أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-07-30
408
التاريخ: 12-10-2019
2828
التاريخ: 9-11-2019
1882
التاريخ: 28-11-2018
10813
|
المبحث الثالث: اوليات عن تفسير القيمة
حين نراجع القضايا والطروحات التي تترتب على المشكلة الاقتصادية الرئيسية ، يمكن ان ندرك انها لابد ان تنطوي ضمنيا على قيام عمليات التبادل . ولكن كيف يمكن ان اطمئن الى ان الافراد العقلانيين والموضوعيين، سوف يقودون النشاط الاقتصادي - من خلال عمليات التبادل - الى تنظيم الانتاج وتوزيع الثروة ، باتجاه يحقق الكفاءة وكذا المصلحة المشتركة لاطراف المبادلة ؟
يقوم الافراد من خلال المبادلة في السوق - وبشكل غير مقصود بتحديد العلاقات النسبية التبادلية بين السلع. وهذه العلاقات ليست في الواقع ، إلا الأسعار النسبية للسلع. لذلك فان نظرية القيمة التي تتصدى لتفسير العوامل المؤثرة في تحديد هذه الاسعار ، تمثل قضية محورية في توضيح عمل اقتصاد السوق باتجاه يحقق كفاءة استخدام الموارد ... والمصلحة المتبادلة للأفراد .
يلاحظ المهتمون بالفكر الاقتصادي القديم، ان اول من اهتم بمفهوم القيمة هو الفيلسوف اليوناني ارسطو الذي عاش في القرن الرابع قبل الميلاد، حيث ميز بين مفهومي " القيمة التبادلية » و « القيمة الاستعمالية "، وارجع الاخيرة الى العامل الشخصي، الذي صار الاساس الذي قامت عليه "نظرية المنفعة" في القرن التاسع عشر للميلاد. ورغم أن افكار ارسطو في هذا المجال قد اهملت طوال الف عام، لكن مفكري القرون الوسطى عادوا للاهتمام بها ، حيث اشار الفيلسوف (توما الاكويني) مثلاً الى ان قيمة السلع تتحدد بمنفعتها وندرتها. وعادت نفس الافكار للظهور في القرنين السابع عشر والثامن عشر، على يد عدد من الاقتصاديين الايطاليين والفرنسيين. ويعتقد بعض الكتاب ان السبب في اهمال المحاولات السابقة ، هو ان افكار "ادم سمت" في القرن الثامن عشر، اتخذت مساراً مختلفاً تماماً ... ، رغم ان الفكر الاقتصادي عاد الى نفس الافكار السابقة بعد حوالي ثلاثة ارباع القرن من ظهور كتابات (سمث)(1).
والواقع ان المدرسة الكلاسيكية القديمة ، لم تتنكر لدور المنفعة في تحديد قيمة السلعة. فقد اعتقد: "سمت" بأن كلمة قيمة يمكن ان تنطوي على معنيين هما : " القيمة الاستعمالية" : التي تتصل بالمنفعة، و"القيمة التبادلية" التي تتصل بنفقة الانتاج التي جوهرها عنصر العمل. وقد ركزت المدرسة الكلاسيكية على "القيمة التبادلية ». تمثل محاولة «ادم سمت » لتفسير القيمة ، المدخل الاساس للتصور الكلاسيكي في هذا المجال، بما في ذلك «نظرية العمل للقيمة » و «نظرية نفقة الانتاج». ففي سعيه لتفسير القيمة التبادلية ، اعتقد «سمث» بأن كمية العمل اللازم لانتاج السلعة هي العامل الاساس الذي يحدد قيمتها وخاصة في المجتمعات البدائية التي تعتمد في نشاطها على عنصر العمل، اي ان الناتج كله ينسب الى العمل لوحده. ففي الاقتصاد البدائي تنطبق نظرية العمل للقيمة ، وقد اشار «سمث» الى انه في مجتمع الصيادين ، اذا كانت عملية صيد حيوان (القندس) تحتاج الى ضعف ساعات العمل التي تحتاجها عملية صيد الغزال ، فان حيوان «القندس" الواحد لابد ان يساوي غزالين عند التبادل . فمن الطبيعي ان قيمة السلعة التي يحتاج انتاجها الى يومين او ساعتين لابد ان تساوي ضعف قيمة السلعة التي يحتاج انتاجها الى يوم واحد او ساعة واحدة. وهكذا فان ناتج العمل بكامله لابد ان ينتمي الى العامل . اي ان كمية العمل التي لابد من بذلها لانتاج سلعة معينة ، ستساوي بالضرورة قيمة تلك السلعة ، وتساوي ايضاً قيمة اية سلعة اخرى استغرق انتاجها نفس الوقت .
