أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-09-21
1069
التاريخ: 27-9-2019
2395
التاريخ: 21-8-2018
2111
التاريخ: 19-3-2020
2985
|
إن عودة المنحرف إلى انحرافه، بعد إنزال العقوبة الأولى ظاهرة ملفتة، حتى أن نسبة 70 %، يعودون إلى نفس الانحراف، بعد فترة بسيطة من العقوبة الرادعة، وهذا يفسح في المجال أمام اعتقادين:
أـ الاعتقاد الأول: هو أن الجانح هو جانح بالطبع وبالفطرة بدليل معاودته لممارسة نفس الأعمال الانحرافية التي عوقب من أجلها.
ب- الاعتقاد الثاني: هو عدم فعالية العقوبات الرادعة، أو بمعنى آخر ضرورة تغيير نوع العقوبة، أو رفعها إلى درجة أشد، أو تغيير الوسيلة.
وربما من أجل هذين الاعتقادين، قد تنوعت قوانين العقوبات وأساليبها في دول العالم وتدرجت من البساطة إلى الشدة، حسب نوع الجرم وطبيعة المجرم وظروف الجريمة.
هذه الاعتقادات المشار إليها لا يجب أن تدفعنا إلى اليأس من التفتيش والبحث عن الأساليب المتنوعة لتوفير البيئة الصحيحة التي تمنع من حدوث الجريمة أو الانحراف، مع العلم أن المجتمعات أخذت بالتغير، لناحية نمط العيش والقيم، والتطور التكنولوجي وكلها عوامل مساعدة أو معارضة لتقدم المجتمع وتطوره. لذلك لا يجب أن ينظر إلى المسألة نظرة استاتيكية جامدة، إذ لا بد من ممارسة النضال من أجل القضاء على الانحراف البسيط منذ بدايته حتى لا يتحول إلى جريمة خطيرة تضر بالبنيان البشري ككل والبنيان الاجتماعي القائم.
وأود أن أشير في هذا المجال إلى مسألة تربوية دقيقة تتمثل في مداعبة الأهل لأطفالهم عند قيامهم بعمل غير مقبول فيطلقون عليهم لفظة (مجرم)، (أنت.. مجرم يا ولد..)، ثم تتكرر مرة أخرى في موقف آخر، فتأنس أذنه للفظة رغم كونها مقرونة باللوم والعتاب والتعنيف، لكنها تصور للولد، أن (المجرم) تسمية أخرى للبطل مع تغيير بعض الظروف والرتوش، بدليل أن الأطفال في ألعابهم، ينبري أحدهم ليمثل دور المجرم، وهكذا حتى تصبح اللفظة مألوفة جداً، ويفقد عنصر التهويل معناه.
لذلك نرغب إلى الوالدين والمدرسين، عدم إطلاق اللفظة في مثل هذه المواقف أو غيرها على الطفل، لا تحت تأثير الانفعال الغضبي الشديد، ولا نتيجة ارتكاب مخالفة بسيطة، وإلاً فإنهم يدفعون بالطفل إلى اتخاذ الصفة هدفاً يصبح كما يقال (اسم على مسمى)، ولقد أردت الحديث عن هذه المسألة لكثرة استعمالها في غير موضعها عند الحديث عن شقاوة الأطفال وانحرافاتهم البسيطة، أو أعمالهم الصبيانية الطائشة، لذلك رأينا أن نحذر منها ليستبدلها بألفاظ تحمل معنى التشجيع أو اللوم الرقيق، أو العتاب العاطفي، وتصوير الجريمة على أنها من الكبائر التي لا يرضاها الله ورسله.
أما بالنسبة للعلاج، فإننا ننظر إليه من زاويتين متلازمتين:
1- الطفل المنحرف، هو إنسان نريده سوياً.
2- المحافظة على المجتمع من الانحراف، والتفكك والتدمير.
إذن، نحن أمام نظرة مزدوجة، إلى المنحرف كإنسان، وإلى المجتمع، كمجموعة من البشر الذين يجب أن نقوم بحمايتهم من أعمال الانحراف والجريمة، ومن هنا تظهر ضرورة التعاون بين علماء النفس وعلماء الاجتماع، كل من وجهة نظر تخصصه، للعمل على حماية المجتمع من خطر المنحرفين وأضرارهم ، ومعالجة المنحرف الفرد، ليعود إلى مجتمعه سليماً سوياً معافى، وهذا في نظرنا واجب إنساني واجتماعي، ومن ثم التفكير بأن أولئك المحتجزين في السجون أو دور الرعاية الاجتماعية، يجب النظر إليهم نظرة إنسانية، على أنهم ضعفاء وقعوا في الخطيئة، ولا يجب حرمان المجتمع من نشاطهم وإنتاجهم، فمن الوجهة الاقتصادية يمكن إيجاد فرص العمل المنتج، حتى يتجمع لهم مبلغاً من المال يكون لهم رصيداً يواجهون به الواقع المعيشي عند مغادرتهم للسجن، و بالنسبة للجانحين الأحداث، يمكن تزويدهم ببعض الخبرات المهنية، حتى لا يكونوا عالة على غيرهم عند خروجهم من الإصلاحيات.
