أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-04-09
1034
التاريخ: 21-3-2022
2292
التاريخ: 8-4-2021
2278
التاريخ: 25-6-2022
1628
|
لكي نحدث تغييراً إيمانياً عميقاً ومؤثراً داخل نفسية المراهق، ينبغي أن نتعلم الطرق والأساليب والأوقات المناسبة، التي ننفذ منها إلى أعماق المراهق ونغيره جذرياً ونستثمر عواطفه وأحاسيسه وميوله الجياشة نحو الصالح العام.. ففترة الطفولة هي فترة التكوين، ويمكن اعتبارها من ناحية الأهمية أهم فترات الحيلة لأن الإنسان فيها يكون صاحب أرضية خصبة ونظيفة فكرياً وثقافياً ودينياً وتربوياً وما أشبه ذلك.
والطفل في بداية حياته الطفولية الأولى أشبه شيء بالأرض الصالحة للعمران، وكالعجينة بين يدي الخباز كما قال الحديث الشريف عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) :(قلب الحدث كالأرض الصالحة للزراعة).
إذا حصل على من يعينه ويعتني به، ويهتم بمتطلباته وحاجياته المادية والمعنوية ويستثمر أهواءه وأحاسيسه وعواطفه لصالحه أولاً وصالح مجتمعه ثانياً، فسوف يحصل على متطلبات السعادة الدنيوية والأخروية، وينعم المجتمع والأسرة بفرد قادر على إصلاح نفسه وإصلاح غيره، ويأخذ بيد الآخرين لما فيه صلاحهم ونجاحهم إن شاء الله تعالى، ويظل في المجتمع نموذجاً ومثالاً وقدوة للآخرين.
وقد أكد هذه الحقيقة كبار علماء التربية في العالم الإسلامي والعام الغربي، يقول موريس دنس: وقفت قبل حرب ١٩٣٩-١٩٤٥ إلى جانب الاعتقاد القائل بأن الشاب هو أحد القيم المهمة وعلينا أن نأخذ دروساً نافعة من هذه المدرسة، وقد رسخت الأحداث اللاحقة إيماني بهذا الموضوع، ولكن يجب الانتباه إلى أن الشاب ليس هو القيمة الموجودة الوحيدة، فالبعض يسلك سبيل المبالغة في الثناء على حيوية الشباب واندفاعهم، ويعتقد أن هذا الاندفاع يسمو إلى غاية الكمال، والكمال المطلوب هو أن نستثمر هذه الطاقة وتلك الإمكانيات إلى صالحه وصالح المجتمع.. وخطورة الموقف تكمن في الغفلة عن نقائصها عند مشاهدة إيجابيات، لأن الرغبة في الأمور المطلقة ليس أمراً مطلقاً بذاته، فضلاً عن ذلك لو أردنا المبالغة ووصف أعمال الشاب بالمعجزة، فسوف لا يمر وقت طويل حتى تظهر على الشاب روح الغرور والأنانية والتفاخر والوقاحة.. لا ننسى أن مرحلة الشباب مرحلة خطيرة لها إيجابياتها وسلبياتها أيضاً(1).
ولو تمعنا قليلاً في سيرة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السلام وسيرة الأصحاب الميامين (رض) لوجدنا سيرتهم العطرة تحث على هذه المرحلة، واستطاعوا خلال فترة وجيزة أن يحدثوا تغييراً واضحاً في عقلية الشباب المراهقين، واستثمروا عواطفهم وأحاسيسهم للصالح الفردي والاجتماعي، وقد سلم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بعض المناصب للشباب خذ على سبيل المثال لا الحصر:
كان مصعب بن عمير أحد الصحابة قد أسلم قبل الهجرة وكان جميلاً جداً وعفيفاً وعالي الهمة والإرادة، محبوباً من الجميع ولا سيما أهل مكة، وكان يرتدي أفخر الثياب ويعيش حياة مترفة ومرفهة، إلى أن التحق بركب الإسلام، وكان مولعاً بالمناهج السليمة والأخلاقية في النظام الإسلامي الحنيف، فانجذب انجذاباً لا حدود له على الإطلاق، فدخل في الدين عن قناعة تامة به، وكان ذلك بعد سماعه الأحاديث المشوقة للجنة وما فيها والآيات الكريمة التي كان يلقيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم على مسامع المسلمين.
