أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-11-2014
3656
التاريخ: 23-10-2014
2243
التاريخ: 2023-07-05
1974
التاريخ: 7-4-2016
2845
|
1-
إنّ أحسن أنواع الحكومات ، تلك الحكومة التي يشترك فيها كلّ النّاس ، وبتعبير آخر
الحكومة التي يحمل أركانها أكتاف النّاس ، والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر في
الواقع تصميم لمسألة الحكومة وتثبيت لاشتراك عامة الناس فيها ، إذ عن هذا الطّريق
يمكن الحدّ من الكثير من المخالفات ، وتعريف النّاس بوظائفهم الفردية والاجتماعيّة
، ومع الأخذ بنظر الاعتبار قلّة المأمورين الحكوميين (كالشّرطة وقوى الأمن
الداخلي) قياساً إلى عدد المتخلفين ، تتضح لنا أهميّة هذه الوظيفة الإسلاميّة أكثر
فأكثر ، إذ لا يمكن نظم المجتمع والحدِّ من وقوع المخالفات والجرائم إلّا عن هذا
الطّريق.
وما
قيل من أنّه لو كان في داخل البيت ولد مجرم فإن أباه وأُمّه مسؤولان تجاهه ، وأنّ
الولد البالغ مسؤول عن أبيه وأُمهُ إذا ما ارتكبا ذنباً ، وأنّه إذا صدر ذنبٌ في
شرق العالم وكان في غربه رجل يمكنه الحدَّ من ارتكابه ، فلم يفعل كان شريكاً له ، هذا
القول ، له تأثير عميق بلا شك في الحدِّ من ارتكاب الذّنوب والمخالفات والدّعوة
إلى القيام بالفرائض والمسؤوليات.
هذا
في حين أنّ مجتمع اليوم والحكومات الالحادية ، قد أوكلت مسؤولية الحدّ من المخالفات والمفاسد على عهدة مجموعة صغيرة
خاصّة فقط ، ولذا فإن نتاج هذه المجموعات محدود جدّاً وقليل.
ومن
هنا يتضح لنا عظمة وأهميّة هذه الفريضة الإسلاميّة من جهة ، وجماهيرية الحكومة
الإسلامية من جهة أخرى.
ولكن
هذا لا يعني أن يتصرف جميع النّاس وكأنّهم رجال شرطة ، بل إنّ وظيفتهم على مستوى
الدّعوة إلى الخيرات ومكافحة المنكرات والشّرور عن طريق النّصح والموعظة ، وأحياناً
عن طريق قطع الرّوابط والعلاقات الاجتماعيّة مع الفاسدين والمفسدين.
2-
التعزيرات هي قسمٌ من أقسام الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ، وهو نفس القسم
الذي يجرى من قبل الحاكم الشرعي والذي لا يحق للآخرين التدّخل فيه ، وكما جاء هناك
، فإنّ التّعزير بمعنى المنع من ارتكاب الذنب أو الحدّ من الاستمرار على ارتكابه
أو تكراره ، وفي هذه الطريق لابدّ من الإستفادة من قاعدة الاسَهَل فالأسَهل : أي ينبغي البدء بالمراحل البسيطة أولًا ،
فإن لم تقع مؤثرة انتقل إلى المراحل المعقدة والخشنة.
فيبدأ
بالتذكير الأخوي أو الأبوي ، ثّم العتاب الخفيف ، ثُمّ الشّديد ، ثُمّ عدم الإكرام
وقطع الرّوابط ، وفي النّهاية الحبس والجلد والغرامات المالية والتوبيخات
الاجتماعيّة وأمثال ذلك ، فهذه هي المراحل في طريق التعزير عن المنكر ، وبعبارة
أُخرى المصاديق المختلفة للأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر.
ولهذا
فإنّ العلماء يعتمدون على أدلة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر في الفقه عندما
يبحثون الحدود والتّعزيرات لإثبات مشروعيتها.
3-
لا يمكن إنكار تأثير فريضتي «الأمر بالمعروف» و «النّهي عن المنكر» في تأمين
العدالة الاجتماعيّة وإجراء القوانين ومحاربة المنكرات والحدِّ من الجنايات وتقليل
عدد السّجناء ، وتطوير الثّقافة الاجتماعّية ، وقد أثبتت التجارب أنّ المجتمعات
التي تؤدّي هاتين الوظيفتين بشكل صريح وقاطع ومدروس ، تكون عادة مجتمعات نظيفة
وسليمة ويعم الأمن والأمان فيها ، وبالعكس فإنّ المجتمعات الّتي نسيت هاتين
الوظيفتين والتي وقفت
مكتوفة
الأيدي قبال التخّلفات والمعاصي ، ابتليت بعواقب سيئة ، فدخل الفساد حتّى في
المنازل والبيوت ، وفي هذا المجتمع لا يأمن أي فرد من أفراده من المخاطر ، وبالضبط
كما ورد في الحديث الشّريف عن النّبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله فإنّ البلاء
والعذاب سيعم الجميع ، وكما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام :
«فيُولّى عليكُم شَراركم ثُمّ تَدعُونَ فلا يُستجاب لَكُمْ» (1).
