أقرأ أيضاً
التاريخ: 2-6-2022
2147
التاريخ: 7-8-2017
1819
التاريخ: 25-10-2015
3283
التاريخ: 29-3-2017
2952
|
تتفق الدساتير المقارنة بصرف النظر عن تصنيفها كونها ديمقراطية أو غير ديمقراطية ، قديمة في صدورها أو حديثة ، موجزة أو مفصلة ، شرقية أو غربية ، برلمانية أو رئاسية أو مختلطة أو خاصة ، على منح النائب في البرلمان " مجلس أدنى أو أعلى " الحصــــــانـة البرلمانية الموضوعية والإجرائية ، فالحصانة البرلمانية أضحت جزء لا يتجزأ من نظام البرلمان وهي ركن فيه ، من هنا تواترت الدساتير على النص عليها ، فهي تمثل اليوم مبدأ ومسلم ومتفق عليه.
وتباين رأي الفقه في توصيفه للحصانة بين من رأى فيها أنها حق ومن رأى فيها أنها امتياز ، وركّز جانب ثالث من الفقه على الجانب الجنائي دون أن يرى فيها أنها حق أو امتياز ، فمن وجدها حق عرفها ( مجموعة الحقوق الخاصة التي يتمتع بها المجلس ككيان ، والعضو منفرداً ، ولا يمكن بدونها أن يؤدوا وظائفهم، والتي تتجاوز الحقوق التي يتمتع بها الأفراد والجهات الأخرى ، فهي وإن كانت مبنية على قانون ، فإنها استثناء من القانون ) (1).
أما من رأى فيها أنها امتياز عرفها ) امتياز دستوري مقرر لأعضاء البرلمان بصفتهم لا بأشخاصهم، سواء كانوا منتخبين أم معينين ، يتيح لهم أثناء قيامهم بواجباتهم البرلمانية حرية الرأي والتعبير دون أي مسؤولية جنائية أو مدنية تترتب على ذلك )(2) ، وعُرفت أيضاً ( إعفاء بعض الأفراد من التزامات معينة مفروضة عليهم ، أي من التزامات كان من الواجب عليهم أداؤها ، لو تقرر لهم الحصانة في شأنها ) (3).
ويرى جانب من الفقه الإنجليزي في الحصانة أنها حق وامتياز ، فيعرفها ( مجموعة الحقوق والامتيازات المخصصة لكل من مجلسي العموم واللوردات ككل ، وكذلك كلا المجلسين منفردين وبدونهما لا يمكن للمجلسين القيام بوظائفهم، وهي تتجاوز تلك الحقوق والامتيازات التي تملكها الهيئات والأفراد ) (4).
ورأى بعض الفقه في الحصانة أنها وسيلة لتجنب الإجراء الجنائي في مواجهة النائب حيث الصفة النيابية قائمة ، وعرف هذا الجانب من الفقه الحصانة أنها ) عدم اتخاذ أية إجراءات جنائية ضد أي عضو من أعضاء مجلس النواب - في غير حالة التلبس - إلا بعد الحصول على أذن من البرلمان للحيلولة دون إعاقة أعضاء مجلس النواب عن ممارسة عملهم البرلماني عن طريق تدبير اتهامات كيدية أو ملفقة ) أو أنها ( الحصانة التي يترتب عليها عدم جواز اتخاذ أية إجراءات جنائية ضد أي عضو من أعضاء البرلمان إلا بعد الحصول على أذن من رئيس المجلس إن لم يكن منعقداً ) ، أو هي ( عدم السماح باتخاذ إجراءات جنائية ضد أعضاء البرلمان أو القبض عليهم إلا بعد انقضاء الزمن الذي يتمتع به العضـو بتلك الحصـــــانـة ) (5) ، وعرفت أيضا ( عدم مسؤولية أعضاء المجلس النيابي عما يبدونه من آراء أو أفكار عند ممارستهم لوظيفتهم النيابية ، وعدم اتخاذ إجراءات جزائية ضدهم إلا بتصريح من المجلس ) (6) وعرفها آخر ( عقبات مؤقتة تحول دون اتخاذ الإجراءات الجزائية ضد أعمال المجلس الشعبي الوطني).
ونرى في الحصانة أنها حق يُمنح لعضو السلطة التشريعية ، تقر به الدساتير والتشريعات الوضعية ، بغيره ليس للنائب النهوض بمهامه الدستورية ، تحصنه من المسؤولية والملاحقة حيثما يحمل هذه الصفة ، إلا في أحوال محددة " الجرم المشهود " أو بموافقة المجلس أو من يخوله التشريع بغيابه ، حفاظاً على مصالح أولى بالرعاية .
ومع الإقرار التأسيسي والتشريعي والفقهي والقضائي بالحصانة البرلمانية ، واستحالة مغادرتها حيث هناك برلمان منتخب ، نادى بعض الفقه بتقنينها وتضيقها والدقة في صياغة أحكامها ، بعد أن أثبتت التجربة والممارسة الفعلية في مختلف النظم ولاسيما الديمقراطية الانحراف في استخدامها وتحويل مسارها من الجانب الموضوعي إلى الجانب الشخصي . فالأصل في منح الحصانة البرلمانية توفير البيئة البرلمانية الآمنة للنائب وهو يمارس مهام عمله ، باعتباره ممثل للناخب لا ممثل لنفسه ، معبراً عن رأي الشعب ومنطقته الانتخابية ومحافظته والبلد إجمالاً ، فهو صوت الشعب والمعبر عن آرائه وطموحاته وتطلعاته ورغباته ، وحيث أنه يمثل الشعب ولا يمثل نفسه يبدو منحه الحصانة أمر لازم ، فالموضوعية في العمل البرلماني تطغي على الطابع الشخصي ، من هنا يبدو منح الحصانة للنائب أمر لازم .
والعمل البرلماني بطبيعته محفوف بالمحاذير والمخاطر ، فطابعه سياسي رقابي تشريعي ، وبالقطع أن هذه الصبغة يمكن أن تخلق المحاذير وتثير الإشكالات ، فسياسة العمل البرلماني قد تجعل النائب عرضة للابتزاز من طرف الفرقاء السياسيين ما لم يتمتع بالحصانة التي تجنبه المساءلة . ويقيناً أن عمله التشريعي يلزم النائب غالباً بالتعبير عن رأيه تأييداً أو معارضة ، ومعارضته للتشريع قد تلزمه بمواقف وتصريحات وتلميحات وربما مهاجمات لمتبني القانون ، وبغير الحصانة قد يُجرم النائب وقد يُحاكم وقد يُقصى من عضوية المجلس .
وليس العمل الرقابي أقل خطراً من العملين السياسي والتشريعي ، فالعمل الرقابي ومتابعة العمل التنفيذي وملاحقة الانحرافات والتحقيق في ملفات الفساد ، قد يُعرض النائب للملاحقة القضائية وما يترتب عليها من جزاءات مدنية أو جنائية ، لهذه الأسباب تواترت الدساتير على منح النائب الحصانة البرلمانية لتمنيعه من الملاحقات والمقاضاة والمساءلة ، فالنائب وهو يمارس عمله البرلماني يُعبر عن رأي الناخب لا عن رأيه الشخصي ، وبالتالي فليس من المنطق تركه دون وسائل وقائية حمائية تحصينية ، وإلا تراجع عن أداء واجباته ، وتراخى في أداء مهامه ، وهو ما يعني حرف العمل النيابي عن مساره الدستوري المرسوم ، وتنتفي الحاجة التي من أجلها وجدت السلطة التشريعية إلى جانب السلطتين التنفيذية والقضائية ، فنائب دون حصانة ، مقاتل في أرض المعركة دون سلاح .
وليس بعيد عن التوازن السلطوي التشريعي – التنفيذي ، تُعد الحصانة البرلمانية وسيلة لتقوية النائب في مواجهة الغريم التقليدي في سائر النظم الدستورية ، فالوزير وما يقابله وما علا ، يملك بحكم المنصــــــب صلاحيات تُمكّنه من التفرد وربما الاستبداد السلطوي في مقابل النظير ومن خول المتابعة ، ولا سبيل لمواجهة هذا التغول التنفيذي إلا بعمل مؤسسي محصن مقابل ، فالنائب دون حصانة لن يكون قادر على مواجهة التنفيذي المخول بالصلاحيات، وهو ما يعني اختلال التوازن لصالح السلطة التنفيذية في كافة النظم الدستورية ، من هنا وجدت الحصانة وسيلة لإعادة التوازن على الصعيد المؤسسي لا الشخصي ، فالحصانة بطبيعتها تحصين موضوعي لا شخصي ، كونها تسعى لتمكين السلطة التشريعية من خلال حماية ممثلها وأداتها ووسيلتها .
