أقرأ أيضاً
التاريخ: 5/10/2022
1904
التاريخ: 12-06-2015
2495
التاريخ: 12-06-2015
1421
التاريخ: 2023-07-26
1768
|
قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ
أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6)
خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ
وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة
: 6، 7] .
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} يعني
قسما خاصا ممن ينتحل الكفر والمعهودين عند الرسول أو هم مطلق الطواغيت الذين يعلم
اللّه انهم من تمردهم يموتون على التمادي على ضلال الشرك والكفر باللّه ورسوله
وكتابه وما جاءا به في دعوة الحق مع الحجج القيمة والدلالة الواضحة. هؤلاء {سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا
يُؤْمِنُونَ} ولا يختارون الإيمان لأنهم بطغيانهم وانهماكهم
بضلال الكفر قد ارتجوا قلوبهم وأسماعهم وأحكموا سدها عن ان يلجها شيء من دعوة
الإيمان ودلائل آياتها ولا شيء من نور الحق وشافي البيان فاستحقوا بذلك حرمانهم
من توفيق اللّه وتسديده لهم. وإن توفيقه وتسديده جلت آلاؤه من أقوى ما يعين العبد
في اختياره للطاعة والإيمان إذ يرفع عنه من طريقهما ما يعرقله ويزل اقدامه من
نزغات الشيطان وهفوات الهوى وطموح النفس الأمارة إلى شهواتها ونزغاتها الردية ومألوفاتها.
فكان حرمان المتمردين من التوفيق والتسديد بمنزلة الختم على ما سدوه بسوء اختيارهم
وطغيانهم. ولأجل ان ذلك الحرمان من اللّه لخروجهم عن الأهلية نسب الختم الذي سمي
به إلى اللّه عزّ وجل لأنّ اللّه هو الذي بيده أمر التوفيق منحة وحرمانا.
وعلى هذا قال جل اسمه {خَتَمَ اللَّهُ
عَلى قُلُوبِهِمْ وعَلى سَمْعِهِمْ. وعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ} من
التمرد حيث استحبوا العمى على الهدى فلا يبصرون أنوار الحق والعرفان مع إشراقها
كالشمس راد الضحى {وَلَهُمْ} بما
جنوه من التمرد في الكفر والطغيان ومحادة اللّه ورسوله {عَذابٌ عَظِيمٌ} وغير خفي ان مذهب العدلية من
الإمامية والمعتزلة هو انه يمتنع على جلال اللّه القدوس الكامل الغني أن يمنع
الإنسان بالإلجاء عن قبول الإيمان أو يلجئه إلى الكفر أو يكون هو الخالق للكفر فيه
فضلا عن ان يلومه ويعاقبه مع ذلك عليه. فإنّ ذلك كله قبيح عقلا كما هو من البديهيات
الفطرية. ومن البديهي ان القبيح ممتنع الصدور من اللّه الغني القدوس. وقد ذكرنا في
أخريات شواهد المقام الثاني من الفصل الرابع في المقدمة ان اللّه عزّ وجل قد مجد
قدسه في القرآن الكريم بالنزاهة عما هو دون ذلك في القبح ووبخ الناس على أعمال
السوء. ولكن ابن المنير في تعليقته على الكشاف تحامل على الزمخشري في هذا
المقام وأورد لمذهبه وجوها طالما لهج بها الأشاعرة «أولها»
ان مذهب العدلية في المسألة مخالف لدليل العقل على وحدانية اللّه فإن مقتضاه ان لا
حادث إلا بقدرة اللّه «و يدفعه» ان مسألة القدرة غير مسألة التوحيد وغاية ما يقال
في قدرة اللّه انها لا تقصر ولا تضعف عن الممكن وإن صار لقبحه ممتنع الصدور منه
لجلال شأنه وقدسه وكماله وغناه. وليس مقتضى دليل العقل على الوحدانية ان يكون
الزنا واللواط والكفر ومنع الكافرين عن الإيمان وأمثالها من القبائح تقع بفعل
اللّه وخلقه وقدرته.
