أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-6-2018
2311
التاريخ: 13-5-2019
2011
التاريخ: 29-11-2018
2621
التاريخ: 6-1-2019
1808
|
وبينا كان شارلمان أعظم ملوك أوروبا، وهو معاصر للرشيد العباسي، وصاحب فرنسا وجرمانيا وشمالي إيطاليا، أقرب إلى الأمية منه إلى النور، كانت كتب الفلسفة والعلوم المادية والأدبية يتنافس فيها علماء العرب في بغداد وقرطبة، وتُترجم للمنصور العباسي الكتب من اللغة العجمية(1)؛ إلى العربية، منها كتاب كليلة ودمنة وكتاب السند هند، وتُترجم له كتب أرسطاطليس من منطقيات وغيرها، وكتاب أقليدس وكتاب الأرتماطيقي، وسائر الكتب القديمة من اليونانية والفهلوية والفارسية والسريانية، وتخرج إلى الناس فينظرون فيها ويتعلقون إلى علمها، ومعظم الخلفاء الأول من بني العباس يشرفون على علوم الناس وآرائهم من تقدم وتأخر من الفلاسفة وغيرهم من الشريعيين، وتُجرى في مجالسهم مباحث في أنواع العلوم من العقليات والسمعيات في جميع الفروع والأصول. وبينا يقوم في العرب أعلم خلفائهم المأمون العباسي الذي قلما جاء حتى في ملوك الغرب من يدانيه بعلمه وعقله يطلب إلى ملك الروم لما غلبه كتب العلم التي عنده، وهو عمل مدهش لم يُعهد لملك ولا لحكومة أن طلبت مثله من عدوها في قديم الدهر وحديثه، وبه يُعرف قدر المأمون وتفانيه في خدمة الإنسانية، كما قال فران (2) ويستمتع الناس في أيامه بنعمة الحرية العلمية والوجدانية، حتى عُدَّ عصره عند العرب كعصر بركليس في آثينة وعصر أغسطس في رومية بينا كانت الحال عند العرب على ما ذكر كان شارلمان يحاول أن يتعلم ويتحبب إلى الآداب (3) تحببًا ساذجا، كما يحب غير المتعلمين أن يروا أحيانًا السطور المكتوبة، وتشبه آداب عصره أدب صبيان المدارس وتمارينهم اليوم، ولم يكن في غاليا شيء يشبه الأدب، وما دوّن أهلها قط كتابًا ولا أخبارًا، وكانت الكتابات الرسمية التي لا يُستغنى عنها كالمواثيق والهبات والوصايا تكتب باللغة اللاتينية البربرية، وهي من سقم الخط بحيث يصعب حلها، ولا يمتاز شرفاء القرون الوسطى بتعلمهم وتهذيبهم عن الفلاحين، وكان معظم الزعماء يجهلون القراءة، ولا هم لهم غير الشراب والطعام والصيد والحرب، وهم في العادة جفاة غلاظ شداد؛ فقد قتل ريشاردس قلب الأسد مَثَل الفروسية 2500 أسير من العرب، وفقأ عيون خمسة عشر فارسًا كان لهم يد في حرب أثارها على فيليب أغسطس، وكثيرًا ما كانوا يفقأون عيون النساء ويجدعون أنوفهن ، ولم يزل هذا الإغراق في الشدة والقسوة البربرية مألوفًا إلى القرن الرابع عشر والقرن الخامس عشر، وقست بحياة التشرد على هذا النحو قلوب الفرسان، وغلظت طباعهم، وغدوا يتقاتلون لأقل سبب، ولا قصد لهم من تقاتلهم غير السلب والنهب ، ومن الفرسان من كان يقف على قارعة الطريق، يستوقف التجار ويسلبهم ويسجنهم ويعذبهم؛ ليكرههم على أن يفتدوا بالمال أنفسهم، وليس عندهم أ أمن ولا أمان. بلى، فقد من غاليا على عهد شارلمان، وبعده بزمن طويل كل اهتمام بشيء يُقال له: الثقافة العامة(4)، وأصبحت اللغة اللاتينية، وهي اللغة المكتوبة الوحيدة على غاية من الفساد، وأصبح الكتاب أندر من الكبريت الأحمر، ولا يطمع الأفراد الذين كانوا يرغبون في التعلم إلا أن يقرؤوا التوراة، ويكتبوا صفًّا رسميًا بالرجوع إلى دساتيرهم، أما صنائعهم السائرة فهي من العبث والفساد بالمحل العالي، وذكر روبرتسون (5) أنهم عثروا على عدة قوانين ووثائق صادرة عن أهل الطبقة الأولى من الأعيان، يُستدل منها أنهم كانوا أميين؛ ولذلك كانوا يعمدون إلى وضع صورة الصليب على الوثائق الصادرة عنهم، بل كان هريون أعظم قضاة الدولة أميا ، وكان دجسلين رئيس الجيوش الفرنسية في القرن الرابع عشر وأعظم رجال عصره أميًّا، وكان كل من يتطلب منصبًا يُسأل إن كان يقرأ الإنجيل ورسائل الرسل، ويفسر معناها ولو كلمة كلمة، من غير نظر إلى تفسير الجملة؛ ذلك لأنه كانت الكتب نادرة الوجود لا تتعدى أسوار البيع، وما خرج الغربيون من الجهل إلا باختراع الطباعة في القرن الخامس عشر. وذكر القزويني (6) أن تجارًا من العرب ذهبوا إلى شلشويق من بلاد الدانيمارك اليوم لاستحضار العنبر فوصفوا أهلها بأنهم وحوش عراة يسترون عوراتهم بقطع من الجلود. هكذا كان أوروبا الغربية وما إليها، أما حال أوروبا الشرقية فكانت إلى الهمجية المطلقة، بل إن تاريخ روسيا لم يكن بدأ في القرن التاسع للمسيح، وكانت تلك البلاد الواسعة مسرحًا لبعض قبائل الصقالبة، يتسلط التتر عليها ويسومونها سوء العذاب، بل دامت أيام الجهالة في روسيا إلى ما بعد ذاك العهد بقرون، ولقد شبت فيها نار حرب (7). أهلية لخلاف وقع في معرفة عدد الأصابع التي يجب استعمالها في عمل إشارة الصليب، ولم تخلص روسيا في الحقيقة من كابوس الجهل المطبق إلا في القرن الثامن عشر على عهد مصلحها بطرس الأكبر، ومثل ذلك يُقال في سائر بلاد الغرب حاشا إيطاليا؛ فإن برابرة الشمال قضوا على مدنية الرومان فيها، وسلمت لهم بعض عادياتها ومصانعها، فكانت للأخلاف بمثابة حافز لهم على الترقي، فانبعثت النهضة بعد قرون من بين أظهر القوم، وسرى قبس نورها في القرن الرابع عشر إلى معظم الأصقاع الأوربية.
...........................................
1- مروج الذهب للمسعودي.
2-غرائب الغرب للمؤلف.
3- تاريخ الحضارة لسنيوبوس.
4- البرابرة للويز هالبن Louis Halpen: Les Barbares.
5- تاريخ شارلكان لروبرتسون
6- آثار العباد وأخبار البلاد للقزويني.
7- أصول الشرائع لبنتام.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|