبى مهل وأحرما

فلو سئلت عنه معد بأسرها * وقحطان أو باقي بقية جرهما

لقالوا : هو الموفي بخفرة جاره * وذمته يوماً إذا ما تذمما

وقال في السيرة الحلبية : 2 / 36 : « المطعم بن عدي مات كافراً ، وأبو البحتري بن هشام قتل ببدر كافراً ، وزمعة بن الأسود قتل ببدر كافراً » .

لكن رووا عن جبير بن مطعم ، وهو من الطلقاء سير الذهبي : 3 / 95 أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) مدح أباه ، وقال في شأن أسارى بدر : « لو كان المطعم بن عدي حياً ثم كلمني في هؤلاء النتنى ، لتركتهم له » ! بخاري : 5 / 20 .

وقال في سبل السلام : 4 / 56 : « وفيه دليل على أنه يجوز ترك أخذ الفداء من الأسير والسماحة به لشفاعة رجل عظيم ، وأنه يكافأ المحسن وإن كان كافراً » .

وقد صور ابن حجر الدور البطولي لهؤلاء « العظماء » في نقض الصحيفة والخدمة الكبرى التي قدموها للإسلام ورسوله ( صلى الله عليه وآله ) ! فقال في الإصابة : 6 / 426 ، عن هشام بن عمرو بن ربيعة إنه من المؤلفة قلوبهم أعطاه النبي ( صلى الله عليه وآله ) من غنائم حنين ! وقال : « ذكر بن إسحاق قصته في نقض الصحيفة ومخاطرته في ذلك بنفسه « رحمه الله » » !

وقال في فتح الباري : 7 / 147 : « ولم يكن يأتيهم شئ من الأقوات إلا خفية ، حتى كانوا يؤذون من اطلعوا على أنه أرسل إلى بعض أقاربه شيئاً من الصلات ، إلى أن قام في نقض الصحيفة نفر ، من أشدهم في ذلك صنيعاً هشام بن عمرو بن الحرث العامري ، فكان يصلهم وهم في الشعب ، ثم مشى إلى زهير بن أبي أمية فوافقه ومشيا جميعاً إلى المطعم بن عدي والى زمعة بن الأسود فاجتمعوا على ذلك ، فلما جلسوا بالحجر تكلموا في ذلك وأنكروه وتواطؤوا عليه فقال أبو جهل : هذا أمر قضي بليل ، وفي آخر الأمر أخرجوا الصحيفة فمزقوها وأبطلوا حكمها » !

وتسألهم : متى كان ذلك من سنوات الحصار ؟ فيقولون لك : كان بعد ثلاث سنوات منه أو أربع ! يعني بعد سنوات رقَّت قلوب هؤلاء النبلاء لأطفال بني هاشم ، فعملوا ليل نهار حتى فكوا عنهم الحصار !

وتسألهم : وأين دور معجزة النبي ( صلى الله عليه وآله ) وآية الأرَضَة الربانية ؟ أليست هي السبب الذي جعل زعماء قريش يبلسون ، فتجرأ بنو هاشم على كسر الحصار وخرجوا من الشعب إلى مساكنهم ! فيقولون : لقد ترافق سعي أولئك الأخيار لفك الحصار مع المعجزة فاستطاعوا أن ينهوا حصار بني هاشم رغم مخالفة أبي جهل !

لاحظ مكذوبات القرشيين في شهامة زعماء الشرك في رواية ابن إسحاق : « ثم إن المطعم بن عدي قام إلى الصحيفة فشقها فوجد الأَرَضَة قد أكلتها »

فقد جعلوا شهامتهم توأماً لمعجزة النبوة ، لأن أولاهم حكموا الأمة !

راجع تخريفاتهم في : الإصابة : 1 / 230 ، الدرر / 57 ، عمدة القاري : 17 / 119 ، الطبري : 2 / 78 وغيرها !

والحقيقة ، أنه لم يكن عند زعماء قريش ذرةٌ من النُّبل ، وأن الذي أفشل الحصار آية الأرَضة ، فخرج بنو هاشم من الحصار برأس مرفوع وعين قوية على عدوهم ! غايته أن موقف بعض زعماء المشركين أمام المعجزة كان ألين من أبي جهل .

9 . لك الله يا أبا طالب !

