أقرأ أيضاً
التاريخ: 31-07-2015
3747
التاريخ: 29-07-2015
3336
التاريخ: 29-07-2015
3344
التاريخ: 2023-04-18
1296
|
الإمام الهادي والمعتصم العباسي
أعلام الهداية، ، المجمع العالمي لأهل البيت ( ع ) - لجنة التأليف، ص 80-89
الإمام الهادي ( عليه السّلام ) والمعتصم العباسي
بعد اغتيال الإمام الجواد ( عليه السّلام ) من قبل المعتصم عهد المعتصم إلى عمر بن الفرج أن يشخص بنفسه إلى المدينة ليختار معلما لأبي الحسن الهادي ( عليه السّلام ) البالغ من العمر آنذاك ست سنين وأشهرا ، وقد عهد إليه ان يكون المعلم معروفا بالنصب والانحراف عن أهل البيت ( عليهم السّلام ) ليغذيه ببغضهم .
ولما انتهى عمر إلى يثرب التقى بالوالي وعرّفه بمهمته فأرشده الوالي وغيره إلى الجنيدي الذي كان شديد البغض للعلويين ، فأرسل خلفه وعرّفه بالأمر فاستجاب له بعد أن عيّن له راتبا شهريا ، وعهد إليه أن يمنع الشيعة من زيارته والاتصال به .
بادر الجنيدي إلى ما كان امر به من مهمّة تعليم الإمام ( عليه السّلام ) إلّا انه قد ذهل لما كان يراه من حدّة ذكائه ، والتقى محمد بن جعفر بالجنيدي فقال له : « ما حال هذا الصبي الذي تؤدبه ؟ » فأنكر الجنيدي ذلك وراح يقول :
« أتقول : هذا الصبي ؟ ! ! ولا تقول هذا الشيخ ؟ أنشدك باللّه هل تعرف بالمدينة من هو أعرف مني بالأدب والعلم ؟ » .
قال : لا .
فقال الجنيدي : « إني واللّه لأذكر الحرف في الأدب ، وأظن أني قد بالغت ، ثم إنّه يملي أبوابا استفيده منه ، فيظن الناس اني اعلمه ، وأنا واللّه أتعلّم منه » .
وانطوت الأيام فالتقى محمد بن جعفر مرة أخرى بالجنيدي ، فقال له :
ما حال هذا الصبي ؟
فأنكر عليه الجنيدي ذلك وقال : « دع عنك هذا القول ، واللّه تعالى لهو خير أهل الأرض ، وأفضل من برأه اللّه تعالى ، وإنه لربما همّ بدخول الحجرة فأقول له : حتى تقرأ سورة ، فيقول : أيّ سورة تريد أن أقرأها ؟ فاذكر له السور الطوال ما لم يبلغ إليها فيسرع بقراءتها بما لم أسمع أصح منها ، وكان يقرأها بصوت أطيب من مزامير داود ، انّه حافظ القرآن من أوله إلى آخره ، ويعلم تأويله وتنزيله .
وأضاف الجنيدي قائلا : هذا الصبي صغير نشأ بالمدينة بين الجدران السود فمن أين علم هذا العلم الكبير ؟ يا سبحان اللّه ! !
ثم نزع عن نفسه النصب لأهل البيت ( عليهم السّلام ) ودان بالولاء لهم واعتقد بالإمامة »[1].
لقد كان لأدب الإمام الهادي ( عليه السّلام ) وحسن تعامله مع معلمه « الناصبي » أثر كبير في تحوله الاعتقادي وايمانه بزعامة أهل البيت ( عليهم السّلام ) .
ثمّ إنّ الجنيدي نفسه صرّح لغيره أنه تعلم من الإمام ( عليه السّلام ) ولم يأخذ الإمام ( عليه السّلام ) العلم منه ، وتلك خاصة للإمام وآبائه ( عليهم السّلام ) ، فإنّ الإمام الرضا ( عليه السّلام ) لما سئل عن الخلف بعده أشار إلى الإمام الجواد ( عليه السّلام ) وهو صغير ربّما في عمر كعمر الإمام الهادي ( عليه السّلام ) ، واحتج الرضا ( عليه السّلام ) بقوله تعالى : وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا فالصغر والكبر ليس موردا للإشكال فإن اللّه سبحانه جعل الإمامة امتدادا للنبوة لتقتدي الناس بحملة الرسالة فهم القيّمون عليها والمجسّدون لها تجسيدا كاملا ليتيسّر للناس تطبيق أحكام اللّه تعالى بالاقتداء بالأئمة ( عليهم السّلام ) .
