المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية

بعض فوائد الغضب
18-2-2022
جنسية الشركة وستار الشخصية الوهمية
26-2-2017
hedge (n./v.)
2023-09-18
الذبول الوعائي الفيوزاريومي في البطيخ
19-6-2016
الضمائر
16-10-2014
أبو معشر البلخي
10-8-2016


زهير بن أبي سُلمى  
  
7209   09:35 صباحاً   التاريخ: 27-09-2015
المؤلف : عمر فرّوخ
الكتاب أو المصدر : تأريخ الأدب العربي
الجزء والصفحة : ج1، ص194-201
القسم : الأدب الــعربــي / تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب /

ينسب الناس زهيرا إلى مزينة (1)، ومزينة هي بنت كعب بن ربوة وأم عمرو بن أدّ إحدى جدّات زهير لأبيه.
كان أبو سلمى، واسمه ربيعة بن رياح، قد تزوّج امرأة من بني سهم ابن مرّة بن عوف بن سعد بن ذبيان هي أخت بشامة بن الغدير الشاعر. ويبدو أن أبا سلمى اختلف وشيكا مع أصهاره (2) على إثر غارة على بني طيّئ ظلم حقّه في غنائمها، فاحتمل بأهله وعاد إلى أقارب له من بني عبد اللّه بن غطفان كانوا ينزلون في الحاجر (جنوب الرياض اليوم) من أرض نجد.
ولد زهير بن أبي سلمى في الحاجر، في نحو عام 520 م، وهناك نشأ، ولكنه يُتم من أبيه باكرا فتزوجت أمه أوس بن حجر. وعني أوس بزهير فجعله راوية له.
وتزوّج زهير امرأة اسمها ليلى في الأغلب وكنيتها أم أوفى ورزق منها عددا من الأولاد ماتوا كلهم صغارا. ولعل حب زهير للذرية جعله يكره أم أوفى، فطلّقها وتزوّج كبشة بنت عمّار بن سحيم أحد بني عبد اللّه بن غطفان فرزق منها ولديه كعبا وبجيرا. وكانت كبشة، فيما يبدو، ضعيفة الرأي مبذّرة صلفة فلقي منها عنتا كثيرا، فأراد-بعد عشرين عاما-أن يعود إلى أم أوفى؛ ولكنّ أم أوفى لم تقبل.
وعمّر زهير طويلا-نحو تسعين عاما-وتوفّي قبل مبعث رسول اللّه، قبل عام 610 م.
زهير أحد الثلاثة المقدّمين على سائر شعراء الجاهلية: امرئ القيس وزهير والنابغة. والنقّاد مجمعون على نقل رأي عمر بن الخطاب في زهير: «كان لا يعاظل (لا يدخل بعض الكلام في بعض)، وكان يتجنّب وحشي الكلام، ولم يمدح أحدا إلاّ بما فيه». وقال ابن سلاّم الجمحيّ: «ان من قدّم زهيرا احتجّ بأنه كان أحسن (الشعراء) شعرا، وأبعدهم من سخف وأجمعهم لكثير من المعاني في قليل من الألفاظ». وبرع زهير في المديح وفي الحكمة خاصة. وكان زهير يتوكأ على أوس بن حجر في كثير من شعره (3).
وعني زهير بشعره فكان كثير التنقيح والتهذيب له حتّى زعموا أنه كان ينظم القصيدة في أربعة أشهر، وينقّحها في أربعة أشهر، ثم يعرضها على أصحابه في أربعة أشهر فيتم له ذلك في حول (عام) كامل. من أجل ذلك عرفت قصائده بالحوليات.
ولقد كثرت الحكمة في شعر زهير ثم توالت في قصائده أحيانا، كما ترى في آخر المعلّقة مثلا؛ ولكنّ الحكمة ظلت عنده غرضا ولم تصبح فنّا مستقلا قائما بنفسه.
- المختار من شعره:
المعلّقة وسبب نظمها:
في عام 54 ق. ه‍. (568 م) اجتمع نفر وتذاكروا الخيل فانتهوا إلى أن ينزل قيس بن زهير العبسي داحسا والغبراء (فرسين له مذكرا ومؤنثة)، ويجري رجل من غطفان فرسين أيضا. وكان الهدف ذات الإصاد، والحكم رجلا من ثعلبة. واعترض ناس من فزارة من غطفان داحسا مرتين، ومع ذلك فقد وصل داحس مصليّا (ثانيا) وجاءت الغبراء مجلّية سابقة. وطلب العبسيون حقهم من الرهان فأباه عليهم الفزاريون، فنشبت حرب عرفت باسم حرب داحس والغبراء دامت-أو دامت العداوة بسببها على الأصح-أربعين عاما.
