x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
كثرة الرسائل المدونة
المؤلف: شوقي ضيف
المصدر: تاريخ الأدب العربي - العصر الاسلامي
الجزء والصفحة: ص:457-465
19-9-2021
3122
كثرة الرسائل المدونة
تزخر كتب التاريخ والأدب برسائل سياسية كثيرة أثرت عن هذا العصر،
457
وحقا هناك كتب تزيدت في هذه الرسائل ونقصد كتب الشيعة من مثل شرح ابن أبي الحديد على نهج البلاغة وكذلك كتاب الإمامة والسياسة المنسوب الى ابن قتيبة.
ولكن إذا نحينا هذين الكتابين وأضرابهما واعتمدنا على الكتب الوثيقة من مثل الطبري والبيان والتبيين والكامل للمبرد استقبلتنا وخاصة في الطبري سيول من هذه الرسائل كتبتها على مر العصر وأحداثه فرق الخوارج والشيعة والزبيريين ومن ثاروا على الدولة الأموية أمثال ابن الأشعث، كما كتبها خلفاء بني أمية وولاتهم وقوادهم.
ولن نستطيع أن نعرض كل ما روي للخوارج من رسائل، لكثرتها، ومن ثم سنكتفي بالحديث عن أهم رسائلهم، ومعروف ما شجر بينهم من خلاف أدي كما مر بنا الى تفرقهم أربع فرق، هي الأزارقة والنجدية والصفرية والإباضية، وقد مضي الأولون بقيادة نافع بن الأزرق يحرمون القعود عن الخروج ويستحلون دماء المسلمين وقتل أطفالهم، وخالفتهم في ذلك الفرق الأخري. ويسوق المبرد في تصوير هذا الخلاف رسالتين (1) متبادلتين بين نجدة بن عامر الحنفي زعيم النجدات ونافع بن الأزرق، فنجدة يراجعه في مقالته، ونافع يحتج لها. والرسالتان وثيقتان طريفتان في بيان مقالتي النجدات والأزارقة. ومر بنا كيف قاد الأزارقة مع قواد مصعب بن الزبير حربا عنيفة على الرغم من قتل قائدهم نافع في وقعة دولاب، فقد ظلوا يحاربون قائده المهلب، حتي إذا دخلت العراق في طاعة عبد الملك مضوا في ثورتهم، وظلت الجيوش توجه إليهم، يوجهها ولاة العراق وخاصة الحجاج، وكان زعيمهم لعهده قطري ابن الفجاءة، ونري الحجاج يراسله مهددا متوعدا، ويرد عليه قطري بنفس الصورة من التهديد والتوعد، ونحن نسوق رسالتين (2) لهما تصوران كيف كان يتراسل الولاة مع الثائرين من خوارج وغير خوارج، أما رسالة الحجاج فتجري على هذا النمط.
«سلام عليك. أما بعد فإنك مرقت من الدين مروق السهم من الرمية، وقد علمت حيث تجرثمت، (3) ذاك أنك عاص لله ولولاة أمره. غير أنك أعرابي
458
جلف (4) أمي تستطعم (5) الكسرة وتستشفي (6) بالتمرة، والأمور عليك حسرة، خرجت لتنال شبعة (7)، فلحق بك طغام (8) صلوا بما صليت به من العيش فهم يهزون الرماح ويستنشئون (9) الرياح، على خوف وجهد من أمورهم، وما أصبحوا ينتظرون أعظم مما جهلوا معرفته، ثم أهلكهم الله بنزحتين (10).
459
وأجابه قطري:
«سلام على الهداة من الولاة الذين يرعون حريم الله ويرهبون نقمه، فالحمد لله على ما أظهر من دينه، وأظلع به أهل السفال (11) وهدي به من الضلال ونصر به عند استخفافك بحقه. كتبت الى تذكر أني أعرابي جلف أمي أستطعم الكسرة، وأستشفي بالتمرة، ولعمري يا ابن أم الحجاج (12) إنك لمتيه في جبلتك (13)، مطلخم (14) في طريقتك، واه في وثيقتك (15)، لا تعرف الله ولا تجزع من خطيئتك، يئست واستيأست من ربك، فالشيطان قرينك، لا تجاذبه وثاقك، ولا تنازعه خناقك. فالحمد لله الذي لو شاء أبرز لي صفحتك، وأوضح لي صلعتك (16)، فو الذي نفس قطري بيده لعرفت أن مقارعة الأبطال ليس كتصدير (17) المقال، مع أني أرجو أن يدحض الله حجتك، وأن يمنحني مهجتك».
