أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-06-2015
1882
التاريخ: 14-06-2015
1476
التاريخ: 12-06-2015
2020
التاريخ: 14-06-2015
1896
|
الأصول العامّة لتحليل النص القرآني :
1ـ فهم النص المراد تحليله فهمًا جيّدًا أوّلاً، وذلك بالرجوع الى كتب التفسير ومعاني القرآن الكريم ، وكتب مفردات القرآن الكريم ، والوجوه والنظائر في القرآن الكريم ، وكتب إعجاز القرآن الكريم ، وما إليها. وذلك لطبيعة النص القرآني فقد جاء عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ الْجُعْفِيِّ قَالَ: (سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) عَنْ شَيْءٍ مِنَ التَّفْسِيرِ, فَأَجَابَنِي ثُمَّ سَأَلْتُهُ عَنْهُ ثَانِيَةً فَأَجَابَنِي بِجَوَابٍ آخَرَ , فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ كُنْتَ أَجَبْتَنِي فِي هَذِهِ الْـمَسْأَلَةِ بِجَوَابٍ غَيْرِ هَذَا قَبْلَ الْيَوْمِ؟ فَقَالَ: يَا جَابِرُ إِنَّ لِلْقُرْآنِ بَطْناً وَ لِلْبَطْنِ بَطْناً وَ لَهُ ظَهْرٌ وَ لِلظَّهْرِ ظَهْرٌ يَا جَابِرُ لَيْسَ شَيْءٌ أَبْعَدَ مِنْ عُقُولِ الرِّجَالِ مِنْ تَفْسِيرِ القرآن إِنَّ الْآيَةَ يَكُونُ أَوَّلُهَا فِي شَيْءٍ وَ آخِرُهَا فِي شَيْءٍ وَ هُوَ كَلَامٌ مُتَّصِلٌ مُنْصـرفٌ عَلَى وُجُوهٍ)[1].
2ـ الرجوع الى روايات أهل البيت ( المعتبرة, إذ ارسى اهل البيت قواعد التفسير , وبينوا ما أُجمل من خلال احاديثهم وخطبهم, والا وقعنا في التخبط وعدم معرفة مراد الله عزو جل , ومن خلال مراجعة كتب الشأن القرآني تجلى لي ان هناك اخطاء كبيرة تحتاج الى تنقيح وفق تلك الروايات المعتبرة, واذكر مثالا واحد حتى لا تكون مجرد دعوى , في قوله تعالى : { الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ }[2], عدَّ جل المفسـرين أنَّ فاعل (أملى) هو عين فاعل (سوّل), لكن من خلال روايات أهل البيت ( نستطيع أن نميز الضمير المستتر في (سوَّل وأملى), فقد روي عن الإمام علي (عليه السلام) في وصيته لكميل: (.. {الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَ أَمْلى لَهُمْ}, وَ الْـمُسَوِّلُ الشَّيْطَانُ, وَ الْـمُمْلِي اللهُ تَعَالَى)[3]. وهذا ليس مقتصـرا على طرق الخاصة بل جاء عن طرق العامة جاء في تفسير مقاتل بن سليمان (ت 105هـ ): (الشيطان سوَل لهم يعني :زين لهم ترك الهدى , يعني إيمانًا بمحمد (صلى الله عليه واله وسلم) , وأملى الله لهم)[4].
3ـ توظيف مطالب علوم القرآن الكريم في تحليل النص إذ انها تُعين على استجلاء معانيه، ومن أجل فهمه فهمًا سليمًا متكاملاً، ومثال ذلك الرجوع إلى (أسباب النـزول)، إذ إنها تعين على فهم النص المراد تحليله، وتكشف عن ظروفه التي صحبته عند نزوله، من حيث الزمان والمكان والأحداث . ومثله تماما علم (المكي والمدني)؛ إذ غالبا ما نجد ان الآيات المدنية حاكمة على الآيات المكية , فلا يمكن التعويل على الآيات المكية ما لم نلاحظ الآيات المدنية؛ لأنها متأخرة عنها , والمتأخر هو الذي يعول عليه في مراد الشارع إذ ان بعض الآيات يصيبها النسخ. وهذا يظهر جليا من خلال المناظر التي جرت بين مُحَمَّد بْنَ النُّعْمَانِ صَاحِبَ الطَّاق[5] وأَبِي حنيفة, إذ قال ابو حنيفة: ( يَا أَبَا جَعْفَرٍ، إِنَّ الْآيَةَ الَّتِي فِي[6] (سَأَلَ سَائِلٌ) تَنْطِقُ بِتَحْرِيمِ الْـمُتْعَةِ، وَ الرِّوَايَةَ عَنِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه واله وسلم) قَدْ جَاءَتْ بِنَسْخِهَا. فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ: يَا أَبَا حَنِيفَةَ، إِنَّ سُورَةَ (سَأَلَ سَائِلٌ) مَكِّيَّةٌ، وَ آيَةَ الْـمُتْعَةِ مَدَنِيَّةٌ)[7]. فاراد ان يقول له: ان التي يعمل بها ويعول عليها هي الآية المدنية؛ لانها متأخرة عن المكية فتكون حاكمة عليها.
