المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
{ان أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه}
2024-10-31
{ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا}
2024-10-31
أكان إبراهيم يهوديا او نصرانيا
2024-10-31
{ قل يا اهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم الا نعبد الا الله}
2024-10-31
المباهلة
2024-10-31
التضاريس في الوطن العربي
2024-10-31



القيود التي ترد على حرية الدولة في تشريع جنسيتها  
  
3970   01:15 صباحاً   التاريخ: 21-2-2022
المؤلف : سحر جاسم معن
الكتاب أو المصدر : مشكلة انعدام الجنسية واثارها في حقوق الانسان
الجزء والصفحة : ص 83-95
القسم : القانون / القانون الخاص / القانون الدولي الخاص /

إن الجنسية تلامس في طبيعتها وأهميتها وتداخلاتها القانون الوطني والقانون الدولي وهو الأمر الذي يفسر سبب إدخالها ضمن الفسيفساء القانوني لمادة القانون الدولي الخاص فالجنسية وان كانت داخلية في مسائلها ومصادرها وأهدافها لكنها في الوقت نفسه "دولية" في بعض انفعالاتها وتأثيراتها ولذلك فأن مبدأ حرية الدولة في منح الجنسية وفي نزعها ليس مطلقا وهو يخضع إلى مبادئ دولية تقيده وتحد منها (1).

وحيث إن إطلاق حرية كل دولة في تنظيم مسائل جنسيتها قد تؤدي إلى تعارض بين المصالح الأساسية للدول واضطراب وتنازع قوانينها وقيام المنازعات الدولية بينها، ومن صور التنازع الذي يحصل في الجنسية ظهور حالات تعدد الجنسية وانعدام الجنسية ومما لاشك فيه أن توزيع الأفراد جغرافية بين الدول عن طريق الجنسية يجب أن يستند على اس مقبولة تحول دون إثارة الاضطراب والتنازع والتعارض في العلاقات الدولية تحقيقا المصلحة الأسرة الدولية (2).

وعليه فأن مثل هذا التعارض يفرض بعض القيود على حريات الدول لهذا فأن المؤسسات الدولية ومنها مؤتمر لاهاي قد أكد وجود قيود تحد من حرية الدولة في شأن تنظيم جنسيتها إذ علقت احترام التشريعات الداخلية الخاصة على عدم تعارضها مع المعاهدات الدولية والعادات الدولية والقواعد العامة المتعلقة بالجنسية وحيث إن الجنسية هي حق شخصي لمن يتمتع بها لذا فان حرية الدولة في التعرض لأحكام الجنسية مقيدة بمراعاة هذا الحق (3).

ومن هذا نخلص إلى إن حرية الدولة في تنظيم أمور جنسيتها إنما تتقيد ببعض القيود المستمدة من اعتبارات بعضها يتعلق بمصالح الدول الأخرى وبعضها الآخر يتعلق بمصالح الأفراد.

وعليه نقسم هذا الموضوع على فرعين:

الفرع الأول: القيود المقررة لمصلحة الدول. الفرع الثاني: القيود المقررة لمصلحة الأفراد.

الفرع الأول

القيود المقررة لمصلحة الدول

يؤكد الفقه الراجح إن حرية الدولة في تنظيم مسائل الجنسية ليست مطلقة فهي تتقيد بالاتفاقيات الدولية من ناحية والعرف الدولي من ناحية أخرى، وقد أشارت اتفاقية لاهاي في نيسان عام 1930 الى هذا المعنى حينما قررت إن حرية الدولة في تنظيم جنسيتها تتقيد بالاتفاقيات الدولية، والعرف الدولي، والمواد والمبادئ القانونية المعترف بها في مواد الجنسية" وهذا أيضا ما أكدته الهيئات العلمية المتخصصة في القانون الدولي مثل معهد القانون الدولي.

ونعرض فيما يلي للقيود الواردة على مبدأ حرية الدولة في تنظيم جنسيتها في فقرتين: أولا: الاتفاقيات الدولية. ثانيا : العرف الدولي. أولا : الاتفاقيات الدولية

مما لاشك فيه أن الاتفاقيات التي تبرمها الدولة مع غيرها من الدول في موضوع الجنسية تكون قيدا على حريتها في تنظيم الجنسية بمقتضى تشريعاتها الداخلية، والدولة التي لا تلتزم باحترام تعهداتها الدولية تعرض نفسها إلى المسؤولية على أساس إن المعاهدات هي إحدى المصادر الرسمية للقانون الدولي العام(4) .

