المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
غزوة الحديبية والهدنة بين النبي وقريش
2024-11-01
بعد الحديبية افتروا على النبي « صلى الله عليه وآله » أنه سحر
2024-11-01
المستغفرون بالاسحار
2024-11-01
المرابطة في انتظار الفرج
2024-11-01
النضوج الجنسي للماشية sexual maturity
2024-11-01
المخرجون من ديارهم في سبيل الله
2024-11-01

احرف التنبيه
20-10-2014
تنبيهات قاعدة لا ضرر (هل الحكم بنفي الضرر من باب الرخصة أو العزيمة؟)
4-9-2016
منتجات الحبوب المطحونة Milled Grain Products
1-1-2018
الأوامر
2023-03-02
اعمل على تحسين مهاراتك في كتابة البريد الإلكتروني
9-5-2022
Reaction of Oxides
22-10-2018


الحضارة  
  
1894   10:31 صباحاً   التاريخ: 3-6-2021
المؤلف : شوقي ضيف
الكتاب أو المصدر : تاريخ الادب العربي - العصر الاسلامي
الجزء والصفحة : ص:193-199
القسم : الأدب الــعربــي / الأدب / الشعر / العصر الاسلامي /

الحضارة

رأينا في الفصل السابق كيف أن المدينة ومكة غرقتا في نعيم الحضارة، بما صب فيهما من أموال ورقيق أجنبي وجوار وإماء. وبمجرد أن هاجر العرب من الجزيرة ومصروا الأمصار ونزلوا في بلدان الأمم المفتوحة أخذوا يتأثرون تأثرا واسعا بالحضارات الأجنبية، إذ كانت تحت أعينهم، وكانت حجورهم تمتلئ بأموال الفيئ وغنائم الحرب وما رسم لهم في دواوين الدولة من رواتب ثابتة. وسرعان ما تحضروا، بل سرعان ما أترفوا، إذ ابتنوا القصور، وطعموا في أواني الذهب والفضة مختلف الأطعمة، ولبسوا الثياب الحريرية المزركشة، وتعطروا بالمسك وغيره من أنواع الطيب. وكان الموالي من ورائهم يهيئون لهم جميع الأسباب لينعموا بكل ألوان الترف، إذ اكتظت بهم قصورهم، يقول ابن خلدون:

«لما ملك العرب فارس والروم استخدموا بناتهم وأبناءهم، ولم يكونوا لذلك العهد في شيء من الحضارة، فقد حكي أنه قدم لهم المرقق فكانوا يحسبونه رقاعا، وعثروا

 

194

علي الكافور في خزائن كسري فاستعملوه في عجينهم. فلما استعبدوا أهل الدول قبلهم واستعملوهم في مهنهم وحاجات منازلهم، واختاروا منهم المهرة في أمثال ذلك والقومة عليه، أفادوهم علاج ذلك والقيام على عمله والتفنن في أحواله، فبلغوا الغاية من ذلك، وتطوروا بطور الحضارة والترف في الأحوال واستجادوا المطاعم والمشارب والملابس والمباني والأسلحة والفرش والآنية وسائر الماعون والخرثي (1) فأتوا من ذلك وراء الغاية (2)».

وقد ورث العرب في الشام المدن هناك ولم يمصروا أمصارا جديدة، وبذلك عاشوا في نفس المدن والدور والقصور التي كانت قبل الفتوح تتنفس الحضارة اليونانية الرومانية. وكان ذلك سببا في سرعة تحضرهم، إلا من آثر منهم العيش في البادية. وكانت هناك دمشق حاضرة الدولة التي أخذت تسيل إليها سيول الذهب والفضة من كل قطر، ثم توزعها في الناس من أهل الشام أولا ثم من أهل البلدان الأخرى، واستن لهم ذلك معاوية الذي كان يرد بالناس على أرجاء واد رحب (3)، ويؤثر عنه أنه كان يقول إننا تمرغنا في نعيم الدنيا تمرغا (4). ويظهر إثم هذا النعيم في ابنه يزيد الذي عرف عنه كما قدمنا أنه كان «يشرب الخمر ويعزف بالطنابير وتضرب عنده القيان ويلعب بالكلاب». ويخلفه مروان ابن الحكم وأبناؤه الذين أحاطوا أنفسهم بكل ما يمكن من أبهة الملك لا في قصورهم التي كانت تزدان بالطنافس وتلمع على حيطانها الفسيفساء وصفائح الذهب وتترامي في أفنيتها النافورات فحسب، بل أيضا في بيوت الله، وعناية عبد الملك بالمسجد الأقصي وقبته التي تعد إحدى عجائب الدنيا مشهورة، وكذلك عناية الوليد ابنه بالجامع الأموي في دمشق وزخرفته بالرخام والفسيفساء والزجاج الملون أشهر من أن نقف عندها (5)، ولا تزال من ذلك بقية الى اليوم. وقد بسط هذه العناية على المسجد الحرام في مكة، فأحاله تحفة رائعة (6). ومما يذكر له من مآثر أنه عم بعطائه المجذمين وقال لهم: لا تسألوا

