المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17615 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
دين الله ولاية المهدي
2024-11-02
الميثاق على الانبياء الايمان والنصرة
2024-11-02
ما ادعى نبي قط الربوبية
2024-11-02
وقت العشاء
2024-11-02
نوافل شهر رمضان
2024-11-02
مواقيت الصلاة
2024-11-02



مكان المصلي واحكام المساجد  
  
234   08:58 صباحاً   التاريخ: 2024-08-26
المؤلف : محمد بن علي الاسترابادي
الكتاب أو المصدر : آيات الاحكام
الجزء والصفحة : ص173 - 182
القسم : القرآن الكريم وعلومه / آيات الأحكام / العبادات /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-09-04 1026
التاريخ: 27/11/2022 1291
التاريخ: 2024-09-21 120
التاريخ: 8-10-2014 1569

 مكان المصلي واحكام المساجد

 

يقول تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة: 114]

روي عن الصادق (عليه‌ السلام) [1] أنّ المراد بذلك قريش حين منعوا رسول الله (صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله) دخول مكّة والمسجد الحرام ، وبه قال بعض المفسّرين وقال بعضهم إنّهم الروم غزوا بيت المقدس ، وسعوا في خرابه إلى أن أظهر الله المسلمين ، وقيل هو بختنصر وأصحابه غزوا النّصارى وخربوا بيت المقدس وأعانهم على ذلك جماعة من النصارى من أهل الرّوم ، فقيل بغضا ليهود ، وقيل من أجل قتلهم يحيى بن زكريّا هذا.

وقوله (أَنْ يُذْكَرَ) ثاني مفعول (مَنَعَ) ويجوز أن يحذف حرف الجرّ مع أن ، ويحتمل نصبه بكونه مفعولا بمعنى كراهية أن يذكر ، ولا يرد أنّه حينئذ يفيد تحريم المنع المعلّل المقيّد لا المطلق ، فيفهم جواز غير ذلك ، ولو في الجملة ، لأنه إنّما يفيد أن لا أشدّ منه في الظلم ، ولو مبالغة في الإفراط فيه ، فغاية ما يفهم منه أنّ المنع لا لذلك ليس بالغا هذا الحدّ ، اما الجواز فلا.

واعترض عليه الكنز [2] بأنه لا بدّ لمنع من مفعولين ، والثاني لا يمكن أن يقدّر غير الذكر ، لأنه هو الممنوع فكيف يجعل مفعولا له؟ وفيه نظر لجواز أن يقدّر من النّاس أو من قاصديه أو من ما وضعت له ، ونحو ذلك كما لا يخفى ، فلعلّه لا يريد أزيد من ذلك.

أما ما قيل من أنّ في جعل مساجد الله ممنوعا كما وقع في الاحتمال الأوّل مسامحة ، فيتوجّه القول بحذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه ، فكان الأصل متردّدى مساجد الله منها.

ففيه نظر لانّ المانع قد حال بينه وبين أن يذكر فيها ، وأيضا تقدير متردّدي وبناء يذكر للمفعول غير مناسب ، كما لا يخفى على الذوق السليم.

وفي مجمع البيان احتمال كون (أَنْ يُذْكَرَ) بدلا عن (مَساجِدَ اللهِ) بدل اشتمال كأنه يقول ليس أحد أظلم ممّن منع أن يذكر في مساجد الله اسمه ، وهو ظاهر من اشتمال الظرف على المظروف مثل قوله: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [البقرة: 217] فكأنّ (يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) يقوم مقام مفعولين ، أو يمنع لزوم مفعولين لمنع مطلقا فتأمل.

ثمّ قد يحمل إنكار وجود أظلم على المبالغة كما قد يشعر به كلام الكشاف حيث قال : هو حكم عامّ لجنس مساجد الله ، وأنّ مانعها من ذكر الله مفرط في الظلم وكأنّه غير لازم ، وقد يفرق بين الثاني وبين الأوّل والثالث باحتمالهما ذلك لإطلاقهما وفيه أنّ المنع من الذكر لا يكون إلا كراهة له ، فتأمل.

