أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-10-26
958
التاريخ: 14-11-2020
1033
التاريخ: 2023-08-07
1041
التاريخ: 15-8-2019
869
|
بداية من عام 1917، شرع أينشتاين وغيره من العلماء في تطبيق النسبية العامة على الكون بأكمله. وقد رأينا كيف يمكن لجسم ضخم كالشمس أن يتسبب في انحناء الزمكان على نحو أشبه بالغمازة. هذا هو ما يحكم التأثير الجذبوي للشمس على حركة الكواكب. لكن إلى الآن لم نضع في اعتبارنا إمكانية أن يكون للزمكان انحناء عام واسع النطاق. كتشبيه، فكر في حاشية الفراش؛ إن كل من يستلقي عليها سيتسبب في انضغاطها للأسفل، لكن ماذا لو أن الحاشية نفسها تتسم إجمالاً بأنها غائرة من المنتصف؟ سينتهي الحال بالراقدين على الفراش بالتجمع في المنتصف. وعلى النقيض من ذلك، إذا كانت الحاشية مرتفعة من المنتصف، سيميل الناس إلى الجلوس على الأطراف ضاغطين على النوابض الموجودة هناك، وقد يتسبب الانحناء العام في جعل الراقدين على الفراش يتدحرجون بعيدًا بعضهم عن بعض. بالطبع ثمة خيار ثالث وهو أن يكون المرء راقدًا على واحدة من تلك الحشايا الطبية الغالية التي تحافظ على استوائها على الدوام (وهي بهذا من المفترض أنها صحية تمامًا لنا، وإن كانت صلبة وغير مريحة). إننا نتوقع من الزمكان أن يتصرف على أحد هذه الأوجه الثلاثة فلن تتسبب الأجرام الضخمة في أن تكون مواضعها المحلية غائرة وحسب، بل سيتسبب متوسط الكتلة والطاقة في انحناء عام كلي للزمكان المعادلات التي تتناول هذه النقطة معقدة للغاية، إلى درجة أنني لن أعرضها هنا. لكن يكفي القول بأنه يصير من الممكن تناولها فقط في الحالة الخاصة التي يتسم فيها توزيع المادة بأنه متسق الاتجاهات (أي متماثل في مختلف الاتجاهات)، ومتجانس (أي له الكثافة عينها في كل مكان). وحتى في هذه الحالة، سيكون علينا الاكتفاء بسرد تصويري لهذه الحالة. إن الافتراض بأن الكون متسق الاتجاهات ومتجانس يُعرف باسم (المبدأ الكوني). لكن هل هذا ما عليه الكون حقا؟ من النظرة الأولى لا يبدو الكون كذلك؛ فالمجموعة الشمسية من الواضح أنها لا تتسم بالتجانس، ولا مجرة درب التبانة التي تنتمي إليها مجموعتنا الشمسية الأمر عينه ينطبق على العنقود المجري المكون من نحو 30 مجرة ويؤلف المجموعة المحلية. ثمة عناقيد مجرية أخرى عديدة، وبعضها يتكون من عدة آلاف من المجرات. ورغم أن النجوم في كل مجرة - والمجرات داخل العناقيد المجرية - تتحرك نسبةً بعضها إلى بعض، فإنها مرتبطة بقوة الجاذبية؛ أي إنها تظل معًا. وحتى العناقيد المجرية مرتبطة على نحو غير محكم بعضها ببعض في عناقيد مجرية فائقة. وهذه يمكن أن تأخذ شكل خيوط ممتدة أو أسطح منحنية ثنائية الأبعاد، تحيط بمناطق من الفراغ لا تحوي أي مجرات تقريبًا. هذه المناطق من الفراغ قد تمتد الواحدة منها بعرض 200 مليون سنة ضوئية. إذن حتى على هذا المستوى يكون الكون بعيدًا كل البعد عن التجانس.