 

195

الناس، وأعطي كل مقعد خادما وكل ضرير قائدا (7). وتفنن الناس لعهده في بناء الدور والقصور، وخلفه سليمان فصب عنايته على الملابس والمطاعم وتأثره الناس لعهده تأثرا واسعا (8). وتظهر ضريبة هذا الترف عند يزيد بن عبد الملك الذي وصفه أبو حمزة الإباضي، فقال: إنه «يشرب الخمر ويلبس الحلة قومت بألف دينار. . . حبابة عن يمينه وسلامة عن يساره تغنيانه حتي إذا أخذ الشراب منه كل مأخذ قد ثوبه، ثم التفت الى إحداهما فقال: ألا أطير» (9) وقد أرسل في طلب مغني الحجاز، فجاءه منهم كثيرون.

ولم تكن حمول الذهب والفضة تحمل وحدها الى بني أمية من الآفاق، فقد كانت تحمل معها حمول الجواهر واللآلئ كما يحدثنا الجهشياري (10)، ويروي الطبري أن يوسف بن عمر حمل الى هشام بن عبد الملك لآلئ حبها أعظم ما يكون وحجرا من الياقوت يخرج طرفاه من الكف، قوم بثلاثة وسبعين ألف دينار (11). وقد بلغ الترف أقصاه في عهد الوليد بن يزيد بن عبد الملك الذي عاش للهو والغناء، حتي تحول قصر الخلافة في عهده الى ما يشبه دارا كبيرة من دور اللهو، ويقولون إنه «كان يلبس حول عنقه قلائد ذهبية مرصعة بالأحجار الكريمة، ويغيرها في اليوم مرارا كما تغير الثياب شغفا (12)».

ومن المؤكد أن أفراد العرب في الشام لم يتحولوا جميعا الى مثل الوليد بن يزيد ولا الى مثل أبيه في هذا الترف الآثم، إنما المؤكد أنهم تحضروا وأن نفرا منهم أترفوا، بعضهم من أمراء البيت الأموي وبعضهم من الرعية. وبالمثل تحضر من نزلوا في الفسطاط والقيروان والأندلس، وكانت كثرتهم من عرب الشام، الذين أصابوا حظا من الحضارة قبل الفتوح لنزولهم قديما في تلك البيئة المتحضرة.

 

196

وإذا ولينا وجوهنا نحو البصرة والكوفة وجدنا العرب هناك يتحضرون تحضرا واسعا رغم احتفاظهم بعصبياتهم القبلية، إذ ساكنوا الفرس وبقايا الآراميين وخالطوهم، وتحولت إليهم كنوز العراق وإيران وما كانوا يفتحونه من خراسان، حتي كان يقسم للفارس الواحد في بعض الغزوات ثلاثون ألفا من الذهب (13)، ومن يرجع الى ما كتبه البلاذري في فتوح البلدان عن تمصير الكوفة والبصرة تهوله كثرة القطائع التي تملكها الناس هناك من عرب وموال أمثال مسمار مولي زياد وفيروز حصين وحسان النبطي. وكانت الحمامات تدر في البصرة لهذا العصر أموالا كثيرة، حتي ليروي أن بعضها كان يغل يوميا ألف درهم، ولم يكن يتملكها العرب وحدهم، بل كان يتملكها أيضا الموالي. ومما يذكره البلاذري من حماماتهم حمام أعين مولي سعد بن أبي وقاص وحمام فيل مولي زياد وحمام سباه الأسواري.

ونري العرب والموالي جميعا يتنافسون بالبصرة في بناء القصور الفخمة، ويذكر البلاذري منها قصر زربي مولي عبد الله بن عامر وقصر أبي نافع مولي عبد الرحمن بن أبي بكرة وقصر ابن الأصبهاني وقصر شيرويه الأسواري الذي سمي «هزار در» لأنه اتخذ فيه ألف باب. ومما يدل على مبلغ التأنق في بناء هذه القصور ما يروي عن بعض التميميين بالبصرة من أنه طلب الى معاوية أن يعينه في بناء داره باثني عشر ألف جذع (14)، وكذلك ما يروي من أن عبيد الله بن زياد أنفق على داره هناك التي سماها البيضاء ألف ألف درهم وأنه ملأها بالرياش والطنافس وزخرف حيطانها بتصاوير الحيوانات (15)، وفي نصوص كثيرة أنهم كانوا يحيطون قصورهم بالحدائق والبساتين (16).