لكن "سمث" حين حوّل نظره الى الاقتصاد الحديث الذي يحتاج في نشاطه الانتاجي - بالاضافة الى عنصر العمل - الى عنصري رأس المال الثابت (المعدات) والارض، وجد ان القيمة التبادلية للسلعة ( اي سعرها) على الربح والريع بالاضافة الى كذلك الاجر، وبالتالي فان القيمة التبادلية للسلعة ستكون اكبر من كمية العمل التي ذهبت لإنتاجها ، اي ان بإمكان سعر السلعة ان يحصل على كمية من وقت العمل أكبر من تلك التي ذهبت لانتاجها. وهكذا يقترب «سمث» في النهاية من نظرية نفقة الانتاج لتفسير القيمة .
والجدير بالاشارة ان نظرية العمل للقيمة التي بادر «آدم سمت" بطرح ملامحها الاولية ، صارت فيما بعد، الاساس الذي بنى عليه " كارل ماركس "( نظريته في ما اسماه بـ "الاستغلال الاقتصادي» و «فائض القيمة" التي تشير الى الفرق بين "القيمة الاستعمالية" للسلعة وقيمة الاجور المدفوعة للعمال التي انتجوها. باعتبار ان العمليات الانتاجية ، يمكن النظر اليها باعتبارها سلسلة من كميات - مباشرة وغير مباشرة - لنشاط العمل. فاذا كانت الاقمشة مثلاً ، يتم صنعها عن طريق تعاضد جهود العمل المباشر مع جهود المغزل او آلة النسيج، لكن هذه الاخيرة قد تم انتاجها سابقاً عن طريق العمل ايضاً اي ان راس المال الثابت هو عمل سابق جرى تخزينه في شكل آلة ، وليس عنصراً انتاجياً مستقلاً ..
والواقع ان "ديفد ريكاردو" كان اكثر المفكرين تاثيراً على اتجاه المدرسة الكلاسيكية القديمة فيما يتصل بنظرية القيمة.
لقد ادرك ريكاردو انه لكي يكون للسلع ثمة "قيمة"، فانها ينبغي ان تكون مفيدة اي نافعة، لكن اقيام السلم لا تتحدد بفوائدها الاستعمالية. واذا كانت السلع تنطوي على منفعة .. ، فان ذلك يجعل السلع تستمد اقيامها التبادلية من مصدرين هما : منافع السلع وكمية العمل اللازمة لانتاجها. وقد اعتقد "ريكاردو" ان مؤشر"الندرة" يسري مفعوله على تلك السلع التي يتعذر انتاجها بشكل طليق : كالاعمال الاصيلة الفنية وقطع الآثار وماشابه ذلك ... وهي سلع تتحدد اسعارها بتفاعل العرض والطلب. لكن تلك السلع تمثل فقط جزءاً صغيراً من تيار السلع المتداولة يومياً في السوق . وفي الطرف الآخر نجد ان القسم الاعظم من السلع التي يرغب فيها الناس هي نتاج لعنصر العمل، ومن الممكن اكثارها او زيادة كمياتها اذا اغدقنا عليها بعنصر العمل اللازم لانتاجها .
ان نظرية نفقة الانتاج التي صاغها ريكاردو تتعامل فقط مع السلع التي يمكن إعادة انتاجها، وقد اعتقد بأن القيمة الاستعمالية لا يمكن قياسها باي معيار مألوف حيث تختلف باختلاف الأشخاص ، لذلك ركز اهتمامه على "القيمة التبادلية" التي تتوقف - في رأيه - على نفقة الانتاج ... لكنه يرجع هذه الاخيرة الى عنصر العمل ، اي المجهود البشري. وقد اعتقد ريكاردو بان نفقة الانتاج تتوقف على : أ- كمية العمل المباشر المبذول في انتاج السلعة . ب - العمل المخزون او غير المباشر، الذي يمثل كمية ونوع العمل المبذول في مراحل سابقة في انتاج الالات والمعدات المستخدمة. جـ- نوع العمل، بما في ذلك مستويات المهارة والتخصص والخبرة والتعليم.