ومن علوم القرآن الكريم التي ينبغي على المحلل أن يلتفت إليها، معرفة (الْـمُحْكَم والمتشابه)؛ لأنها ضـرورة أكد عليها آل البيت ( , عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شُبْرُمَةَ قَالَ: مَا أَذْكُرُ حَدِيثاً سَمِعْتُهُ مِنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليه السلام) إِلَّا كَادَ يَتَصَدَّعُ قَلْبِي, قَالَ: (قَالَ أَبِي, عَنْ جَدِّي, عَنْ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم) : .. مَنْ أَفْتَى النَّاسَ وَ هُوَ لَا يَعْلَمُ النَّاسِخَ وَ الْـمَنْسُوخَ, وَ الْـمُحْكَمَ وَ الْـمُتَشَابِهَ فَقَدْ هَلَكَ وَ أَهْلَك)[8]. وتتجلى أهمية بحث المحكم والمتشابه في مسائل العقيدة , وأهمها (متشابه الصفات)، صفات الله تعالى، فيجب ارجاع المتشابهات الى المحكمات لئلاّ يحملها المحلل للنص الكريم على غير المراد, وخير مثال ما عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ, قَالَ: ( دَخَلْتُ عَلَى الرِّضَا (عليه السلام) فَقَالَ لِي: .. إِذَا سَأَلُوكَ عَنِ التَّوْحِيدِ فَقُلْ كَمَا قَالَ اللهُ عَزَّ وَ جَلَّ: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ* اللهُ الصَّمَدُ *لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ* وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ}[9], وَ إِذَا سَأَلُوكَ عَنِ الْكَيْفِيَّةِ فَقُلْ كَمَا قَالَ اللهُ عَزَّ وَ جَلَّ: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[10], وَ إِذَا سَأَلُوكَ عَنِ السَّمْعِ فَقُلْ كَمَا قَالَ اللهُ عَزَّ وَ جَلَّ:{هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} فَكَلِّمِ النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ)[11].
كما ينبغي على المحلل للنص الكريم الالتفات إلى (الناسخ والمنسوخ) من نصوص القرآن الكريم ؛ لئلاّ يقع في وَهْم الأخذ بما هو منسوخ من الآيات، ولا سيّما ما يتعلق منها بالتشـريع؛ إذ لا خلاف بين أهل العلم في أنّ المنسوخ لا يجوز العمل به، بل يعمل بالناسخ له. يقول الامام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : ( لِقَاضٍ هَلْ تَعْرِفُ النَّاسِخَ مِنَ الْـمَنْسُوخِ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَهَلْ أَشـرفْتَ عَلَى مُرَادِ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ فِي أَمْثَالِ القرآن؟ قَالَ: لَا. قَالَ (عليه السلام): إِذاً هَلَكْتَ وَ أَهْلَكْت)[12].
4ـ دراسة النص المراد تحليله لغويا، والوقوف على المستوى المعجمي للمفردة, والتركيز ابتداء على تفسير (الألفاظ القرآنية الغريبة)، التي تحتاج إلى شـرح وبيان، وهو ما يعرف بـ (غريب القرآن)؛ لان اللغة العربية من اغنى اللغات بمادتها, والتي واكبت تطور الفكر الاسلامي والعلوم الاسلامية , واستيعاب تراث الحضارة الانسانية . وكانت البداية من القرآن الكريم , الذي جاء بألفاظ كانت لها معان لغوية معينة , فأعطاها دلالات جديدة , كألفاظ الصلاة , والزكاة والايمان والكفر والتقوى , وغيرها كثير , فمعانيها اللغوية قبل الاسلام معروفة في معانيها , وربما استعملها القرآن الكريم في غير تلك المعاني , وبذلك يكون القرآن سنَّ للمسلمين سنة الاصطلاح. فلا بد من معرفة تلك المفردات وملاحظة العلاقة بين الوضع وبين الاستعمال. إذ أُلِّفتْ في هذا العلم كتب كثيرة قديمًا وحديثًا، من أشهرها (تفسير غريب القرآن) لابن قتيبة الدينوري (ت276هـ)، و(تفسير غريب القرآن) المسمى نزهة القلوب، لمحمد بن عزيز السجستاني (ت330هـ)، و( مفردات ألفاظ القرآن) للراغب الأصفهاني (ت 420هـ).
