أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-2-2017
1831
التاريخ: 9-7-2019
2943
التاريخ: 12-7-2019
1917
التاريخ: 7-2-2017
2278
|
غدر اليهود والإغتيالات الهادفة
مع عقائد اليهود وآثارها :
قبل أن نبدأ بالحديث عن العمليات العسكرية التي جرت بين المسلمين واليهود فيما بين بدر وأحد ، نود أن نشير باختصار إلى بعض عقائد اليهود ، ثم إلى بعض ما يرتبط بمواقفهم وخططهم ، ومؤامراتهم على الإسلام ، وعلى المسلمين ، فنقول :
١ ـ عنصرية اليهود :
اليهود شعب عنصري ، مؤمن بتفوق عنصره على البشر كافة. والناس عندهم لا قيمة لهم ولا اعتبار ، وإنما خلقوا لخدمة الإسرائيليين وحسب. فكل الناس إذا يجب أن يكونوا في خدمتهم ، وتحت سلطتهم ، كما يقول لهم تلمودهم.
فقد جاء في التلمود ما ملخصه : أن الإسرائيلي معتبر عند الله أكثر من الملائكة.
وأن اليهودي جزء من الله.
ومن ضرب يهوديا فكأنه ضرب العزة الإلهية.
والشعب المختار هم اليهود فقط ، وأما باقي الشعوب فهم حيوانات.
ويعتبر اليهود غير اليهود أعداء لهم ، ولا يجيز التلمود أن يشفق اليهود على أعدائهم.
ويلزم التلمود الإسرائيليين بأن يكونوا دنسين مع الدنسين ، ويمنع من تحية غير اليهودي إلا أن يخشوا ضررهم ، ولا يجيزون الصدقة على غير اليهودي ، ويجوز لهم سرقة ماله ، وغشه ، كما أن على الأمميين أن يعملوا ، ولليهود أن يأخذوا نتاج هذا العمل.
ويجيز التلمود التعدي على عرض الأجنبي ، لأن المرأة إن لم تكن يهودية فهي كالبهيمة.
ولليهودي الحق في اغتصاب غير اليهوديات.
ولا يجوز لليهودي الشفقة على غيره.
ويحرم على اليهودي أن ينجي غيره (١).
إلى آخر ما هنالك ، مما لا يمكن الإحاطة به في هذه المناسبة.
نعم ، هذه هي نظرة اليهود لغيرهم ، وهذه هي حقيقة ما يبيتونه تجاه كل من هو غير يهودي.
وقد نعى الله تعالى عليهم هذه النظرة السيئة ، فقال : (وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ)(٢).
فهو يؤكد لهم : أنهم كغيرهم من الخلق ، يعذبهم الله بذنوبهم ، ولا فضل لهم على غيرهم ؛ لأن التفاضل إنما هو بالتقوى والعمل الصالح.
٢ ـ اليهود وحب الحياة الدنيا :
واليهودي أيضا يؤمن بالمادة ، ويرتبط بها بكل وجوده وطاقاته ، فهو يحب المال وجمعه حبا جما ، وهو يعيش من أجله ، ويعمل في سبيله بكل ما أوتي من قوة وحول ؛ فهو من أجل المادة ولد ، وفي سبيلها عاش ويعيش ، وعلى حبها سوف يموت. ولأجل ذلك فلا ينبغي أن نستغرب إذا رأينا : أن ارتباطهم بالناس مصلحي ونفعي ، وأن المال واللذة هما المنطق الوحيد لهم في كل موقف ، والمقياس للحق وللباطل عندهم.
ولا يجب أن نعجب أيضا إذا رأينا : أن الشيوعية ، وهي التفكير الداعي إلى اعتبار المادة هي أساس الكون والحياة ، وهي المحرك ، والمنطلق ، وهي الغاية ، وإليها ستكون النهاية ، وهي المعيار والمقياس الذي لا بد أن يهيمن على كل شؤون الحياة والإنسان والكون ، وكل نظمه وقوانينه ، وعلاقاته.
نعم ، لا عجب إذا رأينا : أن هذا التفكير يبدأ من اليهود ، وإليهم ينتهي (3).