وتعكس لنا هذه الرواية الاهتمام المبكر من قبل المعتصم بالامام الهادي ( عليه السّلام ) من أجل تطويق تحركه وعزله عن شيعته ومريديه كما يتّضح ذلك من أمره بأن يمنع اتصال الشيعة به . يضاف إلى ذلك أن المبادرة لتعليم الإمام في سنّ مبكّرة لا يبعد أن يكون للتعتيم على علم الإمام وهو في هذا العمر كما حدث لأبيه الجواد ( عليه السّلام ) حين تحدّى كبار العلماء ولم يعهد منه أنه كان قد تعلّم عند أحد .
فهذا الإسراع يعدّ محاولة للحيلولة دون بزوغ اسم الإمام الهادي ( عليه السّلام ) وسطوع فضله عند الخاص والعام ، لأنّ ما سوف يصدر منه يمكن أن ينسب إلى معلّمه ومربّيه .
غير أن الإمام ( عليه السّلام ) بخلقه وهدوئه استطاع أنّ يفوّت الفرصة على الخليفة وبلاطه ويظهر للناس علمه وإمامته التي عيّنها اللّه له .
الواثق ( 227 - 232 ه )
هو هارون بن المعتصم ، أمه رومية ، ولد في شعبان ( 196 ه ) واستولى على الخلافة في ربيع الأوّل ( 227 ه ) . وفي سنة ( 228 ه ) استخلف على السلطة أشناس التركي وألبسه وشاحين مجوهرين وتاجا مجوهرا .
وكان كثير الأكل جدا حتى قال ابن فهم : أنه كان يأكل في خوان من ذهب وكان يحمل كل قطعة منه عشرون رجلا .
وكان الواثق كأسلافه الحاكمين في الإسراف وقضاء الوقت باللهو والمفاسد .
وقيل عنه أنّه كان وافر الأدب مليح الشعر ، وكان أعلم الخلفاء بالغناء ، وله أصوات وألحان عملها نحو مائة صوت وكان حاذقا بضرب العود ، راوية للأشعار والأخبار .
وكان يحب خادما له أهدي له من مصر فأغضبه الواثق يوما ثم إنه سمعه يقول لبعض الخدم : واللّه انه ليروم ان أكلمه - اي الواثق - من أمس فما أفعل ، فقال الواثق في ذلك شعرا :
يا ذا الذي بعد أبي ظل مختفرا * ما أنت إلّا مليك جاد إذ قدرا لولا الهوى لتحاربنا على قدر * وان أقف منه يوما فسوف ترى[2]
وفي سنة ( 229 ه ) حبس الواثق كتّاب دولته وألزمهم أموالا عظيمة ، فأخذ من أحمد بن إسرائيل ثمانين ألف دينار ومن سليمان بن وهب - كاتب ايتاخ - أربعمائة ألف دينار ، ومن الحسن بن وهب أربعة عشر ألف دينار ، ومن إبراهيم بن رباح وكتّابه مائة ألف دينار ، ومن أحمد بن الخصيب مليونا من الدنانير ، ومن نجاح ستين ألف دينار ، ومن أبي الوزير مائة وأربعين ألف دينار[3].
فكم كان مجموع ثرواتهم بحيث أمكنهم دفع تلك الضرائب ؟
وإذا كانت هذه ثروة الكاتب العادي ، فكم هي ثروة الوزير نفسه ؟
ولعلّ من نافلة القول أن هذه الأموال إنّما اجتمعت عند هؤلاء على حساب سائر أبناء الأمة الإسلامية الذين كانوا يعانون من الفقر وحياة التقشّف التي أنتجها الظلم إلى جانب التفاضل الطبقي الفاحش .
الإمام الهادي ( عليه السّلام ) وبغا الكبير
وفي سنة ( 230 ه ) أغار الأعراب من بني سليم على المدينة ونهبوا الأسواق وقتلوا النفوس ، ولم يفلح حاكم المدينة في دفعهم حتى ازداد شرّهم واستفحل فوجّه إليهم الواثق بغا الكبير ففرّقهم وقتل منهم وأسر آخرين وانهزم الباقون[4].
وللإمام حين ورود بغا بجيشه إلى المدينة موقف تجدر الإشارة اليه ، فإنّ
أبا هاشم الجعفري يقول : كنت بالمدينة حين مرّ بها بغا أيّام الواثق في طلب الأعراب .
