أقرأ أيضاً
التاريخ: 2-02-2015
1819
التاريخ: 24-11-2020
5767
التاريخ: 2024-08-17
328
التاريخ: 9-10-2014
1739
|
قلنا : إنّ سورة «البقرة» تـتضمّن عمارتها جملة محاور أو موضوعات تحوم السورة عليها ، منها : الموضوع الذي يتحدّث عن الاسرائيليين ، ومنها : المحور الذي يتحدّث عن الإماتة والإحياء .
وممّا لا شك فيه ، أنّ كلّ قصة ترد عن هذا الموضوع أو ذلك المحور إنّما تجيء في سياق خاص يرتبط بطبيعة البناء الهندسي للسورة من حيث انتظام القصص وسائر الموضوعات فيها ، ممّا لا يدخل في نطاق حديثنا عن قصص القرآن ، بل يدخل في نطاق التفسير البنائي للقرآن الكريم فيما يستطيع المتلقّي أن يقف على بناء القصص في السورة المذكورة ومواقعها الهندسية من عمارة السورة .
أمّا الآن فنتحدّث عن مجموعة قصص أو حكايات تتناول المحور الذي أشرنا إليه وهو ظاهرة الإماتة والإحياء ، حيث لاحظنا سابقاً قصة البقرة التي حامت على الموضوع المذكور ، ونلاحظ الآن قصصاً جديدة عن الموضوع ، وهي ثلاث حكايات أو قصص تتماثل فيما بينها من حيث المحور الذي تحوم عليه ، أي ظاهرة الإماتة والإحياء ، ولكن وفق مستويات متنوّعة .
القصة أو الحكاية الاُولى التي سنتحدّث عنها لاحقاً هي قصة إبراهيم (عليه السلام) .
تتحدّث هذه القصة عن إبراهيم (عليه السلام) وموقفه من طاغية عصره نمرود في قضية الإحياء والإماتة ، من قِبَلِ اللّه عزّ وجلّ .
والحكاية الثانية ، عن إحدى شخصيات الماضين ، فيما مرّت ذات يوم على قرية خاوية فتساءلت مستفهمةً :
﴿أَنـّى يُحْيِي هذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللّهُ مِائَةَ عام ثُمَّ بَعَثَهُ﴾
وأمّا الحكاية الثالثة ، فتتناول قضية إبراهيم (عليه السلام) في تقطيعه للطيور الأربعة ، ثمّ عودة الحياة إلى الطيور المذكورة .
ومن الواضح ، أنّ هذه الأقاصيص الثلاث تحوم بأكملها على قضية واحدة هي الإماتةُ والإحياءُ ، أيّ إماتة اللّه عزّ وجلّ كلَّ شيء وإحياءه من جديد .
ومع أنّ هذه الحكايات الثلاث تحوم على ظاهرة واحدة ، إلاّ أنـّها في الآن ذاته تتناول الإماتة والإحياء من جوانب متعددة ، بحيث تُعالج كلُّ اُقصوصة جانباً خاصاً من الظاهرة .
كما أنّ الشخصيات الثلاث التي أبرزتهم القصصُ في هذا النطاق ، يشكّلون مستويات مختلفةً ، فأحدُهم إبراهيم (عليه السلام) ، وهو شخصيّة فذّة متميّزة بسمات خاصة لا تتوفّر عند سواه ، ويكفي أ نّه خليل اللّه ، وأنـّه صاحب الحنيفيّة السمحاء .
وأما الشخصية الثانية فهي إرميا ، أو عُزَير أو سواهما من شخصيات النبوّة .
والشخصيّة الثالثة هي نمرود ، وهي شخصيةٌ كافرة ، متهرئة بَلهاء .
إنّ هذه الشخصيات الثلاث بالرغم من التفاوت فيما بينها تتعرّض لتجربة الإحياء والإماتة في ظواهر مختلفة ذات صلة بالبشر ، وبالحيوانات ، وسواها .