لكن استبداد حامل الحصانة وانحرافه في استخدامها وإساءته التصرف بها أمر غير مستبعد ، فقد أثبت الواقع وأكدت التجربة أن النائب المحصن كثيراً ما يستخدم الحصانة في غير أهدافها ، فيحتمي بها وهو يمارس استبداده في مواجهة التنفيذي لتحقيق أغراض شخصية ومنافع مادية ومردودات خاصة ، فيذهب ملوح ومهدد ومصرح بقصد تحقيق ما يصبو إليه بعيداً عن المصلحة العامة ، واللافت أن استبداد حامل الحصانة لا يكون في مواجهة التنفيذي الذي ثبت فساده ومخالفته للأنظمة والتعليمات حسب ، لكن استبداده يمتد إلى الكافة فيذهب في الحد الأدنى مصــــــرحـاً لثني الكفؤ النزيه عن قراراته تحقيقاً لمصالحه الخاصة ، بلحاظ أن الإعلام متاح أمامه ، والمرئيات والمسموعات تسعى للحصول على السبق وإن بغير حق أو بعيداً عن الواقع .
والحصانة النيابية على نوعين ، موضوعية وإجرائية ، وينصرف معنى الحصانة الموضوعية إلى حصانة النائب عما يبديه من آراء وأقوال وتصريحات ، وما يطرحه من تفسيرات وتأويلات ، وما يعبر عنه من توقعات ورغبات وأمنيات وهو يؤدي عمله بصفته النيابية .
وتوصف الحصانة الموضوعية بالمطلقة كونها تغطي زمنياً النائب طالما هو حامل للصفة النيابية ، وحيث البرلمان قائم يمارس مهامه الدستورية بمدته الأصلية أو الممددة، إذ قد يستمر المجلس القائم بممارسة مهامه لتعذر انتخاب مجلس جديد وحيث يجيز الدستور ذلك ، ولا تنتهي هذه الحصانة إلا بانتهاء ولاية المجلس لانتهاء مدته أو حله أو بفقدان صفة النيابة بالاستقالة أو الإقالة أو الوفاة أو الاستبدال ، فحيث الصفة والمجلس قائمتان تبقى الحصانة الموضوعية المطلقة عن الأقوال دون الأفعال قائمة مستمرة.
والملاحظ أن الدساتير نماذج البحث أجمعت على النص على الحصانة الموضوعية المطلقة زمنيا والممتدة حيث البرلمان والصفة النيابية قائمة ، لكنها توزعت بين اتجاهين من حيث الآراء والأفكار المطروحة ، اتجاه قيدها بعدم المساس ببعض المحظورات ، واتجاه أطلقها دون قيد أو نوع أو فكر ، وتبنى هذا الاتجاه الدستور العراقي الذي نص على أنه ( يتمتع عضو مجلس النواب بالحصانة عما يدلي به من آراء في أثناء دورة الانعقاد ولا يتعرض للمقاضاة أمام المحاكم بشأن ذلك ) (7).
وذهب الدستور المصري إلى أنه ( لا يسأل عضو مجلس النواب عما يبديه من آراء تتعلق بأداء أعماله في المجلس أو لجانه ) (8).
ونص الدستور السوري على الحصانة الموضوعية لعضو مجلس الشعب ( لا يُسأل أعضاء مجلس الشعب جزائياً أو مدنياً بسبب الوقائع التي يوردونها أو الآراء التي يبدونها أو التصويت في الجلسات العلنية أو السرية وفي أعمال اللجان ) (9).
ونص الدستور اللبناني على أنه ( لا تجوز إقامة دعوى جزائية على أي عضو من أعضاء المجلس بسبب الآراء والأفكار التي يُبديها مدة نيابته )(10).
ونص الدستور التونسي على الحصانة الموضوعية الزمنية المطلقة ( لا يمكن إجراء أي تتبع قضائي مدني أو جزائي ضد عضو بمجلس نواب الشعب ، أو إيقافه ، أو محاكمته لأجل آراء أو اقتراحات يبديها ، أو أعمال يقوم بها ، في ارتباط بمهامه النيابية ) (11).
وأورد الدستور الجزائري نص مقتضب يشير فيه للحصانة الموضوعية الزمنية المطلقة دون خلاف ( يتمتع عضو البرلمان بالحصانة بالنسبة للأعمال المرتبطة بممارسة مهامه كما هي محددة في الدستور ) (12).
وفصل الدستور اليمني في تنظيمه الحصانة ( لا يؤاخذ عضو مجلس النواب بحال من الأحوال بسبب الوقائع التي يطلع عليها أو يوردها للمجلس ، أو الأحكام والآراء التي يبديها في عمله في المجلس أو لجانه أو بسبب التصويت في الجلسات العلنية أو السرية ولا يطبق هذا الحكم على ما يصدر من العضو من قذف أو سب ) (13).
ونص الدستور الموريتاني على أنه ( لا يُرخص في متابعة عضــــو من أعضاء البرلمان ولا في البحث عنه ولا في توقيفه ولا في اعتقاله ولا في محاكمته بسبب ما يُدلي به من رأي أو تصويت أثناء ممارسته مهامه ) (14). وبعبارات مختصرة عبر الدستور الإماراتي عن الحصانة الموضوعية الزمنية لأعضاء المجلس الوطني ( لا يؤاخذ أعضاء المجلس عما يبدونه من الأفكار والآراء في أثناء قيامهم بعملهم داخل المجلس أو لجانه ) (15).
وعلى خلاف الدستور الإماراتي فصل الدستور الأردني عند تنظيمه الحصانة الموضوعية ( لكل عضو من أعضاء مجلس الأعيان والنواب ملء الحرية في التكلم وإبداء الرأي في حدود النظام الداخلي للمجلس الذي هو منتسب إليه ولا يجوز مؤاخذة العضو بسبب أي تصويت أو رأي يبديه أو خطاب يلقيه في أثناء جلسات المجلس ) (16).
ونص الدستور الكويتي على الحصانة الموضوعية الزمنية وجعلها مطلقة من كل قيد أو شرط ( عضو مجلس الأمة حر فيما يبديه من الآراء والأفكار بالمجلس أو لجانه ، ولا تجوز مؤاخذته عن ذلك بحال من الأحوال )(17).
وأطلق الدستور البحريني الحصانة الموضوعية زماناً وموضوعاً ( لا تجوز مؤاخذة عضو المجلس عما يبديه أمام المجلس أو لجانه من آراء أو أقوال بالنسبة للأمور الداخلة في اختصاص المجلس ) (18).
وسار قانون مجلس عمان باتجاه الدساتير التي تبنت الحصانة الموضوعية الزمنية المطلقة دون قيد أو شرط ( لا تجوز مؤاخذة عضو مجلس الدولة أو عضو مجلس الشورى عما يبديه أمام المجلس أو مكتبه أو لجانه من آراء أو أقوال في الأمور التي تدخل في اختصاص المجلس )(19) ونص الدستور الهندي على أنه لا يجوز لأي عضو في البرلمان أن يصبح عرضه لإجراءات في أي دعوى أمام أية محكمة فيما يتعلق بأي قول أو صوت أدلى به في البرلمان ، أو في أي لجنة من لجان البرلمان ، كما لا تجوز مساءلة أي عضو بشأن أعمال النشر من قبله أو تحت أي سلطة في أي من المجلسين في البرلمان ، لأي تقرير أو منشور أو أصوات أو إجراءات من أي نوع كان ) (20).
وأطلق الدستور الفرنسي الحصانة الموضوعية زمنياً دون قيد أو شرط ( لا يجوز ملاحقة أي عضو في البرلمان أو التحقيق معه أو توقيفه أو احتجازه أو محاكمته بسبب آراء تم الإدلاء بها أو تصويت صادر عنه أثناء ممارسة مهامه الرسمية ) (21).
وبالإطلاق ذاته اخذ الدستور الإسباني ( يتمتع أعضاء مجلس النواب ومجلس الشيوخ بحرية التعبير فيما يخص الآراء التي يعبرون عنها خلال مزاولتهم لمهامهم ) (22).
واخذ الدستور الإيطالي بالحصانة الموضوعية الزمنية دون أن يقيدها ( أعضاء البرلمان غير خاضعين للمساءلة حول الآراء التي يعبرون عنها أو حول الأصوات التي يدلون بها خلال أدائهم لوظائفهم ) (23).
وأطلق الدستور المكسيكي الحصانة الموضوعية زمنياً ولم يقيدها ( يكون النواب والشيوخ محصنين فيما يتعلق بالآراء التي يعبرون عنها في أداء وظائفهم ولا يتعرضون للمساءلة عنها )(24).
وأفرد الدستور الفنزويلي نصين لتنظيم الحصانة الموضوعية زمنياً (لا يجوز مساءلة نواب المجلس الوطني بسبب أي تصويت أو رأي يصدر عنهم أثناء تأديتهم لمهامهم الرسمية .....) ، (25) يتمتع نواب المجلس الوطني بالحصانة في ممارسة مهامهم من وقت تولي المنصب وحتى انتهاء مدة المنصب أو الاستقالة ........) (26).