فقد ادعت الخلافة أن زعماء المشركين خدموا النبي ( صلى الله عليه وآله ) ونقضوا صحيفة المقاطعة فأكرمهم الله تعالى ! روى البخاري : 5 / 20 أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال لو كان مطعم حياً وطلب إطلاق أسرى بدر لأطلقتهم له ، وقالوا : « يجوز ترك أخذ الفداء من الأسير ، والسماحة به لشفاعة رجل عظيم ، وأنه يكافأ المحسن وإن كان كافراً » .

أما أبو طالب ، الذي قام الإسلام بمواقفه وحمايته بماله ونفسه وأبنائه وعشيرته ! فمكافأته عندهم سخرية النبي ( صلى الله عليه وآله ) به ! قالوا إن العباس قال له : « ما أغنيت عن عمك فوالله كان يحوطك ويغضب لك ! قال : هو في ضحضاح من نار ، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار » !

وقد رواه بخاري : 4 / 247 ، وكرره متبجحاً ، وفسر ضحضاح النار : 7 / 203 بأنه : « يبلغ كعبيه ، يغلي منه أم دماغه » ! وقالوا : « إن أهل النار إذا جزعوا من حرها استغاثوا بضحضاح في النار ، فإذا أتوه تلقاهم عقارب كأنهن البغال الدهم ، وأفاع كأنهن البخاتي فضربنهم » ! الدر المنثور : 4 / 127 .

لقد انتقموا من أبي طالب فجعلوه كافراً في قعر جهنم ! وزعموا أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) شفع له شفاعة مضحكة ! مع أن الرجل المسلم يشفع لمن سقاه شربة ماء ، فيدخله الجنة « ابن ماجة 2 / 496 » والمؤمنين يشفعون : « فيمن وجبت لهم النار ممن صنع إليهم المعروف في الدنيا » « الدر المنثور : 2 / 249 » . أنظر للمؤلف : ألف سؤال وإشكال : 1 / 174 .

10 . كذبة المليون أوقية ذهب وأخواتها !

رافق كذبة شهامة زعماء قريش في نقض الصحيفة ، أكاذيب عن مساعدتهم لبني هاشم في سنوات الحصار ! كالذي رواه ابن إسحاق : 2 / 145 عن هشام بن عمرو : « كان يأتي في الشعب ليلاً قد أوقر جملاً طعاماً حتى إذا أقبل في الشعب حل خطامه من رأسه ، ثم ضرب جنبه فدخل الشعب عليهم ، ويأتي به وقد أوقره براً أو بزاً ، فيفعل به مثل ذلك » !

ورووا عن حكيم بن حزام أنه أتى بحمل بعير حنطة لعمته خديجة « عليها السلام » ، وعن أبي العاص بن أمية زوج زينب ، أنه كان يوصل مواد غذائية إلى الشعب .

وقد ناقش ذلك صاحب الصحيح : 3 / 211 فقال ملخصاً : « لا نجد أثراً لابن عم خديجة حكيم بن حزام الذي تدعي الروايات أنه كان يرسل الطعام لهم وهم محصورون في الشعب . فحكيم هذا كان من الذين انتدبتهم قريش لقتل رسول الله ليلة الغار ، وباتوا على باب النبي ( صلى الله عليه وآله ) يرصدونه فرد الله كيدهم ! وحكيم هذا كان يحتكر جميع الطعام الذي كان يأتي إلى المدينة على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ! ومن كانت هذه نفسيته لا يكون جواداً ويعرض نفسه لخطر عداء قريش ، إلا أن يكون عمله احتكاراً تجارياً ليبيع المسلمين بأغلى الأثمان ، ويعرض نفسه للخطر حباً بالمال !

كمالا تجد في حصار الشعب ذكراً لأبي العاص بن الربيع الأموي ! الذي زعموا أنه كان يخاطر بنفسه ، ويأتي لهم بالطعام من مكة » .