لحسن الحظ، هذه المسافات لا تمثل سوى نسبة بسيطة من حجم الكون القابل للرصد (13.7 مليار سنة ضوئية)؛ ومن ثَم نشعر أن لنا الحق في تقبل المبدأ الكوني. في هذه الحالة، سنكون بصدد ثلاثة بدائل ممكنة بشأن الانحناء الإجمالي للفضاء الثلاثي الأبعاد:
(1) أنه قد يكون «مستويا»، بمعنى أنه بعيدًا عن أي أجرام جاذبة، ستنطبق الهندسة الإقليدية العادية. سيكون مجموع زوايا المثلث 180 درجة، وسيساوي محيط الدائرة 2πr. ومن المفترض أن يكون هذا الفضاء ممتدا إلى ما لا نهاية.
(2) الاحتمال الثاني هو أن يكون الفضاء ذا انحناء موجب. والتشبيه الثنائي الأبعاد لهذه الحالة هو الكرة. في هذه الحالة سيكون مجموع زوايا المثلث أكبر من 180 درجة، وسيكون محيط الدائرة أقل من
2πr.
وفي هذه الحالة، سيكون الكون (كالكرة) ذا حجم محدود. هذا يعني انه لو أنك انطلقت على متن صاروخ في أي اتجاه بعينه - لنقل مثلا في اتجاه عمودي منطلقا من القطب الشمالي - فبعد أن تقطع مسافة محددة، وأنت في الاتجاه عينه، ستجد أنك قد عدت من حيث بدأت، بحيث تصل إلى كوكب الأرض من ناحية القطب الجنوبي. أو يمكن تشبيه الموقف بزحف الذبابة على سطح كرة في اتجاه معين، بحيث تجد نفسها في نهاية المطاف وقد وصلت إلى نقطة البداية.
(3) الاحتمال الثالث هو أن يكون الفضاء الثلاثي الأبعاد ذا «انحناء سالب». والتمثيل الثنائي الأبعاد لهذه الحالة هو شكل السرج. في هذه الحالة سيكون مجموع زوايا المثلث أقل من 180 درجة، وسيكون محيط الدائرة أكبر من
2πr.
عند بحث هذه الاحتمالات، قد ينخدع المرء بالاعتقاد بأن الإجابة الصحيحة واضحة؛ فنحن نعرف بالفعل أن مجموع زوايا المثلث 180 درجة، وأن محيط الدائرة يساوي 2πr، إذن لا بد أن الفضاء مستو. لكن علينا ألا ننسى أنه حتى في حالة تشبيهي الكرة والسرج، إذا كنا بصدد التعامل مع دائرة صغيرة للغاية، فإن هذه الأسطح المنحنية ستقترب من الاستواء. فعند بحث انحناء الكون ككل، نحن لم نتعرض سوى للمثلثات والدوائر دقيقة الحجم للغاية؛ لذا من الطبيعي أن نتوقع أنها ستكون مقاربة للحالة المستوية. لكن عند الحديث عن الانحرافات عن الهندسة الإقليدية سيكون علينا أن نفكر مثلا في مثلثات عملاقة تضم ثلاثة عناقيد مجرية بعيدة بعضها عن بعض. فقط على هذا المستوى من التفكير نتوقع أن نلحظ اختلافات بينة عن الاستواء.
يعتمد تحديد نوع الانحناء الخاص بالكون على ما يحويه الكون. لكن قبل أن نأتي لهذه النقطة ثمة ملاحظة أخرى علينا أن نضعها في الاعتبار؛ وهي – كما ذكرنا من قبل - أنه وفق المبدأ الكوني يُفترض أن تكون كثافة المادة في كل مكان متماثلة عبر الفضاء. إلا أن الكثافة لا تظل واحدة مع مرور الوقت. فكما لاحظ جورج لوميتر في عام 1927 فإن الكون يتمدد، والعناقيد المجرية تبتعد عنا، وكلما بعد العنقود المجري زادت سرعة تحركه؛ فالعنقود الذي يبعد عنا ضعف المسافة التي يبعدها آخر عنا يتحرك بضعف السرعة التي يتحرك بها العنقود القريب. يلخص «قانون هابل» الذي قدمه إدوين هابل في عام 1929. هذا المبدأ:
v = H0r
حيث v هي سرعة ابتعاد العنقود المجري وr المسافة التي يبعدها عنا وH0 هي معامل هابل، الذي تبلغ قيمته المقيسة نحو 10-18 × 2 s-1.