٣ ـ أكثر اليهود لا يؤمنون بالبعث :
واليهودي يكره الموت ، وهو يتمنى لو يعمر ألف سنة ، قال تعالى : (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ ، وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ)(4).
ولعل سر ذلك يعود إلى أن توراة اليهود المحرفة الحاضرة لم تشر بشكل واضح إلى البعث والقيامة ، وإنما ورد حديث عن الأرض السفلى ، والجب التي يهوى إليها العصاة ، ولا يعودون (وإن الذي ينزل إلى الهاوية لا يصعد).
ويقول البعض : إن الكتاب المقدس نفسه يعد الحياة الدنيا وحدها هي عالم الإنسان ، وليس هناك اعتقاد بعد ذلك في بعث وجنة أو نار ؛ وثوابهم وعقابهم مقصوران على الحياة الدنيا.
وعلى العموم ، فإن فكرة البعث لم تجد لها أرضا خصبة لدى اليهود ، وقد حاول بعض طائفة الفريسيين القول بها ، ولكن هذه المحاولة لقيت معارضة شديدة ، أما باقي الفرق اليهودية ، فلم تعرف عنها شيئا.
وإذا كان الإنسان لا يعتقد بالبعث ، ويؤمن بأن الجزاء ليس إلا في هذه الدنيا ، فمن الطبيعي أن يسعى إلى المنكرات واقتراف الآثام (5).
ملاحظة : هذا ، وقد تفاقم فيهم حبهم للدنيا حتى بلغ بهم الحرص عليها : أن حرمهم من الاستفادة من الأموال التي يجمعونها ، فتجد الكثيرين منهم يعيشون في دناءة من العيش وفيهم شح كبير ، ولؤم وبخل ظاهر ، وخسة لا يحسدون عليها. هذا إلى جانب إهمال الكثير منهم جانب النظافة المطلوبة ، كما يظهر لمن سبر أحوالهم ، وعاش في بيئتهم.
ويعتقد اليهود : أن الله سيغفر لهم كل ما يرتكبونه من جرائم وعظائم. وهذا ما يشجعهم على الفساد والانحراف ، والإمعان في المنكرات والجرائم.
وقد رد الله تعالى على عقيدتهم هذه (6) ، حينما قال : (وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ، فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا ما فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ)(7).
٤ ـ جبن اليهود :
وبعد ما تقدم ، وبعد أن كان اليهودي ضعيف الاعتقاد أو قليل الاهتمام بالآخرة ، فإن من الطبيعي أن يكون اليهود شعبا جبانا ، لأنه يخشى الموت ، ويرهب الأخطار ، لأنه يرى بالموت نهايته الحقيقية (8).
ومن طبع الجبان أن يتعامل مع خصومه بأساليب المكر والخداع ، والغدر والخيانة بالدرجة الأولى.
من أسباب عداء اليهود للإسلام :
ونشير هنا إلى أننا نلاحظ : أن اليهود بدأوا يحاربون الإسلام من أول يوم ظهوره ، وكانوا وما زالوا يحقدون عليه ، رغم أنهم كانوا أول من بشر بظهور النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» ، مستندين في بشاراتهم تلك إلى الدلائل القاطعة التي يجدونها في كتبهم.
ونستطيع أن نذكر من أسباب عدائهم للمسلمين وللإسلام :
ألف : تشريعات تخيفهم :
إنهم قد وجدوا أن هذا النبي يدعو الناس إلى دين هو نظام كامل وشامل للحياة ؛ وأن هذا الدين قد جاء بنظام اقتصادي متكامل ومتوازن ؛ واهتم بمحاربة الربا ، والاحتكار ، وجميع أنواع وأشكال استغلال إنسان لإنسان آخر ؛ وجعل في أموال الناس حقا معلوما للسائل والمحروم ، فلم ينسجم ذلك مع أطماعهم ، ومع ما ألفوه وأحبوه ، بل رأوه يتنافى مع تلك الأطماع ومع أهدافهم ومصالحهم ، ومع نظرتهم للكون ، وللحياة ، والإنسان.