4-
إنّ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ، يبدءان عادة كما نعلم من العمل الثّقافي ،
وعليه ، فإن كلّ أجهزة الإعلام الجماعيّة ، وكلّ مراكز الإذاعة والتلّفزيون لها
دخل في رفع مستوى الإطلاع والثّقافة الجماهيرية وتوجيه النّاس نحو الخير والصلاح
والطهر والأخلاق الإنسانيّة الرفيعة والفضيلة ، والتنّفر من الفساد والقبائح ، فلكلٍ
من هؤلاء موقعه في دائرة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ، وحتّى مراكز التّربية
والتّعليم بمستوياتها المختلفة والّتي تُعرِّف الشُبّان والصّبيان أُصول العقائد
الصّحيحة والموازين الإنسانيّة والقوانين والأداب الاجتماعيّة ، والتي تخطو من أجل
التّعليم والتّربية الصّحيحين ، لها موقعها الخاص في تلك الدّائرة ، وذلك لأنّ كل
هذه الأمور يمكن أنْ تساهم في الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ، وعليه فإنّ دور
هذه المراكز في تحقيق هذين الأصلين الاجتماعيين المهمين ، واضح وجلّي.
والنّكتة
المهمّة الاخرى هي أنّ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ، وإنِ اعتبرا قسمين من
فروع الدّين ، إلّا أنّهما من جهة أخرى ، بدرجة من السّعة والأهميّة بحيث يشملان
قسماً عظيماً من أصول العقائد ، لأنّ تلك الأمور مؤثرة في هذا المسير وعن طريق
تحكم أُسس الإعتقادات يمكن محاربة المفاسد الاجتماعية ، كما أنّ العبادات أيضاً
تعتبر مقدمة لها.
5-
خلافاً لما يراه البعض ، فإنّ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ليسا وظيفة عبادية
، بل فلسفة عقلية واضحة (التفتوا جيداً).
وتوضيح
ذلك :
بالإلتفات
إلى العلاقات الاجتماعيّة ، وأنّ أي عمل خير أو شرّ في المجتمع الإنساني لا يتحدد
بنقطة خاصة ، بل يسري بأي صورة إلى النقاط الاخرى ، فكل عمل قبيح يعتبر كالنار التي إذا لم تطفأ فإنّها ستسري وتحرق كل ما
في طريقها وتحيله إلى رمادٍ ، فمحاربة الفساد حقٌ اجتماعي.
وأفضل
تعبير عن هذا المطلب هو ما ورد في الحديث النبوي حيث يقول :
«إنّ مثل الفاسق في القوم كمثل قوم ركبوا سفينة في البحر فاقتسموها فصار
لكل واحد منهم [مكان] فعمد أحدهم الى مكانه لخرقه تعالى فقالوا أتريد أن
تهلكنا فقال وما انتم من مكانى فإن تركوه غرقوا وغرق معهم و إن أخذوا على يديه
نجوا ونجا فذلك مثل الفاسق»
(2).
ومن
هنا يتضح لنا ، أنّ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ، ليسا تدخلًا في حياة
الآخرين الخاصّة ، فلا شك في أنّ الإسلام يعتبر التدّخل في حياة الآخرين والتجسس
عليهم حراماً ، والقرآن الكريم تحدث عن هذه الحقيقة في (سورة الحجرات) ، ولكن حدود
الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر هي الإضطرابات والمفاسد الاجتماعيّة الفاضحة ، والتي
لها مدخلية مباشرة في تحديد مصير المجتمع ، وأنّ مصير المجتمع معقود عليها ، والتّخلف
والانحراف في كلّ فردٍ من أفراد المجتمع له أثر بالغ على المجتمع ككلّ.
وبناءً
على هذا ، فإنّه لا يحق لأحد أن يعترض على أولئك الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن
المنكر في مثل هذه الموارد ويقول لهم : إنّ هذا الأمر لا يهمكم فلا تتدخلوا فيه ، فإن
جواب هذا الشخص ، هو أنّ هذا الأمر يخصّنا جميعاً ، فإنّ مصيرنا مرتبط بنا جميعاً
، فهل يحق لأحد أن يعترض على الدولة إذا ما عينت مأمورين للتلقيح ضد الأمراض
المسرية إذا ما سرت تلك الأمراض في المجتمع ويقول لمسؤولي الدولة : إنّ هذا الأمر
لا يعنيكم؟ فأنا الذي أتمرّض وأنا الذي أعرّض نفسي للخطر فلماذا تتدخلون في حياتي
الشخصية؟!
فلا
شك في أنّ الجميع سيجيبون ذلك الشّخص بأنّ سلامتك ليست منفصلة عن سلامة المجتمع ، ومرضك
سيسري إلى أفراد المجتمع الآخرين ، ولذا فإن الأمر يهمّ الجميع.
وعليه
فلابدّ من الإذعان بأنّ هاتين الوظيفتين (الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر)
تعتبران من أثار الحياة الاجتماعيّة للإنسان ومن الحقوق والواجبات الاجتماعية.
كان
هذا ملخصاً لبحث الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ، وأثرهما في تحقيق أهداف
الحكومة الإسلاميّة.
__________________
(1) نهج البلاغة ، الرسالة 47.
(2)
راجع تفسير روح الجنان ، ج 3 ، ص 142؛ المعجم الاوسط ، ج 3 ، ص 149.