هذه الحركة المتباعدة تُستنتج من الطريقة التي تنزاح بها الأطوال الموجية للضوء الصادر عن العناقيد المجرية البعيدة ناحية الطرف الأحمر من الطيف؛ أو ما يطلق عليه اسم «الانزياح الأحمر». وبعبارة أخرى: الأطوال الموجية استطالت. في البداية فسر الأمر بوصفه إزاحة دوبلر، بالطريقة ذاتها التي تنزاح بها موجات الصوت الصادرة عن صافرة سيارة الشرطة المسرعة نحو ترددات أقل مع ابتعاد السيارة عنا. إلا أن التفسير الحديث لهذا الانزياح الأحمر هو أنه ناتج عن تمدد الفضاء نفسه. وكما ذكرت بإيجاز من قبل، ليس الأمر أن العنقود المجري يتحرك مبتعدا عنا «عبر» الفضاء، وإنما نعتقد أن الفضاء بيننا وبينه هو الذي يتمدد على نحو متواصل، وإبان ذلك يحمل معه العنقود المجري بعيدًا عنا على موجة مدية من الفضاء المتمدد إن الضوء لا يبدأ رحلته نحونا بطول موجي زادته حركة العنقود، وإنما هو يبدأ رحلته بالطول الموجي الطبيعي، لكن فيما بعد يستطيل الضوء بفعل تمدد الفضاء الذي ينتقل خلاله.
من المهم هنا أن نذكر أننا حين نتحدث عن تمدد الفضاء فإننا لا نعني أن «كل» المسافات تتمدد. فلو أن هذا حدث لما كان لدينا وسيلة للتحقق من هذا التمدد إن القوى المحكمة التي تبقي على تماسك الأجسام، مثل الذرات والمجموعة الشمسية والمجرات والعناقيد المجرية من الشدة بما يكفي بحيث تتغلب على ميل الفضاء للتمدد، وبذا تحافظ هذه الأجسام على حجمها كما هو. لكن هذا لا ينطبق على الانجذاب الضعيف بين العناقيد المجرية؛ ففي هذه الحالة يكون تأثير تمدد الفضاء هو المهيمن؛ ومن ثم تتحرك العناقيد مبتعدة بعضها عن بعض.
هذا النوع من التباعد الذي فيه تتناسب سرعة التباعد طرديا مع المسافة هو بالضبط ما نتوقعه إذا كانت محتويات الكون كلها في وقت ما من الماضي منضغطة في نقطة وحيدة، ثم وقع انفجار مزقها إربًا يُطلَق على هذا الانفجار اسم «الانفجار العظيم». والحركة المتباعدة التي نراها اليوم هي الأثر المتخلف عن ذلك الانفجار. ومن واقع الانفصال المرصود بين العناقيد المجرية اليوم، والسرعات التي تتحرك بها، يمكننا أن نحسب كم من الوقت تطلب الأمر كي تقطع هذه المسافة بتلك السرعة. وهذه هي الكيفية التي خلصنا بها إلى أن الانفجار العظيم وقع منذ 13.7 مليار عام.