ب : الإسلام يزداد قوة :
والذي زاد من حنقهم وحقدهم : أنهم كانوا يأملون أن يتم القضاء على هذا الدين من قبل قومه القرشيين ، ومن معهم من ذؤبان العرب ، دون أن يكلفهم ذلك أية خسائر ؛ خصوصا في الأرواح ، فرضوا بالمعاهدة التي سلف ذكرها. ولكن فألهم قد خاب ، فها هو الإسلام يزداد قوة ، واتساعا ونفوذا ، يوما عن يوم. وها هو يسجل في بدر العظمى أروع البطولات ، وأعظم الانتصارات ، فلم يعد يقر لهم قرار ، أو يطيب لهم عيش ، إذ كان لا بد ـ بنظرهم ـ من القضاء على هذا الدين قبل أن يعظم خطره ويكتسح المنطقة ، ويضري بهم إعصاره الهادر.
ج : يقظة المسلمين :
وزاد في حنقهم وقلقهم : أنهم رأوا النبي «صلى الله عليه وآله» والمسلمين معه ، كما أنهم لا يخدعون ، ولا يؤخذون بالمكر والحيلة ، كذلك هم لا يستسلمون للضغوط ، ولا تثنيهم المصاعب والمشقات مهما عظمت. وكلما زاد الإسلام اتساعا كلما زاد الطموح لدى المسلمين ، والضعف لدى خصومهم ، إذا ، فلا بد من اهتبال الفرصة ، ومناهضة هذا الدين ، والقضاء عليه بالسرعة الممكنة.
د : الجيران .. الأعداء :
ويقول الجاحظ : «إن اليهود كانوا جيران المسلمين بيثرب وغيرها ؛ وعداوة الجيران شبيهة بعداوة الأقارب ، في شدة التمكن وثبات الحقد ، وإنما يعادي الإنسان من يعرف ، ويميل على من يرى ، ويناقض من يشاكل ، ويبدو له عيوب من يخالط ، وعلى قدر الحب والقرب يكون البغض والبعد ، ولذلك كانت حروب الجيران وبني الأعمام من سائر الناس وسائر العرب أطول ، وعداوتهم أشد.
فلما صار المهاجرون لليهود جيرانا ، وقد كانت الأنصار متقدمة الجوار ، مشاركة في الدار ، حسدتهم اليهود على نعمة الدين ، والاجتماع بعد الافتراق ، والتواصل بعد التقاطع الخ ..» (9).
هـ : حسدهم للعرب :
ثم هناك حسدهم للعرب أن يكون النبي الذي تعد به توراتهم منهم ، وليس إسرائيليا ، وقد أشار إلى ذلك تعالى فقال : (وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ ، بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ)(10).
ولعل هذا هو السر في أنهم ـ حسبما يقوله البعض ـ حينما طلب النبي «صلى الله عليه وآله» منهم أن يدخلوا في الإسلام امتعضوا ، وأخذوا يخاصمون رسول الله «صلى الله عليه وآله» (11).
و : الإسلام يوحد ويجمع :
لقد عز عليهم وأرهبهم : ما رأوه من قدرة الإسلام على توحيد أهل المدينة : الأوس والخزرج ، الذين كانوا إلى هذا الوقت أعداء يسفك بعضهم دماء بعض ، قال تعالى : (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)(12).
ز : الإسلام يبطل مزاعمهم :
ثم إنهم قد رأوا : أن هذا الدين يبطل مزاعمهم ، ويقضي على اليهودية ، وعلى أحلام بني إسرائيل وقد أبطل أسطورتهم في دعواهم التفوق العلمي ، وأظهر كذبهم في موارد كثيرة ، وتبين لهم : أن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه.
أضف إلى ذلك : أنه قد ظهر أن نبي الإسلام أفضل من موسى ، ومن سائر الأنبياء «عليهم السلام». وأصبحوا يرون الناس يؤمنون بدين جديد ، هو غير اليهودية ، وهم يقولون : (لا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ)(13).