وأما قولهم ان نسبة الفاعلية للناس وإيجادهم لأفعالهم وخلقهم لها يقضي
بالشرك والإشراك مع اللّه في صفته وهو خلاف الوحدانية والتوحيد. فهو مردود بأن
التوحيد الواجب في الإيمان هو توحيد اللّه ونفي الشريك له في الإلهية وما يعود
إليها. وأما في غير ذلك فإن القرآن الكريم نفسه قد شرّك بين اللّه وعباده في نوع
صفة الحياة والعلم والرحمة والرأفة والخلق وغير ذلك وإن كانت صفات اللّه ممتازة عن
نوعها بكماله ومميزاتها «ثانيها» دليل
النقل كقوله تعالى {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام
: 102]. و{هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} [فاطر
: 3] . ويرده ان ابن المنير ومن يحتج بهذا كأنهم لم يقرءوا ولم يسمعوا من
سورة العنكبوت قول ابراهيم خليل اللّه لقومه {وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا} [العنكبوت : 17]. وقول
اللّه لعيسى كما في سورة المائدة {وَإِذْ
تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ} [المائدة : 110]ِ.
وقول عيسى رسول اللّه كما في سورة آل عمران { أَنِّي
أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ} [آل عمران :
49]. وقوله تعالى من هذا الباب في سورة المؤمنون {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون :
14] . ولماذا لم يلتفتوا من ذلك إلى أن الخلق المقصور على اللّه إنما هو خلق
الإله وإيجاده مما هو من أعمال الإلهية. وعلى ذلك جاء قوله تعالى في سورة الرعد {أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ
فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد
: 16] «ثالثها» انه وان قبح صدور بعض
الأفعال من الناس بحسب الشاهد لكن الحكم بقبح صدورها من اللّه قياس للغائب على
الشاهد وهو باطل. ويردهم أولا انه ما اسمج
التعبير عن اللّه وشؤونه بالغائب. وهو على كل شيء شهيد. وهو أقرب إليكم من حبل
الوريد «وثانيا» ان الحكم على بعض افعال
الناس بالقبح ليس من الحواس الخمس لكي يقال انّ الحواس لا تدرك اللّه. وان الناس
ليعلمون ان العدلية يعنونون هذه المسألة ومحل نزاعها بالحسن والقبح العقليين
وينادون بأن الحاكم بالحسن أو القبح إنما هو العقل بنفسه وإدراكه من دون مداخلة
للحس أو وجود الفعل في الخارج. وليت شعري هل عند العقل شاهد وغائب «وثالثا» ان حكم العقل الفطري بقبح صدور
القبيح من فاعله انما هو بالنظر الى عقل الفاعل وجهة كماله وعلمه بالفعل وبجهة
قبحه ولذا لا يحكم بالقبح الفاعلي على الفاعل من الأطفال والمجانين الذين لا
يميزون ولا على الغافل عن الفعل او جهة قبحه. وان اللّه هو الكامل العليم الخبير
فهو جل قدسه أول من ينظر العقل إلى فعله ويحكم بامتناع صدور القبيح منه جل شأنه «رابعها» انه يقبح من الإنسان أن يمكن عبده من
القبائح والفواحش بمرأى منه ومسمع ثم يعاقبه على ذلك مع أن القدرة التي يفعل بها
الناس الفواحش هي من اللّه على علم منه بمن سيفعل الفواحش منهم (ويردهم) ان
التمكين القبيح هو ما كان مختصا بفعل الفواحش ولكن اللّه عز وجل أعطى القوى
للإنسان ليتمتع بها في المباح والراجح نعمة منه لإبقاء نوعه وانتظام اجتماعه. غاية
الأمر ان الإنسان يتمكن من أن يعملها في المحرم الذي أرشده إلى تركه بالعقل وزجر
الأنبياء ونواهيه في وحيه وإنذارهم لهم بالوعيد. فهذه القوى نعمة مسدودة لا مساس
لها بما ذكروه من المثال.
