المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17808 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
تـشكيـل اتـجاهات المـستـهلك والعوامـل المؤثـرة عليـها
2024-11-27
النـماذج النـظريـة لاتـجاهـات المـستـهلـك
2024-11-27
{اصبروا وصابروا ورابطوا }
2024-11-27
الله لا يضيع اجر عامل
2024-11-27
ذكر الله
2024-11-27
الاختبار في ذبل الأموال والأنفس
2024-11-27



تفسير الآية (88-93) من سورة يوسف  
  
15052   05:38 مساءً   التاريخ: 10-7-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الياء / سورة يوسف /

 

قال تعالى: {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88) قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ (89) قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90) قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ (91) قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92) اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} [يوسف: 88 - 93]

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

ولما قال يعقوب لبنيه: { اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ} خرجوا إلى مصر{ فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ} أي: على يوسف { قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ} أي: أصابنا ومن يختص بنا الجوع والحاجة والشدة من السنين الشدائد القحاط وقيل: أنهم شكوا ما نالهم من هلاك مواشيهم والبلاء الذي أصابهم{ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ } أي: ندافع بها الأيام ونتقوتها وليست مما يتسع به وقيل: رديئة لا تؤخذ إلا بوكس(2) عن ابن عباس والجبائي وقيل قليلة عن الحسن ومجاهد وقتادة وابن زيد وأبي مسلم .

واختلف في تلك البضاعة فقيل: كانت دراهم رديئة زيوفا لا تنفق في ثمن الطعام عن عكرمة عن ابن عباس وقيل: كانت خلق الغرارة والحبل ورث المتاع عن ابن أبي مليكة عنه وقيل: كانت متاع الأعراب الصوف والسمن عن عبد الله بن الحرث وقيل: الصنوبر والحبة الخضراء عن الكلبي ومقاتل وقيل: دراهم فسول(3) عن سعيد بن جبير وقيل: كانت أقطا عن الحسن وقيل: النعال والأدم عن الضحاك وعنه أيضا أنها سويق المقل{ فأوف لنا الكيل } كما كنت توفي في السنين الماضية ولا تنظر إلى قلة بضاعتنا في هذه السنة{ وتصدق علينا } أي: سامحنا بما بين النقدين وسعر لنا بالرديء كما تسعر بالجيد وقيل: معناه تصدق علينا برد أخينا عن ابن جريج والضحاك.

{ إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ} أي: يثيبهم على صدقاتهم بأفضل منها وفي كتاب النبوة بالإسناد عن الحسن بن محبوب عن أبي إسماعيل الفراء عن طربال عن أبي عبد الله (عليه السلام) في خبر طويل أن يعقوب كتب إلى يوسف بسم الله الرحمن الرحيم إلى عزيز مصر ومظهر العدل وموفي الكيل من يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن صاحب نمرود الذي جمع له النار ليحرقه بها فجعلها الله عليه بردا وسلاما وأنجاه منها أخبرك أيها العزيز أنا أهل بيت لم يزل البلاء إلينا سريعا من الله ليبلونا عند السراء والضراء وأن المصائب تتابعت علي عشرين سنة أولها أنه كان لي ابن سميته يوسف وكان سروري من بين ولدي وقرة عيني وثمرة فؤادي وأن إخوته من غير أمه سألوني أن أبعثه معهم يرتع ويلعب فبعثته معهم بكرة فجاؤوني عشاء يبكون وجاءوا على قميصه بدم كذب وزعموا أن الذئب أكله فاشتد لفقده حزني وكثر عن فراقه بكائي حتى ابيضت عيناي من الحزن وأنه كان له أخ وكنت به معجبا وكان لي أنيسا وكنت إذا ذكرت يوسف ضممته إلى صدري فسكن بعد ما أجد في صدري وأن إخوته ذكروا لي أنك سألتهم عنه وأمرتهم أن يأتوك به فإن لم يأتوك به منعتهم الميرة فبعثته معهم ليمتاروا لنا قمحا فرجعوا إلى وليس هو معهم وذكروا أنه سرق مكيال الملك ونحن أهل بيت لا نسرق وقد حبسته عني وفجعتني به وقد اشتد لفراقه حزني حتى تقوس لذلك ظهري وعظمت به مصيبتي مع مصائب تتابعت علي فمن علي بتخلية سبيله وإطلاقه من حبسك وطيب لنا القمح وأسمح لنا في السعر وأوف لنا الكيل وعجل سراح آل إبراهيم.

