أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-04-2015
3881
التاريخ: 23-5-2019
2259
التاريخ: 7-11-2017
3954
التاريخ: 19-6-2019
2924
|
توجّه عبيد اللّه بن زياد إلى الكوفة :
استلم عبيد اللّه بن زياد كتاب يزيد بن معاوية ، فانطلق في اليوم الثاني نحو الكوفة ومعه مسلم بن عمرو الباهلي وشريك بن الأعور الحارثي وحشمه وأهل بيته[1] ، حيث ينتظر أهلها قدوم الإمام الحسين ( عليه السّلام ) ومعظمهم لا يعرف شخصية الإمام ولم تكن قد التقته من قبل ، وقد تعجّل ابن زياد الانتقال إلى الكوفة ليصلها قبل الإمام الحسين ( عليه السّلام ) .
باغت ابن زياد جماهير الكوفة وهو يخفي معالم شخصيته ويتستّر على ملامحه ، فقد تلثّم ولبس عمامة سوداء ، وراح يخترق الكوفة والناس ترحّب به وتسلّم عليه وتردّد : مرحبا بك يا ابن رسول اللّه قدمت خير مقدم[2].
فساءه ما سمع وراح يواصل السير نحو قصر الإمارة ، فاضطرب النعمان وأطلّ من شرفات القصر يخاطب عبيد اللّه بن زياد ، وكان هو أيضا قد ظنّ أنّه الإمام ، فخاطبه : أنشدك اللّه إلّا ما تنحّيت ، واللّه ما أنا بمسلّم إليك أمانتي ، وما لي في قتالك من إرب . . .[3].
صمت ابن زياد وراح يقترب من باب القصر ، حتى شخّص النعمان أنّ القادم هو ابن زياد ، ففتح الباب ودخل ابن زياد القصر وأغلق بابه وبات ليلته ، وباتت الكوفة على وجل وترقّب وفي منعطف سياسي خطير .
محاولات ابن زياد للسيطرة على الكوفة :
فوجئ أهل الكوفة بابن زياد عند الصباح وهو يحتلّ القصر بالنداء :
الصلاة جامعة ، فقام خطيبا في الجموع المحتشدة وراح يمنّي المطيع والسائر في ركب السياسة القائمة بالأماني العريضة ، ويهدّد ويتوعّد المعارضة والمعارضين والرافضين لحكومة يزيد ، حتى قال : . . . سوطي وسيفي على من ترك أمري وخالف عهدي[4].
ثم فرض على الحاضرين مسؤولية التجسّس على المعارضين ، وهدّد من لم يساهم في هذه العملية وينفّذ هذا القرار بالعقوبة وقطع المخصّصات المالية ، فقال : « . . . فمن يجيء لنا بهم فهو بريء ، ومن لم يكتب لنا أحد فليضمن لنا في عرافته أن لا يخالفنا منهم مخالف ، ولا يبغي علينا منهم باغ ، فمن لم يفعل برئت منه الذمّة وحلال لنا دمه وماله ، وأيّما عريف وجد في عرافته من بغية أمير المؤمنين أحد لم يرفعه الينا صلب على باب داره وألغيت تلك العرافة من العطاء »[5].
وقد كان ابن زياد معروفا في أوساط الكوفيّين بالقسوة والشدّة ، فكان من الطبيعي أن يحدث قدومه وخطابه الشديد اللهجة هزّة عند المعارضين لسياسته ، فلاحت بوادر النكوص والتخاذل والإرجاف تظهر على الكوفيّين وقياداتهم ، من هنا اعتمد مسلم بن عقيل وسيلة جديدة للسير في حركته نحو الهدف المطلوب . فانتقل إلى دار هانىء بن عروة وجعل يتستّر في دعوته وتحركاته إلّا عن خلّص أصحابه ، وهانىء يومذاك سيّد بني مراد وصاحب الكلمة المسموعة في الكوفة والرأي المطاع[6].