وان ما تبرمه الدولة من معاهدات واتفاقيات ثنائية ومتعددة فهي لا تتعارض مع مضمون حق السيادة لان الدولة لا تلزم نفسها إلا بما قبلته بمحض إرادتها وبالتالي فأن هذه المعاهدات تشكل التزاما أرديا يقيد حريتها عند تنظيمها ويتوجب مراعاة أحكامها واحترامها وهذا يؤكد سيادتها في مواجهة الدول الأخرى(5).

ومثال تلك الاتفاقيات الاتفاقية التي عقدتها اسبانيا مع الأكوادور لعام 1940 ومع تشيلي لعام 1944 والتزمت بموجبها كلا من تشيلي والأكوادور إزاء اسبانيا بعدم فرض جنسيتها على الأطفال الذين يولدون لمواطنين اسبان في إقليمها رغم إن قانونهما يفرض الجنسية على من يولد في إقليمها بصرف النظر عن جنسية الآباء.

وكذلك المادة الثانية من البروتوكول الاختياري بشأن اكتساب الجنسية الملحق باتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961 التي نصت على أنه "لا يجوز لإفراد البعثة الدبلوماسية الذين لا يحملون جنسية الدولة المعتمدة لديها وأفراد أسرهم من أهل بيتهم اكتساب جنسيتها بحكم تشريعها وحده" (6) .

فبموجب هذا البروتوكول تقيد الدولة المصدقة عليه نفسها في أمور جنسيتها بالقيد الوارد فيها فلا تفرض جنسيتها على أبناء أعضاء البعثات الدبلوماسية المعتمدة لديها ولو ولدوا على إقليمها وان كانت هذه الدول تمنح جنسيتها على أساس حق الإقليم، وكذلك اتفاقية جامعة الدول العربية لعام 1952 واتفاقية خفض حالات انعدام الجنسية لعام 1961 واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة لعام 1979 واتفاقية الأمم المتحدة بشأن وضع عديمي الجنسية لعام 1954 فتتقيد الدول بضرورة مراعاة أحكام هذه الاتفاقيات عند تنظيم أحكام الجنسية في قوانينها الوطنية.

كما أكدت التشريعات الوطنية على ضرورة الالتزام بهذا القيد ومنها الفقرة الثانية من الفصل الأول لقانون الجنسية المغربية لعام 1958حيث نصت على "إن مقتضيات المعاهدات أو الأوفاق الدولية المصادق عليها والموافق على نشرها ترجح على أحكام القانون الداخلي".

هذا أيضا ما أكده قانون الجنسية المصرية رقم 26 لسنة 1975 في المادة (26) على أنه "يعمل بأحكام المعاهدات والاتفاقيات الدولية الخاصة بالجنسية التي أبرمت بين مصر والدول الأجنبية... ولو خالف أحكام هذا القانون".

وقد أتبع المشرع العراقي هذا المبدأ عند وضع قانون الجنسية العراقية لعام 1924 على أن تكون أحكامه على العموم متفقة مع القواعد التي وضعتها معاهدة لوزان في المواد من (30 - 36) التي نظمت جنسية أهالي البلاد التي انسلخت عن الإمبراطورية العثمانية.

ثانيا : العرف الدولي

إن ثمة قيود على حرية الدولة في تنظيم جنسيتها يفرضها العرف الدولي وهو أمر ما يزال محل خلاف في الفقه وأحكام القضاء لذا يقرر بعض الفقه إن القيود المتصورة في هذا المجال يفرضها القانون الدولي الطبيعي وليس القانون الدولي الوضعي والظاهر إن هذا الرأي يتأثر في غياب قواعد عامة تلزم الدولة في شأن الجنسية وبالتالي يستقي هذه القيود من القانون الطبيعي الذي لا ينطوي على معنى الإلزام(7) .