 قال فمضوا بكتابه حتى دخلوا على يوسف في دار الملك وقالوا { يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ} إلى آخر الآية وتصدق علينا بأخينا ابن يامين وهذا كتاب أبينا يعقوب إليك في أمره يسألك تخلية سبيله فمن به علينا فأخذ يوسف كتاب يعقوب وقبله ووضع على عينيه وبكى وانتحب حتى بلت دموعه القميص الذي عليه ثم أقبل عليهم و{ قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ} ومعناه أنه قال لهم: هل علمتم ما فعلتم بيوسف من إذلاله وإبعاده عن أبيه وإلقائه في البئر والاجتماع على قتله وبيعه بثمن وكس وما فعلتم بأخيه من إفراده عن يوسف والتفريق بينهما حتى صار ذليلا فيما بينكم لا يكلمكم إلا كما يكلم الذليل العزيز وإنما لم يذكر أباه يعقوب مع عظم ما دخل عليه من الغم لفراقه تعظيما له ورفعا من قدره وعلما أن ذلك كان بلاء له ليزداد به علو الدرجة ورفعة المنزلة عند الله تعالى.

 قال ابن الأنباري هذا استفهام يعني به تعظيم القصة ومعناه: ما أعظم ما ارتكبتم وما أقبح ما أتيتم من قطيعة الرحم وتضييع حقه كما يقول الرجل هل تدري من عصيت وفي هذه الآية مصداق قوله لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون وقوله{ إذ أنتم جاهلون } أي: صبيان عن ابن عباس وقيل: شبان عن الحسن ومعناه: فعلتم ذلك حين كنتم جاهلين جاهلية الصبي في عنفوان الشباب حين يغلب على الإنسان الجهل ولم ينسبهم إلى الجهل في حال الخطاب لأنهم كانوا تائبين نادمين في تلك الحال وكان هذا تلقينا لهم لما يعتذرون به إليه وهذا هو الغاية في الكرم إذ صفح عنهم ولقنهم وجه العذر و{ قالوا أ إنك لأنت يوسف }؟ قيل: أن يوسف لما قال لهم هل علمتم الآية تبسم فلما أبصروا ثناياه وكانت كاللؤلؤ المنظوم شبهوه بيوسف و{ قالوا } له{ قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ} عن ابن عباس وقيل: رفع التاج عن رأسه فعرفوه{ قال أنا يوسف } أظهر الاسم ولم يقل أنا هو تعظيما لما وقع به من ظلم إخوته فكأنه قال: أنا المظلوم المستحل منه المحرم المراد قتله فكفى ظهور الاسم من هذه المعاني عن ابن الأنباري قال: ولهذا قال{ وهذا أخي } لأن قصده وهذا المظلوم كظلمي{ قد من الله علينا } بالاجتماع بعد طول الفرقة وقيل: من الله علينا بكل خير في الدنيا والآخرة{ إنه من يتق } أي يتق الله{ ويصبر } على المصائب وعن المعاصي{ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} أي: أجر من كان هذا حاله والضياع ذهاب الشيء من غير عوض{ قالوا تالله } أي: أقسموا بالله سبحانه{ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا} أي: فضلك واختارك الله علينا بالحلم والعلم والعقل والحسن والملك{ وإن كنا لخاطئين } أي: ما كنا إلا مخطئين آثمين فيما فعلنا وهذا يدل على أنهم ندموا على ما فعلوا ولم يصروا عليه{ قال } يوسف{ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} أي: لا تعيير ولا توبيخ ولا تقريع عليكم الآن فيما فعلتم{ يغفر الله لكم } ذنوبكم فإني أستغفر الله لكم{ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} في عفوه عنكم ما تقدم من ذنبكم وقيل: في صنيعه بي حتى جعلني ملكا وقيل أراد باليوم الزمان فتدخل فيه الأوقات كلها كما قال الشاعر :

فاليوم يرحمنا من كان يغبطنا             واليوم نتبع من كانوا لنا تبعا .

وقيل: إن الكلام قد تم عند قوله{ لا تثريب عليكم } ثم ابتدأ بقوله{ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ} وهو دعاء لهم{ اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا} قيل: أنه (عليه السلام) لما عرفهم نفسه سألهم عن أبيه فقال: ما فعل أبي بعدي قالوا: ذهبت عيناه فقال: اذهبوا بقميصي هذا واطرحوه على وجهه يعد مبصرا كما كان من قبل قال ابن عباس:{ يأت بصيرا} يرتد بصيرا ويذهب البياض الذي على عينيه{ وأتوني بأهلكم أجمعين } إذا عاد بصيرا وهذا كان معجزا منه إذ لا يعرف أنه يعود بصيرا بإلقاء القميص على وجهه إلا بالوحي وقيل: أن يوسف قال: إنما يذهب بقميصي من ذهب به أولا فقال: يهوذا أنا ذهبت به وهو ملطخ بالدم فأخبرته أنه أكله الذئب قال: فاذهب بهذا أيضا وأخبره أنه حي وأفرحه كما حزنته فحمل القميص وخرج حافيا حاسرا حتى أتاه وكان معه سبعة أرغفة وكانت مسافة بينهما ثمانين فرسخا فلم يستوف الأرغفة في الطريق وقد ذكرنا شأن القميص من قبل.