ونص الدستور البرازيلي على الحصانة الموضوعية الزمنية (يتمتع النواب والشيوخ بالحصانة المدنية والجنائية عن أي من آرائهم وكلماتهم وأصواتهم ) (27).
وتبنى الدستور الأرجنتيني المبدأ نفسه ( لا يجوز اتهام أي عضو في الكونغرس ، أو مساءلته قضائياً أو مضايقته بسبب الآراء التي يعبر عنها أو الخطابات التي يلقيها باعتبارها مشرعاً ) (28).
واخذ دستور بيرو بالحصانة الموضوعية ( أعضــــاء الكونغرس يمثلون الأمة ولا يخضعون لأي أمر ملزم أو استجواب . وهم غير مسؤولين أمام أية سلطة أو هيئة قضائية بسبب تصويت أو آراء يبديها في ممارستهم لمهامهم ) (29).
أما الاتجاه الثاني من الدساتير فنص على الحصانة الموضوعية الزمنية لكنه قيدها بعدم المساس بموضوعات محدد على وجه الدقة ، وتبنى هذا الاتجاه الدستور المغربي الذي نص على الحصانة الموضوعية الزمنية لمجلسي البرلمان باستثناء ما يمس النظام الملكي أو الملك أو الدين الإسلامي ( لا يمكن متابعة أي عضو من أعضاء البرلمان ، ولا البحث عنه ، ولا إلقاء القبض عليه ، ولا اعتقاله ، ولا محاكمته ، بمناسبة إبدائه لرأي أو قيامه بتصويت خلال مزاولته لمهامه ما عدا إذا كان الرأي المعبر عنه يجادل في النظام الملكي أو الدين الإسلامي أو يتضمن ما يخل بالاحترام الواجب للملك)(30).
وأطلق الدستور البحريني الحصانة الموضوعية زمنياً ، لكنه قيدها بعدم المساس بالعقيدة أو وحدة الأمة أو ذات الملك واحترامه أو إذا كان فيه قذف للحياة الخاصة ( لا تجوز مؤاخذة عضو كل من مجلس الشورى أو مجلس النواب عما يبديه في المجلس أو لجانه من آراء أو أفكار ، إلا إذا كان الرأي المعبر فيه مساس بأسس العقيدة أو بوحدة الأمة ، أو بالاحترام الواجب للملك ، أو فيه قذف في الحياة الخاصة لأي شخص كان ) (31).
وقيد الدستور التركي الحصانة الموضوعية زمنياً ، بقرار الجمعية الوطنية بناء على اقتراح مكتبها ) لا يتحمل أعضاء الجمعية الوطنية الكبرى لتركيا مسؤولية قانونية عن تصويتهم وتصريحاتهم خلال الجلسات البرلمانية ، أو عن الآراء التي يعبرون عنها أمام الجمعية ، أو عن تكرار تلك الآراء أو الكشف عنها خارج الجمعية ، ما لم تقرر الجمعية خلاف ذلك ، لتلك الجلسة بناءً على اقتراح من مكتبها ) (32).
واستثنى الدستور الألماني من الحصانة الموضوعية زمنياً ، الإهانة التي تسيء للسمعة ( لا يجوز في أي وقت إخضاع أي نائب في البوندستاغ لمساءلة قضائية أو إجراء تأديبي ، أو جره لتحمل المسؤولية خارج البوندستاغ ، بسبب تصويت قام به أو أي قول أو مناقشات أدلى بها في جلسات البوندستاغ أو إحدى لجانه ، ولا ينطبق هذا بالنسبة للإهانات التي تسيء للسمعة )(33).
واللافت أن الدستور النمساوي لم يحصن النائب موضوعياً إلا عن التصويتات ، وأجاز مسائلتهم أمام المجلس عن التصريحات الشفوية والكتابية التي يدلون بها وإن تعلقت بعملهم النيابي ( لا يجوز مساءلة أعضاء المجلس الوطني مطلقاً عن الإدلاء بأصواتهم خلال ممارسة مهامهم ، ولكنهم يعتبرون مسؤولين أمام المجلس الوطني عن التصريحات الشفوية أو الكتابية التي قد يدلون بها في سياق القيام بمهام عمله ) (34).
أما مفهوم الحصانة الإجرائية فينصرف إلى عدم ملاحقة النائب الذي ثبت ارتكابه فعل يجرمه القانون بحكم نهائي ، إلا بعد الحصول على موافقة المجلس أو رئيسه أو في حالة الجرم المشهود.
فالحصانة الإجرائية ليست امتيازاً للنائب ولا هي حق ممنوح له لكنها ضمان دستوري للمجلس التشريعي بلحاظ أن المجلس يمثل السيادة الشعبية ، وحيث تحقق المجلس من ارتكاب النائب الجرم المنسوب إليه ، فلا مجال لتعطيل العدالة ، فهي ليست مانعاً من موانع المسؤولية والعقاب ، ولا تلغي الإجراءات الجزائية ، وإنما تؤخر اتخاذها لحين الحصول على الموافقات الأصولية التي يحددها الدستور أو القانون الدستوري .
وما يميز الحصانة الإجرائية عن الموضوعية زمنياً ، أن الحصانة الموضوعية ممتدة زمنياً تغطي النائب أثناء فترة نيابته وبعد انتهائها ، فلا يسأل النائب مطلقاً عما صدر عنه من أراء وأقوال وتصريحات ، في حين أن الحصانة الإجرائية لا تغطي النائب عن الأفعال المجرمة التي ارتكبها إلا لأقصر الأجلين أما موافقة المجلس أو رئيسه على رفع الحصـــــانة أو مشاهدة ارتكابه الفعل المُجرّم " الجرم المشهود ".
في العراق ميز الدستور في رفع الحصانة عن النائب ، بين صدور أمر القبض عن الجناية أثناء انعقاد المجلس ، وخارج ادوار انعقاده ، وفي حالة الجرم المشهود ، فاشتراط الحصول على موافقة المجلس إذا صدر أمر القبض أثناء انعقاده، والحصول على موافقة رئيس المجلس إذا صدر أمر القبض خارج أدوار الانعقاد ، وأجاز القبض عليه مباشرة في حالة الجرم المشهود ( ب - لا يجوز إلقاء القبض على العضو خلال مدة الفصل التشريعي إلا إذا كان متهماً بجناية ، وبموافقة الأعضاء بالأغلبية المطلقة على رفع الحصانة عنه أو إذا ضبط متلبساً بالجرم المشهود في جناية – ج - لا يجوز إلقاء القبض على العضو خارج مدة الفصل التشريعي إلا إذا كان متهما بجناية ، وبموافقة رئيس المجلس على رفع الحصـــــانة عنه ، أو إذا ضبط متلبساً بالجرم المشهود في جناية) (35).
والملاحظ أن المحكمة الاتحادية العليا العراقية أفتت سنة 2017 بعدم جواز القبض على عضو مجلس النواب إلا بعد استحصال موافقة المجلس إذا كان في حال انعقاد ، أو رئيسه في خارج أدوار الانعقاد ، ودون حاجة لأذن المجلس في حالة ضبطه متلبساً بالجرم المشهود في جناية ، وهو ما ينسجم ونص المادة (63) من الدستور نصاً ومضموناً ( وضع الطلب المدرج نصه في أعلاه مع مرفقه قرار الهيئة العامة لمحكمة التمييز الاتحادية الذي ذهب إلى الركون إلى المحكمة الاتحادية العليا في موضوع طلب التفسير حسب الاختصاص فوضع الطلب للتدقيق والمداولة من المحكمة الاتحادية العليا بجلستها المنعقدة بتاريخ 27/11/2017 ووجد أن المادة " 63 / ثانيا / أ " من الدستور قد أوردت المبدأ العام ، الخاص بحصانة عضو مجلس النواب وهو عدم مقاضاته أمام المحاكم عما يدلي به من آراء في أثناء دورة انعقاد المجلس ، ودورة الانعقاد عرفتها المادة " 57 " من الدستور ونصها الآتي : " لمجلس النواب دورة انعقاد سنوية بفصلين تشريعيين أمدها ثمانية أشهر " أي أن عضو مجلس النواب يتمتع بالحصانة خلال دورة الانعقاد عما يدلي به من آراء ولا يتعرض للمقاضاة أمام المحاكم بشأن ذلك . وفصلت الفقرتين " ب " و " ج " من المادة " 63 / ثانيا " من الدستور الأحوال التي لا يجوز فيها إلقاء القبض على عضو مجلس النواب خلال مدة الفصل التشريعي ضمن دورة الانعقاد حيث لم تجز ذلك إلا إذا كان عضو مجلس النواب متهما بجناية ولا يتم القبض عليه إلا بعد الحصول على موافقة الأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب ، باستثناء حالة من ضبط من أعضاء مجلس النواب متلبسا بالجرم المشهود في جناية ، ففي هذه الحالة يجوز القبض عليه دون موافقة الأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب . وكذا الحال - كما هو وارد في الفقرة " ج " - حيث لا يجوز القبض على عضو مجلس النواب خارج مدة الفصل التشريعي ضمن دورة الانعقاد إلا إذا كان متهما في جناية بعد أخذ موافقة رئيس مجلس النواب برفع الحصانة عنه ، وعندها ينفذ أمر القبض الصادر بحقه باستثناء حالة من ضبط من أعضاء مجلس النواب متلبسا بالجرم المشهود في جناية وخارج مدة الفصل التشريعي ، ففي هذه الحالة يجوز القبض عليه دون موافقة رئيس مجلس النواب . هذا ما يتعلق بتنفيذ أمر القبض الصادر على عضو مجلس النواب أو إلقاء القبض عليه متلبساً بالجرم المشهود في جناية . أما إذا كان عضو مجلس النواب متهما بجريمة دون الجنايات عما أدلى به من أراء في أثناء دورة الانعقاد المنصوص عليها في المادة " 57 " من الدستور فإن المبدأ العام الذي ورد في الفقرة " أ " من المادة " 63 / ثانيا " من الدستور يبقى مرعيا ولا يجوز معه مقاضاة عضو مجلس النواب أمام المحاكم إلا إذا رفعت الحصانة عنه . وذلك تقديرا لما يقوم به من مهام تتعطل عند مقاضاته دون موافقة المجلس الذي له تقدير الحالة وإنزال حكم الدستور عليها وصدر القرار بالاتفاق في 27/11/2017 )(36).