بينما يرى فريق آخر من الفقهاء إن هذه الحرية لا تتقيد بمبادئ القانون الدولي الطبيعي فحسب بل بقواعد القانون الدولي الوضعي وكذلك الأعراف الدولية وبناء على ذلك يمكن القول بقيام عرف دولي يتضمن مبادئ مثالية عامة معترف بها بين الدول في الحياة العملية بالنسبة للجنسية بحيث تلتزم بها الدول وتحرص على مراعاتها عند وضع تشريعها الداخلي في الجنسية، ومن هذه المبادئ هو ضرورة مراعاة حسن النية من قبل الدولة عند وضعها لمبادئ جنسيتها في علاقتها بغيرها من الدول فيجب إن لا تهدف إلى الإضرار بالدول الأخرى ومن ذلك أن تسقط الدول جنسيتها من رعاياها المقيمين في دول معادية حتى تسلب الدولة الأخرى حقها في معاملتهم معاملة الأعداء (8).

وكذلك لا يجوز للدولة عندما تشرع قواعد جنسيتها أن تفرض هذه الجنسية على رعايا الدول الأخرى دون توفر شروط معينة كالتوطن أو الولادة في أراضيها وكل تطاول وتماد من أية دولة في هذا الخصوص يؤدي إلى المقابلة بالمثل من الدول الأخرى بإصدار تشريعات تفرض هي جنسيتها على رعايا الدولة الأولى وهذا يثير التنازع ويخلق الفوضى فيما يخص أمر الجنسيات(9).

كما إن من أهم القيود التي أخذ بها الاجتهاد القضائي الدولي ضرورة مراعاة الدولة عند بناء جنسيتها المبدأ أساسي هو أن تكون الجنسية مستندة إلى رابطة حقيقية أي مبنية على وجود صلة قوية تكشف عن ارتباط الشخص الفعلي بشعب الدولة التي يحمل جنسيتها وهو ذات المبدأ المستخلص من قرار محكمة العدل الدولية بتاريخ 6/ نيسان / 1955 في قضية (نوتباوم)(10)

والواقع إن اشتراط وجود رابطة حقيقية، مادية كانت أو معنوية بين الدولة والشخص الذي تمنحه جنسيتها ليس مجرد قيد على حرية الدولة فحسب بل يمكن أن بعد بحق الأساس الفعلي الذي يمكن أن ترد إليه جميع القواعد التي تضعها الدولة عند تحديدها للأفراد الداخلين في جنسيتها (11) .

وإذا ما خالفت الدول هذا القيد فأن الجزاء المترتب عليها يتمثل بعدم الاعتراف بالجنسية المفروضة أو الممنوحة من الوجهة الدولية سواء على مستوى الدول الأخرى أو حتى القضاء الدولي وان كانت لها قيمة من الناحية الداخلية، ومن السوابق التاريخية التي تؤيد ذلك إبطال المجلس الأعلى للحلفاء والسلطة التشريعية في ألمانيا عام 1949 قانونا أصدرته حكومة الرايخ عام 1943 وهو يقضي بفرض الجنسية الألمانية جبرة على بعض طوائف الأهالي في مناطق الالزاس واللورين ولوكسمبورج (12)  .

ويتضح مما تقدم إن القواعد الوضعية المستمدة من الأعراف الدولية رغم إن الكثير من الدول لا تقرها إلا من باب المجاملة، ألا إن هذا لا يمنع من القول بوجود قواعد عرفية مستمدة من مصلحة الدول تقيد ولو إلى حد ضئيل حريتها في أمور جنسيتها، وان قلة وضآلة هذه القواعد لا ينفي وجودها و أهميتها.

الفرع الثاني

القيود المقررة لمصلحة الأفراد                  

إن حرية كل دولة في وضع قواعد الجنسية الخاصة بها لا تعني اليوم تنظيم الدولة جنسيتها دون مراعاة مصالح الأفراد، حيث إن الدول تحرص عادة على إتباع اتجاهات مبنية على اعتبارات إنسانية مثالية تمنع التعسف في استعمال حقها في أمور جنسيتها ونجد هذه الاعتبارات الإنسانية المثالية في مقدمة اتفاقية لاهاي لعام 1930 والتي جاء فيها من الصالح العام للجماعة الدولية قبول أعضاؤها مبدأ أن يكون لكل شخص جنسية وإلا تكون له إلا جنسية واحدة وان المثل الأعلى الذي يجب أن تنشده الإنسانية في هذا الميدان هو إلغاء جميع حالات انعدام الجنسية وحالات ازدواجها"(13).