ومثاله استعمال (حنيفا) للقويم من الدين، بدل (مستقيم)، على حين نجد ان اصلها في اللغة هو الميل والانحراف, يقول ابن فارس ان اصلها يدل على الميل[13], فانما اراد انه مائل عن الباطل الى الحق. وكذا في قصة امرأة إبراهيم ؛ كما في قوله تعالى { وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشـرنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوب}[14], إذ الظاهر من ضحكت، هو الضحك المعروف على حين نجد أنها في الروايات عن أهل البيت اراد به ( الحيض) , ففي رواية عن أَبِي عبد الله (عليه السلام): (حَاضَتْ فَعَجِبَتْ مِنْ قَوْلِهِم)[15], وفي كتب اللغة يقول الخليل : (وقوله {فضحكت فَبشـرناها} يَعني طَمِثَتْ)[16]. وغير ذلك من استعمالات دقيقة في تعبير القرآن ، وتسمية الخوان (مائدة) اذا كان عليه طعام, كما في قوله تعالى على لسان عيسى (عليه السلام): { اللهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاء}[17], فملاحظة الدقة في استعمال الألفاظ وغريبها له أثر كبير في فهم النص القرآني الكريم.
5ـ الوقوف على اللهجات العربية, بل ربما يتعدى ذلك الى اللغات غير العربية كالعبرية والحبشية والقبطية والهندية ، ذات الصلة بفهم النص القرآني المراد تحليله وربطها قدر الإمكان بالمعنى المراد، فنجد أن البيئة العربية القديمة كانت توجد فيها اكثر من لهجة, كلهجة الحجاز, ونجد، وتهامة، واليمن، وما إليها. فمثلا نجد ان كلمة (طه) في لغة (طي) تختلف عن غيرها من اللهجات, فعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ وَ أَبِي جَعْفَرٍ عليهما السلام, قَالا: ({ طه} بِلُغَةِ طَيٍّ يَا مُحَمَّد)[18]. ونقل ابن منظور والزبيدي انها اختلف في اصلها فقد قيل: سـريانية, وقيل: نبطية, وقيل: حبشية[19].
6ـ الوقوف على حقيقة دلالة اللفظ أو التركيب، إذ ان بعض الالفاظ أحدثها الإسلام بعد ظهوره، مثل (الزكاة)، إذ ان أصلها في اللغة: النماء والزيادة, يقال: زكاة الزرعُ: إذا كثُر ونما. ثم استعملها القرآن للدلالة على مقدار من المال يخرج من اجمالي المال عند توفّر الشـروط المعتبرة في وجوبها ، وتدفَع إلى بيت مال المسلمين.
ومثلها (الربا)؛ إذ أصله الزيادة من ربا يربو: إذا زاد، ثم استعملها القرآن في المال الذي يؤخذ زائدًا على القرض، وهو ما حرّمه الإسلام بنص القرآن والحديث بشِدّة. ومن هذه الألفاظ الإسلامية (الكَلالة) في الإرث، وغير ذلك .
7ـ ومن الأمور المهمة ملاحظة العلاقات الدلالية بين الألفاظ في النص القرآني؛ إذ من خلالها تتجلي حقائق كثيرة, فتوصلنا الى فهم متكامل , خصوصا اذا علمنا أن القرآن يمثل منظومة متكاملة ، وأن كلماته ترتبط فيما بينها بمجموعة من العلاقات, ومن هذه العلاقات : (الاشتراك)، و(الاشتمال أو التضمن) (علاقة الجزء بالكل), و(التضادّ)، و(التقابل) بنوعيه: تقابل الضد والنقيض، وتقابل الخلاف، وكذلك علاقة (الترادف)، سواء أكان ترادفًا تامًّا، كما بين (البعل) و(الزّوج)، أم ترادفًا غير تامٍّ، كما بين (اليمين) و(الحِلْف)، و(الرُّؤيا) و(الحُلُم)، وغير ذلك . وخير مثال لملاحظة هذه العلاقات ما روي عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ الْجُعْفِيِّ, قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ (عليه السلام): (.. إِنَّ اللهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ {وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَ ما مَسَّنِيَ السُّوءُ}[20]) يَعْنِي الْفَقْرَ, وَ قَالَ جَلَّ جَلَالُهُ {وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ هَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَ الْفَحْشاءَ}[21], فَالسُّوءُ هَاهُنَا الزِّنَاءُ, وَ قَالَ عَزَّ وَ جَلَّ فِي قِصَّةِ مُوسَى (عليه السلام) {أَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ}[22] يَعْنِي مِنْ غَيْرِ مَرَضٍ وَ اجْمَعْ ذَلِكَ عِنْدَ حِجَامَتِكَ وَ الدَّمُ يَسِيلُ بِهَذِهِ الْعُوذَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ)[23]. فهنا اراد ان يببين الامام ان السوء مشترك لفظي يقع على معان مختلفة قد حددها السياق وان اتفق اللفظ.