وواضح أن كلا منهما يرمي صاحبه بالضلالة والغواية، وقد عنيا جميعا بالتأنق في أسلوبهما. ومن ثم زينا كلامهما بالسجع. وإذا تركنا الأزارقة الى الصفرية وجدنا شبيبا يراسل صالح بن مسرح حاضا على الخروج (18).
ولم تحتفظ المصادر برسائل للنجدات والإباضية.
460
ورسائل الشيعة في هذا العصر كثيرة، وأول حادث تكثر رسائلهم فيه استدعاء أهل الكوفة للحسين وما كان بينه وبينهم من مراسلات (19) تحض على الثورة على بني أمية لظلمهم الرعية واغتصابهم الخلافة من أصحابها الشرعيين.
ونمضي بعد مقتله فتلقانا حركة التوابين، ويصور زعيمهم سليمان بن صرد في مكاتبته لبعض أصحابه ندمهم على خذلان الحسين، وأنه ليس لهم من مخرج ولا توبة إلا بالثأر من قاتليه (20). وسرعان ما تنشب حركة المختار الثقفي لعهد ابن الزبير، ويستولي على الكوفة، ويكثر من المكاتبة الى شيعته وإلي ابن الحنفية، ويكتب الى بعض زعماء البصرة مهددا متوعدا إن لم يتبعوه على شاكلة هذه الرسالة التي أرسل بها الى الأحنف زعيم تميم، وفيها يقول (21):
«بسم الله الرحمن الرحيم، من المختار بن أبي عبيد الى الأحنف بن قيس ومن قبله، فسلم أنتم، أما بعد فويل ام ربيعة من مضر (22)، فإن الأحنف مورد قومه سقر (23)، حيث لا يستطيع لهم الصدر (24)، وإني لا أملك ما خط في القدر، وقد بلغني أنكم تسمونني كذابا، وإن كذبت فقد كذبت رسل من قبلي، ولست بخير من كثير منهم».
وفي الرسالة خصائصه التي مرت بنا في خطابته، إذ كان يعني باختيار ألفاظه والسجع في كلامه، وفيها إيهاماته وادعاءاته إذ يشير من طرف خفي الى أنه يوحي إليه. ومن ثم كان يستخدم السجع كثيرا في خطابته وأحاديثه كما استخدمه في الرسالة الآنفة (25).
وأثرت عن ابن الزبير وولاته في العراق رسائل كثيرة احتفظ بها الطبري، كما احتفظ برسالة كتب بها إليه المختار (26) الثقفي. ونري ولاته يكاتبون من يوجهونهم الى الخوارج (27). ونلتقي في عصر الحجاج بثورة ابن الأشعث ومعروف أنه اتخذ كاتبا له أيوب بن القرية المشهور بسجعه.
461
وإذا كانت الكتابات السياسية قد كثرت في البيئات المعارضة للدولة فإن الدولة نفسها كانت تستخدمها استخداما أكثر وأغزر، إذ كان الخلفاء يكتبون بالعهود الى من يتولون الخلافة بعدهم (28)، سنة وضعها أبو بكر وعمر وسار عليها خلفاء بني أمية. وكذلك كانوا يكتبون بالعهود الى من يولونهم على الولايات (29). وكانت الكتب لا تزال ذاهبة آيبة بينهم وبين ولاتهم في كل كبيرة وصغيرة. وكان قوادهم كلما فتحوا بلدا واستجاب إليهم أهلها عقدوا معهم المعاهدات.