وبعد أن دخل في الإسلام كان يؤدي عباداته وواجباته الدينية خفية عن أهله ومجتمعه، إلى أن رآه عثمان بن طلحة قائماً يصلي فعرف منذ ذلك الوقت أنه دخل في الإسلام، وأخبر بذلك أمه وأهله، ولم تمض فترة وجيزة على سماع هذا الخبر المؤلم بالنسبة إليها وإليهم فتأثرت أمه وأهله وسجنوه في غرفة صغيرة بأمل أن يعود عن عقيدته الجديدة.. لكن كان هذا العقاب وتلك التصرفات تزيد من عزمه وتمسكه وثباته على الدين الإسلامي الحنيف لأنه دخله عن قناعة تامة به وبرسوله صلى الله عليه وآله وسلم وبمناهجه الوضاءة.
مصعب ونشر المبادئ:
تلقى مصعب تهذيبه وتعليمه وأخلاقه في ظل الإسلام والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأصحاب (رض) وأخذ ينشر الدين سراً، وبعد ذلك كان يحضر مجالس المشركين والشاكين لدحض حجتهم الواهية إلى أن أسلم على يديه شريحة كبيرة، ولشدة وثوق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) به كان يبعثه إلى نواحي الدولة الإسلامية يدعوهم إلى الإسلام والقرآن، وقد نقل أهل السير في مصادرهم: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعثه كداعية إلى المدينة المنورة. روى ابن إسحاق عن عبد الله بن المغيرة بن شعبة: أن أسعد بن زرارة خرج بمصعب بن عمير يريد بني عبد الأشهل ودار بني ظفر، وكان سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس ابن خالة أسعد بن زرارة.. فجلسا في حائط، واجتمع إليهما رجال ممن أسلموا، وسعد بن معاذ وأسيد بن حضير يومئذ سيدا قومهما من بني عبد الأشهل، فلما سمعا به قال سعد بن معاذ لأسيد بن حضير: لا أب لك، انطلق إلى هذين الرجلين اللذين قد أتيا دارنا ليفهما ضعفاءنا فازجرهما.. ولو لا أن أسعد بن زرارة مني حيث قد علمت كفيتك ذلك، هو ابن خالتي، ولا أجد عليه مقدماً. فأخذ أسيد بن حضير حربته ثم أقبل إليهما، فلما رآه أسعد بن زرارة قال لمصعب بن عمير: هذا سيد قومه قد جاءك، فاصدق الله فيه.
قال مصعب: إن يجلس أكلمه.
فوقف عليهما متشتما، فقال: ما جاء بكما إلينا، تفهمان ضعفاءنا؟ اعتزلانا إن كانت لكما بأنفسكما حاجة.
فقال له مصعب: أو تجلس فتسمع، فإن رضيت أمراً قبلته، وإن كرهته كف عنك ما تكره؟.
قال: أنصفت، ثم ركز حربته وجلس إليهما فكلمه مصعب بالإسلام، وقرأ عليه القرآن. فقالا فيما يذكر عنهما: والله لقد عرفنا في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم في إشراقه وتسهله، ثم قال: ما أحسن هذا الكلام وأجمله، كيف تصنعون إذا أردتم الدخول في هذا الدين؟.