8ـ بيان (الدلالة الإيحائية) للألفاظ والتراكيب والتعابير القرآنية، وهي الدلالة التي يسمّيها المعاصـرون (الإضافية)، أو (ظل المعنى) (Shade of meaning)، وهي من الدلالات ذات القيمة المعنوية العالية الدقيقة في تعبير القرآن، كالإيحاء الى عظيم ملك سليمان من خلال مجموعة من الالفاظ التي ذكرها القرآن كقوله تعالى: { وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ }[24]، إذ نستطيع تصور عظمة مملكة سيلمان من امرين:
أحدهما: ان القدور الراسية هي الثابتة على الاثافي لا تبدل لعظمتها, والتي يكون لازمها عظيم ما يوضع فيها من الطعام , وبالتالي عظيم عدد المطعومين.
الآخر: ان لفظة القدور جمع.
نذكر دلالة أخرى هو ان الالهة لا يحتاج الى الامتلاء ولا الى الخلو وهذا مستفاد من كلامه تعالى عن السيد المسيح وأمّه عليهما السلام, اذ قال تعالى:{ مَا الْـمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ }[25], يعني كانا يحدثان فكنى الله عن الحدث بالطعام[26].
9ـ الوقوف على الدلالة الرمزية في التعبير القرآني، بصورها المتعددة، واستجلاء معانيها, كرموز (الألوان) من بياض، وسواد، وخُضـرة، وصُفرة، وزُرقة، خصوصا ان القرآن قد استعملها, كقوله تعالى: { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ }[27], وقوله تعالى: { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ }[28], وقوله تعالى:{ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشـر الْـمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا }[29], فكل لون له دلالة , بحسب ما ترمز إليه لدى العرب عند ظهور الإسلام.
وكذلك رموز الحركات، كقوله تعالى: { وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ }[30], وقوله:{ وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا }[31], فهاتان الحركتان دلالة و رمز على الندم، وقوله تعالى : { فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ}[32], وهذا رمز للتعجب , ومن الرموز التي تبطنت دلالة الأصوات التي عُبِّر بها عن حالات نفسية، كقوله تعالى:{ فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صـرةٍ }[33] , والتأفُّف (أُفٍّ)، كقوله تعالى : { أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}[34], في التعبير عن التحسـر والتضجُّر، وما إلى ذلك من رموز صوتية.
10ـ من الأمور التي يجب الوقوف عندها (القرائن الدلالية) والمراد منها ما يصاحب النص ، من أمور لغوية أو حالية أو عقلية تصـرف اللفظ عن معناه الاصلي مبينة المعنى الذي يريده المتكلم , وهي ثلاث:
أولا: القرائن اللفظية: وهي التي تفهم من اللفظ, وهي قسمان: السياقية وغير السياقية.
ثانيا: القرينية الحالية (context of situation): (وهي ما يدلُّ على مُرادِ المُتكلِّم وغرضِه من الكلامِ من خارجِ اللفظ, والقرائن الحاليَّةُ قد تُسمَّى: قرائن مقاميَّة)[35]. كما قوله تعالى: {وَ لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَ إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ}[36] فهذه مخاطبة للنبي (صلى الله عليه واله وسلم) , و المعنى لأمته[37]؛ لان إشراكِه مقطوعٌ بعدمه, ولا يتناسب مع مقام النبوة.
ثالثا: القرينة العقلية: (هي التي تكون العلاقة بينها وبين مدلولها قائمةً على العقل، بحيث يستنبطها العقل في كل وقتٍ وحين)[38], وهي التي سمّاها اللغوي المعاصـر جومسكي ( Competence)، أي (القُدرة(, ولنذكر مثال حتى تتضح الصورة أكثر قال تعالى : { وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا }[39], فلا يمكن ان نتصور مع عدل الله عز وجل ان من كان في الدنيا اعمى فان مصيره في الآخر يكون العمى ايضا, ولكن من خلال القرينة العقلية نستطيع ان نعرف ان المراد من الاعمى هو الضال عن سبيل الله عز وجل, فقد روي عن أَبِي عبد الله (عليه السلام) أنه قال : ( ... يا أبا بصير أ وما سمعت قول الله: { وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا }؟ عَمِيَ عَنْ فَرِيضَةٍ مِنْ فَرَائِضِ الله)[40].
