العناصر الأساسية للخارطة عند الشريف الإدريسي(493- 560ه / 1100-1166م): أسهمت الحضارة العربية الإسلامية في تطور علم الخرائط من خلال الخرائط العديدة التي رسمت ووضع الأطالس، ويعد الإدريسي من أشهر صناع الخرائط العرب المسلمين، الذين ظهروا في القرن السادس الهجري / القرن الثاني عشر الميلادي، والذين كان لهم اثر كبير في تطور الخرائط العربية الإسلامية خلال العصور الوسطى. إذ قال عنه الدومييلي ربما كان أعظم جغرافي العالم الإسلامي، وتكمن شهرته في رسمه الخارطة العالم ، ففضلاً عن كونه يتبع المدرسة الإقليمية ذاتها التي ينسب إليها الجغرافيون العرب المسلمون إلا أن خرائطه تختلف كلياً عن خرائط (أطلس العالم) فهي تلتزم بمقياس الرسم وبتحديد مواقع خطوط الطول ودوائر العرض كما تلتزم بالشكل الحقيقي للمنطقة ، لذلك عدت مدته قمة ما بلغته الخرائط العربية من تطور.

ونظراً لأهمية الخرائط التي رسمها الإدريسي، فقد اهتم بها الباحثون حديثاً ومنهم الباحث والكاتب ول ديورانت في كتابه " قصة الحضارة " الذي قال عنها وكانت هذه الخرائط أعظم ما أنتجه علم رسم الخرائط في العصور الوسطى ، ولم ترسم خرائط قبلها أتم منها ، أو أدق ، أو أوسع وأعظم تفصيلاً ) ، وفي المكانة التي نالتها خرائط الإدريسي جاء هذا المبحث ليكشف جانباً من العطاء الفكري عند الإدريسي من خلال دراسة العناصر الأساسية للخارطة عند الشريف الإدريسي (493- 560ه / 1100-1166م)ز تتمثل العناصر الأساسية للخرائط الحديثة بستة عناصر وهي : عنوان الخارطة ، دليل ( او مفتاح ( الخارطة ، مقياس رسم الخارطة ، الموقع ، الاتجاه ، إطار الخارطة وتبعاً لهذه العناصر الستة فقد تضمن الموضوع ستة جوانب، عالج كل جانب منها عنصراً من العناصر الأساسية للخارطة، وهي كالاتي :

عنوان الخارطة: يعرف عنوان الخارطة على انه الموجز السريع الذي يوضح الهدف الذي من اجله رسمت الخارطة، وتستعمل الخرائط الحديثة العنوان للدلالة على اسم المنطقة المرسومة على الخارطة والذي يوضع في وسط الجزء الأعلى من الدليل. وقد يحمل العنوان اسم أهم مركز عمراني في الخارطة او اسم الإقليم الذي تغطيه الخارطة ...الخ، وحين يخطط لرسم الخارطة تبرز مسألة العنوان بوصفه جزء مهماً في التصميم، فالعناوين على الخرائط تخبر القارئ بموضوع او محتوى الخارطة كأن يكون عنوان الخارطة مثلاً : (الوحدات السياسية في أوربا ) وعلى الرغم من أهمية العنوان لأي خارطة نجد في حالات معينة ان بعض الخرائط واضحة في مادة موضوعها حتى انها لا تحتاج إلى عنوان.

وفي الخرائط التي رسمها الإدريسي نجد أنها تخلو من العناوين ، ويمكن أن نعزو ذلك إلى الأسباب آلاتية:

1- لقد وضع الإدريسي كرة فضية للعالم وصور عليها الأقاليم السبعة ، ثم رسم هذه الأقاليم السبعة على لوح الترسيم ، فجاءت خرائطه انعكاساً لما هو موجود على الكرة الفضية ، ويرى الباحث ان الإدريسي بعمله هذا تمكن من الاستغناء عن عناوين الخارطة وذلك لأن الخرائط التي رسمها هي أجزاء الخارطة واحدة وهي خارطة العالم المعروف آنذاك وليست خرائط مستقلة بحيث تحتاج إلى عناوين كما ان خارطة العالم التي رسمها الإدريسي لا تحتاج إلى عنوان وذلك لأن هذه الخارطة هي انعكاس للخارطة المصورة على الكرة الفضية التي لا يكتب عليها عنوان نظراً لأنها شكل مجسم معبر عن الشكل الكروي للأرض المسقط عليه قارات العالم المكتشفة في عهد الإدريسي.

2- لقد ألف الإدريسي كتابه (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق) الذي هو شرح لخرائطه التي رسمها للعالم ، اذ احتوى الكتاب على سبعة أقاليم كل إقليم يضم عشرة أجزاء ، ولهذا فقد ظهر لدى الإدريسي سبعون قسماً جعل لكل منها خارطة ، أي سبعون خارطة، ويعتقد الباحث ان عنوان الإقليم او الجزء المبين في كتابه هو عنوان للخارطة التي رسمها الإدريسي ، ويمكن ان نؤكد على هذه الحقيقة من تناول كل إقليم أو أجزاء الإقليم المبين في كتاب نزهة المشتاق في اختراق الآفاق) ، اذ سنجد ان شرح الإقليم أو أجزاء الإقليم هو شرح للخارطة التي تمثل ذلك الإقليم او الجزء ، وفي ذلك يمكن ان ندرك عنوان الخارطة من موقعها في كتاب الإدريسي، فمثلاً لو حددنا الجزء الأول من الإقليم الرابع من كتاب (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق لأدركنا عنوان الخارطة الذي يمثل عنوان الإقليم ، وهكذا باقي الأقاليم .

3- نلاحظ من شرح الإدريسي لكل إقليم انه حاول ان يسقط اكبر عدد من المعالم الجغرافية الطبيعية والبشرية في خرائطه ، ولو وضع الإدريسي عنوان للخرائط لتقيدت خرائطه بعدد اقل من المعالم الجغرافية بحسب العنوان ، وهذا في اعتقاد الباحث يمكن ان يكون احد الأسباب التي جعلت خرائط الإدريسي دون عنوان عموماً يرى الباحث ان الإدريسي أعطى لخرائطه شرحاً وافياً في كتابه (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق)، لذلك يمكن ان نعد خرائطه من الخرائط المتقدمة علميا الواضحة في مادة موضوعها والتي تتفق مع الخرائط الحديثة التي لا تحتاج إلى عنوان.