وفوق ذلك كله ، فإن الإسلام يرفض إعطاء الامتيازات على أساس عرقي ، وهو يساوي بينهم وبين غيرهم ، وهذا ذنب آخر لا يمكن لهم الإغماض عنه بسهولة.
اليهود في مواجهة الإسلام :
لقد حاول اليهود مواجهة المد الإسلامي الكاسح بكل ما لديهم من قوة وحول. ونذكر هنا بعض ما يرتبط بالأساليب والطرق التي حاولوا الاستفادة منها في هذا السبيل ، من دون ملاحظة الترتيب بينها ، لا سيما وأن بعضها متداخل في الأكثر مع بعض ، فنقول :
١ ـ قد أشار الجاحظ إلى أنهم : «شبهوا على العوام ، واستمالوا الضعفة ، ومالأوا الأعداء والحسدة ، ثم جاوزوا الطعن ، وإدخال الشبهة الخ ..» (14).
نعم ، لقد حاولوا تشكيك العوام ، وضعاف النفوس بالإسلام ، وكانوا يرجحون لهم البقاء على الشرك ، كما فعله كعب بن الأشرف ، حينما سأله مشركو مكة عن الدين الأفضل ، وقد ألمحنا إليه فيما سبق.
بالإضافة إلى ممالأتهم للذين وترهم الإسلام ، أو وقف في وجه مطامعهم وطموحاتهم اللامشروعة واللاإنسانية.
ونذكر مثلا على ذلك : ما جاء في الروايات من أن الناس يعتبرون أن من علامات الحق : أن لا يرجع عنه من يقتنع به ، فإذا رجع عنه فلا بد أن يكون ذلك لأجل أنه وجد فيه ضعفا ، أو نقصا ، ولذلك نجد ملك الروم يسأل أبا سفيان أحد ألد أعداء محمد «صلى الله عليه وآله» : «هل يرجع عن الإسلام من دخل فيه؟ فقال أبو سفيان : لا».
وقد حاول اليهود أن يتبعوا نفس هذا الأسلوب.
«وقد حكى الله تعالى عنهم هذا الأمر ، فقال : (وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)(15)» (16).
٢ ـ طرح الأسئلة الإمتحانية على النبي «صلى الله عليه وآله» بهدف تعجيزه.
ويلاحظ : أن هذه المحاولات كانت تبذل من قبل مختلف قبائل اليهود : قريظة ، النضير ، قينقاع ، ثعلبة الخ .. ولكن محاولاتهم هذه قد باءت بالفشل الذريع. بل لقد ساهم ذلك بشكل فعال في تجلي ووضوح تعاليم الإسلام ، وترسيخها ، وقد دفعهم فشلهم هذا إلى أن يطلبوا من النبي «صلى الله عليه وآله» أن يأتيهم بكتاب من السماء : (يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً)(17).
ثم تمادوا في العناد واللجاج ، إلى ما هو أبعد من ذلك ، قال تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللهُ أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ)(18) الآية.
فإن سياق الآيات ظاهر في أن اليهود هم الذين قالوا ذلك.
٣ ـ ولما فشلوا في محاولاتهم محاربة الإسلام على صعيد الفكر ، اتجهوا نحو أسلوب الضغط الاقتصادي على المسلمين ؛ فيذكرون : «أن رجالا من أهل الجاهلية باعوا يهودا بضاعة ، ثم أسلموا وطلبوا من اليهود دفع الثمن فقالوا : ليس علينا أمانة ، ولا قضاء عندنا ؛ لأنكم تركتم دينكم الذي كنت عليه ، وادعوا : أنهم وجدوا ذلك في كتابهم.
فجاء في الآية المباركة الرد عليهم : (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)(19).
وأيضا فقد رفض رؤساء اليهود أن يقرضوا المسلمين مالا في أول عهدهم في المدينة ، وقد كانوا في ضنك شديد ، فالمهاجرون فقراء لا مال لهم ، والذين دخلوا في الإسلام من أهل المدينة لم يكونوا على سعة من الرزق.
وقد أجابوا رسول الله حينما طلب منهم القرض بقولهم : أحتاج ربكم أن نمده؟
فنزل قوله تعالى : (لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ سَنَكْتُبُ ما قالُوا)(20)» (21).