11ـ الوقوف على الجانب النحوي في التراكيب المختلفة للنص المراد تحليله , إذ بعد تشكيل المصحف ووضع الحركات الاعرابية اصبحت دليلا على المعاني ، فلا بد من مراعاة الجانب الاعراب حتى لا نقع في تفسير خاطئ للنص, وهذا وحده لا يكفي أي الاعتماد على الجانب النحوي, فلا بد من تحكيم العقيدة وثوابت الشـرع في مسائل النحو, ففي قوله تعالى { أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْـمُشـركِينَ وَرَسُولُهُ }[41] لو قرئت بالكسـر لما جاز اتباع الرسول؛ لان الله تعالى تبرأ من الرسول وحاشاه, وَ رُوِيَ ( أَنَّ أَعْرَابِيّاً سَمِعَ مِنْ سُوقِيٍّ يَقْرَأُ{ أَنَ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْـمُشـركِينَ} وَ رَسُولِهِ فَشَجَّ رَأْسَهُ, فَخَاصَمَهُ إِلَى أَمِيرِ الْـمُؤْمِنِينَ(عليه السلام) , فَقَالَ لَهُ فِي ذَلِكَ, فَقَالَ: إِنَّهُ كَفَرَ بِاللهِ فِي قِرَاءَتِهِ, فَقَالَ (عليه السلام): إِنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ ذَلِكَ)[42].
12ـ ومن المستويات المهمة التي يجب الوقوف عندها المستوى الصـرفي، وبيان علاقته بالمعنى؛ لان التصـريف هو بناء الكلمة وفق ما نريد من معنى، كصيغ (الأفعال)، مثل دلالة (فَعلة) على حدوث الفعل مرة واحدة ، ودلالة (فِعلة) على هيئة الفعل ،و(فَعَّلَ) على التكثير والتكرير، و(فاعَلَ) على المشاركة، و (فَعْلَلَ) على الاضطراب والحركة الشديدة، و(اسْتَفْعَلَ) دلالة على طلب الشـيء , وغيرها من الصيغ ، وكذلك صيغ (الأسماء)، مثل (فَعِلٌ) للدلالة على المبالغة، و(فَعُولٌ) كذلك، و(فَعّال) للتكثير... وغيرها من صيغ ذات دلالات معيّنة, بيان العلاقة بين (زيادة المبنى) و(زيادة المعنى)، كما بين (خَرْج) و(خراج) و(صـر) و(صـرصـر)؛ إذ الثانية منهما أبلغ من الأولى في المعنى، ولهذا قال سبحانه وتعالى مخاطبة النبي: { أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}[43]، فأضاف الأكثر والأعظم إليه سبحانه وهو (الخراج) دون الخرج.
13ـ بيان (العلاقة الدلالية) بين الألفاظ والتراكيب في السياقات التعبيرية المختلفة، وفي السياق الواحد، من نواح متعددة، مثل (الإبهام) و(البيان) في سياقين مختلفين ومتباعدين، كقوله تعالى :{وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا}[44], وقوله في سورة الملك: {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا}[45], فأبهم في النص الأول بقوله: (سَبْعًا شِدَادًا)، ثم بيّن في النص الثاني ماهية السبع الشِّداد.
ومن هذا النوع المتعلق بالعلاقات الدلالية بين الألفاظ، علاقة (الإبهام)، ثم (البيان القائم على التفصيل) في سياق واحد متصل، وكقوله تعالى في صفة فريق من المؤمنين: { إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْـمَحْرُومِ}[46], إذ أبهم التعبير الكريم عملهم الصالح أوّلاً، مكتفيًا بوصفهم بأنَّهم كانوا محسنين في دنياهم قبل أن يقفوا بين يدي الله تعالى للحساب، ثم فصَّل في السياق بعده مباشـرة، ماهية هذا الإحسان بثلاث صفات هي :
أولا: كانوا يسهرون أكثر الليل في الصلاة، وذكر الله، وتلاوة القرآن.
ثانيًا: أنهم كانوا في أوقات السَّحَر، أي قبيل الفجر، يستغفرون الله تعالى.
ثالثًا: أنهم يجعلون جزءًا من أموالهم للفقراء والمساكين، بحسب ما تمليه شـريعة ربّ العالمين.
من هذا النوع المتعلق بالعلاقات الدلالية بين الألفاظ والتراكيب في السياقات، عطف العامّ على الخاصّ، كعطف {وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} على ما تقدّمه، وهو: {الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ} [47].