وكذلك ما جاء بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في عام 1948 من إن لكل فرد حق التمتع بالجنسية ولا يمكن أن يحرم أحد من جنسيته تحكما ولا من حق تغييرها بدون مسوغ قانوني وهكذا نصوص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية العام .1966

وان اختلاف الدول في مدى الأخذ بهذه المبادئ أو الاعتبارات المثالية الاختيارية والتي لا تتمتع بصفة الإلزام لا ينفي وجود حد أدنى منها تتمسك وتلتزم به الدول عند وضع التشريعات الخاصة بجنسيتها  (14).

ويمكن أجمال هذه المبادئ ودراستها كالاتي:

1- حق الإنسان في جنسية (أي أن يكون لكل شخص حق التمتع بجنسية معينة).

2- حق الإنسان في جنسية واحدة.

3- حق الإنسان في تغيير جنسيته والاحتفاظ بها.

أولا: حق الإنسان في جنسية (أن يكون لكل شخص حق التمتع بجنسية معينة).

إن الجنسية لازمة من لوازم الفرد يتطلبها كيانه الإنساني، فعدم انتماء الفرد إلى دولة ما يؤدي إلى حرمانه من حقوق أساسية لا تستقيم حياته بدونها حيث اعتبرت الجنسية من الحقوق اللازمة لحياة الفرد باعتباره إنسانا وهذا ما تضمنه الإعلان العالمي الحقوق الإنسان في الفقرة الأولى من المادة (15) حيث نصت على "الكل فرد حق التمتع بجنسية ما" وجعلها إحدى الحقوق الأساسية للإنسان كالحق في الحياة والحرية والمساواة أمام القانون  (15).

وكقاعدة عامة يستمد حق الجنسية شروطه من القانون الداخلي الذي تضعه كل دولة فإذا ما توافرت في شخص معين الشروط المحددة بموجب القوانين الداخلية في دولة معينه يكتسب هذا الشخص الصفة الوطنية وبالتالي يكون له الحق في المأوى والعمل والتعليم وغير ذلك من الحقوق المدنية فضلا عن المساهمة في الحياة السياسية(16)

وتعتبر رابطة الجنسية الرابطة الأولى بل والوحيدة التي تربط الفرد بالقانون الدولي، وهناك ميل شديد لحماية حقوق الإنسان بمنحه الجنسية عن طريق الاتفاقيات الثنائية والمتعددة وعن طريق وضع النظام الخاص باللاجئين وعديمي الجنسية والأشخاص المتمتعين بالحماية الدبلوماسية، فالجنسية بناء على ذلك تعتبر صفة قانونية رئيسية لحياة الإنسان (17).

ولكن حق الإنسان بالجنسية لا يعني إن للشخص حق التمتع بجنسية أي دولة كما يشاء دون أن تصله بها رابطة كالولادة من أحد مواطنيها أو الإقامة في إقليمها لمدة معينة، فيحق للشخص الحصول على الجنسية في البلد الذي ولد فيه أو المقيم فيه لفترة طويلة يحددها القانون، أو تبعا لجنسية والديه أو أحدهما، وذلك وفقا لأحكام قوانين الجنسية في كل بلد، فالجنسية هي الرابطة القانونية والسياسية التي تعزز انتماء الشخص وولائه للدولة التي يحمل جنسيتها (18) .

وطالما إن للفرد الحق في التمتع بجنسية دولة ما فأنه يلزم أن يكون تمتعه بها طوال حياته التي تبتدئ بالميلاد فمن اللحظة التي يولد فيها الفرد يجب أن تكون له جنسية وهذا يتم إتباع احد النظامين الرئيسيين أما نظام حق الدم أو نظام حق الإقليم (19) .

ويعتبر هذا المبدأ من المبادئ العامة التي تقوم عليها السياسة التشريعية في مجال الجنسية وهو ما أوردته الاتفاقية الأوربية بشأن الجنسية لعام 1997 حيث تضمنت "حق الإنسان في أن تكون له جنسية منذ ولادته".

وبالمقابل قد يقع بعض الأشخاص في حالة يصطلح عليها اللاجنسية أو انعدام الجنسية، وتعتبر ظاهرة انعدام الجنسية ظاهرة نشاز في الحياة الدولية الخاصة للأفراد وهي تفضي إلى نتائج سلبية على حقوق الأفراد والتزاماتهم (20).