موقف مسلم من اغتيال ابن زياد :
لقد كان مسلم بن عقيل - رضوان اللّه تعالى عليه - يحمل رسالة سامية وأخلاقا فاضلة اكتسبها من بيت النبوّة ، كما كان يملك دراية بكلّ تقاليد وأعراف المجتمع الذي كان يتحرّك فيه ، ففي موقف كان يمكن فيه لمسلم ابن عقيل أن يغتال ابن زياد رفض ذلك لاعتبارات شتّى .
فقد روي أنّ شريك بن الأعور حين نزل في دار هانىء بن عروة مرض مرضا شديدا ، وحين علم عبيد اللّه بن زياد بذلك قدم لعيادته ، وهنا اقترح شريك على مسلم أن يغتال ابن زياد ، فقال : إنّما غايتك وغاية شيعتك هلاك هذا الطاغية ، وقد أمكنك اللّه منه وهو صائر إليّ ليعودني ، فقم وأدخل الخزانة حتى إذا اطمأنّ عندي فأخرج إليه فاقتله ، ثم صر إلى قصر الإمارة فاجلس فيه ، فإنّه لا ينازعنّك فيه أحد من الناس .
ولمس مسلم كراهية هانىء أن يقتل عبيد اللّه في داره ، ولم يأخذ مسلم باقتراح شريك ، وحين خرج عبيد اللّه قال شريك بحسرة وألم لمسلم : ما منعك من قتله ؟ قال مسلم : منعني منه خلّتان : أحدهما كراهية هانىء لقتله في منزله ، والأخرى قول رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) : « إنّ الإيمان قيد الفتك لا يفتك مؤمن »[7] .
الغدر بمسلم بن عقيل :
اتّخذ ابن زياد كلّ وسيلة مهما كانت دنيئة للقضاء على الوجود السياسي والتحرّك الذي برز منذرا بالخطر بوجود مسلم بن عقيل على النظام الأموي ، وسارع للقضاء على مسلم بن عقيل وكلّ الموالين له قبل وصول الإمام الحسين ( عليه السّلام ) وليتمكّن بذلك من إفشال الثورة ، فدبّر خطّة للتجسّس على تحرّكات مسلم ومكانه والموالين له ، واستطاع أن يكتشف مخبأه وأن يعلم بمقرّه[8] فكانت بداية تخاذل الناس عن الصمود في مواجهة الظلم .
لقد استطاع الوالي الجديد عبيد اللّه بن زياد أن يحكم الحيلة والخداع ليقبض على هانىء بن عروة الذي آوى رسول الحسين ( عليه السّلام ) وأحسن ضيافته واشترك معه في الرأي والتدبير ، فقبض عليه وقتله بعد حوار طويل جرى بينهما ، وألقى بجثمانه من أعلى القصر إلى الجماهير المحتشدة حوله ، فاستولى الخوف والتخاذل على الناس ، وذهب كلّ إنسان إلى بيته وكأنّ الأمر لا يعنيه[9].
ولمّا علم مسلم بما جرى لهانىء ورأى تخاذل عشيرته مذحج الغنية بعددها وعدّتها خرج في أصحابه ونادى مناديه في الناس وسار بهم لمحاصرة القصر ، واشتد الحصار على ابن زياد وضاق به أمره ، ولكنّه استطاع بدهائه ومكره أن يتغلّب على المحنة ويخذّل الناس عن مسلم[10].
لقد دسّ ابن زياد في أوساط الناس أشخاصا يخذّلونهم ويتظاهرون بالدعوة إلى حفظ الأمن والاستقرار وعدم إراقة الدماء ، ويحذّرون من قدوم جيش جرّار من الشام بهدف كسب الوقت وتفتيت قوى الثوار . واستمرّ الموقف كذلك والناس تنصرف وتتفرّق عن مسلم . وبدخول الليل صلّى بمن بقي معه وخرج من المسجد الجامع وحيدا لا ناصر له ولا مؤازر ولا من يدلّه على الطريق ، وأقفل الناس أبوابهم في وجهه ، فمضى يبحث عن دار يأوي إليها في ليلته تلك ، وفيما هو يسير في ظلمة الليل وجد امرأة على باب دارها وكأنّها تنتظر شيئا ، فعرّفها بنفسه وسألها المبيت عندها إلى الصباح ، فرحّبت به وأدخلته بيتها ، وعرضت عليه العشاء فأبى أن يأكل شيئا ، وعرف ولدها بمكانه وكان ابن زياد قد أعدّ جائزة لمن يخبره عنه ، وما كاد الصبح يتنفّس حتى أسرع ولدها إلى القصر وأخبر محمد بن الأشعث بمكان مسلم بن عقيل ، وفور وصول النبأ إلى ابن زياد أرسل قوّة كبيرة من جنده[11] بقيادة ابن الأشعث إلى المكان الذي فيه مسلم ، وما أن سمع بالضجّة حتى أدرك أنّ القوم يطلبونه فخرج إليهم بسيفه .