وأكبر كذبة هنا قولهم إن أبا بكر كان أول من أسلم وكان صاحب ثروة عظيمة أنفقها على النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! قالت عائشة : « فَخِرْتُ بمال أبي في الجاهلية ، وكان ألف ألف أوقية » . قال ابن أبي عاصم / 225 : « قال الألباني : أخرجه البخاري في الأدب المفرد : 970 وفي أفعال العباد ص : 89 والحاكم : 4 / 574 وعنه البيهقي في الأسماء ص : 78 وأحمد : 3 / 495 من طرق أخرى عن همام بن يحيى به . وقال الحاكم : صحيح الإسناد ، ووافقه الذهبي » !

وقال الذهبي في سيره : 2 / 185 : « وأعتقد لفظة ألف الواحدة باطلة ، فإنه يكون أربعين ألف درهم ، وفي ذلك مفخرٌ لرجل تاجر وقد أنفق ماله في ذات الله ، ولما هاجر كان قد بقي معه ستة آلاف درهم ، فأخذها صحبته . أما ألف ألف أوقية ، فلا تجتمع إلا لسلطان كبير » .

لكن لا تصح دعوى الذهبي ، لأنهم صححوا الخبر بلفظ : ألف ألف أوقية ! كما لا يصح ما افترضه أن أبا بكر أنفق ألف أوقية ذهباً على النبي ( صلى الله عليه وآله ) لأن ذلك لم يروه أحد ، ولم يظهر حتى في أوقية واحدة ، ولا في صاع حنطة في سنوات الحصار ، ولا بدراهم يسيرة أعطاها لمستضعف من المسلمين ، وقد زعموا أنه اشترى بلالاً ولم يثبت ، أما إنفاقه على ابن خالته مسطح فهومن مال مسطح لأنه كان يعمل معه !

فلو كان أنفق على بني هاشم في سنوات الحصار ، أو أرسل إليهم شيئاً ، لرواه رواة الخلافة بطرق عديدة في المسانيد والصحاح ، ولما تفردت به عائشة !

ولو أن عمر وأبا بكر قالا كلمة في مواجهة زعماء قريش في مكة ، لردداها في خلافتهما وكررا حديثها ، وشرحها أتباعهما ، ورفعوها علماً !

لقد كشفت سنوات الشِّعب أن بعض الذين ضخمهم الرواة لم يكن لهم وجود في تاريخ الإسلام ، فهم غائبون في البأساء والضراء ، حاضرون في الرخاء !

11 . علي بن أبي طالب ( ( ع ) ) منكور الفضل كأبيه !

لم يسجل رواة السلطة جهاد علي ( عليه السلام ) في سنوات الحصار ، إلا لمُاماً من حراسته للنبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ووصل منه شئ برواية أبي جعفر الإسكافي أحد كبار علماء المعتزلة ! فقد نقل في شرح النهج : 13 / 254 ، رده على الجاحظ فقال : « وهو المخصوص دون أبي بكر بالحصار في الشعب ، وصاحب الخلوات برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في تلك الظلمات ، المتجرع لغصص المرار من أبي لهب وأبي جهل وغيرهما ، والمصطلي لكل مكروه ، والشريك لنبيه في كل أذى ، قد نهض بالحمل الثقيل وناء بالأمر الجليل .

ومَن الذي كان يخرج ليلاً من الشعب على هيئة السارق يخفي نفسه ويضائل شخصه ، حتى يأتي إلى من يبعثه إليه أبو طالب من كبراء قريش ، كمطعم بن عدي وغيره ، فيحمل لبني هاشم على ظهره أعدال الدقيق والقمح وهو على أشد خوف من أعدائهم كأبي جهل وغيره ، ولو ظفروا به لأراقوا دمه !

أعليٌّ كان يفعل ذلك أيام الحصار في الشعب أم أبو بكر ؟ ولقد كان يجيع نفسه ويطعم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ويظمئ نفسه ويسقيه ، وهو كان المعلل له إذا مرض ، والمؤنس له إذا استوحش ، وأبو بكر بنجوة عن ذلك لا يمسه مما يمسهم ألم ، ولم يلحقه مما يلحقهم مشقة ، ولا يعلم بشئ من أخبارهم وأحوالهم إلا على سبيل الإجمال دون التفصيل ، ثلاث سنين محرمة معاملتهم ومناكحتهم ومجالستهم ، محبوسين محصورين ممنوعين من الخروج والتصرف في أنفسهم ! فكيف أهمل الجاحظ هذه الفضيلة ونسي هذه الخصيصة ولا نظير لها » !




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.