ينطبق قانون هابل على نحو محكم على المسافات المتوسطة، لكن على أكبر المستويات من المتوقع وجود انحرافات. وثمة إمكانية أن معدل التباين سيتغير مع مرور الوقت. في الواقع، كان من المتوقع في البداية أن العناقيد المجرية ستبطئ في حركتها؛ وذلك بسبب الجاذبية المتبادلة بينها. فإذا كان متوسط الكثافة كبيرًا بما يكفي، فمن المفترض أن يؤدي التجاذب المتبادل إلى إبطاء حركة العناقيد إلى أن تتوقف تمامًا. وبدايةً من تلك النقطة ستتحرك مقتربة بعضها من بعض إلى أن تتلاقى جميعًا في «انسحاق عظيم». وستكون هناك فترة محددة بين الانفجار العظيم والانسحاق العظيم. ليس هذا بل إن هذه وحسب، الكثافة العالية ستجعل الفضاء ذا انحناء، موجب، وسيكون حجمه لامتناهيا، وإن كان محددًا (على غرار سطح الكرة في حالة الفضاء الثنائي الأبعاد).
بالطبع، مع تمدد الكون وزيادة المسافات بين العناقيد المجرية، سيكون من المتوقع أن تقل الجاذبية المتبادلة بينها. وإذا كانت كثافة المادة منخفضة، بحيث تنخفض الجاذبية المتبادلة فعليًّا إلى الصفر وتبدأ العناقيد المجرية في الابتعاد بعضها عن بعض، فسيستمر التمدد إلى الأبد. في هذه الحالة سيتسم الفضاء بأنه ذو انحناء سالب وسيكون الكون ذا حجم لامتناه.
بين هذين السيناريوهين المتطرفين يوجد ما يسمى «حالة الكثافة الحرجة». وفي هذه الحالة تنخفض قوة الجاذبية إلى الصفر بينما تقل سرعة تباعد العناقيد المجرية إلى أن تقترب من الصفر لكن لا تصل إليه. وفي هذه الحالة تكون هندسة الكون مستوية. وفي المرحلة الحالية من تطور الكون، تبلغ قيمة الكثافة الحرجة للكون نحو 10-26 كجم / م؛ أو ما يعادل نحو 10 ذرات هيدروجين لكل متر مكعب.
تتضمن مساعي قياس معدل تباطؤ تمدد الكون رصد أبعد العناقيد المجرية عنا. لا توجد صعوبة في قياس مقدار الانزياح الأحمر. لكن ثمة صعوبات جمة في الحصول على تقديرات موثوق بها للمسافات بين العناقيد ولهذا السبب، عجزت القياسات القائمة على الرصد لفترة طويلة عن تحديد مقدار التباطؤ؛ ومن ثَم الفصل بين النماذج الثلاثة الممكنة لتمدد الكون. ثم في عام 1998 وردت أولى الإشارات المفاجئة التي دلت على أن العناقيد المجرية البعيدة لم تكن تتباطأ على الإطلاق، وإنما كانت تتسارع في حركتها مبتعدة عنا! هذه النتيجة غير المتوقعة تمامًا كشفت النقاب عن نوع لم يكن معروفًا من القوى حتى ذلك الوقت؛ نوع يعمل في الاتجاه المعاكس للجاذبية المتبادلة بين العناقيد المجرية، بل ويهيمن أيضًا على المسافات البعيدة. وسنتحدث عن مصدر هذه القوة فيما يلي.
كما ذكرت من قبل، يعتمد الانحناء الكلي للفضاء على محتويات الكون. وباستخدام نظرية أينشتاين طور الفيزيائي الروسي ألكسندر فريدمان في عام 1922، والفيزيائي البلجيكي جورج لوميتر في عام 1927 على نحو منفصل المعادلات التي تربط انحناء الفضاء بمصدر هذا الانحناء. وبالأساس، ثمة مصدران لانحناء الفضاء؛ الأول هو متوسط كثافة الكتلة أو الطاقة الخاصة بمحتويات الكون. وهنا تحضرنا الفكرة العبقرية التي قدمتها لنا النسبية الخاصة، والتي تقضي بأن الكتلة والطاقة وجهان لعملة واحدة، وذلك من خلال المعادلة الطاقة = الكتلة × مربع سرعة الضوء. فبالإضافة إلى الطاقة التي يملكها الجسم بفضل حركته، يملك الجسم طاقة مختزنة في صورة كتلة السكون. لكن ليست المادة وحدها التي تملك طاقة؛ إذ إن للإشعاع الكهرومغناطيسي طاقة هو الآخر، شأنه شأن مجالات الجاذبية. لذا في هذا السياق علينا أن نضع في اعتبارنا الأنواع المختلفة من الطاقة الموجودة. وبهذا فإن كثافة الطاقة هي الحد الأول في المعادلة الخاصة بمصدر الانحناء المكاني. المصدر الثاني هو «الضغط»، وهو ينشأ عن الطريقة التي تتحرك بها العناقيد المجرية بعيدًا بعضها عن بعض هذه الحركة المنظمة تتسبب في دفعة من الزخم إلى الخارج والتي - شأنها شأن كثافة الطاقة تسهم في انحناء الفضاء. والعنصر الأهم هو كثافة الطاقة، وهو ما سنركز حديثنا عليه الآن.