ولا نستطيع أن نعرض بالتفصيل لكل ما دار بينهم وبين ولاتهم وقوادهم من مراسلات يطفح بها الطبري وغيره، ويكفي أن نقول إنه ليس هناك حادث مهم ولا ثورة إلا والرسائل تتساقط كالغيث، فزياد بن أبيه يكتب مرارا لمعاوية في شأن حجر بن عدي وأصحابه من الشيعة (30)، ويرد عليه. ويكتب يزيد الى ولاته في الحجاز بشأن عبد الله بن الزبير والحسين بن على (31)، وتكثر الرسائل بينه وبين عبيد الله بن زياد في وفود الحسين على العراق وما كان من مصرعه. (32)
ولم تكثر الرسائل السياسية بين الخلفاء وولاتهم كما كثرت في عهد عبد الملك وخاصة بينه وبين الحجاج لكثرة الفتن والثورات التي نشبت في العراق وخراسان.
وكان الحجاج نفسه يكثر من الكتابة الى قواده، ويكثرون من الرد عليه، وكان يكتب أحيانا الى الثوار أنفسهم على شاكلة رسالته الآنفة التي أرسل بها الى قطري. ولا بد أن نقف قليلا عنده إذ كان يعني بتحبير رسائله على نحو ما كان يعني بتحبير خطبه. ونراه يكثر من مراسلة المهلب وحثه على الفتك بالخوارج الأزارقة حتي لا تقوم لهم قائمة (33)، كما يكثر من مراسلة قواده في حروب الخوارج الشبيبية (34) وفي فتنة ابن الأشعث (35) وحروب خراسان (36). ورسائله مثل سياسته التي اشتهر بها تقطر شدة وحدة، حتي في مخاطبته لبعض الأمراء، فقد كتب الى سليمان بن عبد الملك-وهو لا يزال وليا للعهد-من رسالة له: «إنما
462
أنت نقطة من مداد، فإن رأيت في ما رأي أبوك وأخوك كنت لك كما كنت لهما، وإلا فأنا الحجاج وأنت النقطة فإن شئت محوتك وإن شئت أثبتك (37)» وكان الخلاف دب بينهما، ومن ثم حاول كما قدمنا أن يصرف ولاية العهد عنه، ولكن الموت عاجله وعاجل الوليد بن عبد الملك قبل تنفيذ هذه المحاولة.
ومعروف أنه كان صنيعة عبد الملك، فهو الذي أظهره، وما زال يرفع من أمره حتي ولاه العراق وخراسان، وكان إذا كتب إليه تأنق ما استطاع في تعبيره، ومن خير ما يصور ذلك رسالة احتفظ بها الجاحظ، يصف فيها لعبد الملك خصبا بعد جدب ومطرا بعد قحط، وهي تجري على هذا النمط (38):
«أما بعد فإنا نخبر أمير المؤمنين أنه لم يصب أرضنا وابل منذ كتبت أخبره عن سقيا الله إيانا إلا ما بل وجه الأرض من الطش والرش والرذاذ (39)، حتي دقعت (40) الأرض واقشعرت (41) واغبرت (42) وثارت في نواحيها أعاصير تذرو (43) دقاق الأرض من ترابها، وأمسك الفلاحون بأيديهم من شدة الأرض واعتزازها (44) وامتناعها، وأرضنا أرض سريع تغيرها، وشيك تنكرها، سيئ ظن أهلها عند قحوط المطر، حتي أرسل الله بالقبول (45) يوم الجمعة، فأثارت زبرجا متقطعا متمصرا (46)، ثم أعقبته الشمال (47) يوم السبت، فطحطحت (48) عنه جهامه (49) وألفت متقطعه، وجمعت متمصره، حتي انتضد فاستوي، وطما وطحا (50)، وكان (51) جونا (52) مرثعنا (53)، قريبا رواعده، ثم عادت عوائده بوابل منهمل
463
منسجل (54)، يردف (55) بعضه بعضا، كلما أردف شؤبوب أردفته شآبيب (56) لشدة وقعه في العراض (57). وكتبت الى أمير المؤمنين، وهي ترمي بمثل قطع القطن، قد ملأ اليباب (58). وسد الشعاب (59)، وسقي منها كل ساق. فالحمد لله الذي أنزل غيثه ونشر رحمته من بعد ما قنطوا (60)، وهو الولي الحميد، والسلام».