 وروى أيضا الواحدي بإسناده يرفعه إلى أنس بن مالك عن رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) قال: أن نمرود الجبار لما ألقى إبراهيم في النار نزل إليه جبرائيل بقميص من الجنة وطنفسة من الجنة فألبسه القميص وأقعده على الطنفسة وقعد معه يحدثه فكسا إبراهيم ذلك القميص إسحاق وكساه إسحاق يعقوب وكساه يعقوب يوسف فجعله في قصبة من فضة وعلقها في عنقه فألقي في الجب والقميص في عنقه فذلك قوله{ اذهبوا بقميصي هذا } وقال ابن عباس: أخرج لهم قصبة من فضة كانت في عنقه لم يعلم بها إخوته فيها قميص وهو الذي نزل به جبرائيل على إبراهيم وذكر القصة وقال مجاهد: أمره جبرائيل أن أرسل إليه قميصك فإن فيه ريح الجنة لا يقع على مبتلى ولا سقيم إلا صح وعوفي .

___________________

1- تفسير مجمع البيان،الطبرسي،ج5،ص449-452.

2-الوكس :النقص.

3- الفسل:كل مسترذل رديء.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وأَهْلَنَا الضُّرُّ وجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللَّهً يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ } أوصى يعقوب بنيه أن يعودوا إلى مصر ، فقبلوا منه ، وعادوا إليها مرة ثالثة . . ودخلوا على العزيز منكسرين مسترحمين ، وبدأوا بالشكوى من الجهد والمجاعة . . مسنا وأهلنا الضر . .

تصدق علينا . . ان اللَّه يحب المتصدقين . . وإذا جئناك ببضاعة لا تليق فلأن الدهر غير مؤات . . قالوا هذا ، وهم أحفاد إبراهيم الخليل ( عليه السلام ) ، ولكن الشدة بلغت غايتها . . وجاءت النتيجة فوق ما يتصورون ، وهذه هي :

{ قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ } . بعد ان استمع يوسف لاستعطاف إخوته وتضرعهم ، وعرف بؤس أهله وحاجتهم رقّ وتغلبت عليه عاطفة الرحم وقرابة الدم ، وقال لهم معاتبا أو واعظا : أتذكرون يوما استجبتم فيه لدعوة الشيطان فألقيتم بأخيكم يوسف في غيابة الجب ، وأذقتم أخاه بنيامين من بعده صنوف الأذى ؟ . ألم تقولوا بالأمس القريب :{ ان يسرق فقد سرق أخ له من قبل ؟ . وهل يفعل الجاهل أكثر من فعلكم هذا ؟ .

{ قالُوا أَإِنَّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ } . وللمفسرين هنا كلام لا يتحمله لفظ الآية ، ولكنه يتفق مع طبيعة الموضوع ، ويساعد الاعتبار عليه ، وملخصه ان أخوة يوسف حين قال لهم ما قال تذكروا ما كانوا يعرفونه من ملامح وجهه ، ونبرات صوته ، وإشارات يده . . ومهما يكن فقد التمع في خاطرهم أو خاطر بعضهم انه يوسف { قالُوا أَإِنَّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ } . قالوا هذا وانتظروا الجواب ، فكانت المفاجأة التي لا تخطر على بال { قالَ أَنَا يُوسُفُ وهذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا } . .

وأريد من القارئ أن يقف هنا قليلا ، ويقارن بين موقفهم هذا الضعيف الذليل ، وبين موقفهم يوم ألقوا يوسف في الجب ، لا يأخذهم فيه دين ولا رحم . . ولا عجب { إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ ويَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهً لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } دنيا وآخرة ، والمراد بالمحسنين هنا الذين عملوا وثابروا وصبروا على الصعوبات ، وقد يهزمهم المسيئون الأشرار مرة أو مرات ، ولكن العاقبة للمتقين ، والشواهد على ذلك لا تقع تحت حصر من عهد النمرود إلى عهد هتلر . . وقد ابتليت الإنسانية اليوم بالصهيونية المتجسمة بإسرائيل ، وبالاستعمار الجديد بقيادة الولايات المتحدة أعتى عتاة الشر والفساد في هذا العصر . . ولسنا نشك إطلاقا في أن مصير الاثنتين هو مصير كل طاغ وباغ سابق ولا حق . . ولا نقول هذا لمجرد التعبير عما نحب ونرغب . .