قالا له: تغتسل فتتطهر وتطهر ثوبيك ثم تشهد شهادة الحق، فاغتسل وتطهر ثم قام فركع ركعتين، ثم قال لهما: إن ورائي رجلا إن اتبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه، وسأرسله إليكما الآن وهو سعد بن معاذ. ثم أخذ حربته وانصرف إلى سعد وقومه وهم جلوس في ناديهم، فلما نظر إليه سعد بن معاذ مقبلاً قال: أحلف بالله لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم، فلما وقف على ناديهم قال له سعد: ما فعلت؟ قال: كلمت الرجلين فو الله ما رأيت بهما بأساً، وقد نهيتهما، فقالا: نفعل ما أحببت، وقد حدثت أن بني حارثة قد خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه، وذلك أنهم قد عرفوا أنه ابن خالتك ليخبروك.
فقام سعد مغضباً مبادراً تخوفا للذي ذكر له من بني حارثة، فأخذ الحربة من يده ثم قال: والله ما أراك أغنيت شيئاً، ثم خرج إليهما، فلما رآهما سعد مطمئنين عرف أن أسيد إنما أراد أن يسمع منهما، فوقف عليهما متشتماً، ثم قال أسعد بن زرارة: يا أبا أمامة: لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رمت هذا مني، وقد قال أسعد بن زرارة لمصعب بن عمير: أي مصعب جاءك والله سيد من وراءه من قومه، إن تبعك لا يتخلف عنك منهم إثنان فقال له مصعب: أو تقعد فتسمع فإن رضيت أمراً ورغبت فيه قبلته، وإن كرهته عزلنا عنك ما تكره؟
قال سعد: أنصفت، ثم ركز الحربة وجلس، فعرض عليه الإسلام، وقرأ عليه القرآن، فقالا: فعرفنا والله في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم، ثم قال لهما: كيف تصنعون إذا دخلتم في الإسلام في هذا الدين؟.
قالا تغتسل فتطهر ثوبك وتشهد شهادة الحق، ففعل ثم ركع ركعتين، ثم أخذ حربته فأقبل عامداً إلى نادي قومه ومعه أسيد بن حضير، فلما رآه قومه مقبلاً قالوا: نحلف بالله لقد رجع إليكم سعد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم، فلما وقف عليهم قال: يا بني عبد الأشهل كيف تعلمون أمري فيكم؟
قالوا: سيدنا، وأوصلنا برا، وأيمانا.
قال: فإن كلام رجالكم ونسائكم علي حرام حتى تؤمنوا بالله وبرسوله.
قالا: فوالله ما أمسى في دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلماً ومسلمة، ورجع أسعد ومصعب إلى منزل أسعد بن زرارة، فأقام عنده يدعو الناس إلى الإسلام حتى لم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون.
وأخذ مصعب بعد إحراز هذا النصر العظيم يخطط لاستقبال الرسول ويهيئ العاصمة الجديدة له.
ثم خرج مصعب بن عمير من المدينة مع السبعين الذين وافوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من العقبة الثانية من خارج الأوس والخزرج، ورافقه أسعد بن زرارة في سفره ذلك، فقدم مكة وأخبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بنتائج النصر العظيم، فسر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لذلك(2).
مصعب بن عمير بطل في بدر:
ولقد اشترك مصعب بن عمير في وقعة بدر، واشترك أخوه أيضاً في تلك الوقعة ولكنه كان في الجانب الآخر بين أعداء الإسلام والدين، ووقع أسيراً في يد الجيش الإسلامي، ووقف عليه مصعب فقال لآسره: شد يديك به، فإن أمه ذات متاع، لعلها أن تفديه منك.
فقال له أخوه: أهذه وصاتك له بي؟
فقال له مصعب: إنه أخي دونك.
فسألت أمه عن أغلى ما فدي به قرشي، فقيل لها أربعة آلاف درهم، فبعثت بها إليه فافتدته بها.