٤ ـ ممالأة أعداء الإسلام ومساعدتهم بكل ما أمكنهم ، ولو بالتجسس ، وبغير ذلك من وسائل.
٥ ـ محاربة الإسلام أيضا : عن طريق إثارة الفتن بين المسلمين ، ولا سيما بين الأوس والخزرج ، وبين المسلمين والمشركين.
ونذكر هنا على سبيل المثال قضية شاس بن قيس ، الذي حاول تذكير الأوس والخزرج بأيام الجاهلية ، وإثارة الإحن القديمة في نفوسهم ؛ فتثاور الفريقان ، حتى تواعدوا أن يجتمعوا في الظاهرة لتصفية الحسابات ، وتنادوا بالسلاح ، وخرجوا ، وكادت الحرب أن تقع بينهما ؛ فبلغ الخبر رسول الله «صلى الله عليه وآله» ؛ فخرج إليهم بمن كان معه من أصحابه المهاجرين ؛ فوعظهم ؛ فأدركوا أنها نزعة من الشيطان ، وكيد من عدوهم ، فندموا على ما كان منهم ، وتعانق الفريقان وتصافيا ، وانصرفوا مع رسول الله «صلى الله عليه وآله».
ويقول البعض : إن الآيات الشريفة التالية قد نزلت في هذه المناسبة : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَداءُ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ ، وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ)(22).
٦ ـ تآمرهم على حياة النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» وتحريضهم الناس عليه كما سنرى ، إن شاء الله تعالى.
٧ ـ محاولات إثارة البلبلة ، وتشويش الأوضاع ، بإشاعة الأكاذيب ، وتخويف ضعاف النفوس من المسلمين.
٨ ـ تآمرهم مع المنافقين على الإسلام ، ومكرهم معهم بالمسلمين ، ثم علاقاتهم المشبوهة مع قريش ، وممالأتهم إياها على حرب الرسول الأكرم «صلى الله عليه وآله».
٩ ـ تآمرهم ومكرهم وتدبيرهم لمنع المسلمين من الخروج للحرب ، وكانوا يجتمعون في بيت سويلم اليهودي ، لأجل تثبيط الناس عن الرسول «صلى الله عليه وآله» في غزوة تبوك ، فعرف رسول الله «صلى الله عليه وآله» بهم فأحرق البيت عليهم (23).
وقد رجع عبد الله بن أبي ، حليف يهود بني قينقاع في ثلاثمائة رجل من أصحابه ، وذلك في حرب أحد ، كما سنرى إن شاء الله تعالى.
موقف النبي صلّى الله عليه وآله من اليهود :
ولكن جميع محاولات اليهود للكيد للإسلام والمسلمين ، باءت بالفشل الذريع ، بسبب وعي القيادة الإسلامية العليا.
ولقد صبر الرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله» على مخالفاتهم الكبيرة تلك ، تفاديا لحرب أهلية قاسية في مقره الجديد .. حتى طفح الكيل ، وبلغ السيل الزبى ، وعرف المسلمون : أن اليهود كانوا ـ بزعمهم ـ يستغلون ظروف المسلمين ومشاكلهم ، ويصعدون من تحدياتهم لهم. وأصبحوا في الحقيقة هم الخطر الداهم والحقيقي الذي يتهدد وجود الإسلام من الأساس.
لا سيما وأن هذا العدو الماكر والحاقد يعيش في قلب المجتمع الإسلامي ، ويعرف كل مواقع الضعف والقوة فيه ، ويتربص به الدوائر ، ويترصد الفرصة المؤاتية.
فكان لا بد من صياغة التعامل مع هذا العدو على أساس الحزم والعدل ، بدلا من العفو والتسامح والرفق ، فليس من الصالح أن يترك اليهود يعيثون في الأرض فسادا ، وينقضون كل العهود والمواثيق ، ويسددون ضرباتهم للمسلمين كيف وأنى شاؤوا ، بل لا بد من الرد الحاسم والحازم والعادل على كل اعتداء ، ومواجهة كل مكيدة ، قبل أن يكون الندم حيث لا ينفع الندم.
العمليات العسكرية في مرحلتين :
وبعد أن اتضح نقض اليهود لكل العهود والمواثيق ، حاول الإسلام أن يتعامل معهم على مرحلتين :
الأولى : أن يتبع معهم أسلوب الإنذار الحازم والعادل ، فكانت عمليات القتل المنظمة لبعض الأفراد ، بمثابة جزاء عادل لناقضي العهود ، الذين يشكلون خطرا جديا على صعيد استقرار المنطقة. كما وكانت بمثابة إطلاق صفارة الإنذار لكل من ينقض عهدا ، ويتآمر على مصلحة الإسلام العليا ، مع إعطائهم الفرصة للتفكير ، وإفهامهم أن الإسلام يمكن أن يتحمل ، ولكنه ليس على استعداد لأن يقبل بوضع كهذا إلى النهاية ، لا سيما إذا كان ذلك على حساب وجوده وبقائه.
الثانية : الحرب الشاملة والمصيرية ، حيث لا يمكن حسم مادة الفساد بغير الحرب.
__________________
(١) راجع : الكنز المرصود ص ٤٨ ـ ١٠٦ ، ومقارنة الأديان (اليهودية) لأحمد شلبي ص ٢٧٢ ـ ٢٧٤ عنه وعن : التلمود شريعة بني إسرائيل ٢٢ ـ ٢٥ و٤٠ ـ ٤٤ و٦٥.
(٢) الآية ١٨ من سورة المائدة.
(3) الخطر اليهودي ص ٦٧ وفيه : أن أعضاء المجلس الشيوعي الذي كان يحكم روسيا سنة ١٩٥١ كان يتألف من سبعة عشر عضوا كلهم يهود صرحاء باستثناء ثلاثة هم : ستالين ، وفيرشيلوف ، ومولوتوف. وهؤلاء الثلاثة زوجاتهم يهوديات ، وفيهم يهودي الأم ، أو الجدة ، أو صنيعة مجهول النسب من صنائع اليهود ، كما أن المنظر الأكبر للشيوعية هو اليهودي كارل ماركس.
(4) الآية ٩٦ من سورة البقرة.
(5) راجع : أحكامهم هذه في كتاب ، مقارنة الأديان (اليهودية) ص ١٩٩ و٢٠٠ ، واليهود في القرآن ص ٣٧.
(6) اليهود في القرآن ص ٤٤ و٤٥.
(7) الآيتين ١٦٨ و١٦٩ من سورة الأعراف.
(8) ويلاحظ : أن العرب في هذه الأيام يجبنون عن مواجهة اليهود في حرب الكرامة والشرف ، لماذا؟ أليس لأجل ابتعادهم عن دينهم واستسلامهم لانحرافاتهم ، وحبهم للحياة ، وقلة يقينهم بالموت والمعاد.
(9) ثلاث رسائل للجاحظ (رسالة الرد على النصارى) ص ١٣ و١٤ نشر يوشع فنكل سنة ١٣٨٢ ه.
(10) الآيتين ٨٩ و٩٠ من سورة البقرة.
(11) راجع : اليهود في القرآن ص ٢٣.
(12) الآية ٦٣ من سورة الأنفال.
(13) الآية ٧٣ من سورة آل عمران.
(14) ثلاث رسائل للجاحظ (رسالة الرد على النصارى) ص ١٤.
(15) الآية ٧٢ من سورة آل عمران.
(16) راجع كتاب : اليهود في القرآن ص ٣١ ، فإنه أشار أيضا إلى هذا الأمر.
(17) الآية ١٥٣ من سورة النساء.
(18) الآية ١١٨ من سورة البقرة.
(19) الآية ٧٥ من سورة آل عمران.
(20) الآية ١٨١ من سورة آل عمران.
(21) راجع في ذلك : اليهود في القرآن ص ٢٨.
(22) الآيات ٩٩ ـ ١٠١ من سورة آل عمران.
(23) السيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ١٦٠ ، والتراتيب الإدارية ج ١ ص ٣٠٩.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|