وقد اقتحموا عليه الدار فشدّ عليهم يضربهم بسيفه حتى أخرجهم من الدار ، ثم عادوا إليه فشدّ عليهم كذلك ، مع انّهم تكاثروا عليه بعد أن أثخن بالجراح فطعنه رجل من خلفه فخرّ إلى الأرض فاخذ أسيرا وحمل على بلغة وانتزع الأشعث سيفه وسلاحه وأخذوه إلى القصر فادخل على ابن زياد ولم يسلّم عليه ، وجرى بينهما حوار طويل كان فيه ابن عقيل - رضوان اللّه عليه - رابط الجأش منطلقا في بيانه قويّ الحجّة ، حتى أعياه أمره وانتفخت أوداجه وجعل يشتم عليّا والحسن والحسين ، ثم أمر أجهزته أن يصعدوا به إلى أعلى القصر ويقتلوه ويرموا جسده إلى الناس ويسحبوه في شوارع الكوفة ثم يصلبوه إلى جانب هانىء بن عروة ، هذا وأهل الكوفة وقوف في الشوارع لا يحرّكون ساكنا وكأنّهم لا يعرفون من أمره شيئا .
وكان مسلم قد طلب من ابن الأشعث أن يكتب إلى الحسين ( عليه السّلام ) يخبره بما جرى في الكوفة وينصحه بعدم الشخوص إليهم ، فوعده ابن الأشعث بذلك ، ولكنّه لم يف بوعده[12] .
[1] إعلام الورى : 1 / 437 .
[2] الإرشاد : 2 / 43 ، وإعلام الورى : 1 / 438 .
[3] الإرشاد : 2 / 43 ، وروضة الواعظين : 173 ، ومقتل الحسين للخوارزمي : 198 ، وتهذيب التهذيب : 2 / 302 .
[4] مقاتل الطالبيّين : 97 ، وإعلام الورى : 1 / 438 .
[5] الإرشاد : 2 / 45 ، والفصول المهمة : 197 ، والفتوح لابن أعثم : 5 / 67 .
[6] مروج الذهب : 2 / 89 ، والأخبار الطوال : 213 ، وإعلام الورى : 1 / 438 .
[7] الأخبار الطوال : 187 ، ومقاتل الطالبيّين : 98 ، وإعلام الورى : 1 / 428 .
[8] إعلام الورى : 1 / 440 ، والأخبار الطوال : 178 ، ومناقب آل أبي طالب : 4 / 91 ، والفتوح لابن أعثم : 5 / 69 ، وتأريخ الطبري : 4 / 271 ، وأنساب الأشراف : 79 .
[9] الكامل في التأريخ : 3 / 271 ، والفتوح لابن اعثم : 5 / 83 ، وإعلام الورى : 1 / 441 .
[10] سيرة الأئمّة الاثني عشر ، القسم الثاني : 63 ، وإعلام الورى : 1 / 441 ، ومناقب آل أبي طالب : 4 / 92 ، والكامل في التأريخ : 3 / 271 .
[11] جاء في « الإرشاد » أنّهم كانوا سبعين رجلا .
[12] يراجع في تفصيلاته إلى : أعيان الشيعة : 1 / 592 ، إعلام الورى : 1 / 442 ، والكامل في التأريخ : 4 / 32 ، والفتوح : 5 / 88 ، وتأريخ الطبري : 4 / 280 ، ومقاتل الطالبيّين : 92 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي يصدرُ مجموعةَ أبحاثٍ علميَّةٍ محكَّمةٍ في مجلَّة الذِّكرِ
|
|
|