وبعد أن جهز الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) جيشه للقتال ووزع المقاتلين في أماكنهم سأل: من يحمل لواء المشركين؟ قيل: بنو عبد الدار. قال: نحن أحق بالوفاء منهم، أين مصعب بن عمير؟ قال: ها أنا ذا. قال: خذ اللواء، فأخذه مصعب فتقدم به بين يدي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.. وبدأت المعركة واستهدف أمير المؤمنين (عليه السلام) أصحاب الراية، فقتل منهم: مسفع بن أبي طلحة ثم عثمان بن أبي طلحة ثم الحارث بن أبي طلحة ثم أبا عذير بن عثمان ثم عبد الله بن جميلة بن زهير، وقتل أيضاً من بني عبد الدار أرطأة بن شرحبيل مبارزة.. ولما قتله الامام عليه السلام أبصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جماعة من قريش فقال لعلي احمل عليهم فحمل عليهم ففرقهم وأبصر جماعة أخرى فقال احمل عليهم ففرقهم أيضاً فقال جبريل: يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن هذه للمواساة!
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إنه مني وأنا منه.
فقال جبريل: وأنا منكما.
فقال جبريل:
لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي.
وقد استشهد مصعب بن عمير في معركة أحد، بعد أن أبلى بلاءً حسناً بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان الذي أصابه ابن قميئة الليثي وهو يظن أنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم، فرجع إلى أهله يخبرهم أنه قتل محمداً صلى الله عليه وآله وسلم.
ويقال أنه ضرب مصعب بن عمير على يده اليمنى وكان بها اللواء فقطعها وهو يقول {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل} ثم حمل عليه الثانية بالرمح فأنفذه، واندق الرمح، ووقع مصعب بن عمير وسقط اللواء.
وروى ابن سعد في الطبقات الكبرى ج٣ ص ١٢١ قال: فعندما قتل مصعب بن عمير يوم أحد، أخذ ملك في صورة مصعب اللواء، فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول في آخر النهار تقدم يا مصعب، فالتفت الملك فقال: لست بمصعب. فعرف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه ملك أيد به.
ووقف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على مصعب بن عمير وهو مقتول في برده، فقال: رحمك الله لقد رأيتك بمكة وما بها أرق حلة، ولا أحسن لمة منك، ثم أنت أشعث أغبر، وأمر فقبر نزل قبره أخوه وأبو الروم، وعامر بن ربيعة العتري. والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ هذه الآية {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه}.
نماذج أخرى:
وإذا عدنا إلى أوراق التاريخ الإسلامي نرى أن هناك الكثير من النماذج القيادية التي خلفها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في الأمة الإسلامية في ذلك الوقت. من بين هؤلاء(عتاب بن أسيد) الذي خلفه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على أهل مكة بعد خروجه إلى المدينة المنورة، وهو بعد لم يتجاوز الواحد والعشرين عاماً من عمره، وأمره الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يصلي بالناس، وهو أول أمير صلى بالناس بمكة بعد عام الفتح جماعة.
وقالله النبي صلى الله عليه وآله وسلم في يوم من الأيام: يا عتاب تدري على من استعملتك؟
قال: أنت أعلم يا رسول الله.
قال: استعملتك على أهل الله عز وجل، ولو أعلم لهم خيراً منك استعملته عليهم.
وكما استعمل عتاب على أهل مكة فإنه أمر أسامة بن زيد أن يكون قائداً على الجيش الإسلامي في ذلك الوقت وكان عمره في حينها ثمانية عشر سنة، إلى غيرها من النماذج الكثيرة في تاريخ الإسلام والمسلمين.
إذن: ينبغي أن نهتم بالجيل الصاعد اهتماماً كبيراً لأنه هو عماد المستقبل الوضاء، ولا سيما على الآباء والأمهات أن يراعوا عواطف المراهق، ويستثمروها لصالحه وصالح مجتمعه حتى نستطيع أن نحصل على عالم أفضل في ظل الإسلام والدين الحنيف، وتكون أسرنا أسراً مثالية في الحياة الاجتماعية.
__________________________________________
(1) راجع كتاب البلوغ ص127.
(2) راجع سيرة بن هشام ج1 ص437.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ضمن أسبوع الإرشاد النفسي.. جامعة العميد تُقيم أنشطةً ثقافية وتطويرية لطلبتها
|
|
|