لكن تغيراً جوهرياً طرأ على موقف المحكمة الاتحادية العليا سنة 2021 حينما عدلت عن قرارها المرقم ( 134 / اتحادية / 2017 ) وأجازت بموجب توجهها الجديد القبض على النائب المتهم بارتكاب جنحة أو مخالفة دون حاجة لاستحصال موافقة المجلس في حال انعقاده أو رئيسه خارج أدوار الانعقاد ، وهو توجه يثير الاستغراب ، فإذا كان الدستور يشترط استحصال موافقة المجلس أو رئيسه في حال ارتكاب النائب الجريمة الأخطر " الجناية " أليس الأولى استحصال موافقتهم في حال الاتهام بارتكاب الجريمة الأقل خطورة " الجنحة ، المخالفة " ؟ وبهذا التفسير أفرغت المحكمة الاتحادية العليا الحصانة النيابية من مضمونها ، وجعلت النائب عرضة للتهديد والملاحقة والاتهام بجرائم كيدية لدى التدقيق والمداولة وجد أن وكيل المدعي طلب الحكم بإلغاء قرار رفع الحصــــــانـة لمخالفته القانون وإصدار امرأ ولائيا بوقف إجراءات رفع الحصانة لحين حسم هذه الدعوى وبخصوص طلب إصدار الأمر الولائي فإن هذه المحكمة قررت بتاريخ 26 / 2019/8 رفض الطلب إذ أن الطلب المذكور يتعارض مع مبدأ عدم إعطاء رأي مسبق في الدعوى قبل إجراءات المرافعة فيها إضافة إلى عدم توفر حالة الاستعجال في الطلب التي هي أساس إصدار الأمر الولائي بمناسبتها وفقا لما ترسمه المادة " 151 " من قانون المرافعات المدنية رقم " 83 " لسنة 1969 المعدل ، وبخصوص طلب المدعي والذي أنصبت عليه دعواه " الحكم بإلغاء قرار رفع الحصانة عنه لمخالفته القانون " . فقد وضعت المحكمة الاتحادية العليا دعوى المدعي وما جاء في لوائح الطرفين المتداعين وما قدم في الدعوى من مستندات موضع التدقيق والمداولة وتوصلت إلى النتائج التالية:
أولا: إن رفع الحصانة عن النائب " طلال خضير عباس " تم بموجب القرار الصادر من مجلس النواب العراقي مكتب رئيس المجلس بالعدد " م . ر / 727 " في 19/8/2019 والموجه إلى مجلس القضاء الأعلى رئاسة الادعاء العام والمتضمن رفع الحصانة عن النائب أعلاه لكثرة الشكاوي الواردة بتهم فساد موجهة إليه خلال فترة توليه رئاسة لجنة النزاهة سابقاً واستنادا إلى الصلاحيات المخولة بموجب المادة " 63 / ثانيا / ج " قرر رفع الحصانة عنه . إن ما جاء في أصل الدعوى وهو " الطعن بالقرار الصادر من رئيس مجلس النواب والمتضمن رفع الحصانة عن النائب المدعي في هذه الدعوى " يدخل ضمن اختصاص هذه المحكمة استنادا لأحكام المادة " 93 / ثالثا " من الدستور والمادة " 4 / ثالثا " من قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم " 30 " لسنة 2005 المعدل واللتان نصتا على أنه " تختص المحكمة الاتحادية العليا بما يأتي ثالثا : الفصل في القضايا التي تنشـــــا عن تطبيق القوانين الاتحادية والقرارات والأنظمة والتعليمات والإجراءات الصادرة عن السلطة الاتحادية ، ويكفل القانون لكل من مجلس الوزراء وذوي الشأن من الأفراد وغيرهم حق الطعن المباشر لدى المحكمة لاسيما أن القرار المطعون فيه والصادر من رئيس مجلس النواب جاء مستندا لأحكام المادة " 63 / ثانيا / ج من الدستور " وبالتالي يكون الطعن فيه من اختصاص المحكمة الاتحادية العليا .
ثانيا: بالرجوع إلى مفهوم الحصانة البرلمانية وجد أنها نوع من الحماية القانونية التي يكفلها الدستور لممثلي الشعب من أعضاء مجلس النواب كي يستطيع النائب تأدية عمله وهذه الحصانة على نوعين:
النوع الأول: الحصانة الموضوعية التي تعني عدم مساءلة عضو مجلس النواب جنائيا ومدنيا عما يبديه من آراء أو ما يورده من وقائع أثناء ممارسة عمله في مجلس النواب وتشمل الخطب والأقوال والآراء والتقارير التي تصدر عن عضو مجلس النواب أثناء جلسات المجلس أو في إحدى لجانه وكذلك تشمل المناقشات والمداولات التي تتم في جلسات المجلس أو اللجان أو أثناء مناقشة مقترحات القوانين من قبل مجلس النواب وكذلك الأسئلة الشفوية والمكتوبة التي توجه في حالة الاستجواب . وهذا النوع من الحصانة كفلها المشرع الدستوري بموجب نص المادة " 63 / ثانيا / أ " من الدستور والتي نصت على أنه " يتمتع عضو مجلس النواب بالحصانة عما يدلي به من آراء في أثناء دورة الانعقاد ولا يتعرض للمقاضاة أمام المحاكم بشأن ذلك "
النوع الثاني : الحصانة الإجرائية فإنها تعني " تأجيل تنفيذ كل أو جزء من الإجراءات القضائية في كل الجرائم أو بعضها بحق عضو مجلس النواب المتهم بارتكاب جريمة غير مشمولة بالحصانة الموضوعية خلال مدة الفصل التشريعي أو خارجه إلا بعد أن يتم استحصال الأذن من مجلس النواب أو رئيسه " . وهذه الحصانة كفلها المشرع الدستوري ولكنها تختلف من بلد إلى آخر وفقا لما نصت عليه الدساتير الخاصة بكل بلد وإذا تطرقنا إلى المادة " 63 / ثانيا / ب و ج " من الدستور العراقي نجد أنها نصت على أنه " ب . لا يجوز إلقاء القبض على العضو خلال مدة الفصل التشريعي إلا إذا كان متهماً بجناية وبموافقة الأعضاء بالأغلبية المطلقة على رفع الحصانة عنه أو إذا ضبط متلبسا بالجرم المشهود في جناية . ج . لا يجوز إلقاء القبض على العضو خارج مدة الفصل التشريعي إلا إذا كان متهما بجناية وبموافقة رئيس مجلس النواب على رفع الحصانة عنه أو إذا ضبط متلبسا بالجرم المشهود " . ومما تقدم يلاحظ أن المشرع الدستوري وضع قيد على السلطة القضائية في اتخاذ الإجراءات الجزائية بحق عضو مجلس النواب في حالة واحدة فقط وهي " عدم جواز تنفيذ مذكرة القبض على عضو مجلس النواب إلا إذا كان متهم بجريمة جناية " وهي الجريمة التي يعاقب عليها القانون بالإعدام أو السجن المؤبد أو السجن أكثر من خمس سنوات إلى خمسة عشرة سنة بحسب نص المادة " 23 " من قانون العقوبات العراقي رقم " 111 " لسنة 1969 المعدل وأن تلك الحصانة لا تشمل حالة التلبس بجريمة جناية مشهودة . أما إذا كان عضو مجلس النواب متهم بجريمة من جرائم الجنح التي يعاقب عليها القانون بالحبس الشديد أو البسيط أكثر من ثلاثة أشهر إلى خمس سنوات أو الغرامة ، أو إذا كان متهما بجريمة مخالفة والتي يعاقب عليها القانون بالحبس البسيط لمدة أربع وعشرين ساعة إلى ثلاثة أشهر أو بالغرامة ، فبالإمكان اتخاذ الإجراءات الجزائية بحقه بدون استحصال إذن مجلس النواب إذ لا حصانة لعضو مجلس النواب عنها ذلك أن عدم ذكر المشرع الدستوري لجريمتي الجنح والمخالفات ضمن النص آنف الذكر لا يعني عدم مساءلة عضو مجلس النواب في حالة ارتكابه أيا منهما لأن ذلك يخل بمبدأ المساواة الجنائية الذي هو مظهر من مظاهر المساواة أمام القانون فلا يجوز وضع