ماذا وجدنا إذن؟ هل كثافة الطاقة تعادل القيمة الحرجة أم أنها أكبر منها أم أقل منها؟ بجمع كتلة النجوم المرئية الموجودة في المجرات، نجد أن هذه الكتلة تعادل 4% من الكتلة الحرجة. هذا وحده من شأنه أن يشير إلى أن للفضاء انحناء سالبًا، وأن الفضاء لامتناه، وأن التمدد سيستمر إلى الأبد. لكن علينا ألا نتسرع فالشمس، شأن غيرها من النجوم الموجودة في مجرة درب التبانة، تدور حول مركز المجرة، وما يحافظ على مسارها هذا هي قوة الجاذبية النابعة من كل الأجرام الأقرب إلى مركز المجرة منها. المشكلة هي أننا عندما نقدر الكتلة الإجمالية لهذه النجوم بما في ذلك تلك النجوم التي ابتلعها الثقب الأسود الموجود في مركز المجرة. سنجد أنها لا تكفي لإحداث قوة الجذب القوية بما يكفي كي تجعل الشمس تدور في مدارها. ومن هذا نخلص إلى أنه لا بد من وجود قدر أعظم بكثير من المادة في المجرة عن ذلك الذي تحويه النجوم. ونحن نطلق على هذا العنصر الخفي اسم «المادة المظلمة». وإلى الوقت الحالي لا نزال غير واثقين مم تتكون هذه المادة، وإن كنا نعتقد أنها تتكون من نفس نوعية المادة المألوفة لدينا؛ أي من إلكترونات ونيوترونات وبروتونات.
بعد ذلك نلحظ أن المجرات مرتبطة بعضها ببعض بفعل قوة الجاذبية في عناقيد مجرية. ورغم أن هذه المجرات لا تدور بعضها حول بعض على النحو الذي تدور به النجوم حول مراكز مجراتها، فإن السرعات التي تتحرك بها المجرات داخل العنقود المجري دون الإفلات من قوة الجاذبية الخاصة بالأعضاء الآخرين بالعنقود المجري؛ تمكننا من تقدير الكتلة الإجمالية للعنقود المجري. وقد تبين أن هذه الكتلة أكبر من الكتلة الإجمالية للمجرات نفسها، حتى بعد إضافة المادة المظلمة التي تحتويها هذه المجرات.
هذا بدوره يعني أن ثمة مادة مظلمة إضافية موجودة «بين» المجرات. وإجمالا، يُقدَّر إجمالي الطاقة المختزنة في المادة - بصورتيها العادية والمظلمة - بنحو 30% من الكثافة الحرجة.