ولم يخلق اللّه قوة مختصة بأعمال الشر لكي تكون نقضا على ما نقول به من
مسألة القبح «خامسها» أن ما يكون ظلما
قبيحا إنما هو التصرف في ملك الغير بغير إذنه واللّه مالك العباد وكل شيء.
فكل ما يفعله بالعباد ليس بظلم. ويرده أولا
ان العقل لا يتوقف في احكامه وموضوعاتها على ما يذكر في بعض المتون الفقهية أو
معاجم اللغة في معنى الظلم تساهلا أو قصورا أو اقتصارا على محل الحاجة في البيان.
فإن كل ذي شعور إذا رأى مالك العبد قد سدّ فمه ومنعه بالقهر عن شرب الماء واستمرّ
على المنع وهو يقول له اشرب الماء اشرب حتى إذا أضرّ به العطش وهو ممنوع عن الشرب
استشاط مالكه غضبا عليه وصار يعنفه وينكل به لأنه لم يشرب الماء. وكذا لو فعل مثل
ذلك فيما يملكه من الحيوان. فإن الرائي لذلك الحال وكل من علم به يحكم بالبداهة ان
العبد والحيوان المذكورين مظلومان. وإن المالك المذكور ظالم قد فعل قبيحا. وثانيا. ان مقتضى ما زعموه انّ الأنبياء والرسل
الذين أفنوا أعمارهم في طاعة اللّه وعبادته والدعوة اليه وصبروا في ذلك على
الشدائد هؤلاء الكرام يجوز أن يعذبهم اللّه يوم القيامة في جهنم خالدين فيها بعذاب
إبليس وفرعون بزعمهم وإنه ليس بظلم ولا قبيح فإنهم عبيد اللّه وملكه «سادسها» أنه يجوز ان تكون هناك حكمة تسوغ ان يلجئ
اللّه عباده على الكفر وأعمال الشر ثم يعاقبهم على ذلك فلا سبيل للعقل مع هذا
الجواز إلى حكمه بقبح هذا الإلجاء وهذا العقاب (ويردهم) ان العقل يحكم بالقبح
والامتناع في هذا وأمثاله لأنه يجد ان لا حكمة ترفع قبحه وامتناعه من اللّه ولا
يصلح لأن ترفع حكمة قبحه. ولو حاول أحد أن يد على العقل باب هذا الوجدان كان
ذلك منه سفسطة سخيفة تسد على العقل باب احكامه وذلك باطل بالضرورة. على ان هذا
الاحتمال والتجويز للحكمة يرد عليهم بنحو لا مخلص لهم منه أبدا فإنهم بإنكارهم
للقبح العقلي وامتناع صدور القبيح من اللّه قد سدّوا على أنفسهم باب العلم بصدق النبوات
وبأن اللّه لا يظهر المعجز على يد الكاذب وبصدق الكتب الإلهية وما فيها من تقديس
اللّه وأمر القيامة والنعيم والعذاب والجنة والنار فإن قالوا إنا نعرف من عادة
اللّه انه لا يكذب جلّ وعلا ولا يظهر المعجز على يد الكاذب. قلنا عليهم أولا لماذا لا تجوزون ان تكون هناك حكمة تسوغ
مخالفة العادة وإذ قد عزلتم العقل في هذا المقام لم يكن لكم أن تقولوا ان العقل
يجد أن لا حكمة تجوز مخالفة العادة. مع ان مخالفة العادة ليس فيها محذور لا تعارضه
حكمة بخلاف القبيح كما قلناه «وثانيا» ان
دعوى العلم بعادة اللّه لا تليق إلا من قديم أزلي مطلع على جميع اعمال اللّه منذ
الأزل نفيا وثبوتا لكي يعرف ما صار عادة للّه وما لم يصر. ومن ذا الذي يزعم انه
ذلك الأزلي المطلع على جميع أعمال اللّه منذ الأزل . وما هو المانع من مخالفة
العادة حتى مع عدم الحكمة.
سبحانك اللهم ما أجلى قدسك وكمالك للعقول التي وهبتها لعبادك وأقمت
باحكامها عليهم الحجة.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|