كلا ، فإنه منطق طبيعي لتطور الحياة والتاريخ . . ان للحق أهلا يطالبون به ، ويضحون من أجله ، وان للخير قوى تناصره وتؤازره ، وستتحد في يوم من الأيام ضد الظلم والطغيان ، وتدور الدائرة على أهله وأنصاره .

{ قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا وإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ } . اعترفوا بأن اللَّه فضله عليهم علما وعقلا ، وكمالا وجمالا ، وأخيرا بالجاه والسلطان . . وأقروا بالذنب ، وطلبوا العفو والصفح ، ويوسف كريم وابن كريم ولذا { قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ } عفى يوسف عما مضى بلا تعنيف وتأنيب ، ودعا اللَّه ان يغفر لهم ما فرط منهم { وهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ } لمن تاب وأناب . وفي نهج البلاغة ،{ لا يشغله غضب عن رحمة ، ولا تلهه رحمة عن عقاب } وتواتر عن النبي الأعظم ( ص ) انه حين فتح مكة قال لقريش : ما تظنون اني فاعل بكم ؟

قالوا : نظن خيرا ، أخ كريم وابن أخ كريم ، فقال : اذهبوا فأنتم الطلقاء لا تثريب عليكم اليوم كما قال أخي يوسف .

{ اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ } . وتعود بنا هذه الآية إلى الآية 17 وهي :{ قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب . . وجاؤوا على قميصه بدم كذب . . } .

نعود إلى هذه الآية لنقارن بين القميص الأول والقميص الثاني ، فالأول جر على يعقوب البلاء والأدواء ، أما الثاني ففيه الشفاء والهناء ، ونقارن أيضا بين موقف أبنائه حين جاؤه بالقميص الأول معزين ، وموقفهم حين أتوه بالثاني مهنئين .

وإذا سأل سائل : كيف يكون إلقاء القميص على البصر سببا لشفائه ؟ أجبنا بأنه لا نجد تفسيرا لذلك الا المعجزة الخارقة ، تماما كنار إبراهيم ، وعصا موسى ، وكلام عيسى في المهد ، فهؤلاء أنبياء ، ويوسف وأبوه نبيان .

___________________

1- التفسير الكاشف، جلد ٤، محمد جواد مغنية، صفحه 352-354.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى:{ فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ} إلخ، البضاعة المزجاة المتاع القليل، وفي الكلام حذف والتقدير فساروا بني يعقوب إلى مصر ولما دخلوا على يوسف قالوا{إلخ}.

كانت لهم - على ما يدل عليه السياق - حاجتان إلى العزيز ولا مطمع لهم بحسب ظاهر الأسباب إلى قضائهما واستجابته عليهم فيهما.

إحداهما: أن يبيع منهم الطعام ولا ثمن عندهم يفي بما يريدونه من الطعام على أنهم عرفوا بالكذب وسجل عليهم السرقة من قبل وهان أمرهم على العزيز لا يرجى منه أن يكرمهم بما كان يكرمهم به في الجيئة الأولى.

وثانيتهما: أن يخلي عن سبيل أخيهم المأخوذ بالسرقة، وقد استيأسوا منه بعد ما كانوا ألحوا عليه فأبى العزيز حتى عن تخلية سبيله بأخذ أحدهم مكانه.

ولذلك لما حضروا عند يوسف العزيز وكلموه وهم يريدون أخذ الطعام وإعتاق أخيهم أوقفوا أنفسهم موقف التذلل والخضوع وبالغوا في رقة الكلام استرحاما واستعطافا فذكروا أولا ما مسهم وأهلهم من الضر وسوء الحال ثم ذكروا قلة ما أتوا به من البضاعة ثم سألوه إيفاء الكيل، وأما حديث أخيهم المأخوذ فلم يصرحوا بسؤال تخلية سبيله بل سألوه أن يتصدق عليهم وإنما يتصدق بالمال والطعام مال وأخوهم المسترق مال العزيز ظاهرا ثم حرضوه بقولهم:{إن الله يجزي المتصدقين} وهو في معنى الدعاء.