ثانيا : حق الإنسان في جنسية واحدة

أصبح حق الفرد في جنسية من المبادئ المقرة دولية ألا أن هذا الحق يجب أن لا يكون على حساب مصلحة الدولة التي ينتمي إليها أو على حساب الجماعة الدولية، ولا شك إن مصلحة الجماعة الدولية بصفة عامة ومصلحة الدولة بصفة خاصة تتنافى مع وجود فرد يتمتع بأكثر من جنسية فانتماء الفرد لأكثر من دولة يخل بسلامة توزيع الأفراد في المجتمع الدولي ويجعل من العسير رسم حدود شعب كل دول بطريقة واضحة(21).

ومن المبادئ العامة للجنسية هو أن يحمل الشخص جنسية واحدة وهذا ما يطلق عليه مبدأ وحدانية الجنسية أو أحادية الجنسية أي عدم جواز تعددها وهذا المبدأ يعمل في اتجاهين:

الأول: أن لا يجوز للفرد أن تكون له جنسية دولتين مختلفتين في نفس الوقت.

الثاني : أن لا يجوز أن يحمل الفرد جنسيتين لنفس الدولة احدهما أصلية والأخرى

مكتسبة (22)

وان تعدد الجنسيات ظاهرة غير مرغوب فيها في المجتمع الدولي لكونها تثير الكثير من الصعوبات والمشاكل للأفراد والدول على حد سواء، فالشخص لا يمكن أن يكون مواطنا صالحا لأكثر من دولة لتناقض المصالح بين هذه الدول ولكثرة الواجبات والتكاليف التي تفرض على الوطني كأداء الخدمة العسكرية ودفع الضرائب واحترام قوانين الدولة وكافة أنظمتها، فضلا عن صعوبة تعيين القانون الذي يحكم أحواله الشخصية إذا كانت له جنسيات متعددة (23).

وتتمثل أسباب تعدد الجنسية في اختلاف قواعد اكتساب الجنسية كأن يؤخذ بحق الدم من قبل دولة وبحق الإقليم في دولة أخرى فالمولود من رعايا الدولة الأولى في إقليم الثانية يكتسب جنسيتين الأولى على أساس الدم والثانية على أساس الإقليم وكذلك يحصل الازدواج بسبب الزواج كأن يحتفظ قانون جنسية المرأة المتزوجة من أجنبي لها بجنسيتها في الوقت ذاته يسبغ عليها قانون الزوج جنسيته(24).

وكذلك من أسباب تعدد الجنسية هي حالة التجنس فقد يتجنس شخص بجنسية دولة معينة ويبقى محتفظا بجنسيته فيصبح بمجرد دخوله في جنسية الدولة الثانية متعدد الجنسيات فضلا عن ذلك يترتب على التجنس تعدد جنسية زوجة المتجنس وأولاده الصغار (25).

أما وسائل معالجة هذه الظاهرة فتتم عن طريق الاتفاقيات الدولية والتشريعات الوطنية ومنها اتفاقية لاهاي لعام 1930 واتفاقية مونتيفيديو بين أمريكا الجنوبية والوسطى 1933والتي تضمنت عدة مبادئ وأحكام متعلقة بمكافحة ازدواج الجنسية

وكذلك ما أثمرت عنه جهود جامعة الدول العربية في هذا المجال وذلك بإقرار مجلس الجامعة لاتفاقيتين متعلقتين بهذا الشأن العامي (1952و1954) (26).

كما ويهتم الفقه والقضاء الوطني والدولي بتقديم الحلول المناسبة لهذه الظاهرة ويكاد ينعقد الإجماع على ما يسمى "بالجنسية الفعلية" وهي الجنسية التي يمارسها الفرد فعلا أو يعيش في كنفها وقد أخذت بمبدأ ترجيح الجنسية الفعلية محكمة التحكيم الإيرانية - الأمريكية في قضية (ناصر الأصفهاني) في حكمها الصادر في 29 آذار/ (27) 1983.

كما أخذت محكمة التحكيم الدولية الدائمة بلاهاي بفكرة الجنسية الفعلية بحكمها الصادر في 3/ أيار/ 1912 في قضية "رافائيل كانيفير" وسارت على هذا النهج محكمة العدل الدولية في قضية (نوتباوم) بموجب قرارها الصادر في 6/ نيسان/ (28) 1955.

ولعل أحد الأساليب في مكافحة ازدواج الجنسية هو أن تجبر الدولة كل ذي جنسيات متعددة على اختيار احدها خلال مدة معينة وان يترتب على اختيار أحدها فقده للجنسيات الأخرى (29).

