أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-11-2014
5558
التاريخ: 2-06-2015
5606
التاريخ: 12-6-2016
10644
التاريخ: 9-05-2015
5696
|
البرهان : يحتل البرهان مكانة مهمّة في موضوعة العلم في القرآن الكريم، فقد شدّد عليه في القضايا العقيديّة والمصيرية من حياة الانسان والمجتمع، وهو- البرهان- مصدر الاقناع والاحالة. ولذلك جاء نقطة مركزيّة في بنية النظرية القرآنية عن العلم. وللكتاب المجيد اسلوبه المباشر وغير المباشر في الحديث عن هذه المسألة الحسّاسة في مسيرة العلم.
البرهان في اللغة بيان الحجة وايضاحها ، وفي بعض المعاجم هو الحجة الفاصلة البينة، وبلحاظ هذه الانسقة في اللغة كما طرحتها المعاجم، نفهم ان البرهان هو الدليل ولكن بشرط ان يكون واضحا. على ان البرهان قد يأتي بمعنى الهداية والرشاد. أي لوضوح في المعاني والأفكار وقد يأتي بمعنى العلامات الهادية والاشارات الصارفة عن الباطل الى الحق. قال تعالى : {قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ } [النساء : 174] .
... { وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ } [يوسف : 24] .
فالبرهان هنا ينصرف الى الحكم والبيّن من الآيات والتصورات والأفكار.
* ان أولى خطوات الصياغة القرآنية للبرهان تتمثل في موقفه من التقليد، اقصد التقليد بمعنى الاتباع من غير علم أو بصيرة. قال تعالى : {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء : 36]
فالآية تنهى عن الاتباع الاعمى، انها موجّهة الى التقليد غير المسئول في مجال العقيدة أو السلوك ... وبناء على هذا لا بدّ من تحصيل المعرفة في كل مسلك عقائدي وفي كل اتجاه عملي وفي هذا السياق جاء موقف القرآن من الموروث الديني والاجتماعي. قال تعالى : { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ } [الشعراء : 69 - 74]
و قال تعالى : {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} [البقرة : 170] .
القرآن يرفض هذا المنطق لأن (منهجه) عقيم ، غير منتج ... انهم يفكرون بطريقة خاطئة {لا يَعْقِلُونَ}.
* يستمر القرآن في تصوير حقيقة التقليد ومساره وخطره على العلم والتاريخ والانسان فيطرح اسبابه وعلله ...
انّ للتقليد أنصاره وأشياعه ... وهؤلاء- بشكل عام- على نمطين :
الأول : عامّة الناس وجمهورهم من ذوي الثقافة المحدودة والفكر العابر، أي الذين حرموا نعمة التفكر والنظر بجديّة. هؤلاء الذين ركنوا الى السكون المميت والحكمة الجافة. إذ استأنست أذهانهم لمثل هذه الحياة الرتيبة. قال تعالى : {قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا}. وقال تعالى : ... {بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا}.
ان التعبير في الآيتين يوحي بتواصل طاغي استبدادي بين الماضي والحاضر، الحاضر هنا سلك للماضي ... {ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ «آباءَنا»}. حيث ان الضمير «نا» في آباءنا يؤكد وحدة المنشأ والمصير والعقل والسلوك والتصور، فالخروج من هذه الدائرة يسبّب خللا في الانتماء الى الحياة ويخلق شرخا بين الكائن والوجود.
الثاني : أصحاب المطامح والمصالح السياسيّة والاقتصاديّة السائدة، وكثيرا ما يكون القرار السياسي بيد هؤلاء ... هذا النمط يرتبط بالقيم الحاكمة ليس حبا بها ولا ايمانا، بل هو يدرك جيدا بانها بالية، ميتة، مستهلكة، بل هي علّة التقهقر والاستعباد ولكن يدافع عنها لأنها تبرّر سلطانه الغاشم ولأنه عامل تخديري يقاوم التجدد. قال تعالى : {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ} [يونس : 78]
القائلون هم فرعون وملؤه- رمز القوة الغاشمة-، قالوها لموسى وهارون- رمز الخير والجمال والتجديد والأمل- إنّ فرعون هنا يدافع عن هذه القيم لأنها كفيلة بقتل الطموح المشروع لدى الآخر، الطموح في حياة وافرة بالقوة والجمال والرحمة، فالموقف هنا ذرائعي مدروس.
