أقرأ أيضاً
التاريخ: 31-12-2018
1237
التاريخ: 5-1-2019
1051
التاريخ: 2-1-2019
2085
التاريخ: 5-1-2019
2503
|
من أخطر المشكلات التي تعرض لها الفكر الديني هي مشكلة تطرّف أتباعه في تفسير معانيه وفي تطبيق أحكامه ، فيتجاوزون الضوابط الثابتة في تفسير نصوصه ومفرداته ، والحدود المعلومة في تطبيق أحكامه.
هذا التطرّف هو الذي سماّه الدين « غلواً » وهو يقابل التقصير في معرفة الدين وتطبيق أحكامه.
والغلوّ إنّما تصاب به النفوس الوالهة المتعلّقة بشيء من الدين غير أنّها لم تكن تفقه روح الدين ، ولم تتذوق معانيه ، ولا أدركت مقاصده وأهدافه الكبرى ، ولا قرأت القرآن الكريم كلّه قراءةً واعيةً وعلى مستوىً واحد من الاهتمام ، ولا تذوقت جمال القرآن ولا وقفت عند خطابه اللاذع للمغالين ، ولا لفت انتباهها اُسلوب القرآن الحكيم في سدّ جميع منافذ الغلوّ .. فبعد أن فقدت كلّ هذا جنحت مع أهوائها فجاوزت الحدّ في معشوقها ، وكثيراً ما وقعت في تأليهه بشكل سافر ، أو على درجة أقلّ من ذلك.
ومنذ أقدم مراحل التاريخ البشري ، وقبل نوح عليه السلام ، بلغ الغلو بالناس أن عبدوا سَلَفهم الصالح واتّخذوهم آلهةً من دون الله ، فلمّا دعاهم نوح عليه السلام إلى التوحيد قالوا : {لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} [نوح: 23] ! وهذه الأسماء ( ودٌّ ) و ( يغوث ) و ( سواع ) و ( يعوق ) و ( نَسْر ) إنّما هي أسماء عباد صالحين كانوا قبلهم بأجيال فكانوا يعظّمونهم ، ويزداد التعظيم جيلاً بعد جيل حتى بلغ الأمر أن أتخذوا لهم تماثيل بأسمائهم ليعبدوا ! (1).
وظهر الغلوّ عند أتباع الديانتين اليهودية والمسيحية ، وبلغ بالنصاري أن ألَّهوا عيسي بن مريم عليها السلام ، قالوا : ابن الله ! وقالوا : ثالث ثلاثة ! كلّ ذلك من فرط حبّ معه جهالة ، ونزعة وثنية في اتّخاذ الوسائط إلى الله تعالى والتوجّه إليها بالعبادة ولو عن طريق مجاوزة الحدّ في تعظيمها وإضفاء الصفات الإلهية عليها ، من قبيل الخالقية والرازقية والإحاطة علماً وقدرةً ، فقالت النصارى إنّ المسيح يصنع المعجزات بقدرته الذاتيه وليس بإذن الله !
وجاء الإسلام فكان أكثر دقّةً في تشخيص الغلو وسدّ الأبواب دونه ، فكان القرآن يخاطب الأنبياء مخاطبة العبيد الفقراء الذين لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضرّاً ، ويعاتبهم وينذرهم إنذار من لم يكن له مع الله عهد ، كلّ ذلك ليصرف أفئدة المؤمنين وأرواحهم من مسالك الغلو .. فيتلو علينا نبأ آدم عليه السلام ، فيقول : {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه: 115] ! .
ويخاطب داود عليه السلام فيقول : {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ ... } [ص: 26] وبعد هذا ، بعد أن يخبر عن خلافته لله تعالى في الأرض ، لا بالغَلَبة ، ولا بالشورى ، ولكن بجعل من الله تعالى ، يقول على الفور : {وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ } [ص: 26] ! .
ويخاطب سيد البشر وخاتم النبييّن بما يغلق أمام الناس بعده كلّ منافذ الغلو لو أنّهم يعقلون ، فيقول : { قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [الكهف: 110] .. وهو قادر أن يقول : « قل أنا بشر » ويتمّ المعنى ، ولكن هذا التأكيد ثمّ الحصر ب « إنّما » ثمّ التمثيل ب « مثلكم » أبلغ تعبير في تثبيت المعنى وقطع كل الطرق أمام الشبهات والجهالات.
وإلى أكثر من هذا ذهب النبي صلى الله عليه واله ، فأكّد أنّ الغلو لا ينحصر بعبادة البشر ، بل هو حاصل حتّى في التشدّد والتطرّف بالعبادات ، فما جاوز فيها السنّة فهو غلوّ ... حدّث الفضل بن العباس ، فقال : قال لي رسول الله صلى الله عليه واله غداة يوم النحر : « هات فالتقط لي حصىً » فلقطت له حُصيّات مثل حصى الخذف ، فوضعهنّ في يده فقال : « بأمثال هؤلاء ، بأمثال هؤلاء ، وإيّاكم والغلوّ ، فإنّما أهلك من كان قبلكم الغلوّ في الدين » ! (2)
__________________
(1) اُنظر : تفسير القمّي 2 : 387 ، وتفسير الطبري م 14 ج 29 : 98 ـ 99 ، وتفسير الزمخشري 4 : 619 ، ومجمع البيان 10 : 547 ، تفسير البغوي 4 : 399 ـ دار الفكر ـ بيروت ـ 1405 ه ، وتفسير البرهان / البحراني 4 : 388 ـ مؤسسة البعثة ـ قم ـ 1416 ه ، وغيرها.
(2) الطبقات الكبرى / ابن سعد 2 : 180 ـ 181 ، السنن الكبري / البيهقي 5 : 127 ، السيرة النبوية / ابن كثير 4 : 371.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|