14ـ استظهار المعاني الجليلة في الخطاب القرآني الذي شمل بين جنباته ما يعزز الجانب النفسـي، عند المؤمن ويرغب الكافر بالإيمان , كالترقق في مخاطبة لقمان لابنه وهو ينصحه بقوله: { يَبُنَيَّ } التي تُشعر بالحنان البالغ، وروح التحبُّب، التي أنبأ عنها هذا التصغير للفظة (ابن)، توخِّيًا للتأثير في هذا المتلقِّي الحبيب. وكذلك { يَأَبَتِ} في خطاب إبراهيم (عليه السلام) لآزر، وهو يدعوه إلى التوحيد ونبذ الشـرك، وقول هارون (عليه السلام) لأخيه موسى (عليه السلام) حين عبد بنو إسـرائيل العِجْل في غياب موسى: { يَبْنَؤُمَّ } دفعًا لغضبه عليه، ولم يقل له: (يا ابن أبي) أو (يا ابن والدي) مثلاً؛ وذلك لما في ذِكْر الأمّ هنا من أثر في نفس المتلقِّي، وهو موسى (عليه السلام)، منبعث من رِقّتها وحنانها على أولادها بكثرة. وهذا ونظائره من انصع الصور التي عبّر به القرآن، مراعيًا الجانب النفسي فيه.
15ـ من المسائل التي يجب أن يلتفت اليها المحلل هي النسق التعبيري في القرآن، ومحاولة فهمه وتحليله، كتقديم لفظ على آخر، كتقديم اليمين على الشمال في قوله: {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ}[48] , ثم قوله بعد آيات: { وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ }[49]؛ إذ (أصحاب اليمين) هم أهل الجنّة والنّعيم، في حين أنّ (أصحاب الشِّمال) هم أهل النّار والجحيم.
وقد سمّى التعبير القرآني الفريق الأوّل: {أَصْحَبُ الميْمَنَةِ}، وسمّى الفريق الثاني: {أَصْحَبُ المشْئَمَةِ}. وهذا مبنيّ على التفاؤل والتشاؤم في عادات العرب؛ إذ كانوا يتفاءلون باليمين، ويتشاءمون بالشمال. وبقي هذا في العُرْف الاجتماعي الذي تجلّى كذلك في التعبير القرآني، سائدًا في حياة المسلمين. فكانوا يتيامنون في كل عمل، كالأكل باليمين، ، كالأكل باليمين، والتختُّم باليمين، والصبّ عند الاغتسال باليمين وتناول الشـيء وغير ذلك. وقد أكد ذلك الحديث الشـريف، إذ كان يحثّ على التيامن.
16ـ من المسائل المهمة التي تحتاج من المحلل وقفة تأملية مسألة التشخيص والتجسيم الفني في القرآن, والتي تعني إضفاء صفات البشـر على أفكارٍ مُجَرَّدة ، أو على أشياء لَيْس فيها حياة , فتضفي على الشـيء المتحدَّث عنه (صفة الإنسانية)، وهي البشـرية، كتشخيص عدد من عناصـر الطبيعة (الصامتة)، مثاله سجود الشمس والقمر والكواكب في رؤيا نبيّ الله يوسف (عليه السلام) له, قال تعالى: { رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ}[50], وقد نبّه على هذه الظاهرة عدد من كبار قدماء اللغويين، كأَبِي عبيدة معمر بن المثنى (ت215هـ)، في كتابه (مجاز القرآن)، ونبّه عليه كذلك عبد القاهر الجرجاني (ت 474هـ) واصفًا إياه بأنه ( ضـرب من المجاز كثير في القرآن). ونبّه عليه بعدهما جار الله الزمخشـري (ت 537هـ)، مجلّيًا ظاهرة التشخيص في آية السجود بقوله: (...فلِمَ أُجرِيَتْ مجرى العقلاء ؟ ) وأجاب عن ذلك بقوله: (لَمّا وصفوه بما هو خاصّ بالعقلاء وهو السجود، أجرى عليه حُكمَهُ، كأنها عاقلة)[51]. ثم وصف الزمخشـري هذا اللون من التعبير بأنه )كثير شائع في كلام العرب.(
ومنه تشخيص الطبيعة (الحية)، كتشخيص النملة في خطابها للنمل الذي معها، بقوله تعالى: { قَالَتْ نَمْلَةٌ يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}[52], فقالت بصيغة جمع العقلاء (ادخلوا).
ومن صور التجسيم الفنّي تجسيم الحسِّيات -أي ما يدرك بإحدى الحواسّ- كالليل والنهار والصبح، و تجسيمًا المعنويات، عقلية كانت كالحق والباطل، أم نفسية، كالرُّعْب والخوف. فمن الأول قوله: { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ}[53]، أي: يُدخل أحدَهما في الآخر، فتكون ظاهرة الليل والنهار من هذا التداخل. وهذا النوع يسمى (تجسيم الزمان).
ومن الثاني وهو المتعلق بتجسيم المعنوي، قوله تعالى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْـحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ}[54]، فجعل الحق - وهو معنويّ- جسمًا ثقيلاً مقذوفًا على الباطل، الذي صوّره التعبير القرآني كأنه جسم أيضًا. وهذا من جميل تصوير القرآن في تجسيم المعنويات[55].
17ـ من المحطات التي يقف عندها المحلل ( المستوى الصوتي) للنص القرآني ، سواء تعلّق بالصوت المفرد الفُونيم( ( Phoneme، كالباء، والميم، والنون، والهاء، أم تعلّق بـ (المقطع) المؤلَّف من صوتين أو ثلاثة، وسواء تعلّق بالصوت المفرد، أم بالمركّب، أم بالتعبير، مع ربط الصور الصوتية بالمعاني المختلفة في التعابير القرآنية، مع ضـرورة التنبيه على ظاهرة الاستبدال الصوتي بين الوحدات الصوتية الصغيرة، وهي (الفونيمات)، وأثر ذلك في تحقيق الفروق الدلالية بين كثير من الألفاظ القرآنية المتقاربة الأصوات، ما بين سياق وآخر، كما في: هَزَّ وأَزَّ، وكتَمَ وكَظَمَ، وغَشَّى وغَطَّى.
18ـ مما سجل من العلوم التي تعتني بالقرآن (القراءات القرآنية) التي قُرِئ بها النص الكريم، سواء أكانت مشهورة، أم غير مشهورة، مع كشف أوجهها اللغوية والنحوية والصـرفية والبلاغية، وذلك لتعلّق معنى النص بها؛ لان توجيه القراءة مقصود , وهذه القصود ربما ترتبط بالمبنى العقدي , الذي أدى الى اختلاف بين قراءة وأخرى، أو لكشفها لظواهر اللغة المختلفة، كالهمز في (كُفُؤًا) وتسهيله في (كُفُوًا)، وكالإطباق الصوتي في صاد لفظة (الصـراط)، وعدمه في سين (السـراط)، وكالمدّ في (مَالِكِ) والقَصـر في (مَلِكِ)، إذ معنى (مَلِكِ) أبلغ من معنى (مَالِك)، من حيث إنّ كلَّ مَلِكٍ مالِكٌ، وليس كلُّ مالِكٍ مَلِكًا.
19ـ لعلوم البلاغة الثلاثة: المعاني، والبيان، والبديع؛ مكانة كبيرة في عملية التحليل , إذ يتعلّق بالعلم الأول، وهو (علم المعاني) إذ يبحث فيه مطابقة الكلام لمقتضى الحال, وتتعلق به ظواهر تعبيرية كثيرة، كالتقديم والتأخير، والتعريف والتنكير، والإيجاز بنوعيه: إيجاز الحذف وإيجاز القِصـر، فمن الأول حذف المبتدأ من الجملة الاسمية، كما في قوله: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ }[56] ، ومن الثاني قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }[57].
أما العلم الثاني (البيان) وهو علم يعرف به ايراد المعنى الواحد بصور عدة. و يتعلّق بالحقيقة والمجاز. فمن المجاز: التشبيه، والاستعارة، والكناية، والمجاز المرسل، وما إليها. وتنبغي العناية بفنّ (الالتفات) كذلك، إذ هو فنّ رفيع في تعبير القرآن، وثيق الارتباط بالمعنى، وذلك بالانتقال من ضمير إلى آخر في السياق، كانتقاله من الغَيبة إلى الخطاب في قوله تعالى: {مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ الْـمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}[58]. فالتفت بقوله (مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ) من الغَيبة في الحديث عن المؤمنين إلى الخطاب , ومن موضوعات (علم البديع)، الطِباق، والجِناس، والتَّوْرِية، والتقابل، وما إليها. فهذه كلها ينبغي على المحلل للنص القرآنيّ أن يعطيَها حقَّها من الدرس والفهم والتحليل والتعليل، لمعرفة معاني القرآن المجيد معرفة شاملة وافية، لا تقف عند جوانب دون أخرى، وإنما تتناول الجواب كلها.
20ـ ضـرورة بيان العلاقات الدلالية بين الآيات الكريمة، والكشف عن الوشائج التي تربط الجمل والألفاظ والتراكيب، وما يترتب على ذلك من ترابط وتلاؤم معنويّ، بحيث يُرَدّ المتأخر على المتقدّم عند التحليل ويُربَط به معنويًّا، أو يُشار إلى علاقة المتقدِّم بالمتأخِّر، أو تأثيره فيه لفظًا ودلالة، من خلال التأمّل في السياق، وهو مجرى الكلام، ليكشف المحلل بذلك عن حقيقة أنّ القرآن العظيم بناء متماسك لا نظير له، بل هو نسيج واحد. ولتحقيق ذلك، ينبغي على المحلل للنص الكريم أن يُحسِن التفهم؛ إذ إنّ الكتاب المجيد كلّما أكثر فيه الدارس التأمّل والسَّبْر، منح دارسه من المعاني والدلالات ما لا يحققه القارئ المتعجِّل، الذي لا يُحسِن إلاّ القراءة، دون عمق الفهم والتحليل . ويذكر أهل العلم أنّ مَن فسـر القرآن، وهو غير محيط بهذه العلوم التي تقدّم الحديث عنها وبيانها، في ما أوردناه منها، انطبق عليه (التفسير بالرأي) المنهي عنه، وإذا فسـره وهو محيط بها، لم يكن تفسيره من هذا النوع المنهيّ عنه في الشـرع، بل هو من النوع المباح. والله سبحانه الموفِّق للصواب، والهادي إلى سواء السبل[59].
[1] البرقي : أحمد بن محمد بن خالد: المحاسن 2 : 300.
[2] سورة محمد : 25.
[3] الطبري الآملي: عماد الدين أبو جعفر محمد بن أبي القاسم: بشارة المصطفى لشيعة المرتضى المكتبة الحيدرية,ط2- 1382 هـ , النجف: 27 .
[4] تفسير مقاتل بن سليمان, المحقق: شحاتة، عبد الله محمود, ط1-1423 هـ, الناشر: دار إحياء التراث العربي, بيروت4: 49.
[5] هو محمد بن علي بن النعمان الاحوال، أبو جعفر، الملقب ب (مؤمن الطاق) قال في الفهرست: محمد بن النعمان الاحول (رحمه الله) يلقب عندنا ب (مؤمن الطاق) ويلقبه المخالفون ب (شيطان الطاق) من أصحاب أبي عبد الله، جعفر بن محمد%، وكان ثقة متكلما حاذقا حاضر الجواب له كتب.
[6] الآية التي في( سَأَلَ سَائلُ) هي قوله سبحانه: { وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ* إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ} المعارج: 29 -30.
[7] الكليني: محمد بن يعقوب: الكافي 11: 13.
[8] البرقي : أحمد بن محمد بن خالد: المحاسن 1 : 206.
[9] سورة الاخلاص: 1-4.
[10] سورة الشورى : 11.
[11] الصدوق: التوحيد : 95.
[12] مصباح الشريعة ؛ منسوب الى جعفر بن محمد %: 17.
[13] ظ: ابن فارس: معجم مقاييس اللغة 2 : 110.
[14] سورة هود: 71.
[15] العياشي: محمد بن مسعود: تفسير العياشي 2 : 152.
[16] الفراهيدي: الخليل بن احمد: العين 3: 58.
[17] سورة المائدة : 114.
[18] القمي: علب بن ابراهيم: تفسير القمي 2 :57-85.
[19] ابن منظور: لسان العرب4: 2714, والزبيدي: تاج العروس 36: 431.
[20] سورة الاعراف: 188.
[21] سورة يوسف: 24.
[22] سورة النمل: 12.
[23] طب الأئمة ( : 55-56.
[24] سورة سبأ : 13.
[25] سورة المائدة : 75.
[26] القمي: تفسير القمي1: 176.
[27] سورة آل عمران: 106.
[28] سورة الزمر : 21.
[29] سورة طه: 102.
[30]سورة آل عمران: 119.
[31] سورة الكهف :42.
[32] سورة الذاريات : 29.
[33] سورة الذاريات : 29.
[34] سورة الانبياء: 67.
[35] القالش: ضياء الدين: القرائن في علم المعاني :103
[36] سورة الزمر: 65.
[37] القمي: علي بن ابراهيم: تفسير القمي2: 251.
[38] الزرقاء :المدخل الفقهي العام 2: 936.
[39] سورة الاسـراء : 72.
[40] العياشي: محمد بن مسعود: تفسير العياشي2 : 306.
[41] سورة التوبة: 3.
[42] ابن شهرآشوب: مناقب آل أبي طالب( 2 : 47.
[43] سورة المؤمنون: 72
[44] سورة النبأ: 1.
[45] سورة الْـمُلْك: 3
[46] سورة الذاريات : 16-19.
[47] سورة النحل: 11.
[48] سورة الواقعة: 27.
[49] سورة الواقعة: 41.
[50] سورة يوسف: 4.
[51] الزمخشري: أبو القاسم محمود بن عمر الخوارزمي: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل, تحقيق : عبد الرزاق المهدي, دار النشر : دار إحياء التراث العربي – بيروت2: 418.
[52] سورة النمل: 18.
[53] سورة الحج :61.
[54] سورة الانبياء: 18.
[55] علي: عثمان فورزي: التخييل والتجسيم في القرآن الكريم, ط1-2018 : 47.
[56] سورة هود:1.
[57] سورة البقرة : 179.
[58] سورة آل عمران: 179.
[59] الزيدي: الدكتور قاصد ياسـر: الاصول العامة لتحليل النص, نشر في مجلة العرب (محرم وصفر 1427هـ).
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
قسم التربية والتعليم يكرّم الطلبة الأوائل في المراحل المنتهية
|
|
|