عضو مجلس النواب فوق القانون دون بقية المواطنين الذين يمثلهم في ذلك المجلس وأن مبدأ المساواة أمام القانون يعد تطبيقا صريحا للحقوق والحريات المنصوص عليها في الباب الثاني من الدستور تحت عنوان " الحقوق والحريات " إذ نصت المادة " 14 " من الدستور والتي وردت في مقدمة مواد الباب المذكور على أنه " العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق او القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي " ويمثل ذلك صيانة لحق الجميع بالتقاضي بصورة عادلة إذ نصت المادة " 19 / ســـادســـا " من الدستور على أنه " لكل فرد الحق في أن يعامل معاملة عادلة في الإجراءات القضائية والإدارية " ولا سيما أن الحصانة البرلمانية ضد المسؤولية الجزائية لا تعد امتيازا شخصيا للنائب أو حقا له كما أنها لم تقرر لمصلحته وإنما تعد امتيازا مقررا لمجلس النواب بوصفه ممثل للشعب بما يضمن استقلاليته في عمله وحماية لأعضائه . لذا فان عدم ذكر المشرع الدستوري لجريمتي الجنح والمخالفات لا يعني أن ما يرتكبه النائب هو فعل مباح ولا سيما أن كل منهما تشكل خطرا على حياة الناس وأمنهم وسلامتهم إضافة إلى أن معظمها يتعلق بالاعتداء على الأموال العامة والخاصة . لذا ولما تقدم ذكره لا بد للمحكمة الاتحادية العليا من العدول عن قراراتها السابقة بخصوص استحصال موافقة مجلس النواب بشكل مطلق عن أية جريمة يتهم بها أيا من أعضاء مجلس النواب واقتصار ذلك بحالة واحدة فقط وهي" عدم جواز تنفيذ مذكرة القبض الصادرة عن جريمة جناية غير مشهودة متهم بها عضــــــو مجلس النواب خلال مدة الفصل التشريعي أو خارجه إلا بعد استحصال الإذن بذلك من مجلس النواب بالأغلبية المطلقة خلال مدة الفصل التشريعي أو من رئيس مجلس النواب إذا كان ذلك خارج مدة الفصـــل التشريعي وفيما عدا ذلك تتخذ الإجراءات القانونية بدون موافقة مجلس النواب أو رئيسه في حالة اتهامه بارتكاب جريمة من جرائم الجنح والمخالفات التي لا علاقة لها بعمله داخل مجلس النواب أو إحدى لجانه والموصوفة بالحصانة الموضوعية المشار إليها آنفا ، واعتبار ذلك مبدأ جديدة وعدول عن المبدأ السابق المتعلق بحصانة عضو مجلس النواب ....)(37).
والملاحظ أن الدستور اللبناني عالج الحصانة الإجرائية زمنياً في حال انعقاد المجلس وفي حالة الجرم المشهود دون أن ينظم الحصانة الإجرائية إذ صدر أمر القبض خارج أدوار الانعقاد ، ما يعني أن النائب يبقى محتفظاً بحصانته حتى انعقاد المجلس واتخاذه ما يرى من قرار ( لا يجوز أثناء دور الانعقاد اتخاذ إجراءات جزائية نحو أي عضو من أعضاء المجلس أو إلقاء القبض عليه إذا اقترف جرماً جزائياً إلا بإذن المجلس ما خلا حالة التلبس بالجريمة " الجرم المشهود " ) (38).
وفصل الدستور السوري في تنظيم الحصانة الإجرائية زمنياً ، فعلق رفع حصــــــانـة النائب على موافقة المجلس إذا صــــــدر أمر القبض في أدوار الانعقاد ، وعلى موافقة المكتب إذا صدر الأمر خارج أدوار الانعقاد ، أو في حالة ضبط النائب بالجرم المشهود ( يتمتع عضو مجلس الشعب بالحصانة طيلة مدة ولاية المجلس ، ولا يجوز في غير حالة الجرم المشهود اتخاذ إجراءات جزائية ضد أي عضو منهم إلا بإذن سابق من المجلس ، ويتعين في غير دورات الانعقاد أخذ إذن من مكتب المجلس ، ويُخطر المجلس عند أول انعقاد له بما اتخذ من إجراءات ) (39).
ولم يخرج الدستور المصري في تنظيمه الحصانة الإجرائية زمنياً عن دائرة الدستور السوري ، لكنه حدد الحصانة بالجنايات والجنح ، وألزم المجلس أو مكتبه باتخاذ القرار النهائي بشأن رفع الحصانة من عدمها في مدة أقصاها ثلاثين يوماً من تاريخ وصول الطلب ( لا يجوز في غير حالة التلبس بالجريمة، اتخاذ أي إجراء جنائي ضد عضو مجلس النواب في مواد الجنايات والجنح إلا بإذن سابق من المجلس ، وفي غير ادوار الانعقاد ، يتعين أخذ أذن مكتب المجلس ، ويُخطر المجلس عند أول انعقاد بما أتخذ من إجراء . وفي كل الأحوال يتعين البت في طلب اتخاذ الإجراء الجنائي ضـــــــد العضو خلال ثلاثين يوماً على الأكثر ، وإلا عُد الطلب مقبولاً ) (40).
وأنفرد الدستور التونسي بتنظيم خاص للحصانة النيابية ، فبعد أن منح النائب الحصانة ، وعلق رفعها على موافقة المجلس تحديداً ، إلا في حالة الجرم المشهود إذ ترفع مباشرة ودون حاجة لأذن ، وأجاز لمكتب المجلس وقف قرار القضاء بتقييد حرية النائب في حالة الجرم المشهود وإعادته لمزاولة عمله النيابي ( إذا أعتصم النائب بالحصانة الجزائية كتابة ، فإنه لا يمكن تتبعه أو إيقافه طيلة مدة نيابته في تهمة جزائية ما لم ترفع عنه الحصانة . أما في حالة التلبس بالجريمة فإنه يمكن إيقافه، ويُعلم رئيس المجلس حالاً على أن ينتهي الإيقاف إذا طلب مكتب المجلس ذلك ) (41). في الجزائر أناط الدستور بالمحكمة الدستورية صلاحية رفع الحصانة عن النائب ، إذا لم يتنازل عن حصانته بإرادته في حال اتهامه عن أفعال لا تمت بصلة لعمله النيابي ) يمكن أن يكون عضو البرلمان محل متابعة قضائية عن الأعمال غير المرتبطة بمهمة برلمانية بعد تنازل صريح من المعني عن حصانته . وفي حال عدم التنازل عن الحصانة ، يمكن لجهات الإخطار ، إخطار المحكمة الدستورية لاستصدار قرار بشأن رفع الحصانة من عدمها ) (42).
ويجوز إلقاء القبض على النائب في حال ضبطه متلبساً بجناية أو جنحة ، ولمكتب المجلس أن يطلب وقف المتابعة وإطلاق سراح النائب أو عضو مجلس الأمة ، على أن يقدم النائب تنازل عن حصانته لاحقاً وإذا لم يبادر للتنازل عن حصانته جاز لجهات المتابعة اللجوء إلى المحكمة الدستورية لرفع الحصانة عنه ( في حالة تلبس أحد النواب أو أحد أعضاء مجلس الأمة بجنحة أو جناية ، يمكن توقيفه ، ويُخطر بذلك مكتب المجلس الشعبي الوطني ، أو مكتب مجلس الأمة ، حسب الحالة فوراً . يمكن للمكتب المخطر أن يطلب إيقاف المتابعة وإطلاق سراح النائب أو عضو مجلس الأمة ، على أن يعمل فيما بعد .....) (43).
وساير الدستور الموريتاني في تنظيمه الحصانة الإجرائية الزمنية ، الاتجاه الدستوري العام الذي ميز بين رفع الحصــــــانة عن النائب في حال انعقاد الجمعية الوطنية أو خارج أدوار انعقادها ، وبين الجريمة المشهودة وغير المشهودة ، فإذا وقعت الجريمة غير المشهودة في أثناء انعقاد الجمعية ، لا ترفع الحصانة عن عضو الجمعية الوطنية إلا بعد استحصال موافقتها ، أما إذا وقعت خارج أدوار انعقادها ، لا ترفع الحصانة عنه إلا بعد استحصال موافقة مكتبها .