وتبع ذلك كله الرفه والترف في المطعم والملبس، حتي لنري نفرا من الأتقياء يلبس الديباج والقلانس (17)، ونراهم يكنون عن هذا التحول في حياتهم بأنهم

 

197

طعموا الجردق ولبسوا النمرق (18). وكانت الثياب والأطعمة تحمل إليهم من البلدان القريبة والبعيدة، ويروي عن الحجاج أنه كتب الى عامل له بفارس «ابعث الى بعسل من عسل خلار (19)، من النحل الأبكار، من الدستفشار (20)، الذي لم تمسه النار (21)». ومما يصور هذا الرفه في العيش والتنعم ما يروي من أن عبيد الله بن زياد هيأ لأبيه حين توفي ستين ثوبا ليكفنه فيها (22)، فلم يعد الثوب ولا الثوبان ولا الثياب القليلة تكفي الكفن الواحد.

وطبيعي أن يعنوا في ثنايا هذه الحياة الرغدة بكثير من أسباب اللهو كسباق الخيل (23) والصيد (24) والقنص ولعبتي (25) الشطرنج والنرد وسنري أن كثيرين تورطوا في إثم الخمر. وقد أخذت الكوفة تعني بالغناء ولم تكتف بمن نشأوا فيها من أمثال حنين (26) الحيري وأحمد (27) النصبي، فقد أخذت تستقدم المغنين والمغنيات من الحجاز، وتفتح لهم دورا يختلف إليها الناس كدار (28) ابن رامين.

وسقط هؤلاء المغنون الى كل بلد عربي، إذ نجد في الفسطاط ابن أبجر (29) مغني المدينة.

ونعم العرب في خراسان بكثرة ما أصابوا من الأموال وفيئ الغنائم، وفي كتب التاريخ والأدب أخبار من ذلك تكاد تشبه الأساطير، منها أن عبد الرحمن بن زياد الذي ولاه معاوية أعمال خراسان سئل في أثناء ولايته عما صار إليه من أموال فقال: إني قدرت ما عندي لمائة سنة، فإذا هو يبلغ في كل يوم ألف درهم (30)، ويروي أن مصعب بن الزبير في ولايته على العراق جاءه من هناك نخلة مصنوعة من الذهب، عثاكيلها من لؤلؤ وجوهر وياقوت أحمر

 

198

وأخضر، وقد قومت بألفي ألف دينار (31). ويروي أن الإصبهبذ في طبرستان صالح يزيد بن المهلب في بعض حروبه هناك على سبعمائة ألف درهم وأربعمائة ألف نقدا ومائتي ألف، وأربعمائة حمل زعفران وأربعمائة رجل، على كل رجل برنس، وعلي البرنس طيلسان ولجام من فضة وسرقة (شقة) من حرير (32). ويقال إن الجراح الحكمي واليها لعهد عمر بن عبد العزيز كان يتخذ تحت بساطه نقرا يملؤها ذهبا وفضة ويوزعها على من يدخل عليه من أصحابه (33). وكان الأمراء والدهاقين يقدمون على ولاة خراسان بالهدايا النفيسة، وقد قومت إحدي هداياهم لأسد بن عبد الله القسري بألف ألف، وكانت قصرين: قصرا من فضة وقصرا من ذهب، وأباريق وصحافا من ذهب وفضة (34). وكان الولاة بدورهم يرسلون بالهدايا الى الخلفاء، ويروي أن نصر بن سيار أعد للوليد بن يزيد هدية من الجواري والبراذين الفارهة وأباريق الذهب والفضة وتماثيل الظباء والسباع وأنه أرسل له بكثير من آلات الطرب (35).

ووسط هذه الأمواج من الأموال تحضر العرب في خراسان، بل أترفوا ترفا شديدا، حتي لنري بعض الولاة يقول إن فيئ خراسان لا يفي بمطبخي (36)! ويقال إن يزيد بن المهلب كان يتخذ ألف خوان يطعم عليها الناس (37). وتدل نصوص كثيرة على أن العرب تأقلموا هناك، فلبسوا السراويل والطيالسة والقلانس القصيرة والطويلة (38)، واحتفلوا بعيد النيروز والمهرجانات، واختلفوا الى سماع الطبول والمزامير (39)، وشرب كثير منهم النبيذ حتي اضطر بعض الولاة لتفشيه في الجند الى أن يعاقب عليه بالقتل (40).