أخيرا، عند تصنيف مجموع الإسهامات في كثافة الطاقة الإجمالية للكون، علينا أن نضع في الاعتبار الاكتشاف الحديث بأن تمدد الكون يتسارع وسبب حدوث هذا. هذا التسارع يُعزى إلى كثافة الطاقة التي يتسم بها الفراغ. قد يبدو من الوهلة الأولى مستغربًا أن نعزو أي شيء إلى «الفضاء الخاوي»، لكننا ذكرنا بالفعل أنه من منظور الفيزيائيين ليس الفضاء مساويًا للعدم. ولقد رأينا بالفعل كيف أن الفضاء يمكن أن ينحني، وكيف أنه يحمل العناقيد المجرية على موجة مدية من الفضاء المتمدد، وكيف أن زوجًا من الجسيمات الافتراضية يستطيع على نحو لحظي أن يظهر إلى الوجود من الفراغ. هذه الإمكانية يسمح بها مبدأ عدم اليقين الذي وضعه هايزنبرج. ومن تبعات هذا المبدأ أنه في أي لحظة زمنية يكون من المستحيل أن نحدد بدقة ماهية الطاقة. وعلى وجه التحديد، من المستحيل أن نحدد أن طاقة الفراغ تساوي صفرًا؛ صفرًا بالضبط. هذا يمكن الجسيمات الافتراضية من استعارة الطاقة على نحو مؤقت؛ ومن ثم يوفر لها الطاقة الكافية لإنتاج كتلة السكون الخاصة بها؛ ومن ثَم تظهر إلى الوجود. وبذا يعد الفراغ بمثابة بحر هائج من الجسيمات التي تظهر إلى الوجود لفترات وجيزة ثم تختفي مجددا. هذه الظاهرة تتسبب في وجود كثافة طاقة متذبذبة للفراغ؛ أو ما نطلق عليه اسم «الطاقة المظلمة». وهي تضيف إسهامها الخاص إلى كثافة الطاقة الإجمالية الخاصة بالكون. وشأن أنواع الطاقة الأخرى، هي تزيد من الانحناء الكلي للفضاء، لكنها تختلف عن أنواع الطاقة الأخرى في الطريقة التي تؤثر بها على حركة العناقيد المجرية؛ فبينما تتسبب أنواع الطاقة الأخرى في إحداث قوة تجاذب، تتسبب هذه الطاقة في إحداث قوة تنافر؛ التنافر المسئول عن تسارع تمدد الكون.
جدير بالذكر أنه في عام 1917 فكر أينشتاين في فكرة مشابهة. لقد كان – شأن كافة معاصريه يؤمن بأن الكون ساكن تمامًا (لم يكن تمدد هابل قد اكتشف بعد). ومن ثَم فقد احتاج إلى قوة تنافر كي يعادل ميل الجاذبية إلى تجميع كل مادة الكون معًا. وقد أدى به هذا إلى أن يدرج في معادلته حدًّا إضافيًا؛ يطلق عليه الثابت الكوني، ويشار له بالرمز Ʌ وقد ندم لاحقًا على هذا؛ لأنه لو لم يدرج هذا الحد لكان تنبأ بأن الكون يتمدد (لأن هذه هي الطريقة الوحيدة لمنع المجرات من التجمع بفعل قوة الجاذبية).
رغم أن وجود الطاقة المظلمة لم يُقَر به إلا حديثًا، فمن المقدر لها أن تلعب دورًارئيسًا في مستقبل الكون. فكثافة الطاقة المظلمة - التي هي سمة للفراغ – تظل ثابتة خلال عملية تمدد الكون، بينما أنواع الطاقة الأخرى كتلك الناتجة عن المادة أو الإشعاع - تقل كثافتها مع التمدد في البداية كانت كثافة الطاقة المرتبطة بالنوع الأخير هي المهيمنة، وكان التمدد يتباطأ. لكن في الوقت الحالي قلت هذه الإسهامات في كثافة الطاقة الإجمالية للكون إلى مستوى أقل مما تسهم به الطاقة المظلمة. ونتيجة لهذا توقف التباطؤ الذي كان يتسم به التمدد، وحل محله تسارع ملحوظ ناتج عن الطاقة المظلمة حيث نضع المعامل R الذي هو مقياس لحجم الكون في مقابل الزمن (t) . ومن المتوقع أن يستمر هذا التسارع في المستقبل.