وعموم الحكم بالنسبة إلى أيّ مسجد كان ، وأي ذكر قد يتأمل فيه أيضا قال الكشاف : فان قلت : فكيف قيل مساجد الله ، وإنّما وقع المنع والتخريب على مسجد واحد؟ قلت : لا بأس بأن يجيء الحكم عاما وإن كان السبب خاصّا كما تقول لمن آذى صالحا واحدا «ومن أظلم ممّن آذى الصالحين» وكما قال تعالى {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} [الهمزة: 1] والمنزول فيه الأخنس بن شريق انتهى[3].

وربما احتمل جمع المساجد هنا أن يكون إشارة إلى أنّ المنع وإن كان من واحد ، إلّا أنه كمنع الجميع كما في قتل النفس ، فيمكن اختصاصه بمثل المسجد الحرام ، أو بيت المقدس. لكن العموم أنسب بإطلاق اللفظ والله أعلم.

ويقرب منه الذكر ولا يبعد أن يراد به مطلق العبادة ، وينبغي أن يراد بمن منع العموم أيضا لأولئك المانعين بأعيانهم.

(وَسَعى) أي عمل (فِي خَرابِها) الكشاف : بانقطاع الذكر أو بتخريب البنيان وكأنه أراد به تفسير خرابها فالتخريب مصدر مجهول مضاف إلى المفعول ، قيل ونحوه قول القاضي بالهدم أو التعطيل فتأمل.

أما كونه تفسيرا للسعي في خرابها فموضع نظر ، لأنه أعمّ من ذلك ، اللهمّ إلّا أن يراد أو نحوهما ، فإن «في» إن كان للسببيّة فهو كلّ ما يعمل لخرابها ، وإن كان بمعنى إلى فكلّ ما ينتهى إلى خرابها ، أو كل ما يقصد به انتهاؤه إلى ذلك ، أما كونه للظرفية فبعده ممّا لا يخفى ، والخراب ضدّ العمران لم يأت بمعنى التخريب ، والمرجع في خرابها إلى العرف.

والآية تدلّ على تحريم السعي فيه ونفس تخريبها أظهر أفراده تحريما وقيل إنّه يفهم بطريق أولى ، وقد يجعل قوله (وَسَعى فِي خَرابِها) كالتعميم بعد التخصيص أو إيرادا لما تقدّم بعنوان آخر توضيحا لقبحه وبيانا لشدّته ومبالغة في التفضيح والتشنيع ، فيفيد أنّ المنع من الذكر سعى في خرابها.

وقد يشعر بأنّ في المنع تخريبا وفي الذكر تعميرا ، بل بأنّ المنع تخريب والذكر تعمير ، وفي بعض الروايات ما قد يؤيّده ، ولهذا قيل بوجوب شغلها بالذكر على الكفاية ، وإلّا لزم التعطيل ، قال في الكنز : فكلّ ما يعدّ تخريبا فهو حرام ، فمنه هدم جدرانها وأخذ فرشها وإطفاء السراج والإضواء فيها ، وشغلها بما ينافي العبادة وغير ذلك.

(أُولئِكَ) المانعون (ما كانَ) ينبغي لهم أن يدخلوا مساجد الله إلّا خائفين على حال التهيّب وارتعاد الفرائص من المؤمنين أن يبطشوا بهم ، فضلا عن أن يستولوا عليها ، ويلوها ، ويمنعوا المؤمنين منها ، والمعنى ما كان الحقّ والواجب إلّا ذلك ، لو لا ظلم الكفرة وعتوّهم.

وقيل : ما كان لهم في حكم الله يعني أنّ الله قد حكم وكتب في اللّوح المحفوظ أنّه ينصر المؤمنين ويقوّيهم حتّى لا يدخلوها إلّا خائفين ، كذا في الكشاف ، فيكون وعدا للمؤمنين بالنصرة واستخلاص المساجد منهم ، وقد أنجز سبحانه وعده.