في العقد السابع من القرن التاسع عشر حصل تحول ملحوظ في كتابات الاقتصاديين المتعلقة بنظرية القيمة ، باتجاه التفسير الذاتي للقيمة ، وظهر ذلك بشكل واضح في كتابات كل من "جيوفنز" و" منجر" و "فالراس" . فقد وجه هؤلاء كل على حدة –
انتقادات متماثلة لكتابات "ريكاردو"، بخصوص القيمة. ولعل ابرز مسألتين في تلك الانتقادات هي : أ- تستلزم مقارنة وحدات العمل، معرفة خصائص وقيم انتاج تلك الوحدات من السلع المختلفة . لكن تلك المقارنة تصبح متعذرة بسبب عدم تماثل وحدات عنصر العمل. ب- قد تستند قرارات الانتاج الى تقديرات مبالغ فيها للطلب على السلعة ، وهنا فان استخدام كميات كبيرة من العمل لا يؤدي الى رفع قيمة السلعة.
ان الانتقادات المذكورة آنفا تعني ببساطة ان هذه المدرسة الجديدة ، ترى بأن قيمة السلعة لا تتحدده بنفقة انتاجها .. ، بل تتوقف على منفعة السلعة للمستهلك . فالقيمة (كما يعتقد هؤلاء) ليست كامنة في السلعة ذاتها ، بل هي صفة او نتيجة مستمدة من السلعة للمستهلك، الامر الذي يعطي القيمة طابعاً ذاتياً يرتبط بنظرية المنفعة الحدية.
وهكذا نجد امامنا طرفين متعارضين من الاراء بشأن تفسير القيمة، وقد سعى الاقتصادي المعروف مارشال للتوفيق بين هذين الطرفين، في محاولة اعطاء اجابة مقنعة عن مصدر قيمة السلعة : هل تتحدد قيمة السلعة بنفقة انتاجها ام بمنفعتها للمستهلك ......؟
لقد اعتقد "مارشال" ان هذا الـسؤال يشبه التساؤل عن : اي من ذراعي المقص هو الذي يقطع الورقة او قطعة القماش ...؟ فالأمر الواضح ان كلا ذراعي المقص له نفس الاهمية في عملية القطع ، اذ لا يمكن انجار القص بدونها معاً. ويرى «مارشال » ان كلا المدرستين قد اخطأ حين ركز على احد جانبي السوق، واهمل الجانب الاخر الذي لا يقل اهمية في تحديد القيمة. فحين يقتصر الاهتمام على نفقة الانتاج مع اهمال دور المنفعة في تحديد قيمة السلعة ، فان ذلك يعني في الواقع التركيز على جانب العرض واهمال جانب الطلب ، لان الامر الذي يحدد الكمية المعروضة من سلعة معينة هو نفقة انتاجها اي ما تنطوي عليه من تكاليف. وحين يقتصر الاهتمام على المنفعة مع اهمال دور نفقة الانتاج في تحديد قيمة السلعة ، فان ذلك يعني التركيز على جانب الطلب فقط لان الكمية المطلوبة اية سلعة تتحدد بمنفعتها. لذلك خلص «مارشال» الى ان قيمة اية سلعة - اي سعرها - تتحدد بنفقة انتاجها من ناحية ، ومنفعتها من ناحية اخرى . اي بجانبي العرض والطلب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د. سلوى سليمان و د. عبد الفتاح قنديل : مقدمة في علم الاقتصاد. - دار النهصة العربية . القاهرة 1970 .
|
|
دور في الحماية من السرطان.. يجب تناول لبن الزبادي يوميا
|
|
|
|
|
العلماء الروس يطورون مسيرة لمراقبة حرائق الغابات
|
|
|
|
|
انطلاق الجلسة البحثية الرابعة لمؤتمر العميد العلمي العالمي السابع
|
|
|