والمهمّ ، أنّ كلاّ من ظاهرة الإماتة والإحياء ، ثمّ الشخوص الذين تعاملوا فكريّاً مع الظاهرة المذكورة ، . . . أنّ كلاّ منهما يخضع لِوحدة تجمع الأقاصيصُ بين خطوطها ، ويخضع لِفوارق تفصل الأقاصيص بينها في الآن ذاته .
وهذا واحدٌ من أسرار الفنّ العظيم .
* * *
إنّ الأهميّة الفنّية لهذه الأقاصيص أو الحكايات الثلاث ، تتمثّل في إمكان عدّها جميعاً قصةً واحدة ، ما دامت تتناول قضية واحدةً ، هي أنّ اللّه قادرٌ على إماتةِ كلّ شيء وإحيائه من جديد .
كما يمكن عدّ كلّ واحدة منها اُقصوصةً مستقلة ، ما دامت ذات شخوص ومواقف وأحداث ، كلّ واحد منها منفصلٌ عن الآخر .
ومجرّد كون هذه الأقاصيص ذات سمة مزدوجة على نحو ما أوضحناه ، يظلّ أمراً له أهميّته الجمالية العظيمة التي لا يُدرك أسرارها ، إلاّ من أُوتي خبرةً في تذوّق القصص .
ويُمكننا أن نتبيّن هذه الحقائق ، حين نبدأ بمعالجة كلّ اُقصوصة من هذه الأقاصيص على حِدَة ، على أن نحاول ـ من الآن ذاته ـ أن نصل فيما بينها بعد ذلك .
ونقف أولا عند حكاية إبراهيم (عليه السلام) مع طاغية عصره نمرود حسب تسلسلها
القصصي الذي ورد في النص القرآني الكريم .
يقول النص القصصي :
﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللّهُ الْمُلْكَ﴾
﴿إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ : رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي ويُمِيتُ﴾
﴿قالَ : أَنَا أُحْيِي وأُمِيتُ﴾
﴿قالَ إِبْراهِيمَ : فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ﴾
﴿فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ واللّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ﴾
إنّ هذه الآية القرآنية الواحدة تحفل بعنصر قصصي ثرّ ، بالرغم من قصر الحكاية التي أوردتها .
إنّها أوّلا ذات شخوص يتطلّبها شكل الاُقصوصة أو الحكاية متمثّلةً في شخصيتي إبراهيم (عليه السلام) ونمرود .
كما أنـّها ذات موقف يتطلّبها الشكلُ القصصي المذكور متمثّلا في مناقشة أو محاجّة بين إبراهيم (عليه السلام) ونمرود حيال ظاهرة كونية خطرة هي الإماتة والإحياء .
كما أنـّها ثالثاً ، تشكّل مدخلا إلى اُقصوصتين بعدها ، تتنالان نفس ظاهرة الإحياء والإماتة ، ولكن عبْر عمليتين تطبيقيّتين ، تلقيان الإنارة بنحو مفصّل على الظاهرة المذكورة .
ولنحاول إذن الوقوف مفصّلا عند هذه الحكاية أو الاُقصوصة .
النصوص المفسّرة تتفاوت في تحديد البيئة النفسية التي حملت كلاّ من إبراهيم (عليه السلام) ونمرود على هذه المناقشة ، فبعضها يذهب إلى أنّ المناقشة بينهما جرت عند إلقاء إبراهيم (عليه السلام) في النار التي أعدّها نمرود لإحراق إبراهيم ، وبعضها يذهب إلى أنّ المناقشة بينهما تمّت عند كسر إبراهيم للأصنام .
تقول الرواية الاُولى : لمّا ألقى نمرودُ إبراهيمَ في النار ، وجعلها اللّه عليه برداً وسلاماً ، قال نمرود : يا إبراهيم مَن ربّك ؟ قال : الذي يُحيي ويُميت .