وفي حالة الجرم المشهود يجوز رفع الحصانة مباشرة دون حاجة لموافقة الجمعية الوطنية أو مكتبها ، وأجاز الدستور تعليق اعتقال عضو البرلمان بناء على طلب الجمعية ) ..... كما لا يرخص في متابعة أو توقيف عضو من أعضاء البرلمان أثناء دوراته لأسباب جنائية أو جنحة ما عدا التلبس بالجريمة ، إلا بأذن من الجمعية الوطنية . لا يرخص في توقيف عضو من أعضاء البرلمان خارج دوراته إلا بأذن مكتب الجمعية الوطنية التي ينتمي إليها سوى في حالة التلبس بالجريمة والمتابعات المرخص فيها أو في حالة صــــــدور حكم نهائي بشأنه . يُعلق اعتقال عضــــــو البرلمان أو متابعته إذا طلبت ذلك الجمعية الوطنية ) (44).
ولم يخرج الدستور اليمني في تنظيم الحصانة الإجرائية زمنياً عن الإطار العام للتمييز بين الجرم المشهود وغير المشهود ، وبين صدور أمر القبض في أدوار الانعقاد وفي غيره ( لا يجوز أن يُتخذ نحو عضو مجلس النواب أي إجراء من إجراءات التحقيق أو التفتيش أو القبض أو الحبس أو أي إجراء جزائي إلا بإذن من مجلس النواب ما عدا حالة التلبس ، وفي هذه الحالة يجب إخطار المجلس فوراً ، وعلى المجلس أن يتأكد من سلامة الإجراءات ، وفي غير دورة انعقاد المجلس يتعين الحصول على إذن من هيئة الرئاسة ، ويُخطر المجلس عند أول انعقاد لاحق له بما أتخذ من إجراءات ) (45).
وعالج الدستور الإماراتي الحصانة الإجرائية زمنياً ، لكن ما يُسجل على تنظيمه القصور ، إذ نظم الحصانة الإجرائية في أدوار الانعقاد ، وفي حالة التلبس على نحو واضح ، لكن معالجته للحصانة الإجرائية خارج أدوار الانعقاد لم تكن واضحة ( لا يجوز أثناء انعقاد المجلس ، وفي غير حالة التلبس بالجريمة أن تتخذ أية إجراءات جزائية ضد أي من أعضائه ، إلا بإذن المجلس ، وفي حالة اتخاذ مثل هذه الإجراءات في غيبة المجلس يجب إخطاره بها ) (46)، فعبارة " اتخاذ مثل هذه الإجراءات " عبارة غامضة غير واضحة ، فمن يتخذ الإجراءات ؟ وهل تتخذ مباشرة دون أذن ؟ إذ يشـــير النص إلى إخطار المجلس بعد اتخاذها ، ولم يبين من الذي يُخطر ؟ .
ونظم الدستور الأردني الحصانة الإجرائية زمنياً ، وكانت معالجته واضحة في فرضي ارتكاب الجريمة أثناء انعقاد المجلس وفي حالة الجرم المشهود ، لكن معالجته كانت قاصرة في فرض صدور أمر القبض على الـعـضــــو خارج أدوار الانعقاد ، إذ لم يحدد الجهة التي تتولى منح الأذن بتنفيذ أمر القبض ورفع الحصانة ، واكتفى بالإشارة إلى أن رئيس الوزراء يتولى إبلاغ المجلس الذي ينتمي إليه العضو عند انعقاده ، بالإجراءات المتخذة في مواجهته ( 1- لا يوقف أحد أعضاء مجلسي الأعيان والنواب ولا يُحاكم خلال مدة اجتماع المجلس ما لم يصدر من المجلس الذي هو منتسب إليه قرار بالأكثرية المطلقة بوجود سبب كاف لتوقيفه أو لمحاكمته أو ما لم يقبض عليه في حالة التلبس بجريمة جنائية وفي حالة القبض عليه بهذه الصورة يجب إعلام المجلس بذلك فوراً - 2- إذا أوقف عضو لسبب ما خلال المدة التي لا يكون مجلس الأمة مجتمعاً فيها فعلى رئيس الوزراء أن يُبلغ المجلس المنتسب إليه ذلك العضو عند اجتماعه ، الإجراءات المتخذة مشفوعة بالإيضاح اللازم ) (47).
في المغرب اللافت أن الدستور والنظام الداخلي لمجلس النواب لسنة 2017 لم ينظم سوى الحصانة الموضوعية ولم يتطرق للحصانة الإجرائية لا من قريب ولا من بعيد ، فقد نص الفصل ( 64 ) من الدستور على أنه ( لا يمكن متابعة أي عضو من أعضاء البرلمان ، ولا البحث عنه ، ولا إلقاء القبض عليه ، ولا اعتقاله ، ولا محاكمته ، بمناسبة إبدائه لرأي أو قيامه بتصويت خلال مزاولته لمهامه ، ما عدا إذا كان الرأي المعبر عنه يُجادل في النظام الملكي أو الدين الإسلامي ، أو يتضمن ما يخل بالاحترام الواجب للملك ) (48). وفصل الدستور الكويتي في إجراءات الحصانة الجنائية زمنياً ، مميزاً وعلى حدٍ سواء مع الاتجاه الغالب من الدساتير نماذج البحث ، بين الحصانة الإجرائية لعضو مجلس الأمة في أدوار الانعقاد وخارجها ، وبين حالة الجرم المشهود وغير المشهود ، لكنه لم يحدد على وجه الدقة الجهة التي تتولى رفع الحصانة عن عضو المجلس خارج أدوار الانعقاد ، وفي كل الأحوال تعتبر الحصانة مرفوعة تلقائياً بعد مرور مدة شهر على وصول الطلب إلى المجلس دون أن يتخذ القرار سلباً أو إيجابا ( لا يجوز أثناء دور الانعقاد ، في غير حالة الجرم المشهود ، أن تتخذ نحو العضو إجراءات التحقيق أو التفتيش أو القبض أو الحبس أو أي إجراء آخر إلا بإذن المجلس ، ويتعين إخطار المجلس بما قد يُتخذ من إجراءات جزائية أثناء الانعقاد على النحو السابق . كما يجب إخطاره دوما في أول اجتماع له بأي إجراء يُتخذ في غيبته ضد أي عضو من أعضائه ، وفي جميع الأحوال إذا لم يصدر المجلس قراره في طلب الإذن خلال شهر من تاريخ وصوله إليه اعتبر ذلك بمثابة أذن ) (49)
ونظم الدستور البحريني الحصانة الإجرائية زمنياً على نحو يقترب من الدستور الكويتي إلا ما يتعلق بالجهة التي تتولى منح الأذن برفعها في خارج أدوار الانعقاد ، إذ خول هذه الصلاحية لرئيس المجلس ( لا يجوز أثناء دور الانعقاد ، في غير حالة الجرم المشهود ، أن تتخذ نحو العضــــــو إجراءات التوقيف أو التحقيق أو التفتيش أو القبض أو الحبس ، أو أي إجراء جزائي آخر ، إلا بإذن المجلس الذي هو عضو فيه . وفي غير أدوار انعقاد المجلس يتعين أخذ أذن من رئيس المجلس ، ويُعتبر بمثابة إذن عدم إصدار المجلس أو الرئيس قراره في طلب الأذن خلال شهر من تاريخ وصوله إليه . ويتعين إخطار المجلس بما قد يُتخذ من إجراءات وفقاً للفقرة السابقة أثناء انعقاده ، كما يجب إخطاره دوماً في أول اجتماع له بأي إجراء اتخذ أثناء عطلة المجلس السنوية ضد أي عضو من أعضائه ) (50).
ونظم الدستور القطري الحصانة الإجرائية زمانياً على نحو مماثلاً للتنظيم الذي أورده الدستور البحريني مع الاختلاف صياغياً ( 1- لا يجوز في غير حالات التلبس ، القبض على عضو مجلس الشورى أو حبسه أو تفتيشه أو استجوابه ، إلا بإذن سابق من المجلس ، وإذا لم يصدر المجلس قراره في طلب الإذن خلال شهر من تاريخ وصول الطلب إليه اعتبر ذلك بمثابة إذن ، ويصدر الإذن من رئيس المجلس في غير أدوار الانعقاد -2- في حالة التلبس يجب إخطار المجلس بما اتخذ من إجراءات في حق العضو المخالف ، وفي غير أدوار انعقاد المجلس يتعين أن يتم ذلك الإخطار عند أول انعقاد له ) (51).وعالج قانون مجلس عمان ( 7 /2021 ) الحصانة الإجرائية زمنياً لعضو مجلس الشورى على نحو لا يقبل التأويل والاختلاف ، ولم يخرج في معالجته عن الإطار العام للدساتير نماذج البحث ، إذ ميّز في إجراءات رفع الحصانة بين حالة انعقاد المجلس وعدم انعقاده، وبين حالة الجرم المشهود وغير المشهود ، فأوجب أخذ موافقة المجلس على رفع الحصانة إذا كان في حالة انعقاد ، واخذ موافقة رئيسه في خارج ادوار الانعقاد ، وأوجب أخذ موافقة المجلس أو رئيسه في غير الجرم المشهود ، والقبض مباشرة على العضو في حال التلبس ( لا يجوز في غير حالة التلبس ، اتخاذ أي إجراءات جزائية ضد عضو مجلس الدولة أو عضو مجلس الشورى ، في أثناء أدوار الانعقاد السنوي إلا بإذن مسبق من المجلس المختص ، ويصدر الإذن من رئيس هذا المجلس في غير أدوار الانعقاد ) (52).