أما قانون الجنسية العراقية رقم 26 لسنة 2006 النافذ وبموجب أحكام المادة (101) فانه يفضي إلى حصول هذه الظاهرة حيث يسمح للعراقي الذي يكتسب جنسية أجنبية أن يحتفظ بجنسيته العراقية ما لم يعلن تخليه تحريريا عنها.

ثالثا : حق الإنسان في تغيير جنسيته والاحتفاظ بها

أصبح من الأصول المثالية في مادة الجنسية الاعتراف للفرد بالحق في تغيير جنسيته الأصلية وكسب جنسية دولة أخرى طبقا لما يراه ملائما لمصالحه، فلو حرم الفرد من هذا الحق لترتب على ذلك تعدد جنسيته إذا ما اكتسب جنسية دولة أخرى ولم يكن قانونها يشترط لتمام هذا الكسب أن يفقد جنسيته الأصلية  (30), فقديما كان ينظر إلى الجنسية على أنها رابطة أبدية بحيث لا يستطيع الفرد التحلل منها طيلة حياته.

وقد أخذت فكرة الولاء الدائم تضعف في العهود الأخيرة بسبب انتشار مبدأ الحرية في العالم وظهور الدول المفتقرة إلى العنصر البشري في العالم الجديد فأخذت فكرة حرية تغيير الجنسية تتبلور في الفقه وفي المؤتمرات الدولية وفي تشريعات الدول المختلفة، كما تأكد هذا الحق في المادة (15) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. إلا إن حرية تخلي الفرد عن جنسيته في الوقت الحاضر من اجل اكتساب جنسية أخرى ليست مطلقة فتشترط بعض التشريعات شروط معينة حتى يتمكن الفرد من تغيير جنسيته كالمادة (11) من نظام الجنسية السعودية وكذلك المادة (18) من قانون الجنسية الجزائرية وكذلك قانون الجنسية الأردنية رقم 6 لسنة 1954 فالمادة (15) لا تجيز للأردني التخلي عن جنسيته الأردنية ألا بعد الحصول على موافقة مجلس الوزراء(31).

وتشترط الدول هذه الشروط خوفا منها على كيانها من التهديد، إذ إن فتح باب التنازل عن الجنسية على مصراعيه يهدد كيان الدولة فقد تجد نفسها فقدت عددا كبيرا من أبنائها بصورة سليمة وفجائية، كما قد يكون للدولة الأصل في ذمة الفرد ديون كالخدمة العسكرية والضرائب وبعدم إخضاعه لهذه الشروط يؤدي إلى تهرب الفرد من تأديتها (32).

بينما ذهبت قوانين دول أخرى إلى عدم تعليق الخروج من الجنسية الوطنية والدخول في جنسية دولة أجنبية على إي شرط ولم يرتب على ذلك إي أثر سوى زوال الجنسية الوطنية منه خوفا من الوقوع في حالة ازدواج الجنسية وهذا ما سار عليه قانون الجنسية العراقية الملغي لسنة 1963 في المادة (11) والفصل (30) من قانون الجنسية التونسية لسنة 1963.

وكما إن للفرد الحق في تغيير جنسيته كذلك له الحق في الاحتفاظ بها كونها من اخطر الحقوق التي يتمتع بها الفرد لأن الجنسية هي مناط التمتع بمعظم الحقوق والحريات الأخرى وان حرمان أو تجريد الإنسان من هذا الحق يعتبر في الحقيقة إهدار لكرامته وموتا مدنيا له(33).

فلكل إنسان حق الاحتفاظ بجنسيته ولا يصح أن تفرض عليه جنسية غيرها كما لا يجوز حرمانه منها لأن حرمان الإنسان من جنسيته لا يتماشى بطبيعة الحال مع القاعدة التي تقضي بأن يكون لكل شخص جنسية فلا يفقد الفرد جنسيته إلا مختارة ولا يحرم منها تحكم ما للحرمان من الجنسية من أثار سلبية أهمها حالة اللاجنسية ولذلك نصت المادة (15/2) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه لا يجوز حرمان إنسان من جنسيته دون مسوغ قانوني (34).

