المدن التجارية: وهناك مدن تجارية قديمة، ظهرت بعد المدن الأولى بزمن طويل. ولكن نشأتها المدنية ارتبطت بحرفة التجارة وليست الزراعة المروية. فالنشاط العمراني وتزايد مطالب السكان في المراكز الحضرية على الحاجات الضرورية كالملبس والمأكـل والمأوى، بجانب الحاجات الكماليـة كـالعطور والتوابل والأحجار الكريمة والمعادن النفيسة، والبخور والأخشاب والحرير، أدت كلها مجتمعة، لقيام هذه المدن التجارية بدور الوسيط التجاري بين مدن العالم القديم. لذلك كانت تسعى دائماً لاستغلال موقعها الجغرافي الفعال في ترويج تجارتها وزيادة ثروتها.

أمثلة هذه المدن مدينة جبيل Byblos على ساحل الشام الليفانت، حيث قامت بجمع ثروتها من تجارة الأخشاب التي كانت تجلبها من جبال لبنـان، وتبيعها إلى بلدان شرقي البحر المتوسط، وخصوصاً مصر؛ لصناعة السفن والأثاث. ثم تبعتها المدن الفينيقية كمدينتي صور وصيدا. فقد اشتهرت هاتان المدينتان بتجارتهما الواسعة وبنفوذهمـا السياسي في العالم القديم. بالإضافة إلى قيـام مـدن أخـرى في حوض ومن

المتوسط، مثل مدينة طروادة على مضيق الدردنيل، والتي امتدت حملاتها التجارية إلى وسط أوروبا. وكذلك مدينتا كنوسوس Knosses وفياستوس Phaestos اللتان تمثلان أهم المراكز الحضرية في جزيرة كريت، حيث الحضارة المينوية Minoan التي ازدهرت في النصف الأول من الألف الثانية قبل الميلاد.

وإذا كانت هذه المدن التجارية، قد نشأت على سواحل البحر المتوسط وجـزره، فهناك مدن أخرى قامت على أطراف الصحراء تعرف بمدن القوافـل. وكانت تقـوم كحلقة وصل بين مدن الساحل الليفانت (بلاد الشام) وبلدان الشرق الأوسط. ومن أمثلتها مدينة حلب Aleppo ودمشق وتدمر Palmyra والبترا، وكانت تعتمـد بجانب تجارتها على خصوبة موضعها، حيث كانت تحتل كل منها بقعة زراعية، تعتمد عليها وتمدها بالغذاء والمواد الأولية كسهل الغوطة لدمشق بعكس مدن الساحل التي كانت تعتمد على التجارة فقط.

وسوف نتناول بعض الأمثلة لهذه المدن القديمة؛ لإعطاء فكرة عن بداية نشأتها، وحجمها وهندستها وتركيبها الداخلي، والمنطقة المبنيـة الـتي كانت تشغلها إلى غير ذلك.