أو ما كان ينبغي لهم أن يدخلوها إلّا بخشية وخشوع فضلا عن أن يجترؤا على تخريبها ، فيستفاد استحباب دخولها بالخشوع والخضوع والخشية من الله تعالى كما هو حال العبد الواقف بين يدي سيّده كما قيل.

أو ما كان ينبغي لهم أن يدخلوها بحسب حالهم من العتوّ والعصيان إلّا خائفين أن يصيبهم من الله عذاب أليم لاستحقاقهم منه ذلك كما قال سبحانه {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: 25] فيمكن أن يكون التتمّة كالبيان لذلك ، وفيها وعد للمسلمين ، وقيل معناه النهي عن تمكينهم من الدّخول في المساجد.

(لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ) قتل وسبى أو ذلّة بضرب الجزية ، وقيل : فتح مدائنهم قسطنطينيّة وروميّة وعمّوريّة كذا في الكشاف وزاد الجوامع تقيد الفتح بعند قيام المهديّ ، وقيل أي عذاب وهوان فيكون أعمّ ، وكأنّه لا بأس به والله أعلم وقد جعل بعض على القول الأوّل في شأن النزول النفي بدل الذلّ بضرب الجزية فتأمل (وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) في نار جهنّم نعوذ بالله منه.

وروي [4] عن زيد بن على عن آبائه (عليهم ‌السلام) أنّ المراد بالمساجد في الآية بقاع الأرض لقوله (صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله) «جعلت لي الأرض مسجدا» فقيل ينافي ذلك قوله (وَسَعى فِي خَرابِها) وأجيب بأنه لا منافاة بأن يكون المراد الوعيد على خراب الأرض بالظلم والجور كقوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33].

وقيل وإن أمكن ذلك لكن كيف يصنع بقوله (أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها) ومن هو في الأرض لا يقال دخلها إلّا مجازا ، والأصل عدمه ، وفيه أنّ المراد بقاع الأرض لا الأرض مطلقا ، بل الظاهر دخول شيء منها فيصحّ القول بلا خدشة ، لكن الرواية مرفوعة غير مشهورة ، ولا ريب في كونه خلاف الظاهر للاية ، فان الظاهر من مساجد الله لا أقلّ خلاف ذلك ، ومع ذلك ينافي ظاهر ما روي في شأن النزول فتفكّر.

{مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ} [التوبة: 17] أي ما كانوا أهل ذلك ولا جاز لهم ، أو ما صحّ ولا استقام لهم ، والمراد ليس لهم عمارة شيء من مساجد الله مطلقا ، فضلا عن المسجد الحرام ، وهو صدرها ومقدّمها ، وهذا أبلغ ، وقيل هو المراد كما هو الظاهر على قراءة ابن كثير وأبى عمرو ويعقوب [5] «مسجد الله» لقوله تعالى فيما بعده {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ * أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة: 18-19] وإنّما جمع لأنّها قبلة المساجد كلّها وإمامها ، فعامره كعامر جميعها ، أو لأنّ كلّ بقعة منه مسجد.

(شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ) بإظهار كفرهم فإنّهم نصبوا أصنامهم حول البيت وطافوا حول البيت عراة وسجدوا لها كلّما طافوا شوطا ، وقيل : هو قولهم «لبّيك لا شريك لك إلّا شريك هو لك تملكه وما ملك» عن الحسن ، لم يقولوا نحن كفّار ، ولكن كلامهم بالكفر شاهد عليهم بالكفر ، وقيل هي اعترافهم بملّة من ملل الكفار كالنصراني بأنّه نصرانيّ.

وروي أنه لمّا أسر العبّاس يوم بدر وبّخ علىّ (عليه‌ السلام) العبّاس بقتال رسول الله (صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله) وقطيعة الرحم ، فقال العبّاس : تذكرون مساوينا وتكتمون محاسننا ، فقال أولكم محاسن؟ قال : نعم ، إنّا لنعمر المسجد الحرام ، ونحجب الكعبة ، ونسقي الحجيج ، ونفكّ العاني : فنزلت [6] ونصب شاهدين على الحال من الضمير في يعمروا.

(أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) من القربات من عمارة المساجد وغيرها ، وفي الكشاف والجوامع : الّتي هي العمارة والحجابة والسقاية وفكّ العناة ، ونحوه في تفسير القاضي فتأمل فيه. والظاهر أنّ المراد أنّها وقعت باطلة وهو ظاهر القاضي وما في الكشاف يحتمل خلاف ذلك فتأمّل وفي الآية دلالة على بطلان أعمال الكفّار وعدم صحّة شيء منها ، ويمكن أن يفهم جواز منعهم من مثل العمارة ، وربّما قيل بأنّ فيه أمر بذلك فتدبر (وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ) .

{إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ * أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة: 18-19].

الحصر المفهوم من إنّما إمّا إضافيّ بالنسبة إلى أولئك المشركين أو مطلق الكفرة ، فغير هؤلاء الموصوفين بهذه الصفات من المسلمين في حكم المسكوت عنه ، فكأنّ هذه الأوصاف حينئذ لتفخيم شأن عمارة مساجد الله ، وتعظيم عاملها ، وأنه ينبغي أن يكون على هذه الأوصاف ، ولبيان مزيد بعد أولئك عن عملها ، ومزيد بيان بعدهم عن ذلك.

أو المراد عمارتها حق العمارة الّتي لا يوفّق لها إلّا هؤلاء الموصوفين باعتبار قوّة أيمانهم وكمال إخلاصهم ، كما قيل «حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين» وقد تقدّم في سبب النزول في الآية المتقدمة أنّ المنزول فيهم ذكروا ذلك على التفخيم والتعظيم فخرا ومباهاة ، فناسب مقام الردّ نفي أدناها أو جنسها عنهم وإثبات ما ادّعوا لأنفسهم أو أعظم منه لمقابليهم من المؤمنين ، أو المراد بالخشية التقوى في أبواب الدّين وأن لا يختار على رضا الله رضا غيره ، كما قال {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27] فيمكن أن يراد على حدّ ما يستلزم اجتناب الكبائر ، فيوافق القول بأن فاعل الكبيرة غير مؤمن ، على اشتراط الايمان في قبول الأعمال فتأمل.

أو المراد أنه لا يستقيم ولا يصحّ عمارة مساجد الله من أحد على طريق الولاية عليها إلّا ممّن كان كذلك فان الظاهر أنّ أولئك المفتخرين أرادوا نحو ذلك ، وأنهم ولاة المسجد الحرام ، وأنهم عامرون على ذلك ، فيختصّ بالنبيّ والأئمّة الطّاهرين (صلوات الله عليهم).

على أنّ الظاهر من قوله (وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللهَ) عدم سبق الفسق ، بل ولا ذنب ، فكيف الكفر ، والله أعلم ، وقيل إنّهم كانوا يخشون الأصنام ويرجونها ، فأريد نفي تلك الخشية.

(فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) تبعيد للمشركين عن مواقف الاهتداء وحسم لأطماعهم في الانتفاع بأعمالهم الّتي استعظموها وافتخروا بها وأمّلوا عاقبتها ، بأن الّذين آمنوا وضموا إلى إيمانهم العمل بالشرائع ، مع استشعار الخشية والتقوى اهتداؤهم دائر بين عسى ولعلّ ، فما بال المشركين يقطعون أنّهم مهتدون ونائلون عند الله الحسنى.

وفي هذا الكلام ونحوه لطف للمؤمنين في ترجيح الخشية ورفض الاغترار بالله كذا في الكشاف ، وإنّما كان لطفا في ترجيح الخشية مع أنّ عسى هنا لترجيح الاهتداء باعتبار أنّه لو لا رجحان الخشية على الرجاء كان ينبغي عند هذه الأعمال والاتّصاف بهذه الأوصاف القطع بالاهتداء.