ومن الجدير بالذكر إن هذا الإعلان لم يجد بدا من الاعتراف بحق الدولة في تجريد الوطني من جنسيته إذا كانت هناك مبررات قوية لذلك فاقتصر النص أعلاه على عدم جواز حرمان شخص من جنسيته تعسفا والمعنى المخالف للكلام يقضي بجواز تجريد الوطني من جنسيته في حال توافر أسباب قوية ينص عليها القانون الداخلي لكل دولة بشرط ألا يكون هذا الإجراء تعسفيا، وبالمقابل يجوز للدولة أن تجبر الفرد على التخلي عن الجنسيات المتعددة التي يحملها ويحتفظ بأحدهما فمثل هذا الإجبار لا يتعارض مع الاحتفاظ طالما كان وسيلة لتفادي حالة ازدواج الجنسية وقد أخذ بمثل هذا الإجراء قانون الجنسية البريطانية لعام 1948 وقانون الجنسية الفرنسية لعام 1973 ويدخل ضمن هذا الاتجاه حرمان الزوجة المتزوجة من أجنبي من جنسيتها الوطنية إذا دخلت في جنسية زوجها حتى لا تزدوج جنسيتها (35) .

هذا وتعمل كل الدول على أخذ هذه المبادئ المثالية بعين الاعتبار واحترامها عند تشريعها لقواعد الجنسية من دون أن تكون ملزمة بها التزاما قانونيا عدا ما تفرضه عليها التزاماتها الأدبية نحو المجتمع الدولي.

_____________

1- سعيد يوسف البستاني. الجنسية القومية في تشريعات الدول العربية، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت: 2003 ، ص112.

2- غالب علي الداودي. القانون الدولي الخاص (دراسة مقارنة)، ط1، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان: 2011، ص27.

3- حسن الهداوي. الجنسية ومركز الأجانب وأحكامها في القانون العراقي، ط4، بدون دار نشر، بدون مكان نشر، بدون سنة طبع ، ص27.

4- عكاشة محمد عبد العال. القانون الدولي الخاص (الجنسية المصرية، تنازع الاختصاص القضائي، تنفيذ الأحكام الأجنبية)، دار الجامعة الجديدة للنشر، الإسكندرية: 1996، ص74.

5- سعيد يوسف البستاني. مصدر سابق، ص114.      

6-غالب الداودي. مصدر سابق، ص29.

7- عكاشة محمد عبد العال، مصدر سابق، ص75.

8- فؤاد عبد المنعم رياض الجنسية ومركز الأجانب في القانون المقارن وفي تشريع الجنسية المصرية الجديدة، دار النهضة العربية، القاهرة: 1979، ص35.

9- حسن الهداوي. مصدر سابق، ص27.

10- سعيد يوسف البستاني. مصدر سابق، ص117.

11- فؤاد عبد المنعم رياض. مصدر سابق، ص36.

12- وقد اخذ بهذا التوجه القضاء الفرنسي، ففي قضية (mathreuulman) حيث رفضت محكمة السين الفرنسية بحكمها الصادر بتاريخ  1915/7/13 الاعتراف بالجنسية البرازيلية المفروضة بمقتضى القانون الصادر في البرازيل بتاريخ 1889/12/4 ، والذي بموجبه تم إضفاء الجنسية الوطنية البرازيلية على كافة الأشخاص الذين كانوا موجودين في يوم 1889/11/15 وانتهت المحكمة إلى اعتبار هذه الأحكام شاذة في مفهوم الفضاء الدولي. أشار إليه هشام خالد. إثبات الجنسية، بحث منشور في مجلة المحاماة المصرية، العددان 7و8 في أيلول وتشرين الأول، 1990، ص63.

13- غالب علي الداودي. مصدر سابق، ص 31.

14- حسن الهداوي. مصدر سابق، ص 29.

15- فؤاد عبد المنعم رياض. مصدر سابق، ص28.

16-  محمد اللافي. الوجيز في القانون الدولي الخاص الليبي (دراسة مقارنة)، مجمع الفاتح للجامعات، بدون مكان نشر، 1989 ، ص80.

17-Lauterpact. International Law and Human Rights. London: 1963،P.347348-.

18- محمد نعيم علوه. موسوعة القانون الدولي العام (حقوق الإنسان)، ج8، ط1، مركز الشرق الأوسط الثقافي بيروت: 2012، ص 343.

19- حسن الهداوي. مصدر سابق، ص27.

20- عبد الرسول عبد الرضا الاسدي. القانون الدولي الخاص (الجنسية، الموطن، مركز الأجانب، التنازع الدولي للقوانين، تنازع الاختصاص القضائي الدولي)، ط1، مكتبة السنهوري، بغداد: 2013 ، ص35.