فقال أبو الحسن ( عليه السّلام ) : اخرجوا بنا حتى ننظر إلى تعبئة هذا التركي ، فخرجنا فوقفنا فمرّت بنا تعبئته فمرّ بنا تركي فكلّمه أبو الحسن ( عليه السّلام ) بالتركية فنزل عن فرسه فقبّل حافر دابته ، قال ( أبو هاشم ) فحلّفت التركي وقلت له : ما قال لك الرجل ؟ فقال : هذا نبيّ ؟ قلت : ليس هذا بنبيّ . قال : دعاني باسم سمّيت به في صغري في بلاد الترك ما علمه أحد الساعة[5].
وهذه الوثيقة التاريخية تتضمن بيان مجموعة من فضائل الإمام الهادي ( عليه السّلام ) وكمالاته واهتماماته العسكرية والتربوية لأصحابه ، وتشجيعه لبغا الذي واجه هذا الهجوم التخريبي للأعراب على مدينة الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) .
وبالإضافة إلى كرامات الإمام ( عليه السّلام ) المتعددة لا تستبعد أن يكون الإمام ( عليه السّلام ) قد استفاد من هذه الفرصة لكسب فرد في جيش بغا إذ بامكانه أن يكون حامل صورة ايجابية ورسالة خاصة عن الإمام ( عليه السّلام ) يمكنه ايصالها في الموقع المناسب إلى قائده بغا . وسوف نرى مواقف خاصة لبغا تجاه الإمام الهادي ( عليه السّلام ) في المستقبل الذي ينتظره ، فضلا عن موقف له مع أحد الطالبيين بعد أن حاول قتل عامل المعتصم فتمرّد بغا على أمر المعتصم ولم يلق هذا الطالبي إلى السباع[6]. ومن هنا قال المسعودي عنه : كان بغا كثير التعطّف والبر على الطالبيين .
الواثق ومحنة خلق القرآن
وامتحن الواثق الناس في قضية خلق القرآن فكتب إلى القضاة أن يفعلوا ذلك في سائر البلدان وأن لا يجيزوا إلّا شهادة من قال بالتوحيد ، فحبس بهذا السبب عالما كثيرا .
وفي سنة احدى وثلاثين [ بعد المائتين ] ورد كتاب إلى أمير البصرة يأمره أن يمتحن الأئمة والمؤذنين بخلق القرآن ، وكان قد تبع أباه في ذلك ثم رجع في آخر أمره .
وفي هذه السنة قتل أحمد بن نصر الخزاعي وكان من أهل الحديث وقد استفتى الواثق جماعة من فقهاء المعتزلة بقتله فأجازوا له ذلك ، وقال : إذا قمت إليه فلا يقومن أحد معي فإني أحتسب خطاي إلى هذا الكافر الذي يعبد ربا لا نعبده ولا نعرفه بالصفة التي وصفه بها ، ثم أمر بالنطع فأجلس عليه وهو مقيد فمشى إليه فضرب عنقه ، وأمر بحمل رأسه إلى بغداد فصلب بها ، وصلبت جثته في سرّ من رأى ، واستمر ذلك ست سنين إلى أن ولي المتوكل فأنزله ودفنه ، ولما صلب كتب ورقة وعلقت في أذنه فيها : « هذا رأس احمد ابن نصر بن مالك دعاه عبد اللّه الإمام هارون إلى القول بخلق القرآن ونفي التشبيه فأبى إلّا المعاندة فعجله اللّه إلى ناره » ووكل بالرأس من يحفظه .
وفي هذه السنة استفك من الروم ألفا وستمائة أسير مسلم فقال ابن داود - قبحه اللّه - ! من قال من الأسارى « القرآن مخلوق » خلصوه واعطوه دينارين ومن امتنع دعوه في الأسر[7].
قال الخطيب : كان أحمد بن أبي داود قد استولى على الواثق وحمله على التشدد في المحنة ودعا الناس إلى القول بخلق القرآن .
ومن جملة من شملهم ظلم الواثق أبو يعقوب بن يوسف بن يحيى البوطي صاحب الشافعي الذي مات سنة ( 231 ه ) محبوسا في محنة الناس بالقرآن ، ولم يجب إلى القول بأنه مخلوق وكان من الصالحين[8].
وجيء بأبي عبد الرحمن عبد الدين محمد الآذرمي ( شيخ أبي داود والنسائي ) مقيّدا إلى الواثق وابن أبي داود حاضر ، فقال له : أخبرني عن هذا الرأي الذي دعوتم الناس إليه ، أعلمه رسول اللّه صلّى اللّه عليه واله فلم يدع الناس إليه أم شيء لم يعلمه ؟ فقال ابن أبي داود : بل علمه . فقال : فكان يسعه أن لا يدعوا الناس إليه وأنتم لا يسعكم ؟ قال : فبهتوا وضحك الواثق وقام قابضا على فمه ودخل بيتا ومدّ رجليه وهو يقول : وسع النبي صلّى اللّه عليه واله أن يسكت عنه ولا يسعنا ! فأمر له أن يعطى ثلاثمائة دينار وأن يرد إلى بلده ولم يمتحن أحدا بعدها ومقت ابن أبي داود من يومئذ .