كيف إذن نلخص كل هذا؟ فيما يلي نعرض لأفضل تقديراتنا الحالية عن الإسهامات المختلفة في كثافة الطاقة، وذلك على صورة نسب مئوية من الكتلة الحرجة:
إن اقتراب النتيجة النهائية من القيمة الحرجة أمر يحتاج للتفسير. سبب هذا هو ان علينا أن ندرك أنه لو في أعقاب الانفجار العظيم مباشرة كانت الكثافة مختلفة قليلا عن القيمة الحرجة، لكان هذا الاختلاف قد تضاعف أضعافا مضاعفة بحلول وقتنا الحالي. فعلى سبيل المثال، لو كانت الكثافة أقل قليلا من القيمة الحرجة في البداية، لكان التمدد الذي وقع في الفترة القصيرة التالية أكبر مما هو ملائم للكثافة الحرجة. هذا بدوره يعني أن هذه الطاقة كانت لتشغل حجمًا أكبر مما يتطلبه الوصول للحالة الحرجة. وهذا من شأنه أن يقلل الكثافة التي كانت منخفضة من البداية؛ وبذا يتصاعد تناقص الكثافة. على سبيل المثال، قدر أنه لو كانت الكثافة تبلغ اليوم نسبة 30% من القيمة الحرجة، يمكن تتبع هذا إلى تناقص قدره جزءًا واحدًا في كل 1060 أجزاء بعد بداية الانفجار العظيم ب 1-43 ثوان.
شكل 2-18: المعامل R المرتبط بحجم الكون في مقابل الزمن المنقضي منذ الانفجار العظيم. في البداية، يتباطأ معدل حركة R بسبب قوى التجاذب بين العناقيد المجرية. لكن في أوقات لاحقة يهيمن الإسهام الذي تقدمه الطاقة المظلمة؛ ومن ثم يتسارع معدل حركة R.
في ضوء هذه الاعتبارات أُدرك - حتى قبل الاكتشاف الحديث للإسهام الذي تقدمه الطاقة المظلمة - أن الكثافة اليوم قريبة على نحو استثنائي من القيمة الحرجة. وفي عام 1981 خرج آلان جوث بتفسير لهذا الأمر؛ وذلك بأن اقترح فكرة أنه عقب الانفجار العظيم بوقت ضئيل، كانت هناك فترة من التمدد السريع على نحو استثنائي تسمى فترة «التضخم». وفي هذه الفترة زاد حجم الكون بمعامل قدره 1030 في فترة قدرها 10-32 ثوان. وبغض النظر عن شكل الانحناء الذي كان موجودًا قبل التضخم، فبعد وقوع التضخم صار الفضاء مستويًا. كان الموقف أشبه بنفخ بالون؛ فرغم أنه ربما كان مجعدًا في البداية، لكن إذا حدث التمدد بالقوة الكافية، فستكون أي منطقة صغيرة على السطح مستوية بالأساس. وعلى النحو ذاته، فإن كوننا القابل للرصد ذلك الجزء من الكون الإجمالي والواقع داخل حدود 13.7 مليار سنة ضوئية عنا؛ ومن ثم هو الجزء الذي تمكنا من استقبال أشعة الضوء المنبعثة منه منذ الانفجار العظيم. ما هو إلا جزء ضئيل من كون كلي؛ وبذا يكون الكون القابل للرصد مستويًا فعليًّا.
النتيجة النهائية. هي أنه من بين كل أشكال الهندسة التي تسمح بها النسبية العامة، فإن كوننا له فضاء مستو؛ ومن ثم تنطبق عليه الهندسة الإقليدية. ومع ذلك فالزمكان «ليس» مستويًا. ولأن الفضاء يتمدد مع مرور الزمن، ينبغي التفكير في عنصر الزمن بوصفه منحنيًا. وهو في هذا يختلف عن الزمكان في النسبية الخاصة، حيث يعد كلٌّ من الفضاء والزمكان مستويين.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|