وكان في بني غيظ بن مرّة بن عوف بن سعد بن ذبيان من بني غطفان رجلان: الحارث بن عوف وهرم بن سنان ساءهما هذا العداء والدم المسفوك في القبيلة فسعيا في الصلح على أن يدفعا ديات القتلى الذين لم يتّفق أن ثأر لهم قومهم، فانتهت تلك الحرب عام 11 ق. ه‍. (608 م) قبل الاسلام بعامين.
وكان ورد بن حابس العبسيّ قد قتل، قبل الصلح، هرم بن ضمضم المرّي فتشاجرت عبس وذبيان حينا، ثم سكت الحصين بن ضمضم أخو هرم ابن ضمضم بعد أن أضمر في نفسه أن يأخذ بثأر أخيه. واتّفق أن نزل رجل عبسي، بعد الصلح، بالحصين بن ضمضم ضيفا فقتله الحصين. وكادت الحرب تعود بين الفريقين لو لا أن احتمل الحارث بن عوف دية العبسي. فقال زهير ابن أبي سلمى معلّقته يمدح فيها الحارث وهرما ويذكر صلح داحس والغبراء وأمر الحصين بن ضمضم ويصوّر أهوال الحرب ويزيّن السلام ويدعو اليه. فمما يختار من المعلقة:
أ من أمّ أوفى دمنة، لم تكلّم... بجومانة الدّرّاج فالمتثلّم
وقفت بها من بعد عشرين حجة... فلأيا عرفت الدار بعد توهّم (4)
تذكرني الاحلام ليلى، ومن تطف... عليه خيالات الأحبّة يحلم (5)
سعى ساعيا غيظ بن مرّة بعد ما...   تبزّل ما بين العشيرة بالدم (6)
فأقسمت بالبيت الذي طاف حوله... رجال، بنوه، من قريش وجرهم (7)
يمينا: لنعم السيّدان وجدتما...على كل حال من سحيل ومبرم (8)
تداركتما عبسا وذبيان بعد ما... تفانوا ودقّوا بينهم عطر منشم (9)
وقد قلتما: إن ندرك السّلم واسعا... بمالٍ ومعروفٍ من الأمر نسلم
فاصبحتما منها على خير موطن... بعيدين فيها من عقوق ومأثم
عظيمين في عليا معدّ هديتما... ومن يستبح كنزا من المجد يعظم
فأصبح يجري فيهم من تلادكم... مغانم شتى من إفال مزنم (10)
تعفّى الكلوم بالمأتين فأصبحت... ينجّمها من ليس فيها بمجرم (11)
ينجّمها قوم لقوم غرامة... ولم يهريقوا بينهم ملء محجم (12)
ألا أبلغ الأحلاف عني رسالة .... وذبيان: هل أقسمتم كل مقسم (13)
فلا تكتمنّ اللّه ما في صدوركم... ليخفى ومهما يكتم اللّه يعلم
يؤخّر فيوضع في كتاب فيدّخر... ليوم الحساب، أو يعجّل فينقم
وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم ... وما هو عنها بالحديث المرجّم (14)
متى تبعثوها تبعثوها ذميمة... وتضر إذا ضرّيتموها فتضرم (15)
لعمري، لنعم الحيّ، جرّ عليهم... بما لا يؤاتيهم حصين بن ضمضم (16)
وكان طوى كشحا على مستكنّة... فلا هو أبداها ولم يتقدّم (17)
وقال: سأقضي حاجتي ثم أتّقي... عدوّي بألف من ورائي ملجم (18)
فشدّ، ولم يفزع بيوتا كثيرة... لدى حيث ألقت رحلها أمّ قشعم (19)
لدى أسد شاكي السلاح مقذّف... له لبد أظفاره لم تقلّم (20)
جريء متى يظلم يعاقب بظلمه... سريعا، وإلاّ يبد بالظلم يظلم (21)
لعمرك ما جرّت عليهم رماحهم... دم ابن نهيك أو قتيل المثلّم (22)
ولا شاركت في الحرب في دم نوفل... ولا وهب منها ولا ابن المحزّم (23)
فكلاّ أراهم أصبحوا يعقلونهم... علالة ألف بعد ألف مصتّم (24)
سئمت تكاليف الحياة، ومن يعش... ثمانين حولا لا أبا لك يسأم
رأيت المنايا خبط عشواء، من تصب... تمته، ومن تخطئ يعمّر فيهرم (25)
وأعلم ما في اليوم والأمس قبله... ولكنني عن علم ما في غد عم (26)
ومن لا يصانع في أمور كثيرة... يضرّس بأنياب ويوطأ بمنسم (27)
ومن يك ذا فضل فيبخل بفضله... على قومه يستغن عنه ويذمم
ومن يجعل المعروف من دون عرضه... يفره، ومن لا يتّق الشتم يشتم (28)