فمعنى الآية:{ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ} وأحاط بنا جميعا المضيقة وسوء الحال{وجئنا} إليك{ببضاعة مزجاة} ومتاع قليل لا يعدل ما نسألك من الطعام غير أنه نهاية ما في وسعنا{ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا} وكأنهم يريدون به أخاهم أو إياه والطعام{ إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ} خيرا.

وقد بدءوا القول بخطاب{يا أيها العزيز} وختموه بما في معنى الدعاء وأتوا خلاله بذكر سوء حالهم والاعتراف بقلة بضاعتهم وسؤاله أن يتصدق عليهم وهو من أمر السؤال والموقف موقف الاسترحام ممن لا يستحق ذلك لسوء سابقته، وهم عصبة قد اصطفوا أمام عزيز مصر.

وعند ذلك تمت الكلمة الإلهية أنه سيرفع يوسف وأخاه ويضع عنده سائر بني يعقوب لظلمهم، ولذلك لم يلبث يوسف (عليه السلام) دون أن أجابهم بقوله:{ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ} وعرفهم نفسه، وقد كان يمكنه (عليه السلام) أن يخبر أباه وإخوته مكانه وأنه بمصر طول هذه المدة غير القصيرة لكن الله سبحانه شاء أن يوقف إخوته أمامه ومعه أخوه المحسود موقف المذلة والمسكنة وهو متك على أريكة العزة.

قوله تعالى:{ قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ} إنما يخاطب المخطىء المجرم بمثل هل علمت وأ تدري وأ رأيت ونحوها وهو عالم بما فعل لتذكيره جزاء عمله ووبال ذنبه لكنه (عليه السلام) أعقب استفهامه بقوله:{إذ أنتم جاهلون} وفيه تلقين عذر.

فقوله:{هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه} مجرد تذكير لعملهم بهما من غير توبيخ ومؤاخذة ليعرفهم من الله عليه وعلى أخيه وهذا من عجيب فتوة يوسف (عليه السلام)، ويا لها من فتوة.

قوله تعالى:{ قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا} إلى آخر الآية تأكيد الجملة المستفهم عنها للدلالة على أن الشواهد القطعية قامت على تحقق مضمونها وإنما يستفهم لمجرد الاعتراف فحسب.

وقد قامت الشواهد عندهم على كون العزيز هو أخاهم يوسف ولذلك سألوه بقولهم:{ء إنك لأنت يوسف} مؤكدا بإن واللام وضمير الفصل فأجابهم بقوله:{أنا يوسف وهذا أخي} وإنما ألحق أخاه بنفسه ولم يسألوا عنه وما كانوا يجهلونه ليخبر عن من الله عليهما، وهما معا المحسودان ولذا قال:{قد من الله علينا}.

ثم أخبر عن سبب المن الإلهي بحسب ظاهر الأسباب فقال:{ إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} وفيه دعوتهم إلى الإحسان وبيان أنه يتحقق بالتقوى والصبر.

قوله تعالى:{ قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ} الإيثار هو الاختيار والتفضيل، والخطأ ضد الصواب والخاطىء والمخطىء من خطأ خطأ وأخطأ إخطاء بمعنى واحد، ومعنى الآية ظاهر وفيها اعترافهم بالخطإ وتفضيل الله يوسف عليهم.

قوله تعالى:{ قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} التثريب التوبيخ والمبالغة في اللوم وتعديد الذنوب، وإنما قيد نفي التثريب باليوم ليدل على مكانة صفحه وإغماضه عن الانتقام منهم والظرف هذا الظرف هو عزيز مصر أوتي النبوة والحكم وعلم الأحاديث ومعه أخوه وهم أذلاء بين يديه معترفون بالخطيئة وإن الله آثره عليهم بالرغم من قولهم أول يوم:{ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين}.

ثم دعا لهم واستغفر بقوله:{يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين} وهذا دعاء واستغفار منه لإخوته الذين ظلموه جميعا وإن كان الحاضرون عنده اليوم بعضهم لا جميعهم كما يستفاد من قوله تعالى الآتي:{قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم} وسيجيء إن شاء الله تعالى.

ختام قصة يوسف (عليه السلام) وتتضمن الآيات أمر يوسف إخوته بحمل قميصه إلى أبيه وإتيانهم إليه بأهلهم أجمعين ثم دخولهم مصر ولقاؤه أبويه.