اذن هناك نوعان من التبرير :
أ- ساذج، سببه {لا يَعْقِلُونَ}.
ب- مقصود، سببه المصالح المدروسة.
* ولكن أي تقليد يذمّه القرآن الكريم؟
الجواب واضح في ضوء الآيات التي تتعرض الى هذه القضيّة، إنه التقليد الأعمى، ومن عجائب الامور ان سلسلة هذا النوع من التقليد تبقى سائدة الى ضمير أصحابه حتى إذا كان البديل المطروح أفضل وأعمق وأرحب. قال تعالى : ... {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22) وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} [الزخرف : 22 ، 24] .
هذا هو التقليد الأعمى، تعصب ذميم يحول دون انبعاث الخير وانتشار النور، ويصل الى ذروته القصوى عند ما يرفض البديل بلا علم ولا رويّة رغم انّه الأفضل والأحسن.
* ويرتقي النظر القرآني الى الاوج عند ما يؤكد بأنّ هناك اتجاهين في التقليد المذموم .
الأول- التقليد في المنهج.
الثاني- التقليد في المضمون.
ان تقديس الماضي يعبّر عن منهج في التفكير والحياة، لأنّه طريقة تعامل، ولكن عبادة الأصنام عبارة عن مضمون ومحتوى.
القرآن الكريم يهاجم كلا الاتجاهين. قال تعالى : {إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ (69) فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ (70) وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ} [الصافات : 69 - 71] .
على آثارهم يهرعون : على طريقهم يسيرون، والضلال اسلوب حياة وتفكر، والآيات التي تنقد المضمون مرّ بعضها ... والكتاب العزيز عند ما يقول (... لا يعقلون، لا يعلمون، لا يفقهون) انما يركز على المنهج حيث تسبق الكلمات أو المصطلحات المذكورة بمضمون ما.
هذه لمحة سريعة عن موضوع التقليد الأعمى في القرآن وهو يحتاج الى مزيد بيان وتوضيح .
* المرتكز الآخر في نظرية البرهان القرآنية : المطالبة بالدليل وهو يحاكم الخصم، والقرآن في هذا المنحى لا يريد أن يسجّل نقطة التضاد، أو يهدف الى حرب سجاليّة، وانما ينطلق من نداء الحق في عالم الفكر. قال تعالى : {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة : 111] . وقال تعالى : { أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [النمل : 64] . وقال تعالى : {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ } [الأنبياء : 24]
ونظرة بسيطة الى الآيات تكشف عن مبدآ قرآني فريد، إن مبدأ القبول والرفض في العقيدة هو البرهان؛ ولذا نجد في الآيتين الاولى والثانية تعليق الصدق في الدعوى على حضور البرهان، وصيغة القرآن ليست تحدّيا بقدر ما هي حوار حول فكرة، بل هي تأسيس قاعدة في هذا المجال.
* على أن القرآن لا يكتفي بمثل هذا ، بل لا يطرح ادّعاء إلّا وبرهن عليه بطريقته الخاصّة، وهذه بعض الامثلة. قال تعالى : {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا } [الأنبياء : 22]. {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء : 82]. {لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل : 103] فالقرآن يطرح متبنياته على أساس البرهان، ولعل استعراضه للآيات الكونية والحياتية والتاريخية يندرج في هذا الإطار.
الآن نضع التصور التالي عن البرهان في القرآن الكريم :
أولا : البرهان هو الحجة أو الدليل ويجب أن يتم بالقوة والوضوح.
ثانيا : التقليد الأعمى مذموم في أي مجال، سواء كان منهجا أو مضمونا.
ثالثا : النفي أو الإثبات يحتاج الى برهان.
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|