ويتضح في الرسالة ما اشتهر به الحجاج في خطبه من تزيينها بالصور الدقيقة والألفاظ الغريبة. وكان غيره من الولاة والقواد لا يزالون يحتالون لكلامهم، وينمقونه صورا مختلفة من التنميق، وسنري عما قليل طبقة من الكتاب المحترفين تتوفر على إدراك هذه الغاية بكل وسيلة، وهم كتاب الدواوين.
وأخذت تشيع، وخاصة منذ أواخر القرن، كتابات وعظية كثيرة، وقد اشتهر عمر بن عبد العزيز بأنه كان يكتب الى الوعاظ أن يرسلوا إليه بعظاتهم، ويروي أنه لما ولي الخلافة أرسل الى الحسن البصري أن يكتب إليه بصفة الإمام العادل، فدبج له رسالة طويلة استهلها بقوله (61).
«اعلم يا أمير المؤمنين أن الله جعل الإمام العادل قوام كل مائلة وقصد (62) كل جائر، وصلاح كل فاسد، وقوة كل ضعيف، ونصفة (63) كل مظلوم، ومفزع كل ملهوف. والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالراعي الشفيق على إبله، الرفيق بها، الذي يرتاد لها أطيب المراعي، ويذودها عن مراتع الهلكة، ويحميها من السباع، ويكفيها من أذي الحر والقر. (64) والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالأب الحاني على ولده، يسعي لهم صغارا ويعلمهم كبارا، يكتسب لهم في حياته، ويدخر لهم بعد مماته. والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالأم الشفيقة البرة بولدها، حملته كرها، ووضعته كرها، وربته طفلا، تسهر بسهره،
464
وتسكن بسكونه، ترضعه تارة وتفطمه أخري، وتفرح بعافيته، وتغتم بشكايته».
ومضي يذكر له حقوق الرعية عليه وحقوق الدين وما ينتظره من الموت والبعث والوقوف بين يدي الله وما ينبغي أن يتزود لذلك من التقوي والحكم الصالح.
والحسن في هذه الرسالة يستخدم نفس أسلوب خطابته الذي مر بنا وصفه، والذي يقوم على الازدواج وتزيين المعاني بالصور حتي تتمكن في النفر، وكان يزيدها تمكينا بمقابلاته وطباقاته الكثيرة. وكان يجاريه-كما قدمنا-في هذا الأسلوب كثير من الوعاظ، وعلي رأسهم غيلان الدمشقي، ويروي أنه كتب الى عمر بن عبد العزيز يعظه في رسالة طويلة، منها قوله (65):
«اعلم يا عمر أنك أدركت من الإسلام خلقا باليا، ورسما عافيا، فيا ميت بين الأموات لا تري أثرا فتتبع ولا تسمع صوتا فتنتفع، طفئ أمر السنة، وظهرت البدعة، أخيف العالم فلا يتكلم، ولا يعطي الجاهل فيسأل».
وقد أشاد الجاحظ ببلاغته (66)، مشيرا الى أن أدباء العصر العباسي كانوا يتحفظون كلامه وكلام الحسن البصري، حتي يبلغوا ما يريدون من المهارة البيانية (67). وما نشك كما أسلفنا-في أن بلغاء الكتاب في عصرهما كانوا يجارونهما في أساليبهما هما وأضرابهما من الوعاظ، فنحن لا نقرأ في سالم وعبد الحميد الكاتب حتي نجد عندهما نفس هذا الأسلوب الذي يتحلي بالطباق والتصوير والذي يقوم على التوازن في الكلام توازنا ينتهي به الى الازدواج، حتي يؤثرا في أنفس من يقرءونهما ويستوليا على ألبابهم.