قوله تعالى:{اذهبوا بقميصي هذا وألقوه على وجه أبي يأت بصيرا وأتوني بأهلكم أجمعين} تتمة كلام يوسف (عليه السلام) يأمر فيه إخوته أن يذهبوا بقميصه إلى أبيه فيلقوه على وجهه ليشفي الله به عينيه ويأتي بصيرا بعد ما صار من كثرة الحزن والبكاء ضريرا لا يبصر.

وهذا آخر العنايات البديعة التي أظهرها الله سبحانه في حق يوسف (عليه السلام) على ما يقصه في هذه السورة مما غلب الله الأسباب فحولها إلى خلاف الجهة التي كانت تجري إليها حسده إخوته فاستذلوه وغربوه عن مستقره بإلقائه في الجب وبيعه من السيارة بثمن بخس فجعل الله سبحانه هذا السبب بعينه سببا لقراره في بيت عزيز مصر في أكرم مثوى ثم أقره في أريكة عزة تضرع إليه أمامها إخوته بقولهم{ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ}.

ثم أحبته امرأة العزيز ونسوة مصر فراودنه عن نفسه ليوردنه في مهلكة الفجور فحفظه الله وجعل ذلك سببا لظهور براءة ساحته وكمال عفته، ثم استذلوه فسجنوه فجعله الله سببا لعزته وملكه.

وجاء إخوته إلى أبيه يوم ألقوه في غيابة الجب بقميصه الملطخ بالدم فأخبروه بموته كذبا فكان القميص سببا لحزن أبيه وبكائه في فراق ابنه حتى ابيضت عيناه وذهب بصره فرد الله سبحانه به بصره إليه وبالجملة اجتمعت الأسباب على خفضه وأراد الله سبحانه رفعه فكان ما أراده الله دون الذي توجهت إليه الأسباب والله غالب على أمره.

وقوله:{ وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} أمر منه بانتقال بيت يعقوب من يعقوب وأهله وبنيه وذراريه جميعا من البدو إلى مصر ونزولهم بها.

______________________

1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج11،ص194-201.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

وأخيراً استطاعوا أن يقابلوا يوسف، فخاطبوه ـ وهم في غاية الشدّة والألم ـ بقولهم: { فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ} أي أنّ القحط والغلاء والشدّة قد ألمّت بنا وبعائلتنا ولم نحمل معنا من كنعان إلاّ متاعاً رخيصاً { وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ }(2) لا قيمة لها ولكن ـ في كلّ الأحوال ـ نعتمد على ما تبذل لنا من كرمك ونأمل في معروفك {فاوف لنا الكيل} بمنّك الكريم وصدقاتك الوافرة {وتصدّق علينا} ولا تطلب منّا الأجر، بل اُطلبه من الله سبحانه وتعالى حيث {إنّ الله يجزي المتصدّقين}.

والطريف أنّ إخوة يوسف لم ينفذوا وصيّة أبيهم في البحث عن إخوتهم أوّلا، بل حاولوا الحصول على الطعام، ولأجل ذلك قابلوا العزيز وطلبوا منه المؤن والحبوب، ولعلّ السبب في ذلك ضعف أملهم في العثور على يوسف، أو لعلّهم أرادوا أن يظهروا أنفسهم أمام العزيز والمصريين وكأنّهم اُناس جاؤوا لشراء الطعام والحبوب فقط، فمن ثمّ يطرحوا مشكلتهم أمام العزيز ويطلبوا منه المساعدة، فعند ذاك يكون وقع الطلب أقوى وإحتمال تنفيذه أكثر.

قال بعض المفسّرين: إنّ مقصود الإخوة من قولهم: {تصدّق علينا} كان طلب الإفراج عن أخيهم لأنّهم لم يطلبوا من العزيز الطعام والحبوب مجّاناً دون عوض حتّى يطلبوا منه التصدّق عليهم، فإنّهم يدفعون ثمنه.

ونقرأ في روايات وردت في هذا المقام، أنّ الإخوة كانوا يحملون معهم رسالة من أبيهم إلى عزيز مصر، حيث مدح يعقوب في تلك الرسالة عزيز مصر وأكبر عدالته وصلاحه وشكره على ما بذله له ولعائلته من الطعام والحبوب، ثمّ عرّف نفسه والأنبياء من أهل بيته وأخبره برزاياه وما تحمله من المصائب والمصاعب من فقده أعزّ أولاده وأحبّهم إلى نفسه يوسف وأخيه بنيامين، وما أصابهم من القحط والغلاء، وفي ختام الرسالة طلب من العزيز أن يمنّ عليه ويطلق سراح ولده بنيامين، وذكّره أنّ بنيامين سليل بيت النبوّة والرسالة وأنّه لا يتلوّث بالسرقة وغيرها من الدناءات والمعاصي.