بعض المعترضين على هذا الأسلوب الراقي من المعالجة للمنحرفين يقول: إن تأمين مثل هذه الفرص للتعليم والتثقيف والإنتاج تقوي من رغبة الأفراد الموجودين خارج السجون على ارتكاب الجرائم للدخول إلى هذه السجون، حتى إنه يقوي هذا الاعتقاد، وجود بعض المسلسلات التلفزيونية التي تصور أحد الأبطال يرتكب انحرافاً أو جريمة ليدخل السجن، ويرتاح من عناء التعب في خارجه.
ويتابع أصحاب هذا الرأي: أنه يجب إنزال العقوبات القاسية حتى لا يفكر أحد بارتكاب جرم أو مخالفة، ولا وسيلة لضبط السلوك إلا بالقسوة، وبمقدار القسوة يكون أمن المجتمع واستقراره.
في الرد على أنصار هذا الرأي من المعترضين، نشير أولاً إلى أن السجن أو المعتقل، أو حتى الإصلاحية كمؤسسات عقابية، تصادر فيها الحرية إلى حد بعيد، وتقيد كل الأعمال الفردية، وتحرم الفرد من ممارسة الحياة الحرة الطليقة كسائر أقرانه الموجودين خارج هذه المؤسسات من الأحرار الطلقاء: إن هذه الرموز المشار إليها (السجن، المعتقل، الإصلاحية)، لم تكن ولن تكون في يوم من الأيام هدفاً يتمنى الوصول إليه إنسان عاقل، سوي، ولطالما يردد دعاة الحرية قولاً معروفاً (ولن أرضاه قفصاً ولو كان من ذهب)، إنه يكفي احتجاز الحرية والنبذ من الحظيرة الاجتماعية قصاصاً رادعاً.
فالخوف في أن تتحول هذه المؤسسات إلى (أمنية المشتاقين إليها)، هو تخوف في غير محله، فالذين قادهم حظهم العاثر، وضعفهم في بعض اللحظات، أو سوء التقدير، هؤلاء لا يجب أن نلغيهم من المجتمع إلغاء نهائياً، ومادام الأمر كذلك فليكن التأهيل أو إعادة التأهيل التربوي والاجتماعي.
ونسمع اليوم في مجالات العلوم الاجتماعية عن دعوة إلى تحويل السجون إلى (سجون - مدارس)، ونأمل في أن تكون هذه النظرة بداية لعصر الجماهير التي تملك القرار بيدها بعيداً عن السلطة المفروضة عليها من الأعلى.
أما بالنسبة للنقطة الثانية من رأي المعترض، والقائلة بضرورة تطبيق السياسة العقابية تطبيقاً حازماً، من أجل مصلحة المجتمع وسلامته، فلا خلاف في هذا الأمر، وهذا رأي سديد، يتمثل في عدم التهاون أو التسامح مع المخالفين المنحرفين وضرورة تطبيق القانون بشدة وعلى الجميع بدون استثناء لأحد، ولأي سبب كان، وعدم ترك الفئة العابثة بأمن المجتمع تصول وتجول دون خوف من حسيب أو رقيب، والتشدد في الملاحقة والاعتقال وتنفيذ القوانين بحق أفرادها، وهذا كله لا يتنافى مع السياسة التي ألمحنا إليها في داخل المؤسسات العقابية.
وفي رأي بعض الباحثين الاجتماعيين، الذين يعالجون هذه المسألة بالذات، يرون أن تحويل المؤسسات العقابية (إلى مدارس) بشكل أو بآخر، وإعادة تأهيل نزلائها نفسياً واجتماعياً وخلقياً، من شأنه أن يقلل من فرص عودة هؤلاء النزلاء لارتكاب المخالفات ثانية، بالإضافة إلى انصهارهم مع المجتمع - بعد خروجهم - وتفاعلهم تفاعلاً منتجاً تاماً. ولن نخشى - وللأسباب المبينة - أن يكونوا قدوة يقتدى بها، أو أن يتمثل بهم آخرون لينحرفوا فيدخلوا المؤسسات العقابية، فيخرجوا متعلمين ومثقفين، لأن خريج هذه المؤسسات، يعاني بعد خروجه من العذاب النفسي، وليس له ما يحسد عليه، أو ما يجعله قبلة أنظار السالكين في الدروب الاجتماعية.
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|