وبجانب الكتابات الوعظية والسياسية شاعت في هذا العصر الكتابات الشخصية، بحكم تباعد العرب في مواطنهم، وبتأثير بعض الظروف من موت يقتضي التعزية أو ولاية تقتضي التهنئة، أو شفاعة عند وال لقريب أو صديق، أو عتاب أو اعتذار. وطبيعي أن لا يعني أصحاب هذه الكتابات بتسجيلها، لأنها لم تكن تتصل بحياة الأمة، ومن ثم سقط جمهورها من يد الزمن إلا بقية قليلة، فمن ذلك رسالة عقال بن شبة الى خالد القسري في شفاعة تجري على هذه الصورة (68):
465
«إن الله انتجبك (69) من جوهرة كرم، ومنبت شرف، وقسم لك خطرا (70) شهرته العرب، وتحدثت به الحاضرة والبادية، وأعان خطرك بقدرة مقسومة، ومنزلة ملحوظة، فجميع أكفائك من جماهير العرب يعرف فضلك، ويسره ما خار (71) الله لك، وليس كلهم أداله (72) الزمان ولا ساعده الحظ. وأحق من تعطف على أهل البيوتات، وعاد لهم بما يبقي له ذكره، ويحسن به نشره، مثلك. وقد وجهت إليك فلانا، وهو من دنية (73) قرابتي، وذوي الهيئة من أسرتي، عرف معروفك، وأحببت أن تلبسه نعمتك، وتصرفه إلي، وقد أودعتني وإياه ما تجده باقيا على النشر، جميلا في الغب» (74).
وتدل هذه الرسالة دلالة واضحة على أن كتاب الرسائل الشخصية أو على الأقل طائفة منهم كانت تعني عناية شديدة باختيار ألفاظها وتنسيقها، متوسلة الى ذلك بكل ما تستطيع من انتخاب الألفاظ الرشيقة وإحداث التوازن الموسيقي في الكلام، مع دقة التعبير وتجليته عن المعني، والفقه الحسن بمداخل التأثير في نفس القارئ وما ينبغي أن يسلك إليه الكاتب من طرق كي يستولي على عقله، فيقضي له حاجته. وممن اشتهر في هذا اللون من الرسائل الشخصية عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر الذي قتل بخراسان بأخرة من هذا العصر، فقد كان لسنا بليغا، يعرف كيف يحوك الكلم ويصوغه صياغة باهرة على نحو ما نجد في هذه الرسالة التي كتب بها الى بعض إخوانه معاتبا، إذ يقول (75):
«أما بعد فقد عاقني الشك في أمرك عن عزيمة الرأي فيك، ابتدأتني بلطف عن غير خبرة، ثم أعقبتني جفاء عن غير ذنب، فأطعمني أولك في إخائك، وأيأسني آخرك من وفائك، فلا أنا في اليوم مجمع لك اطراحا، ولا أنا في غد وانتظاره منك على ثقة، فسبحان من لو شاء كشف بإيضاح الرأي في أمرك عن عزيمة فيك، فأقمنا على ائتلاف، أو افترقنا على اختلاف، والسلام».
466
وكل كلمة من هذه الرسالة تنبئ عن دقة الكاتب وحذقه، وأنه يعرف كيف يتخير ألفاظه وكيف يصوغها وكأنها عقود جميلة تتألف من جواهر أنيقة. وهو لا يقتدر على اللفظ فحسب، بل هو أيضا يقتدر على جلب المعاني الظريفة، التي تروع بما فيها من منطق عقلي دقيق، وهو يعرضها في أسلوب من الازدواج الرشيق تزينه الاستعارات والطباقات.
وعلي هذا النحو أخذت الكتابة ترقي لا في الرسائل الشخصية فحسب، فقد رأينا كتاب العظات والسياسة يحققون نفس الرقي، وحري بنا الآن أن نتحول الى كتاب الدواوين، لنري ما أصاب الكتابة على أيديهم من تجويد وتحبير.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المبرد ص 611 وما بعدها.
(2) البيان والتبيين 2/ 310 وانظر المبرد ص 214.
(3) تجرثمت الشئ: أخذت معظمه.
(4) جلف: جاف.
(5) تستطعم الناس: تسألهم أن يطعموك.
(6) تستشفي: تطلب الشفاء.
(7) الشبعة: ما يشبع من الطعام.
(8) طغام الناس: أرذالهم.
(9) يستنشئون الرياح: يتنسمونها، كناية عن جوعهم.
(10) يشير الحجاج الى هزيمتين هزمهما الأزارقة أمام المهلب بن أبي صفرة.
(11) أظلع: من الظلع وهو العرج. السفال: سفول الخلق.
(12) يقولون ذلك إذا أرادوا الطعن في النسب.
(13) متيه: مضلل. الجبلة: السجية.
(14) مطلخم: متعجرف.
(15) الوثيقة: الثقة.
(16) كناية عن ذلته وانكشاف أمره.
(17) تصدير المقال: تسطيره وتحبيره.
(18) طبري 5/ 52.
(19) طبري 4/ 257 وما بعدها.
(20) طبري 4/ 429.
(21) طبري 4/ 539.
(22) يقولون ويل ام فلان إذا أرادوا التعجب منه. وكأن المختار يعلي من شأن قبائل ربيعة التي آزرته، ويقول إنها ستنكل بتميم وغيرها من قبائل مضر.
(23) سقر: جهنم.
(24) الصدر: الرجوع.
(25) المبرد ص 596 وما بعدها.
(26) طبري 4/ 541.
(27) طبري 4/ 481 وما بعدها.
(28) طبري 5/ 307.
(29) الوزراء والكتاب ص 31، 66.
(30) طبري 4/ 202 وما بعدها.
(31) طبري 4/ 250 وما بعدها.
(32) طبري 4/ 265 وما بعدها والوزراء والكتاب للجهشياري ص 1؟ ؟ ؟ .
(33) طبري 5/ 120 والمبرد ص 667 وما بعدها.
(34) طبري 5/ 79 وما بعدها.
(35) طبري 5/ 149 وما بعدها.
(36) طبري 5/ 140، 146.
(37) البيان والتبيين 1/ 397.
(38) البيان والتبيين 4/ 99.
(39) الطش والرش والرذاذ: المطر القليل.
(40) دقعت: خلت من النبات.
(41) اقشعرت: تقبضت من الجدب.
(42) اغبرت: تربت من الغبار.
(43) تذرو: تسفي وتحمل.
(44) الاعتزاز: من العزاز، وهي الأرض الصلبة.
(45) القبول: الريح الشرقية.
(46) الزبرج: السحاب الرقيق، والمتمصر: المتقطع.
(47) الشمال: الريح الشمالية.
(48) طحطحت: بددت وفرقت.
(49) الجهام: السحاب لا ماء فيه.
(50) طما: امتلأ وزخر، وطحا: انبسط وملأ الأفق.
(51) كان هنا بمعني صار.
(52) الجون: الضارب الى السواد
(53) مرثعنا: سائلا.
(54) منسجل: منصب.
(55) يردف: يتبع.
(56) الشآبيب: جمع شؤبوب وهو الدفعة من المطر.
(57) العراض: جمع عرض وهو الناحية.
(58) اليباب: الموضع الخالي لا نبات فيه.
(59) الشعاب: المسالك والسبل.
(60) قنطوا: يئسوا.
(61) العقد الفريد 1/ 34.
(62) قصد: هداية.
(63) نصفة: من الإنصاف.
(64) القر: البرد، مثلث القاف.
(65) المنية والأمل لابن المرتضي ص 16.
(66) البيان والتبيين 3/ 29.
(67) نفس المصدر 1/ 295.
(68) جمهرة رسائل العرب لأحمد زكي صفوت 2/ 416.
(69) انتجبك: اختارك.
(70) خطرا: قدرا.
(71) خار الله لك: جعل لك فيه الخير.
(72) أداله: نصره وأعانه.
(73) دنية: لاصق.
(74) الغب: العاقبة.
(75) البيان والتبيين 2/ 84