وعن يحيى بن أكثم : ما أحسن أحد إلى آل أبي طالب ما أحسن إليهم الواثق ، ما مات وفيهم فقير[9].
موقف الإمام الهادي ( عليه السّلام ) من مسألة خلق القرآن
لقد عمت الأمة فتنة كبرى زمن المأمون والمعتصم والواثق بامتحان الناس بخلق القرآن وكانت هذه المسألة مسألة يتوقف عليها مصير الأمة الإسلامية ، وقد بيّن الإمام الهادي ( عليه السّلام ) الرأي السديد في هذه المناورة السياسية التي ابتدعتها السلطة فقد روي عن محمد بن عيسى بن عبيد اليقطين أنه قال : كتب علي بن محمد بن علي بن موسى الرضا ( عليه السّلام ) إلى بعض شيعته ببغداد :
« بسم اللّه الرحمن الرحيم ، عصمنا اللّه وإياك من الفتنة فإن يفعل فأعظم بها نعمة وإلّا يفعل فهي الهلكة . نحن نرى ان الجدال في القرآن بدعة اشترك فيها السائل والمجيب فتعاطى السائل ما ليس له وتكلف المجيب ما ليس عليه ، وليس الخالق إلّا اللّه وما سواه مخلوق ، والقرآن كلام اللّه لا تجعل له اسما من عندك فتكون من الضالّين . جعلنا اللّه وإياك من الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون »[10].
إخبار الإمام الهادي ( عليه السّلام ) بموت الواثق
كان الإمام الهادي ( عليه السّلام ) يتابع التطورات السياسية ويرصد الأحداث بدقة . فعن خيران الخادم قال : قدمت على أبي الحسن ( عليه السّلام ) المدينة فقال لي : ما خبر الواثق عندك ؟ قلت : جعلت فداك خلفته في عافية ، انا من أقرب الناس عهدا به ، عهدي به منذ عشرة أيام قال : فقال لي : ان أهل المدينة يقولون انّه مات ، فلما ان قال لي : ( الناس ) ، علمت أنه هو ، ثم قال لي : ما فعل جعفر ؟
قلت : تركته أسوء الناس حالا في السجن ، فقال : أما إنه صاحب الأمر . ما فعل ابن الزيات ؟ قلت : جعلت فداك الناس معه والأمر أمره . فقال : اما انه شؤم عليه . ثم سكت وقال لي : لا بد ان تجري مقادير اللّه تعالى واحكامه . يا خيران ، مات الواثق وقد قعد المتوكل جعفر وقد قتل ابن الزيات . فقلت : متى جعلت فداك ؟ قال : بعد خروجك بستة أيّام[11].
وهذه الرواية دون شكّ تظهر لنا حدّة الصراع والتنافس على السلطة داخل الأسرة العباسية الحاكمة ، كما تظهر لنا مدى متابعة الإمام ( عليه السّلام ) للأوضاع العامة والسياسية أولا بأول . واهتمامه الكبير هذا يوضح مستوى الحالة السياسية التي كانت تعيشها قواعد الإمام ( عليه السّلام ) الشعبية ومواليه ، فكان يوافيهم بمآل الاحداث السياسية ، ليكونوا على حذر أولا ؛ ولينمّي قابلياتهم في المتابعة وتحليل الظواهر ثانيا .
[1] مآثر الكبراء في تاريخ سامراء : 3 / 91 - 95 .
[2] تاريخ الخلفاء : 343 - 345 .
[3] الكامل في التاريخ : 5 / 269 .
[4] الكامل في التاريخ : 5 / 270 .
[5] أعلام الورى : 343 .
[6] مروج الذهب : 4 / 76 .
[7] يراجع تاريخ اليعقوبي : 2 / 482 - 483 ، وتاريخ الخلفاء : 401 .
[8] تاريخ ابن الوردي : 1 / 335 .
[9] تاريخ الخلفاء : 342 .
[10] أمالي الشيخ الصدوق : 489 .
[11] أصول الكافي : 1 / 498 ح 1 ب 122 .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ندوات وأنشطة قرآنية مختلفة يقيمها المجمَع العلمي في محافظتي النجف وكربلاء
|
|
|