21- فؤاد عبد المنعم رياض. مصدر سابق، ص 31.

22- محمد السيد عرفة. القانون الدولي الخاص، ط1، دار الفكر والقانون للنشر والتوزيع، المنصورة: 2013 ، ص46.

23- ممدوح عبد الكريم حافظ. القانون الدولي الخاص وفق القانونين العراقي والمقارن، ط2، دار الحرية للطباعة بغداد: 1977 ص44.

24-  حسن الهداوي. مصدر سابق، ص36.

25- عباس العبودي. شرح أحكام قانون الجنسية العراقية رقم 26 لسنة 2006 والموطن ومركز الأجانب (دراسة مقارنة في نطاق القانون الدولي الخاص)، ط1، مكتبة السنهوري، بغداد: 2012، ص153.

27- غالب علي الداودي. مصدر سابق، ص40.

28- محمد السيد عرفة. مصدر سابق، ص 50.

29- شاكر ناصر حيدر. مبادئ أساسية في الجنسية (المادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بحث مقارن القانون العراقي والقانون الأمريكي). شركة الأوقاف للطبع والنشر، بغداد:1965، ص20. حسن الهداوي وغالب على الداودي. مصدر سابق، ص37.

30- محمد السيد عرفة. مصدر سابق، ص53.

31- غالب علي الداودي. مصدر سابق، ص 44.

32- حسن الهداوي. مصدر سابق، ص35.

33- ممدوح عبد الكريم حافظ. مصدر سابق، ص45.

34- حسن الهداوي وغالب الداودي. القانون الدولي الخاص، ج1، ط1، مطبعة التعليم العالي، الموصل: 1988 ، ص38.

35- عبد الرسول عبد الرضا الاسدي. مصدر سابق، ص37.

 




هو قانون متميز يطبق على الاشخاص الخاصة التي ترتبط بينهما علاقات ذات طابع دولي فالقانون الدولي الخاص هو قانون متميز ،وتميزه ينبع من أنه لا يعالج سوى المشاكل المترتبة على الطابع الدولي لتلك العلاقة تاركا تنظيمها الموضوعي لأحد الدول التي ترتبط بها وهو قانون يطبق على الاشخاص الخاصة ،وهذا ما يميزه عن القانون الدولي العام الذي يطبق على الدول والمنظمات الدولية. وهؤلاء الاشخاص يرتبطون فيما بينهم بعلاقة ذات طابع دولي . والعلاقة ذات الطابع الدولي هي العلاقة التي ترتبط من خلال عناصرها بأكثر من دولة ،وبالتالي بأكثر من نظام قانوني .فعلى سبيل المثال عقد الزواج المبرم بين عراقي وفرنسية هو علاقة ذات طابع دولي لأنها ترتبط بالعراق عن طريق جنسية الزوج، وبدولة فرنسا عن طريق جنسية الزوجة.





هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم كيفية مباشرة السلطة التنفيذية في الدولة لوظيفتها الادارية وهو ينظم العديد من المسائل كتشكيل الجهاز الاداري للدولة (الوزارات والمصالح الحكومية) وينظم علاقة الحكومة المركزية بالإدارات والهيآت الاقليمية (كالمحافظات والمجالس البلدية) كما انه يبين كيفية الفصل في المنازعات التي تنشأ بين الدولة وبين الافراد وجهة القضاء التي تختص بها .



وهو مجموعة القواعد القانونية التي تتضمن تعريف الأفعال المجرّمة وتقسيمها لمخالفات وجنح وجرائم ووضع العقوبات المفروضة على الأفراد في حال مخالفتهم للقوانين والأنظمة والأخلاق والآداب العامة. ويتبع هذا القانون قانون الإجراءات الجزائية الذي ينظم كيفية البدء بالدعوى العامة وطرق التحقيق الشُرطي والقضائي لمعرفة الجناة واتهامهم وضمان حقوق الدفاع عن المتهمين بكل مراحل التحقيق والحكم , وينقسم الى قسمين عام وخاص .
القسم العام يتناول تحديد الاركان العامة للجريمة وتقسيماتها الى جنايات وجنح ومخالفات وكما يتناول العقوبة وكيفية توقيعها وحالات تعددها وسقوطها والتخفيف او الاعفاء منها . القسم الخاص يتناول كل جريمة على حدة مبيناً العقاب المقرر لها .