ومن لا يذد عن حوضه بسلاحه... يهدّم، ومن لا يظلم الناس يظلم (29)
ومن هاب أسباب المنايا ينلنه... وإن يرق أسباب السماء بسلّم(30)
ومن يغترب يحسب عدوّا صديقه...  ومن لا يكرّم نفسه لا يكرّم
ومهما تكن عند امرئ من خليقة... وان خالها تخفى على الناس، تعلم
ومن يجعل المعروف في غير أهله... يكن حمده ذمّا عليه ويندم
وكائن ترى من صامت لك معجب... زيادته أو نقصه في التكلّم (31)
لسان الفتى نصف، ونصف فؤاده... فلم يبق إلاّ صورة اللحم والدم
كان عمرو بن هند ملك الحيرة قد قتل حذيفة بن بدر بن عمرو الفزاري من بني غطفان. واتفق أن نشبت الحرب في غطفان فانتهز عمرو بن هند الفرصة وأراد أن يبسط سلطانه على غطفان، فأرسل إلى حصن بن حذيفة -وكان سيدا في قومه-أن ادخل في مملكتي وأنا أمدك بخيل (لقتال خصومك). فأرسل حصن إلى عمرو بن هند يقول: «ما كنت قطّ أفرغ مني لحربك الآن وأكثر عدّة»، ثم تجهّز وسار لملاقاته. فصدّ عنه عمرو بن هند وكره قتاله. فقال زهير يمدح حصنا ويذكر أمر عمرو بن هند:
صحا القلب عن سلمى وأقصر باطله... وعرّي أفراس الصبا ورواحله
وقال العذارى: إنما أنت عمّنا... وكان الشباب كالخليط نزايله (32)
فأصبحن ما يعرفن إلاّ خليقتي... والا سواد الرأس والشيب شامله (33)
وذي نعمة تمّمتها وشكرتها... وخصم يكاد يغلب الحقّ باطله (34)
دفعت بمعروف من القول صائب... إذا ما أضلّ القائلين مفاصله
وذي خطل في القول يحسب أنه... مصيب، فما يلمم به فهو قائله
عبأت له حلمي وأكرمت غيره... وأعرضت عنه وهو باد مقاتله (35)
وأبيض فيّاض يداه غمامة... على معتفيه ما تغبّ فواضله
أخي ثقة لا تتلف الخمر ماله... ولكنّه قد يتلف المال نائله (36)
تراه إذا ما جئته متهلّلا... كأنّك تعطيه الذي أنت سائله
وذي نسب ناء بعيد وصلته... بمال، وما يدري بأنك واصله (37)
حذيفة ينميه وبدر كلاهما... إلى باذخ يعلو على من يطاوله (38)
ومن مثل حصن في الحروب ومثله... لإنكار ضيم أو لأمر يحاوله
أبى الضيم والنّعمان يحرق نابه...    عليه، فأفضى و السيوف معاقله
 
___________________
1) الشعر والشعراء 57.
2) في ديوان زهير: «كان من أمر أبي سلمى (والد زهير) -وخاله أسعد بن الغدير بن سهم بن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان-أن خرج أسعد بن الغدير وابنه كعب، في ناس من بني مرة يغيرون على طيء ومعهم أبو سلمى. . .» (ص 1).
3) العمدة 1:81.
4) حجة: سنة. لأيا: مشقة وبطء. توهم: ظن (ما عرفت مكان الدار بالتأكيد).
5) يحلم: يرى طيف حبيبته في منامه.
6) الساعيان: المصلحان (الحارث بن عوف وهرم بن سنان). تبزل: تشقق (يعني بعد ان فرق القتال بين القبيلة الواحدة: غطفان، أي عبس وذبيان).
7) البيت: الكعبة.
8) السحيل ضد المبرم: الحبل المفتول جدا (يعني في الرخاء وفي الشدة).
9) تفانوا: أفنى بعضهم بعضا. دقوا بينهم عطر منشم: اشتدوا في قتل بعضهم بعضا (اما تخريج هذا المثل فله روايات مختلفة).
10) التلاد: الاموال الموروثة. الافال: أولاد الإبل. مزنم: جعلت له علامة في اذنه دلالة على أصله.
11) تعفى: تمسح، تمحى. الكلوم: الجروح. المئون: جمع مائة (أي بمائة جمل لكل قتيل). ينجم: يدفع في وقت معين. مجرم: مذنب.
12) ولم يهريقوا...: ولم يسفكوا من الدم مقدار محجم (اناء صغير يستخرج به الدم من الجسم بعد تشطيبه بالموسى).