قال له نمرود : أنا اُحيي واُميت . فقال له إبراهيم : كيف تحيي وتُميت ؟
قال : أعمدُ إلى رجلين ممّن قد وجب عليهم القتل ، فأطلق عن واحد وأقتل واحداً ، فأكون قد أحييتُ وأمتُّ . قال إبراهيم : إن كنت صادقاً فاحيي الذي قتلته ، ثمّ قال : دع هذا ، فإنّ ربي يأتي بالشمس من المشرق ، فأتِ بها من المغرب .
فكان كما قال اللّه عزّ وجلّ :
﴿فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ﴾
إنّ هذه الرواية التفسيريّة تُلقي أكثر من إنارة على الموقف . إنّها ـ بعامة ـ تحدّد معنى الصلابة لدى الشخصيات المُجاهدة . فإبراهيم (عليه السلام) وهو يتقدّم إلى المحرقة لا يعنيه هول النار بقدر ما يعنيه أن يلقي كلمة اللّه إلى الآخرين ، حتى أ نّه يقتحم مناقشةً مع شخصية بلهاء مثل نمرود دون أن تصرفه بلاهةُ نمرود وهولُ النار من الدخول في مُناقشة تتطلّب إلقاء حجر كبير في فم الطاغية الأبله نمرود .
المهمّ ، أنّ إبراهيم ألقى كلمته ، سواء أكان ذلك عند إلقائهم إيّاه في النّار ، أو عند كسره لأصنامهم ، أو عند نطاق بيئيٍّ آخر . . . ولهذا السبب سكتت القصّةُ عن تحديد البيئة النفسية للمناقشة ، واكتفت من الزواية الفنّية بذكر نمط المناقشة بين إبراهيم ونمرود ، دون أن تدخل في التفصيلات .
* * *
إنّ الأهميّة الفكرية والفنيّة لهذه المناقشة ، تتمثّل في جملة من الحقائق ، منها :
أنّ المتاع الدنيوي من مُلك ونحوه يحتجز كثيراً من الأغنياء عن التفكير السليم في استكناه الحقائق .
لقد قالت القصة عن نمرود أ نّه آتاه اللّه المُلك :
﴿أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللّهُ الْمُلْكَ﴾
وواضح أنّ القصة لم تخلع هذه السمة سمة المُلك على نمرود عبثاً ، بل تستهدف من ذلك ـ فنّياً ـ لفت الانتباه إلى أنّ الغباء والبلاهة وانغلاق الفكر يقف وراء هؤلاء الباحثين عن المتاع الدنيوي ، وقمّته هي المُلك ، أو السيطرة السياسية .
من الممكن أن يبهر السذّجَ من الناس مُلك أو سيطرة على الرقاب ، بحيث يعدّونها قمّةً لما يُسمّى في اللغة النفسية بـ : التقدير الاجتماعي ، يُعدّ المُلكُ قمّة الدافع إلى السيطرة والتفوّق ، لأنـّه تملّكٌ لرقاب الناس بأكملهم .
بيد أنّ التدقيق ـ من خلال هذه الاُقصوصة ـ في عقلية حكّام الأرض الذين لا ينتسبون إلى اللّه ، يدلّنا بوضوح على مدى ما هم عليه من غباء وبلاهة وانغلاق فكر بحيث ينهارون أمام أوّل مناقشة تواجههم ، على نحو ما لاحظناه في مناقشة إبراهيم (عليه السلام) لنمرود في قضية الإحياء والإماتة .
* * *
نخلص ممّا تقدم بالإضافة إلى الكشف عن التخلّف المعرفي لدى المنحرفين أنّ القصة المذكورة تظل تجسيداً أو مفردة لما كرّرناه من الإشارة إلى أحد محاور السورة ، وهي ظاهرة الإماتة والإحياء حيث جسّدت الاُقصوصة سلوكاً فكرياً لهذا الجانب .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|