ونظم الدستور التركي الحصانة الإجرائية لعضو الجمعية الوطنية الكبرى تفصيلاً ، فميز بين الجرم المشهود وغير المشهود ، لكنه لم يعالج إلا رفع الحصانة عن النائب في أدوار انعقاد الجمعية ، وساوى في الحكم بين الجريمة المشهودة وبين طائفة من الجرائم الواردة في المادة ( 14 ) من الدستور ففي الجرائم غير المشهودة لا يجوز احتجاز النائب أو القبض عليه أو التحقيق معه سواء وقعت الجريمة قبل انتخابه أو بعدها ، إلا بموافقة الجمعية الوطنية الكبرى .
وفي حالة التلبس بارتكاب جريمة يُعاقب القانون عليها عقوبة مشددة ، وفي حال ارتكاب أي من الجرائم الواردة في المادة ( 14 ) من الدستور ...... التعدي على سلامة الدولة بأمتها وأراضيها ، أو تهديد وجود الجمهورية الديمقراطية العلمانية القائمة على حقوق الإنسان ، ولا يُفسر أي من أحكام هذا الدستور على نحو يمكّن الدولة أو الأفراد من انتهاك الحقوق والحريات الأساسية التي يقرها الدستور ، أو من القيام بنشاط يهدف إلى تقييد الحقوق والحريات الأساسية على نطاق واسع مما ينص عليه الدستور ....) ، في هذا النوع من الجرائم يجوز إلقاء القبض على النائب دون حاجة لإذن الجمعية ، على أن تخطر السلطة المختصة الجمعية مباشرة وفي الحال (53).
وفي كل الأحوال لا تنفذ الأحكام الصادرة في مواجهة عضــــو الجمعية الوطنية الكبرى سواء صدرت قبل أو بعد انتخابه إلا بعد انتهاء عضويته في الجمعية (54).
في الهند نظم الدستور الحصانة الموضوعية دون الإجرائية ،(55) واللافت أنه لم يحيل إلى النظام أو اللائحة الداخلية للبرلمان تنظيم ذلك .
وبذات الاتجاه ذهب الدستور المكسيكي ( يكون النواب والشيوخ محصنين فيما يتعلق بالآراء التي يعبرون عنها في أداء وظائفهم ولا يتعرضون للمساءلة عنها . يضمن رئيس كل مجلس احترام الامتيازات الدستورية لأعضاء مجلسه ، وحصانة المكان الذي يعقدون فيه جلساتهم ) (56) . وفصل الدستور الألماني في تنظيم الحصانة الإجرائية ، فحظر رفع الحصانة عن عضو البوندستاغ في الجرائم غير المشهودة إلا بموافقة المجلس ، سواء وقع الفعل في أدوار الانعقاد أو خارجه .
وفي الجرائم المشهودة أو التي تُكشف في اليوم التالي لارتكابها يجوز إلقاء القبض على النائب دون حاجة لاستحصال موافقة المجلس (57) واشترط الدستور استحصال موافقة البوندستاغ قبل تقييد حرية العضو إذا اتهم بارتكاب ما يسيء إلى استعمال حرية التعبير أو حرية التعليم أو حرية التجمع أو حرية تكوين الجمعيات أو ينتهك سرية الرسائل والبريد والاتصالات أو يتجاوز على حق الملكية الخاصة أو يمس حق اللجوء أو إتيان ما يمس بالنظام السياسي الديمقراطي (58).
والملاحظ أن الدستور الفرنســـــي لم يميز في رفع الحصــــــانة بين الجريمة المشهودة وغير المشهودة بصفة مطلقة ، لكنه أشار لارتكاب الجريمة الخطيرة والكبرى غير المشهودة وميزها عن الجريمة المشهودة وتلك التي تكون فيها الأدلة قطعية ، فإذا ما أرتكب عضو الجمعية الوطنية جريمة خطيرة أو كبرى أثناء انعقاد المجلس، جاز لمكتب المجلس رفع الحصانة ولا حاجة لاستئذان المجلس في إلقاء القبض على عضو الجمعية الوطنية إذا ضبط بالجرم المشهود أو كانت الأدلة قطعية على ارتكابه الفعل (59)
ويمكن تأجيل احتجاز عضو الجمعية الوطنية تنفيذاً للتدابير الاحترازية أو شبه الاحترازية أو تأجيل مقاضاته ، أثناء انعقاد الجلسة إذا طلبت الجمعية الوطنية ذلك (60).
وميز الدستور الأرجنتيني في تنظيمه للحصانة الإجرائية زمنياً بين التلبس بارتكاب جريمة شنيعة أو شائنة أو خطيرة إذ أجاز إلقاء القابض على النائب المتلبس بارتكابها دون حاجة لاستحصال موافقة المجلس ( لا يجوز اعتقال أي عضو في مجلس الشيوخ أو أي نائب ، اعتباراً من يوم انتخابه حتى انتهاء فترة عضويته، إلا في حالة القبض عليه متلبساً بارتكاب فعل شنيع أو أي جريمة أخرى شائنة أو خطيرة ،...) (61).
أما في الجرائم غير المشهود فلا يجوز إلقاء القبض على النائب المتهم بارتكابها إلا بعد استحصال موافقة المجلس بغالبية ثلثي أصواته ( عند عرض اتهام مكتوب أمام المحاكم العادية ضد أي عضو في مجلس الشيوخ أو أي نائب ، يجوز أن يقوم كل مجلس ، بعد دراسة حيثيات لائحة الاتهام في محاكمة علنية ، بموافقة ثلثي الأصوات أن يعلق عضوية المتهم وأن يضعه تحت تصرف المحكمة المختصة لمحاكمته ) (62).
ونظم الدستور الإسباني الحصانة الإجرائية زمنياً ، وميّز بين الجريمة المشهودة وغير المشهودة ، حيث أجاز إلقاء القبض على عضو مجلس النواب دون حاجة لإذن مسبق في حالة الجرم المشهود ، واشترط إجازة المجلس برفع الحصانة في غير الجرم المشهود ، ودون التمييز بين وقوع الجريمة في أدوار الانعقاد أو خارجها ( يتمتع عضو مجلس النواب ومجلس الشيوخ أيضاً خلال فترة انتخابهم ، بالحصانة ولا يمكن إلقاء القبض عليهم إلا في حالة التلبس بالجريمة ، ولا يمكن اتهامهم أو محاكمتهم دون أذن مسبق من المجلس التابعين له ) (63).
ورسم الدستور الإيطالي طريق خاص في تنظيم الحصانة الإجرائية زمنياً ، إذ حظر تفتيش عضو البرلمان أو اعتقاله أو حرمانه من حريته الشخصية في مرحلة الاتهام والتحقيق إلا بإذن المجلس وموافقته ، وأجاز إلقاء القبض عليه دون حاجة لموافقة المجلس بقصد تنفيذ حكم نهائي صادر في مواجهته أو في حال إلقاء القبض عليه متلبساً بالجرم المشهود ( لا يمكن إخضاع أي عضو من أعضاء البرلمان للتفتيش الشخصي أو المنزلي بدون تفويض المجلس الذي ينتمي إليه ، ولا يمكن اعتقاله أو حرمانه من حريته الشخصية بأي طريقة أخرى ، ولا احتجازه إلا في حالة تنفيذ حكم إدانة نهائي من المحكمة ، أو في حالة القبض على العضو متلبساً وهو يرتكب جريمة توجب الاعتقال ...... .)(64).