13) الاحلاف: المتحالفون وهم هنا بنو اسد وغطفان.
14) المرجم: المظنون، المأخوذ بالظن.
15) تضرى: تهيج. ضرى النار: أججها، وضع فيها وقودا. تضرم: تشتعل بشدة.
16) جر عليهم: جنى عليهم. يؤاتيهم: يوافقهم، يفيدهم.
17) الكشح: الجانب، الخاصرة-طوى كشحا: كتم. مستكنة: ضغينة (مكتومة). ثم لم يتقدم إلى حضور الاجتماع ليطلب دية أخيه أو ليأخذها.
18) سأقضي حاجتي: سآخذ بثأري. أتقي عدوي: أحتمي من عدوي. بألف ملجم: ألف حصان (المقصود بألف من الفرسان).
19) شد: هجم (وقتل العبسي)، ونال وطره. لم يفزع بيوتا كثيرة: لم يشعر كثيرون بما صنع؛ لم يلفت اليه الأنظار.
20) شاكي السلاح: مسلح تسليحا تاما. مقذف: يقذف به كثيرا إلى المعارك (ذو اختبار في الحرب). اللبدة: شعر ينبت حول رقبة الاسد. له لبد: لبدته تامة، كناية عن تمام بلوغه وقوته. اظفاره لم تقلم: لم تضعف قوته بعد، لا يزال فتيا.
21) إذا اعتدى عليه أحد رد اعتداءه وانتقم منه، وإذا لم يبدأه بالاعتداء اعتدى هو عليه لعزة نفسه وقوته، وذلك كان من المثل العليا عند الجاهليين. -وفي هذين البيتين والابيات التي تليهما وصف للحارث بن عوف وهرم بن سنان.
22) ان رماح الحارث بن عوف وهرم بن سنان (اللذين يدفعان ديات جميع القتلى من مالهما الخاص) لم تقتل ابن نهيك ولا الذي قتل في المكان المعروف باسم المثلم.
23) ورماحهما لم تقتل نوفلا ولا وهبا العبسي ولا ابن المحزم (بفتح الزاي المشددة أو بكسرها-ويروى المخزم بالخاء المعجمة والزاي معا).
24) ومع ذلك فقد دفعوا ديات جميع هؤلاء القتلى اقساطا من إبل صحيحة الخلقة. يعقلونه: يدفعون ديته. علالة: شيئا فشيئا. ألف بعد ألف: في كل عام ألف جمل (لمدة ثلاث سنوات). مصتم: تام الخلقة.
25) رأيت الموت يتناول الناس من غير تمييز بينهم كما تمشي الناقة العشواء (الضعيفة البصر): فمن اتفق له حادث موت مات صغيرا أو شابا، ومن لم يتفق له ذلك عاش حتى يهرم.
26) عم: اعمى.
27) يصانع: يداري. يضرس: يمضغ. يوطأ بمنسم: يداس بأرجل الإبل.
28) من يبذل ماله ليصون عرضه يبق عرضه موفورا (كريما مصونا). يتقي: يتجنب.
29) من لم يدافع عن حوض الماء (كناية عن المال والعرض، لأن الماء أثمن شيء في الصحراء والبادية معا) بالسلاح، يهدم حوضه (لكثرة من يجيء اليه للاستقاء منه). ومن لا يعتدي على الناس (يحاربهم) اعتدى الناس عليه. الظلم (حسب معناه في الجاهلية) هو أن تبدأ الآخرين بالحرب.
30) من حاول أن يتجنب الحوادث التي تؤدي عادة إلى الموت (كالحرب والسفر والمرض) نالته تلك الحوادث ولو صعد إلى السماء.
31) ربما أبصرت رجلا صامتا فأعجبك، فاذا تكلم زاد مقامه في عينك أو نقصت قيمته عندك.
32) إنما أنت عمنا: أصبحت مسنا. -كنا نخالطك (نصاحبك) في الشباب، فلما فارقك الشباب فارقناك، لأنا في الحقيقة كنا نصحب شبابك.
33) أصبحن لا يذكرن إلا حالي يوم كنت شابا، أما الآن فقد عم الشيب رأسي.
34) أكرمت نفسي عن الرد عليه. بادية مقاتلة: أستطيع أن أتغلب عليه، أن أصيبه في مقتل منه.
35) نعمتان: نعمة (لي على غيري) تممتها، ونعمة (لغيري علي).
36) النائل: الشخص الذي ينال المال منه.
37) ما كان يظن أنك ستعطيه مالا.
38) حذيفة وبدر: والد الشاعر وجده. ينميه: يرفعه في المجد أو النسب. انه ينتسب إلى حذيفة وبدر. الباذخ: العالي (النسب الشريف).




دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.