وحينما قدّم الأولاد رسالة أبيهم إلى العزيز شاهدوا أنّه فضّ الرسالة بإحترام وقبلها ووضعها على عينيه وبدأ يبكي بحيث أنّ الدموع بلّت ثيابه(3) (وهذا ما حيّر الإخوة، وبدأوا يفكّرون بعلاقة العزيز مع أبيهم بحيث جعله يبكي شوقاً وشغفاً حينما فتحها، ولعلّ فعل العزيز أثار عندهم إحتمال أن يكون يوسف هو العزيز، ولعلّ هذه الرسالة أثارت عواطف العزيز وشعوره بحيث لم يطق صبراً وعجز عن أن يخفي نفسه بغطاء السلطة وأجبره على كشف نفسه لإخوته).

وفي تلك اللحظة، وبعد أن مضت أيّام الإمتحان الصعب ـ وكان قد إشتدت محنة الفراق على يوسف وظهرت عليه آثار الكآبة والهمّ، أراد أن يعرّف نفسه لإخوته فابتدرهم بقوله: { هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ}.

لاحظوا عظمة يوسف وعلوّ نفسه حيث يسألهم أوّلا عن ذنبهم لكن بهذه الكناية اللطيفة يقول: {ما فعلتم} وثانياً يبيّن لهم طريقة الإعتذار وأنّ ما ارتكبوه في حقّ إخوتهم إنّما صدر عن جهلهم وغرورهم، وأنّه قد مضى أيّام الصبى والطفولة وهم الآن في دور الكمال والعقل!

كما أنّه يفهم من الآية الشريفة أنّ يوسف لم يكن وحده الذي ابتلي بإخوته ومعاملتهم السيّئة، بل إنّ بنيامين أيضاً كان يقاسي منهم ألوان العذاب، ولعلّه قد شرح لأخيه يوسف في الفترة التي قضاها في مصر، جانباً ممّا عاناه تحت أيديهم، ويستفاد من بعض الرّوايات أنّ يوسف حينما استفسر عمّا فعلوه معه ومع أخيه ختم إستفساره بإبتسامة عريضة ليدفع عن أذهانهم إحتمال أنّه سوف ينتقم منهم فظهرت لإخوته أسنانه الجميلة ولاحظوا وتذكّروا الشبه بينه وبين أسنان أخيهم يوسف(4).

أمّا هم، فإنّهم حينما لاحظوا هذه الأُمور مجتمعة، وشاهدوا أنّ العزيز يتحدّث معهم ويستفسرهم عمّا فعلوه بيوسف، تلك الأعمال التي لم يكن يعلمها أحد غيرهم إلاّ يوسف.

ومن جهة أُخرى أدهشهم يوسف وما أصابه من الوجد والهياج حينما إستلم كتاب يعقوب، وأحسّوا بعلاقة وثيقة بينه وبين صاحب الرسالة.

وثالثاً كلّما أمعنوا النظر في وجه العزيز ودقّقوا في ملامحه، لاحظوا الشبه الكبير بينه وبين أخيهم يوسف .. لكنّهم في نفس الوقت لم يدر بخلدهم ولم يتصوّروا أنّه يمكن أن يكون أخوهم يوسف قد إرتقى منصب الوزارة وصار عزيزاً لمصر، أين يوسف وأين الوزارة والعزّة؟! لكنّهم تجرّأوا أخيراً وسألوه مستفسرين منه { قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ}.

كانت هذه الدقائق أصعب اللحظات على الإخوة، حيث لم يكونوا يعرفون محتوى إجابة العزيز! وأنّه هل يرفع الستار ويظهر لهم حقيقته، أم أنّه سوف يعتقد بأنّهم مجانين حيث ظنّوا هذا الظنّ.

كانت اللحظات تمرّ بسرعة والإنتظار الطويل يثقل على قلوبهم فيزيد في قلقهم، لكن يوسف لم يدع اُخوته يطول بهم الإنتظار ورفع الحجاب بينه وبينهم وأظهر لهم حقيقة نفسه و {قال أنا يوسف وهذا أخي} لكن لكي يشكر الله سبحانه وتعالى على ما أنعمه من جميع هذه المواهب والنعم، ولكي يعلّم إخوته درساً آخر من دروس المعرفة قال: إنّه { قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}.