وفي كل مكان نجد آثار هذا الترف. وفي كتاب الأغاني تراجم كثيرة لمن كانوا يسرفون على أنفسهم في شراب الخمر لا في خراسان فقط، بل أيضا

 

199

في العراق وفي الحجاز، ولم تكن الخمر وحدها ضريبة هذا الترف، فقد ظهرت في المدينة طائفة من المخنثين، كانوا يتشبهون بالنساء في ثيابهن وعاداتهن من مثل تضفير الشعر وتصفيفه وصبغ الأظافر بالحناء، مما اضطر سليمان بن عبد الملك أن ينزل بهم عقابا صارما (41).

وطبيعي أن يمتد هذا الترف الى النساء العربيات فقد كان الجواري يزاحمنهن في قلوب الرجال، فتفنن في زينهن تفننا واسعا، على نحو ما حكينا ذلك فيما أسلفنا عن السيدة سكينة بنت الحسين. ويروي أن مصعب بن الزبير أهدي زوجته عائشة بنت طلحة بن عبيد الله ثماني حبات من اللؤلؤ، قيمتها عشرون ألف دينار، ولما دخل عليها بهديته وجدها نائمة فأيقظها ليقدمها إليها، فلما رأتها قالت له غير آبهة: لقد كان النوم أحب الى (42). ويروي الأغاني أن عاتكة بنت يزيد ابن معاوية زوجة عبد الملك بن مروان استأذنته في الحج فقال لها: ارفعي حوائجك واستظهري فإن عائشة بنت طلحة تحج، ففعلت، وجاءت بهيئة جهدت فيها. فلما كانت بين مكة والمدينة إذا موكب قد جاء فضغطها وفرق جماعتها، فقالت: أري هذه عائشة بنت طلحة، فسألت عنها، فقالوا:

هذه خازنتها، ثم جاء موكب آخر أعظم من ذلك، فقالوا: عائشة، عائشة، فضغطهم، فسألت عنه، فقالوا: هذه ماشطتها. ثم جاءت مواكب على هذه الهيئة الى سننها، ثم أقبلت كوكبة فيها ثلاثمائة راحلة، عليها القباب والهوادج، فقالت عاتكة: ما عند الله خير وأبقي (43).

 

 

 

_________

(1) الخرثي: أثاث البيت.

(2) مقدمة ابن خلدون (طبعة المطبعة البهية بمصر) ص 121.

(3) طبري 4/ 298.

(4) طبري 4/ 247.

(5) الحيوان للجاحظ 1/ 56.

(6) اليعقوبي 1/ 340.

(7) طبري 5/ 265.

(8) طبري 5/ 266.

(9) البيان والتبيين 2/ 123.

(10) نظر الوزراء والكتاب للجهشياري ص 27، 34.

(11) طبري 5/ 519.

(12) أغاني 7/ 59.

(13) مقدمة ابن خلدون ص 143.

(14) طبري 4/ 246.

(15) راجع ياقوت في معجم البلدان تحت كلمة البيضاء وانظر الطبري 4/ 402.

(16) انظر الكامل للمبرد ص 785 والبيان والتبيين 2/ 82.

(17) ابن سعد 5/ 139، 6/ 202، 7 ق 1/ 153.

(18) طبري 5/ 280. والنمرق: مفرد نمارق وهي الطنافس

(19) خلار: موضع بفارس مشهور بعسل النحل.

(20) الدستفشار: كلمة فارسية معناها المعصور باليد.

(21) البيان والتبيين 2/ 103.

(22) طبري 4/ 415.

(23) البيان والتبيين 3/ 257.

(24) أغاني (دار الكتب) 13/ 361 والشعر والشعراء 2/ 588.

(25) نقائض جرير والفرزدق ص 787.

(26) أغاني (دار الكتب) 2/ 341.

(27) أغاني 6/ 33.

(28) أغاني (دار الكتب) 15/ 60.

(29) أغاني 3/ 346.

(30) الجهشياري ص 29.

(31) الجهشياري ص 44.

(32) طبري 5/ 295.

(33) بلاذري ص 415.

(34) طبري 5/ 465.

(35) طبري 5/ 533.

(36) أغاني (دار الكتب) 14/ 281 وطبري 5/ 132.

(37) طبري 5/ 288.

(38) لم يقف هذا اللبس عند عرب خراسان، فقد شاع بين عرب العراق وزهادهم. انظر ابن سعد 5/ 139، 5/ 392، 6/ 202، 6/ 255.

(39) طبري 5/ 437.

(40) طبري 5/ 283.

(41) أغاني (دار الكتب) 4/ 271 وما بعدها.

(42) أغاني 11/ 182.

(43) أغاني 11/ 188.

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.