وبموجب الدستور النمساوي لا يجوز إلقاء القبض على عضو المجلس الوطني لاتهامه بارتكاب جريمة جنائية ولا تفتيش منزله إلا بموافقة المجلس المسبقة ، ويستثنى من ذلك ضبطه بالجرم المشهود ، ولم يميز الدستور في استحصال موافقة المجلس بين صدور أمر القبض في أدور الانعقاد أو خارجها ( لا يجوز إلقاء القبض على أي عضو من أعضـــاء المجلس الوطني ، على أساس الاشتباه بارتكاب جريمة جنائية ، باستثناء القبض عليه في حالة التلبس بارتكاب الجريمة إلا بموافقة المجلس الوطني ، ويتطلب تفتيش منازل أعضاء المجلس الوطني بالمثل أيضاً موافقة المجلس الوطني ) (65)
وميز الدستور الفنزويلي بين الجريمة المشهودة وغير المشهودة في تنظيم الحصانة الإجرائية زمنياً ، حيث اشترط استحصال موافقة المجلس لرفع الحصانة عن عضو المجلس في حالة الاتهام بالجرم غير المشهود ، وفي حالة الجرم المشهود تفرض عليه السلطات المختصة الإقامة الجبرية وتُبلغ محكمة العدل العليا بالقرار فوراً ) ..... ولمحكمة العدل العليا دون غيرها النظر في أية جرائم يتهم بارتكابها نواب المجلس الوطني ، ويحق لها وحدها إصدار أمر بتوقيفه ومقاضاته بعد موافقة مسبقة من المجلس الوطني ، وفي حالة ضبط أحد المشرعين بجرم مشهود تفرض عليه السلطات المختصة الإقامة الجبرية وتبلغ محكمة العدل العليا على الفور بالحادث ) (66)
والملاحظ أن الدستور الفنزويلي لم يميز في رفع الحصانة في حالة الاتهام بارتكاب جريمة غير المشهودة بين أن يكون أمر القبض صادر في أدوار انعقاد المجلس أو خارجه ، إذ اشترط في الفرضين استحصال موافقة المجلس.
ونظم الدستور البرازيلي الحصانة الإجرائية زمنياً ، إذ حظر وعلى حدٍ سواء مع غالبية الدساتير نماذج البحث إلقاء القبض على عضو البرلمان المتهم بارتكاب جرم غير مشهود إلا بعد استحصال موافقة المجلس ( لا يمكن اعتقال أعضاء الكونغرس الوطني من تاريخ تسلمهم مناصبهم ...) (67) تستمر حصانة النواب والشيوخ خلال حالة الحصار ، ويمكن أن تُعلق فقط بتصويت ثلثي أعضاء المجلس المعني ، في حالة ارتكاب عمل خارج مبنى الكونغرس الوطني ...) (68).
والملاحظ أن الدستور البرازيلي أنفرد بين الدساتير نماذج البحث في تقييد صلاحية إلقاء القبض على عضو المجلس المتلبس بارتكاب جريمة مشهودة، بأن تكون من الجرائم التي لا يمكن إطلاق السراح فيها بكفالة ) .... إلا في حالة اعتقالهم بالجرم المشهود لجريمة غير قابلة لإطلاق السراح بكفالة ، في هذه الحالة يُرسل تقرير الشرطة خلال أربع وعشرين ساعة إلى المجلس المعني ، الذي يُقرر بأغلبية أعضائه بشأن الحكم بالسجن ) (69).
وساير دستور بيرو دساتير الدول نماذج البحث في تمييزه بين الجرم المشهود وغير المشهود المرتكب من قبل عضو الكونغرس ، إذ حظر إلقاء القبض عليه في الجرم غير المشهود إلا بعد استحصال موافقة المجلس أو الجمعية الدائمة ، وتمتد الحصانة من لحظة اكتسابه صفة النيابة وحتى مرور شهر على انتهاء نيابته .
أما في حالة إلقاء القبض على عضو الكونغرس متلبساً بالجريمة ، يوضع تحت تصرف المجلس أو الجمعية الدائمة التابعة له لمدة أربع وعشرين ساعة لاتخاذ القرار باعتقاله أو عدم الاعتقال ( ..... لا يجوز محاكمة أو اعتقال أعضاء الكونغرس دون إذن مسبق من الكونغرس أو الجمعية الدائمة ، منذ لحظة انتخابهم وحتى انقضاء شهر على انتهاء ولايتهم ، ما خلا حالة التلبس بالجريمة ، وعندها يتم وضعهم تحت تصرف الكونغرس أو الجمعية الدائمة التابعة له لمدة أربع وعشرين ساعة لتحديد هل سيسمح بسجنهم أو اعتقالهم) (70).
______________
1- كريم كشاكش ، الحصانة الإجرائية ضمانة دستورية ، بحث منشور في مجلة المنارة للبحوث والدراسات ، جامعة آل البيت ، المجلد 13 ، العدد 8 ، الأردن ، 2007، ص 38
2 - حسينـة شـرون ، الحصانة البرلمانية ، مجلة الفكر ، كلية الحقوق والعلوم السياسية ، جامعة محمد خيضر بسكرة ، العدد 5، ص 151
3- رمضان بطيخ ، الحصانة البرلمانية وتطبيقاتها في مصر ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1994 ، ص 80 .
4- Pilips, constitutional and administrative law, p. 234.
5- محمد أبو زيد ، حصانة أعضاء مجلس الشعب ، بحث منشور في مجلة مجلس الأمة ، القاهرة ، ع 76 س 19 ، يناير 1977 ، ص 42 .
6- احمد حسام الدين ، الحصانة البرلمانية الموضوعية والإجرائية من وجهة نظر جنائية ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، ط1، 1995، ص 10
7- م ( 63 / ثانياً / أ ) من الدستور العراقي .
8- م ( 112 ) من الدستور المصري .
9- م ( 70 ) من الدستور السوري .
10- م (39) من الدستور اللبناني .
11- م ( 68 ) من الدستور التونسي .
12- م ( 129 ) من الدستور الجزائري .
13- م (81) من الدستور اليمني .
14- م ( 1/50) من الدستور الموريتاني .
15- م ( 81 ) من الدستور الإماراتي .
16- م ( 87 ) من الدستور الأردني .
17 - م ( 110 ) من الدستور الكويتي .
18- م (112) من الدستور القطري.
19- م ( 28 ) من قانون مجلس عمان رقم ( 7 / 2021 ) .
20- م (2/105) من الدستور الهندي
21- م ( 1/26) من الدستور الفرنسي .
22- م (1/71) من الدستور الإسباني .
23- م ( 68 / 1 ) من الدستور الإيطالي .
24- م ( 1/61) من الدستور المكسيكي
25- م ( 199 ) من الدستور الفنزويلي .
26- م ( 200) من الدستور الفنزويلي.
27- م ( 53 ) من الدستور البرازيلي .
28- - م ( 68 ) من الدستور الأرجنتيني .
29- م (21/93 ) من دستور بيرو .
30- م ( 64 ) من الدستور المغربي .
31- م ( 89 / ب ) من الدستور البحريني .
32- م (1/83) من الدستور التركي .
33- م (1/46) من الدستور الألماني .
34 - م (1/57) من الدستور النمساوي .
35 - م ( 63 ) من الدستور العراقي .
36 - قرار المحكمة الاتحادية العليا ( 134 / اتحادية / 2017 ) في 2017/11/27 .
37- قرار المحكمة الاتحادية العليا ( 90 / اتحادية / 2019 ) في 28 / 4 / 2021 .
38- م ( 40 ) من الدستور اللبناني .
39- م ( 71 ) من الدستور السوري .
40- م ( 113 ) من الدستور المصري .
41 - الفصل ( 69 ) من الدستور التونسي .
42 - م (130) من الدستور الجزائري .
43- م ( 131 ) من الدستور الجزائري .
44 - م ( 50 ) من الدستور الموريتاني .
45- م (82) من الدستور اليمني .
46- م ( 82 ) من الدستور الإماراتي .
47 - م ( 86 ) من الدستور الأردني .
48- الفصل (64) من الدستور المغربي .
49- م (111) من الدستور الكويتي .
50- م ( 89 / ج ) من الدستور البحريني .
51- م ( 113 ) من الدستور القطري.
52 - م (29) من قانون مجلس عمان رقم ( 7 / 2021 ) .
53- م (2/83) من الدستور التركي
54- م ( 83 / 3 ) من الدستور التركي .
55- م ( 105 ) من الدستور الهندي .
56- م ( 61 ) من الدستور المكسيكي .
57- م (2/46) من الدستور الألماني.
58- م ( 46 / 3 ) و م (18) من الدستور الألماني .
59- م ( 26 / 2 ) من الدستور الفرنسي .
60- م ( 3/26) من الدستور الفرنسي .
61- م ( 69 ) من الدستور الأرجنتيني .
62- م ( 70 ) من الدستور الأرجنتيني .
63 - م ( 71 / 2 ) من الدستور الإسباني .
64 - م ( 68 / 2 ) من الدستور الإيطالي .
65 - م (2/57) من الدستور النمساوي .
66 - م ( 200 / 1 ) من الدستور الفنزويلي .
67- م ( 2/53 ) من الدستور البرازيلي .
68- م ( 8/53 ) من الدستور البرازيلي .
69 - م ( 2/53) من الدستور البرازيلي .
70 - م (2/93) من دستور بيرو .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|