اعلم أنّ عسى [7] يجوز أن يكون إشارة إلى حال المؤمنين ، وأنّهم مع ذلك في دعواهم للهداية وعدّ نفوسهم من المهتدين على هذا الحال ، فما بال الكفّار يقطعون لأنفسهم بالاهتداء.

ثمّ ذلك للمؤمنين إمّا أن يكون لرجحان الخشية وقوّتها أو على سبيل التأدّب والتواضع لجناب ربّهم ، أو نظرا منهم إلى مرتبة أعلى ودرجة أسنى ، أو إشارة إلى أنّ حالهم في الواقع على ذلك بالنظر إلى الأوصاف المذكورة أى رجحان ذلك في حقّهم فان مجرّد ذلك في كلّ مرتبة كان غير كاف في تمام الاهتداء والاختتام به ونيل ما عند الله من الدّرجات العالية.

نعم عسى أن يكون كذلك ولعلّ ، فلا ينبغي القطع لهم بمجرّد ذلك ، أو أنّ ذلك من الله سبحانه وهو واقع إلّا أنّه أتى بعسى ونحوه لطفا بالعباد ، وتنبيها لهم على عدم القطع وعدم اليأس فليتأمل.

ثمّ في الآية من الحثّ على تعمير المساجد وتعظيم شأنه ما لا يخفى ، وقيل المراد العمارة المعروفة من بنائه ومرمّته عند الخراب أو إزالة ما تكره النفس منه مثل كنسها روي [8] أنّ من كنس مسجدا يوم الخميس وليلة الجمعة فأخرج من التّراب مقدار ما يذرّ في العين غفر الله له.

وتنويرها بالسّراج روي أنّ [9] من أسرج في مسجد سراجا لم تزل الملائكة وحملة العرش يستغفرون له ما دام في ذلك المسجد ضوء ، وقيل : المراد شغلها بالعبادة مثل الصّلاة والذكر وتلاوة القرآن قيل : وصيانتها من أعمال الدنيا واللهو واللغط وعمل الصنائع ، وظاهر القاضي والكشاف والجوامع : القول بالجميع ، وقد تقدّم ما يقتضي ذلك في الجملة.

قالوا : ومن الذكر درس العلم ، قالا بل هو أجلّه وأفضله وكذا صيانتها من أحاديث الدّنيا فضلا عن فضول الحديث وفي الحديث [10] «يأتي في آخر الزّمان ناس من أمّتي يأتون المساجد فيقعدون فيها حلقا ذكرهم الدّنيا وحبّ الدّنيا ، لا تجالسوهم فليس لله بهم حاجة».

وفيه أيضا [11] : الحديث في المسجد تأكل الحسنات كما تأكل البهيمة الحشيش وفي الصّحيح [12] عن عليّ الحسين (عليه‌ السلام) قال : قال رسول الله (صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله) : من سمعتموه ينشد الشعر في المساجد فقولوا : فضّ الله فاك إنّما بنيت المساجد للقرآن.

في الكشاف [13] وقال (عليه‌ السلام) قال الله إنّ بيوتي في أرضى المساجد ، وإنّ زوّاري فيها عمّارها ، فطوبى لعبد تطهّر في بيته ثمّ زارني في بيتي ، فحقّ على المزور أن يكرم زائره.

وروى [14] ابن بابويه بإسناده إلى عبد الله بن جعفر عن أبيه قال : قال رسول الله (صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله) قال الله تبارك وتعالى : ألا إنّ بيوتي في الأرض المساجد تضيء لأهل السماء كما تضيء النجوم لأهل الأرض ، ألا طوبى لمن كانت المساجد بيوته ، ألا طوبى لعبد توضّأ ثمّ زارني في بيتي ، ألا إنّ على المزور كرامة الزائر ، ألا بشّر المشائين في الظلمات إلى المساجد بالنور الساطع يوم القيمة.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ} [المائدة: 57-58]

إن توالوا أعداء الله فإنّ الايمان يقتضي معاداتهم والحذر عن موالاتهم ، وقد رتّب الحكم على الوصف إيماء إلى العلّة ، وأنّ من هذا شأنه بعيد من الموالاة جدير بالمعاداة ، وقيل : فيه إشعار بعدم جواز موالاة الفسّاق ، ومعاشرتهم بحيث يشعر بالصداقة فافهم.

(وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها) أي الصلاة أو المناداة (هُزُواً وَلَعِباً) فكيف يجوز موالاتهم (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ).

فان السّفه يؤدّى إلى الجهل بالحقّ والهزء به ، والعقل يمنع منه فيؤدّي إلى معرفة الحقّ واتّباعه وتعظيمه.

في الكنز [15] اتفق المفسّرون على أنّ المراد هنا بالنداء الأذان ، ففيه دليل على أنّ الأذان والنداء إلى الصلاة مشروع بل مرغوب فيه من شعائر الإسلام ، ويومئ إلى أنّ ما يشعر بالتهاون بشعار من شعائر الإسلام حرام لا يجوز ، ولا لعبا بل كلّ ما يعدّ لعبا لا يجوز بالنسبة إلى شيء من أمور الدّين وأحكامه فكيف الاستهزاء.

وربّما أشعر بأنّ اتّخاذ نحو الصلاة والمناداة إليها هزوا ولعبا هو اتّخاذ الدّين كذلك ، وفيه تنبيه أيضا على أنّه لا ينبغي أو لا يجوز موالاة المجانين والسّفهاء وأنّ دين الرّجل من عقله وعلى قدر عقله.

قيل : كان رجل من النصارى [16] بالمدينة إذا سمع المؤذّن يقول : أشهد أنّ محمّدا رسول الله ، قال حرق الكاذب ، فدخل خادمه بنار ذات ليلة وهو نائم فتطايرت منها شرارة في البيت فاحترق البيت واحترق هو وأهله ، وقيل فيه دليل على أنّ ثبوت الأذان بالكتاب لا بالمنام. وفيه نظر ، نعم يدلّ على ما تقدّم ، وعلى أنه كان ثابتا.

 


[1] المجمع ج 1 ص 189.

[2] كنز العرفان ج 1 ص 105.

[3] الكشاف ج 1 ص 179.

[4] نور الثقلين ج 1 ص 98 والمجمع ج 1 ص 190.

[5] انظر تعاليقنا على مسالك الافهام ج 1 ص 187 وص 188.

[6] انظر مسالك الافهام ج 1 ص 188 والكشاف ج 2 ص 254.

[7] انظر تعاليقنا على هذا الجزء ص 35 و 36 في معنى عسى ولعل في القرآن.

[8] انظر الوسائل الباب 32 من أحكام المساجد.

[9] الوسائل الباب 34 من أبواب أحكام المساجد وقريب منه في الكشاف ج 2 ص 255.

[10] الوسائل الباب 14 من أبواب أحكام المساجد وقريب منه في الكشاف ج 2 ص 254.

[11] ترى مضمونه في مستدرك الوسائل ج 1 ص 228 والكشاف ج 2 ص 254.

[12] الباب 14 من أبواب أحكام المساجد من الوسائل.

[13] الكشاف ج 2 ص 254.

[14] الوسائل الباب 3 من أحكام المساجد.

[15] انظر كنز العرفان ج 1 ص 112.

[16] حكاه في الكشاف ج 1 ص 650 وفي الكاف الشاف أخرجه الطبري من رواية أسباط عن السدّي وحكى القصة في البحار ط كمپانى ج 18 ص 160 عن السدّي وقال في الكشاف وقيل فيه دليل على ثبوت الأذان بنص الكتاب لا بالمنام وحده وانظر تعاليقنا على كنز العرفان من ص 112 الى ص 114 ج 1 ومسالك الافهام ج 1 من ص 192 الى ص 194.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .