أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-08-14
![]()
التاريخ: 2023-08-28
![]()
التاريخ: 2023-12-10
![]()
التاريخ: 6-11-2016
![]() |
على الرغم من أن الحجاز لم يكن قبيل الإسلام واقعًا في مجرى التيار العالمي من ناحية الثقافة، إلا أنه لم يكن بمنأى عنها فلقد تسربت إليه من بلاد العرب الجنوبية بعض الآثار الثقافية، مما لقحت به لغة العرب الشماليين، ونقصد بها لغة قريش التي تمكنت في هذا القرن السابق على الإسلام من أن تسود لغات العرب أجمعين، وتصبح لها الصدارة بين كل لهجاتهم، فألفاظ الرحمن والرحيم وشرك وكفر وغيرها هي ألفاظ جنوبية، سلكت سبيلها إلى الحجاز واستُعملت في المعاني التي كانت تُطلق عليها في الجنوب كما تدل على ذلك النقوش التي كُشفت حديثًا.كذلك كان لسكان الحبشة الساميين أثر في ثقافة الحجاز، وقد سبق أن درسنا أن الحبشة كانت تشترك مع دولة حمير في احتكار تجارة التوابل والأفاوية في العالم القديم، التي كان الحجاز طريق نقلها الهام، ودرسنا أيضًا بأنه في الخمسين سنة السابقة لميلاد النبي عليه السلام، كانت الحبشة تحكم اليمن، وأنه في عام ميلاده — أي عام الفيل — كانوا يهددون مكة والكعبة بالغزو، وكانت مكة نفسها مقرًّا لكثير من الأحباش الذين كانوا — في الغالب — يعتنقون المسيحية، وكان بلال مؤذن الرسول عبدًا حبشيًّا، وفي القرآن الكريم إشارات كثيرة إلى البحر وركوبه وأمواجه، وكان العرب يعرفون هذا بسبب علاقاتهم البحرية مع الحبشة، وفي تاريخ السيرة: أن المسلمين المضطهدين من قريش الوثنية، هاجروا هجرتهم الأولى إلى الحبشة. وإذا تعقبنا الألفاظ العربية التي ترجع إلى أصل حبشي، وجدنا فيها ما يثبت لنا ذلك التأثر الثقافي، ومن هذه الألفاظ نذكر الكلمات الآتية: برهان – حواريون – جهنم «وأصلها عبري» – مائدة – ملك «أحد الملائكة وأصلها عبري» – محراب – منبر – مصحف – شيطان، وقد أورد السيوطي في كتابه الإتقان الكثير من الكلمات الأعجمية التي وردت في القرآن. وفي القرن السابق لتأسيس الإسلام كان كل من فارس والحبشة يتنازعان السيطرة على اليمن، ولقد انتقلت فنون فارس الحربية إلى الحجاز عن طريق اليمن، كما انتقلت — أيضًا — عن طريق الحيرة، ومن المعروف أن سلمان الفارسي هو الذي أشار على الرسول ﷺ بحفر خندق حول المدينة في غزوة الأحزاب، وكانت الحيرة من العوامل التي نشرت الثقافة الفارسية في بلاد العرب، كما كان لها أثر في نقل بعض مظاهر الثقافة الآرامية النسطورية قبل أيام الرسول، ولما كان النساطرة أنفسهم متأثرين بالحضارة الإغريقية، فقد كانوا أيضًا واسطة في نقلها مع ثقافتهم والثقافة الفارسية إلى قلب بلاد العرب الوثنية، ومن الألفاظ الفارسية التي دخلت إلى اللغة العربية لفظ الفرند «السيف» – والفردوس – وسجيل «حجارة» – والبرزخ – وزنجبيل – وخندق – وغيرها. وكما كان لنساطرة الحيرة هذا الأثر الثقافي في الحجاز، كذلك كان ليعاقبة الغسانيين أثر في شعب الحجاز أيضًا، وقد نقلوا إليه ما تأثروا هم به بحكم جوارهم لبيزنطة، ومن الأسماء التي شاع استعمالها نقلًا عنهم أسماء داود – وسليمان – وعيسى وغيرها من الأسماء التي شاعت إلى حد ما قبيل الإسلام في بلاد العرب، على أننا يجب ألا نغالي كثيرًا في هذا الأثر من اليعاقبة والنساطرة؛ لأن المسيحية — كما بينا في فقرة [المسيحية ببلاد العرب] — لم ترسخ أقدامها في بلاد العرب، ومن الألفاظ التي نقلها مسيحيو الغساسنة إلى اللغة العربية ما يأتي: كنيسة – وبيعة – ودمية – وصورة – وقسيس – وصدقة – وناطور – ونير – وفدان – وقنديل «وهذه مأخوذة من أصل لاتيني هو كنديل» – وقصر «وهذه مأخوذة من كسترم اللاتينية التي تحولت إلى قسطرا السريانية وقصر الآرامية«. وتأثرت بلاد العرب بالتوحيد اليهودي، كما تأثرت بالتوحيد المسيحي؛ وقد سبق أن قلنا: إنه كان لليهود مستعمرات زاهرة في المدينة، وبعض الواحات الخصبة في شمال الحجاز، ومن الألفاظ التي دخلت العربية عن طريق العبرية لفظ جبريل – وصورة – وجبار، وقد أورد الجمحي في كتابه طبقات الشعراء تراجم الكثير من شعراء اليهود في المدينة، كما روى صاحب الأغاني كثيرًا من أشعار اليهود، ولكن الشاعر الوحيد اليهودي الذي وصلنا ديوانه — هو السموأل «صمويل» صاحب الأبلق قرب تيماء، وهو معاصر لامرئ القيس الكندي، على أنَّا لا نستطيع إذا تصفحنا شعره أن نتبين فيه ما يميزه عن بقية الشعر الوثني، وهذا هو الذي حدا بكثير من النقاد إلى الشك في يهودية السموأل، وقد سبق أن قلنا: إن اليهودية أصبحت في عهد ذي نواس دين الدولة الرسمي في اليمن. وقصارى القول وحماداه أنَّا نستطيع أن نقرر باطمئنان أن بلاد الحجاز كانت في القرن السابق لبعثة الرسول ﷺ، تدوي بأصداء من تأثرات مختلفة بين عقلية ودينية ومادية، منعكسة من بيزنطة والشام وفارس والحبشة، سلكت سبيلها من ناحية الغساسنة واللخميين واليمن، ولكن إلى جوار ذلك نستطيع أن نقرر أيضًا أن الحجاز لم تكن اتصالاتها بهذه النواحي من الحيوية بحيث تستطيع أن تطبع نفسها بذلك الطابع العالي لهذه الحضارة الشمالية. ويخيل إلينا أن وثنية شبه الجزيرة قد وصلت — في هذا الدور — إلى درجة فشلت معها في أن تكون غذاء روحيًّا للشعب العربي، وكانت كافة الملابسات — وبخاصة بعد أن فشلت اليهودية والمسيحية في تثبيت أقدامها — تنبئ بأن تغيرًا لابد أن يحدث، لقد كان الناس جياعًا إلى الغذاء الروحي وعافت نفوسهم ما قدمته إليهم المسيحية واليهودية، فتلمسوا ذلك الغذاء الروحي في الحنيفية القديمة دين إبراهيم، ولكنهم كانوا حيارى، لقد عمت الفوضى في عالمي السياسة والدين، وكانت لحظة رهيبة، وكان العالم العربي بأجمعه، أو الشطر الأكبر منه على الأقل في حالة نفسية رائعة، كأنما كان ينتظر بفارغ الصبر ظهور دين عظيم، وزعيم قومي كبير، وإذا بالعناية الإلهية، المطلعة على خلجات الصدور، وخفايا الآلام، تبعث بالزعيم العربي ونبي الإسلام سيدنا ومولانا محمد عليه أفضل صلاة وأزكى سلام.
|
|
دخلت غرفة فنسيت ماذا تريد من داخلها.. خبير يفسر الحالة
|
|
|
|
|
ثورة طبية.. ابتكار أصغر جهاز لتنظيم ضربات القلب في العالم
|
|
|
|
|
سماحة السيد الصافي يؤكد ضرورة تعريف المجتمعات بأهمية مبادئ أهل البيت (عليهم السلام) في إيجاد حلول للمشاكل الاجتماعية
|
|
|