لا يعرف أحد كيف مرّت هذه اللحظات الحسّاسة على الإخوة كما لا يعرف أحد مدى إنفعالهم وما خامرهم من السرور والفرح وكيف تعانقوا واحتضنوا أخاهم والدموع الغزيرة التي ذرفوها وذلك حينما التقوا بأخيهم وبعد عشرات السنين من الفراق، لكنّهم في كلّ الأحوال كانوا لا يطيقون النظر إلى وجه أخيهم يوسف لعلمهم بالذنب والجريمة التي اقترفوها في حقّه، فترقّبوا إجابة يوسف وأنّه هل يغفر لهم إساءتهم إليه ويعفو عن جريمتهم أم لا؟ فابتدأوا مستفسرين بقولهم: {قالوا تالله لقد آثرك الله علينا}(5) أي أنّ الله سبحانه وتعالى قد فضّلك علينا بالعلم والحلم والحكومة {وإن كنّا لخاطئين}(6).

أمّا يوسف الذي كانت نفسه تأبى أن يرى إخوته في حال الخجل والندامة ـ خاصّة في هذه اللحظات الحسّاسة وبعد إنتصاره عليهم ـ أو لعلّه أراد أن يدفع عن أذهانهم ما قد يتبادر إليها من إحتمال أن ينتقم منهم، فخاطبهم بقوله: { قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ}(7) أي أنّ العتاب والعقاب مرفوع عنكم اليوم، اطمئنوا وكونوا مرتاحي الضمير ولا تجعلوا للآلام والمصائب السابقة منفذاً إلى نفوسكم، ثمّ لكي يبيّن لهم أنّه ليس وحده الذي أسقط حقّه وعفا عنهم، بل إنّ الله سبحانه وتعالى أيضاً عفا عنهم حينما أظهروا الندامة والخجل قال لهم: { يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} أي إنّ الله سبحانه وتعالى قد قبل توبتكم وعفا عنكم لأنّه أرحم الراحمين.

وهذا دليل على علو قدر يوسف وغاية فضله حيث إنّه لم يعف عن سيّئات إخوته فحسب، بل رفض حتّى أن يوبّخ ويعاتب إخوته ـ فضلا عن أن يجازيهم ويعاقبهم ـ إضافةً إلى هذا فإنّه طمأنهم على أنّ الله سبحانه وتعالى رحيم غفور وأنّه تعالى سوف يعفو عن سيّئاتهم، وإستدلّ لهم على ذلك بأنّ الله سبحانه وتعالى هو أرحم الراحمين.

وهنا تذكر الإخوة مصيبة أُخرى قد ألمّت بعائلتهم والشاهد الحي على ما إقترفوه في حقّ أخيهم ألا وهو أبوهم حيث فقد الشيخ الكبير بصره حزناً وفراقاً على يوسف، أمّا يوسف فإنّه قد وجد لهذه المشكلة حلا حيث خاطبهم بقوله: { اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا} ثمّ طلب منهم أن يجمعوا العائلة ويأتوا بهم جميعاً { وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ}.

___________________

1- تفسير الامثل ،مكارم الشيرازي،ج6،ص351-355.

2- (البضاعة) أصلها (البضع) على وزن جزء، وهي بمعنى القطعة من اللحم المقطوعة من الجسم، كما يطلق على جزء من المال الذي يقتطع منه ثمناً لشيء (مزجاة) من (الازجاء) بمعنى الدفع، وبما أنّ الشيء التافه والقليل الثمن يدفعه الآخذ عن نفسه، اُطلق عليه (مزجاة).

3- مجمع البيان في ذيل الآية الشريفة.

4- مجمع البيان، ذيل الآية الشريفة.

5- (آثرك) أصله من (الإيثار) وفي الأصل بمعنى البحث عن أثر الشيء، وبما أنّه يقال للفضل والخير: أثر، فقد إستعملت هذه الكلمة للدلالة على الفضيلة والعلو، فبناء على هذا يكون معنى قوله (آثرك الله علينا) أي أنّ الله سبحانه وتعالى قد أكرمك وفضّلك علينا لما قمت به من الأعمال الخيّرة.

6 ـ يرى الفخر الرازي في تفسيره أنّ الفرق بين الخاطئ والمخطئ هو أنّ الخاطىء يقال لمن تعمّد الخطأ، والمخطئ لمن أخطأ عن سهو.

7 ـ «تثريب» أصله من مادّة (ثرب) وهو شحمة رقيقة تغطّي المعدة والأمعاء، والتثريب بمعنى رفع هذا الغطاء، ثمّ بمعنى العتاب والملامة فكان المعاقب قد رفع بعتابه غطاء الذنب عن وجه المذنب (راجع القاموس ومفردات الراغب وتفسير الرازي وروح المعاني).




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .