المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17738 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19

صلاة الجماعة
2024-09-16
التشريع المصري المنظم لحجية التوقيع الإلكتروني في الإثبات
20-7-2022
individual concept
2023-09-22
رتبة غمديه الأجنحة Coleoptera
19-5-2016
الشروط المتعلقة برافع الدعوى الادارية
2024-01-07
Fibonacci Factorial Constant
16-2-2020


تفسير الآية (15-25) من سورة الزخرف  
  
4325   10:17 صباحاً   التاريخ: 27-5-2020
المؤلف : إعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : .....
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الزاي / سورة الزخرف /

قال تعالى : {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (15) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ (16) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُو كَظِيمٌ (17) أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوفِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18) وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19) وَقَالُوا لَوشَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (20) أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (21) بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22) وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) قَالَ أَوَ لَو جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (24) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} [الزخرف : 15 - 25]

 

تفسير مجمع البيان

- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) 

 

رجع سبحانه إلى ذكر الكفار الذين تقدم ذكرهم فقال {وجعلوا له من عباده جزءا} أي نصيبا يعني : حكموا بأن بعض عباده وهم الملائكة له أولاد ومعنى الجعل هنا الحكم وهذا معنى قول ابن عباس ومجاهد والحسن قالوا زعموا أن الملائكة بنات الله قال الزجاج قد أنشد بعض أهل اللغة بيتا يدل على أن معنى جزء معنى الإناث وهو :

إن أجزأت حرة يوما فلا عجب *** قد تجزىء الحرة المذكار أحيانا (2)

أي : أنثت وقيل أن معناه وجعلوا لله من مال عباده نصيبا فيكون كقوله وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فحذف المضاف {إن الإنسان لكفور مبين} أي جاحد لنعم الله مظهر لكفره غير مستتر به .

وقوله تعالى : {أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ (16) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُو كَظِيمٌ (17) أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوفِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18) وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19) وَقَالُوا لَوشَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} [الزخرف : 16 - 20]

فقد أنكر سبحانه عليهم قولهم فقال {أم} وهذا استفهام إنكار وتوبيخ ومعناه بل {اتخذ مما يخلق بنات} أي اتخذ ربكم لنفسه البنات {وأصفاكم} أي أخلصكم {بالبنين} وهذا كقوله أ فأصفاكم ربكم بالبنين الآية ثم زاد في الاحتجاج عليهم بأن قال {وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا} أي بما جعل لله شبها وذلك أن ولد كل شيء شبهه وجنسه فالمعنى وإذا بشر أحدهم بولادة ابنة له {ظل وجهه مسودا} بما يلحقه من الغم بذلك {وهو كظيم} أي مملوء كربا وغيظا .

 ثم وبخهم بما افتروه فقال {أ ومن ينشؤا في الحلية} أي أ وجعلوا من ينشؤا في الحلية أي في زينة النساء لله عز وجل يعني البنات {وهو في الخصام} يعني المخاصمة {غير مبين} للحجة قال قتادة قل ما تتكلم امرأة بحجتها إلا تكلمت بالحجة عليها أي لا يمكنها أن تبين الحجة عند الخصومة لضعفها وسفهها وقيل معناه أ وتعبدون من ينشأ في الحلية ولا يمكنه أن ينطق بحجته ويعجز عن الجواب وهم الأصنام فإنهم كانوا يحلونها بالحلي عن ابن زيد وإنما قال {وهوفي الخصام} ولم يقل (وهي) لأنه حمله على لفظ من {وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا} بأن زعموا أنهم بنات الله .

{أ شهدوا خلقهم} هذا رد عليهم أي أ حضروا خلقهم حتى علموا أنهم إناث وهذا كقوله أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون {ستكتب شهادتهم} بذلك {ويسألون} عنها يوم القيامة {وقالوا لوشاء الرحمن ما عبدناهم} أي لوشاء الرحمن أن لا نعبدهم ما عبدناهم فإنما عبدناهم بمشيئة الله {ما لهم بذلك من علم} أي لا يعلمون صحة ما يقولون هذا إشارة إلى بطلان قولهم لما لم يصدر عن دليل وعلم {إن هم إلا يخرصون} أي ما هم إلا كاذبون قال أبو حامد كذبهم الله تعالى لأنهم أنكروا التوحيد بإضافتهم الولد إليه سبحانه وفارقوا العدل بإضافتهم الكفر إلى مشيئة الله تعالى .

وقوله تعالى : {أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (21) بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22) وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) قَالَ أَوَ لَو جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (24) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} [الزخرف : 21 ، 25]

لما حكى الله سبحانه تخرص من أضاف عبادة الأصنام والملائكة إلى مشيئة الله قال {أم آتيناهم كتابا} وهو استفهام بمعنى التقرير لهم على خطإهم والتقدير أ هذا الذي ذكروه شيء تخرصوه وافتعلوه أم آتيناهم كتابا {من قبله فهم به مستمسكون} أي مستمسكون بذلك فإذا لم يمكنهم ادعاء أن الله تعالى أنزل بذلك كتابا علم أن ذلك من تخرصهم ودل أم على حذف حرف الاستفهام لأنه المعادلة له .

 ثم أعلم أنهم اتبعوا آباءهم في الضلالة فقال ليس الأمر كذلك {بل قالوا إنا وجدنا آبائنا على أمة} أي على ملة وطريقة عن ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي وقيل على جماعة أي كانوا مجتمعين موافقين على ما نحن عليه عن الجبائي .

{وإنا على آثارهم مهتدون} نهتدي بهداهم ثم قال سبحانه {وكذلك} أي ومثل ما قال هؤلاء في الحوالة على تقليد آبائهم في الكفر {ما أرسلنا من قبلك} يا محمد {في قرية} ومجمع من الناس {من نذير} أي نذيرا لأن من زائدة {إلا قال مترفوها} وهم المتنعمون الذين آثروا الترفه على طلب الحجة يريد الرؤساء {إنا وجدنا آبائنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون} نقتدي بهم فلا نخالفهم وأحال جميعهم على التقليد للآباء فحسب دون الحجة والتقليد قبيح في العقول إذ لوكان جائزا لكان يلزم في ذلك أن يكون الحق في الشيء ونقيضه فكل فريق يقلد أسلافه مع أن كلا منهم يعتقد أن من سواه على خطأ وضلال وهذا باطل لا شبهة في بطلانه فإذا لا بد من الرجوع إلى حجة عقلية أو سمعية .

 ثم قال سبحانه للنذير {قل} لهم {أ ولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آبائكم} تتبعون ما وجدتم عليه آباءكم ولا تقبلون ما جئتكم به وفي هذا أحسن التلطف في الاستدعاء إلى الحق وهوأنه لوكان ما يدعونه حقا وهدى وكان ما جئتكم به من الحق أهدى منه كان أوجب أن يتبع ويرجع إليه ثم أخبر أنهم أبوا أن يقبلوا ذلك و{قالوا إنا بما أرسلتم به} أيها الرسل {كافرون} ثم ذكر سبحانه ما فعل بهم فقال {فانتقمنا منهم} بأن أهلكناهم وعجلنا عقوبتهم {فانظر كيف كان عاقبة المكذبين} أنبياء الله والجاحدين لهم وفي هذا إشارة إلى أن العاقبة المحمودة تكون لأهل الحق والمصدقين لرسل الله .

______________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج9 ، ص71-76 .

2- المذكار : التي من عادتها ان تلد الذكور ، وكذلك الرجل . المراد : انه ان كانت الحرة مؤنثاً بان خلقها الله انثى ، فلا عجب ، فان الحرة المذكار التي هي سبب الفخر ، تكون انثى . وقال في الكشاف : ومن بدع التفاسير تفسير الجزء بالإناث وادعاء ان الجزء في لغة العرب اسم للإناث ، وما هو الا كذب على العرب ، ووضع مستحدث منحول ، ولم يقنعهم ذلك حتى اشتقوا منه : ((أجزأت المرأة)) . الخ .

 

 

تفسير الكاشف

- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) 

 

قال تعالى : {وجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً إِنَّ الإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ} . المراد بالجزء هنا الولد لأنه بضعة من والده ، أما قوله تعالى :

{مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ} فيتضمن الدليل على فساد زعمهم بأن للَّه ولدا لأن المخلوق لا يكون جزءا من الخالق كما لا يكون البيت جزءا من بانيه ، ولم يكتف المشركون بهذا الافتراء حتى خصوا اللَّه بما يكرهون من الأولاد ، وأنفسهم بما يحبون . .

وتقدم مثله في الآية 100 من سورة الأنعام ج 3 ص 237 والآية 40 من سورة الإسراء ج 5 ص 46 والآية 152 من سورة الصافات .

{وإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وهُو كَظِيمٌ} .

فاعل ضرب ضمير مستتر يعود على أحدهم . . بعد أن وصف سبحانه بالكفر الواضح من أشرك وقال : اتخذ الرحمن ولدا - ذمّ من يحزن ويكتئب إذا ولدت له أنثى ، وفي الوقت نفسه يفتري على اللَّه ويقول : اتخذ مما يخلق بنات . وتقدم مثله في الآية 57 من سورة النحل ج 4 ص 523 .

{أَومَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وهُو فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ} . أتنسب للَّه أيها المشرك الجاهل الإناث التي تتحلى بالزينة ، وإذا حاجّك وخاصمك في ذلك مخاصم عجزت عن الحجة والدليل ؟ وقال المفسرون : ضمير هو يعود إلى الأنثى بالنظر إلى أن لفظ {من} مذكر ، وعليه يكون المعنى ان الأنثى ناقصة العقل تعجز عن إيراد الدليل على قولها عند المخاصمة والمنازعة ، ومع ذلك يقول المشركون : انها بنت اللَّه . . وظاهر السياق يرجح هذا التفسير .

{وجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ} ؟ كيف تجرأ المشركون على القول : ان الملائكة بنات اللَّه ؟ فهل كانوا عند اللَّه حين خلق الملائكة أو أخبرهم بذلك شاهد عيان ؟ . وصدق من قال : كذب الإنسان على مثله وعلى ربه وعلى ملائكته ورسله ، وأيضا كذب على نفسه . ومثل هذه الآية قوله تعالى : أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وهُمْ شاهِدُونَ - 150 الصافات {سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ ويُسْئَلُونَ} . ان اللَّه لا يخفى عليه شيء فهو يعلم افتراءهم عليه وعلى ملائكته ، وغدا يسألهم عنه ويحاسبهم عليه .

{وقالُوا لَوشاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ} . زعموا ان اللَّه راض عن عبادة الأصنام والملائكة ، وإلا ردعهم عن ذلك بالقهر والقوة . . وجهلوا انه تعالى لو فعل ذلك لكان الإنسان أشبه بالجماد لا يستحق ثوابا ولا عقابا . وتقدم مثله في الآية 148 من سورة الأنعام ج 3 ص 278 {ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} .

نسبوا شركهم وضلالهم إلى اللَّه تعالى علوا كبيرا . . وجهلوا انه جل وعز أمر ونهى تكليفا وإرشادا ، وترك التنفيذ لإرادة المكلف لتظهر أفعاله التي يستحق عليها الثواب والعقاب .

{أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ} ؟ كلا ، لا دليل لهم من العقل ولا من النقل على ما يزعمون إلا هذا الدليل {بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ} . فتقليد الآباء هو ملجأهم الأول والأخير .

وقد حكى اللَّه سبحانه قولهم هذا في العديد من الآيات ، منها الآية 170 من سورة البقرة و105 من سورة المائدة و53 من سورة الأنبياء و21 من سورة لقمان وغيرها . وعقدنا فصلا خاصا للكلام عن التقليد وأقسامه في ج 1 ص 259 .

{وكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ} . هذا منطق الانتهازيين والنفعيين منذ وجدوا والى آخر يوم . أنظر ج 4 ص 405 فقرة {تفكير الطغاة} وج 5 ص 30 فقرة {المترفون} وص 453 فقرة {منطق أرباب المال : بنك وعقار} {قالَ أَولَوجِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ} . ويومئ هذا إلى صحة التقليد إذا كان المقلَّد على هدى من ربه ، وعلى فساد التقليد إذا كان المقلد ضالا مضلا .

{قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ} . والذي نفهمه من قولهم هذا انهم يكفرون بالحق أينما كان ويكون حتى ولوكان مع الآباء ، وانهم لا يؤمنون بشيء إطلاقا إلا بمكاسبهم ومنافعهم ، أما التذرع بدين الآباء فهو لمجرد الخوف أن يظهروا للملأ على حقيقتهم ، وقد رأينا الكثير من الأبناء يسخرون من الآباء وتقاليدهم ، لا لشيء إلا لأنها تصطدم مع ميولهم ورغباتهم . . ولا جزاء لمن عاند الحق إلا القسوة والعنف {فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} انها خزي وجحيم من غير شك .

____________________

1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص540-542 .

 

تفسير الميزان

- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) 

 

حكاية بعض أقوالهم التي دعاهم إلى القول بها الإسراف والكفر بالنعم وهو قولهم بالولد وأن الملائكة بنات الله سبحانه ، واحتجاجهم على عبادتهم الملائكة ورده عليهم .

قوله تعالى : {وجعلوا له من عباده جزءا إن الإنسان لكفور مبين} المراد بالجزء الولد فإن الولادة إنما هي الاشتقاق فالولد جزء من والده منفصل منه متصور بصورته .

وإنما عبر عن الولد بالجزء للإشارة إلى استحالة دعواهم ، فإن جزئية شيء من شيء كيفما تصورت لا تتم إلا بتركب في ذلك الشيء والله سبحانه واحد من جميع الجهات .

وقد بان بما تقدم أن {من عباده} بيان لقوله : {جزء} ولا ضير في تقدم هذا النوع من البيان على المبين ولا في جمعية البيان وإفراد المبين .

قوله تعالى : {أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين} أي أخلصكم للبنين فلكم بنون وليس له إلا البنات وأنتم ترون أن البنت أخس من الابن فتثبتون له أخس الصنفين وتخصون أنفسكم بأشرفهما وهذا مع كونه قولا محالا في نفسه إزراء وإهانة ظاهرة وكفران .

وتقييد اتخاذ البنات بكونه مما يخلق لكونهم قائلين بكون الملائكة - على ربوبيتهم وألوهيتهم - مخلوقين لله ، والالتفات في الآية إلى خطابهم لتأكيد الإلزام وتثبيت التوبيخ ، والتنكير والتعريف في {بنات} و{البنين} للتحقير والتفخيم .

قوله تعالى : {وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ظل وجهه مسودا وهو كظيم} المثل هو المثل والشبه المجانس للشيء وضرب الشيء مثلا أخذه مجانسا للشيء {وما ضرب للرحمان مثلا} الأنثى ، والكظيم المملوء كربا وغيظا .

والمعنى : وحالهم أنه إذا بشر أحدهم بالأنثى الذي جعلها شبها مجانسا للرحمان صار وجهه مسودا من الغم وهو مملوء كربا وغيظا لعدم رضاهم بذلك وعده عارا لهم لكنهم يرضونه له .

والالتفات في الآية إلى الغيبة لحكاية شنيع سيرتهم وقبيح طريقتهم للغير حتى يتعجب منه .

قوله تعالى : {أ ومن ينشؤا في الحلية وهو في الخصام غير مبين} أي أ وجعلوا لله سبحانه من ينشأ في الحلية أي يتربى في الزينة وهو في المخاصمة والمحاجة غير مبين لحجته لا يقدر على تقرير دعواه .

وإنما ذكر هذين النعتين لأن المرأة بالطبع أقوى عاطفة وشفقة وأضعف تعقلا بالقياس إلى الرجل وهو بالعكس ومن أوضح مظاهر قوة عواطفها تعلقها الشديد بالحلية والزينة وضعفها في تقرير الحجة المبني على قوة التعقل .

قوله تعالى : {وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا} إلخ ، هذا معنى قولهم : إن الملائكة بنات الله وقد كان يقول به طوائف من عرب الجاهلية وأما غيرهم من الوثنية فربما عدوا في آلهتهم إلهة هي أم إله أو بنت إله لكن لم يقولوا بكون جميع الملائكة إناثا كما هو ظاهر المحكي في الآية الكريمة .

وإنما وصف الملائكة بقوله : {الذين هم عباد الرحمن} ردا لقولهم بأنوثتهم لأن الإناث لا يطلق عليهن العباد ، ولا يلزم منه اتصافهم بالذكورة بالمعنى الذي يتصف به الحيوان فإن الذكورة والأنوثة اللتين في الحيوان من لوازم وجوده المادي المجهز للتناسل وتوليد المثل ، والملائكة في معزل من ذلك .

وقوله : {أ شهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون} رد لدعواهم الأنوثة في الملائكة بأن الطريق إلى العلم بذلك الحس وهم لم يروهم حتى يعلموا بها فلم يكونوا حاضرين عند خلقهم حتى يشاهدوا منهم ذلك .

فقوله : {أ شهدوا خلقهم إلخ} استفهام إنكاري ووعيد على قولهم بغير علم أي لم يشهدوا خلقهم وستكتب في صحائف أعمالهم هذه الشهادة عليهم ويسألون عنه يوم القيامة .

قوله تعالى : {وقالوا لوشاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون} حجة عقلية داحضة محكية عنهم يمكن أن تقرر تارة لإثبات صحة عبادة الشركاء بأن يقال : لوشاء الله أن لا نعبد الشركاء ما عبدناهم ضرورة لاستحالة تخلف مراده تعالى عن إرادته لكنا نعبدهم فهو لم يشأ ذلك وعدم مشيته عدم عبادتهم إذن في عبادتهم فلا منع من قبله تعالى عن عبادة الشركاء والملائكة منهم ، وهذا المعنى هو المنساق إلى الذهن من قوله في سورة الأنعام : {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ . .} [الأنعام : 148] ، على ما يعطيه السياق ما قبله وما بعده .

وتقرر تارة لإبطال النبوة القائلة إن الله يوجب عليكم كذا وكذا ويحرم عليكم كذا كذا بأن يقال لوشاء الله أن لا نعبد الشركاء ولا نحل ولا نحرم شيئا لم نعبد الشركاء ولم نضع من عندنا حكما لاستحالة تخلف مراده تعالى عن إرادته لكنا نعبدهم ونحل ونحرم أشياء فلم يشأ الله سبحانه منا شيئا ، فقول إن الله يأمركم بكذا وينهاكم عن كذا وبالجملة أنه شاء كذا باطل .

وهذا المعنى هو الظاهر المستفاد من قوله تعالى في سورة النحل : {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ . .} [النحل : 35] ، بالنظر إلى السياق .

وقولهم في محكي الآية المبحوث عنها : {لوشاء الرحمن ما عبدناهم} على ما يفيده سياق الآيات السابقة واللاحقة مسوق للاحتجاج على المعنى الأول وهو تصحيح عبادتهم للملائكة فيكون في معنى آية سورة الأنعام وأخص منها .

وقوله : {ما لهم بذلك من علم} أي هو منهم قول مبني على الجهل فإنه مغالطة خلطوا فيها بين الإرادة التكوينية والإرادة التشريعية وأخذ الأولى مكان الثانية ، فمقتضى الحجة أن لا إرادة تكوينية منه تعالى متعلقة بعدم عبادتهم الملائكة وانتفاء تعلق هذا النوع من الإرادة بعدم عبادتهم لهم لا يستلزم انتفاء تعلق الإرادة التشريعية به .

فهو سبحانه لما لم يشأ أن لا يعبدوا الشركاء بالإرادة التكوينية كانوا مختارين غير مضطرين على فعل أوترك فأراد منهم بالإرادة التشريعية أن يوحدوه ولا يعبدوا الشركاء ، والإرادة التشريعية لا يستحيل تخلف المراد عنها لكونها اعتبارية غير حقيقية ، وإنما تستعمل في الشرائع والقوانين والتكاليف المولوية ، والحقيقة التي تبتني عليها هي اشتمال الفعل على مصلحة أو مفسدة .

وبما تقدم يظهر فساد ما قيل : إن حجتهم مبنية على مقدمتين : الأولى أن عبادتهم للملائكة بمشيته تعالى ، والثانية أن ذلك مستلزم لكونها مرضية عنده تعالى وقد أصابوا في الأولى وأخطئوا في الثانية حيث جهلوا أن المشية عبارة عن ترجيح بعض الممكنات على بعض كائنا ما كان من غير اعتبار الرضا والسخط في شيء من الطرفين .

وجه الفساد : أن مضمون الحجة عدم تعلق المشية على ترك العبادة وعدم تعلق المشية بالترك لا يستلزم تعلق المشية بالفعل بل لازمه الإذن الذي هو عدم المنع من الفعل .

ثم إن ظاهر كلامه قصر الإرداة في التكوينية وإهمال التشريعية التي عليها المدار في التكاليف المولوية وهو خطأ منه .

ويظهر أيضا فساد ما نسب إلى بعضهم أن المراد بقولهم : {لوشاء الرحمن ما عبدناهم} الاعتذار عن عبادة الملائكة بتعلق مشية الله بها مع الاعتراف بكونها قبيحة .

وذلك أنهم لم يكونوا مسلمين لقبح عبادة آلهتهم حتى يعتذروا عنها وقد حكي عنهم ذيلا قولهم : {إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون} .

وقوله : {إن هم إلا يخرصون} الخرص - على ما يظهر من الراغب - القول على الظن والتخمين ، وفسر أيضا بالكذب .

قوله تعالى : {أم آتيناهم كتابا من قبله فهم به مستمسكون} ضمير {من قبله} للقرآن ، وفي الآية نفي أن يكون لهم حجة من طريق النقل كما أن في الآية السابقة نفي حجتهم من طريق العقل ، ومحصل الآيتين أن لا حجة لهم على عبادة الملائكة لا من طريق العقل ولا من طريق النقل فلم يأذن الله فيها .

قوله تعالى : {بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون} الأمة الطريقة التي تؤم وتقصد ، والمراد بها الدين ، والإضراب عما تحصل من الآيتين ، والمعنى : لا دليل لهم على حقية عبادتهم بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على دين وإنا على آثارهم مهتدون أي إنهم متشبثون بتقليد آبائهم فحسب .

قوله تعالى : {وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا} إلخ ، أي إن التشبث بذيل التقليد ليس مما يختص بهؤلاء فقد كان ذلك دأب أسلافهم من الأمم المشركين وما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير وهو النبي إلا تشبث متنعموها بذيل التقليد وقالوا : إنا وجدنا أسلافنا على دين وإنا على آثارهم مقتدون لن نتركها ولن نخالفهم .

ونسبة القول إلى مترفيهم للإشارة إلى أن الإتراف والتنعم هو الذي يدعوهم إلى التقليد ويصرفهم عن النظر في الحق .

قوله تعالى : {قال أ ولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم} إلخ ، القائل هو النذير ، والخطاب للمترفين ويشمل غيرهم بالتبعية ، والعطف في {أولو جئتكم} على محذوف يدل عليه كلامهم ، والتقدير أنكم على آثارهم مقتدون ولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم؟ والمحصل : هل أنتم لازمون لدينهم حتى لوكان ما جئتكم به من الدين أهدى منه؟ وعد النذير ما جاءهم به أهدى من دينهم مع كون دينهم باطلا لا هدى فيه من باب مجاراة الخصم .

وقوله : {قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون} جواب منهم لقول النذير : {أ ولو جئتكم} إلخ وهو تحكم من غير دليل .

قوله تعالى : {فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين} أي تفرع على ذلك الإرسال والرد بالتقليد والتحكم أنا أهلكناهم بتكذيبهم فانظر كيف كان عاقبة أولئك السابقين من أهل القرى وفيه تهديد لقوم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .

___________________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج18 ، ص74-77 .

 

تفسير الامثل

- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) 

 

كيف تزعمون أنّ الملائكة بنات الله ؟

بعد تثبيت دعائم التوحيد بوسيلة ذكر آيات الله سبحانه في نظام الوجود ، وذكر نعمه ومواهبه ، تتناول هذه الآيات ما يقابل ذلك ، أيّ محاربة الشرك وعبادة غير الله تعالى ، فتطرّقت أوّلاً إلى أحد فروعها ، أيّ عبادة الملائكة فقالت : {وجعلوا له من عباده جزءاً} فظنّوا أنّ الملائكة بنات الله سبحانه ، وأنّها آلهتهم ، وكانت هذه الخرافة القبيحة رائجة بين الكثيرين من عبدة الأوثان .

إنّ التعبير بـ «الجزء» يبيّن من جانب أنّ هؤلاء كانوا يعتبرون الملائكة أولاد الله تعالى ، لأنّ الولد جزء من وجود الأب والأمّ ، وينفصل عنهما كنطفة تتكوّن وتتلقّح ، وإذا ما تلقّحت تَكَوّن الولد من تلك اللحظة . ويبيّن من جانب آخر قبولهم عبادتها ، لأنّهم كانوا يظنّون الملائكة جزءاً من الآلهة في مقابل الله سبحانه .

ثمّ إنّ هذا التعبير استدلال واضح على بطلان اعتقاد المشركين الخرافي ، لأنّ الملائكة إن كانت أولاداً لله سبحانه ، فإنّ ذلك يستلزم أن يكون لله جزء ، ونتيجة ذلك أنّ ذات الله مركبة سبحانه ، في حين أنّ الأدلّة العقليّة والنقليّة شاهدة على بساطة وجوده وأحديّته ، لأنّ الجزء مختصّ بالموجودات الممكنة .

ثمّ تضيف : {إنّ الإِنسان لكفور مبين} فمع كل هذه النعم الإِلهيّة التي أحاطت بوجوده ، والتي مرّ ذكر خمس منها في الآيات السابقة ، فإنّه بدل أن يطأطيء رأسه إعظاماً لخالقه ، وإجلالاً لولي نعمته ، سلك سبيل الكفر واتّجه إلى مخلوقات الله ليعبدها!

في الآية التي بعدها يستثمر القرآن الثوابت الفكريّة لدى هؤلاء من أجل إدانة هذا التفكير الخرافي ، لأنّهم كانوا يرجّحون جنس الرجل على المرأة ، وكانوا يعدّون البنت عاراً ـ عادةً ـ يقول تعالى : {أم اتخذ ممّا يخلق بنات وأصفاكم بالبنين}؟ فإذا كان مقام البنت أدنى في اعتقادكم ، فكيف ترجّحون أنفسكم وتعلونها على الله ، فتجعلون نصيبه بنتاً ، ونصيبكم ولداً؟

صحيح أنّ المرأة والرجل متساويان في القيم الإِنسانيّة السامية عند الله سبحانه ، إلاّ أنّ الإِستدلال باعتقادات المخاطب يترك أحياناً في فكره أثراً يدفعه إلى إعادة النظر فيما يعتقد .

وتتابع الآية التالية هذا البحث ببيان آخر ، فتقول : {وإذا بشّر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلاً ظلّ وجهه مسودّاً وهو كظيم} .

والمراد من {بما ضرب للرحمن مثلاً} هم الملائكة الذين كانوا يعتبرونهم بنات الله ، وكانوا يعتقدون في الوقت نفسه أنّها آلهتهم ، وأنّها شبيهة به ـ سبحانه ـ ومثله .

إنّ لفظة (كظيم) من مادّة «كظْم» ، وتعني الحلقوم ، وجاءت أيضاً بمعنى غلق فم قربة الماء بعد امتلائها ، ولذلك فإنّ هذه الكلمة استعملت للتعبير عمّن امتلأ قلبه غضباً أو غمّاً وحزناً . وهذا التعبير يحكي جيّداً عن خرافة تفكير المشركين البله في عصر الجاهليّة فيما يتعلق بولادة البنت ، وكيف أنّهم كانوا يحزنون ويغتمّون عند سماعهم بولادة بنت لهم ، إلاّ أنّهم في الوقت نفسه كانوا يعتقدون بأنّ الملائكة بنات الله سبحانه!

وتضيف في الآية الكريمة : {أومن ينشؤ في الحلية وهو في الخصام غير مبين} (2) .

لقد ذكر القرآن هنا صفتين من صفات النساء غالباً ، تنبعثان من ينبوع عاطفتهنّ ، إحداهما : تعلّق النساء الشديد بأدوات الزينة ، والأُخرى : عدم امتلاكهنّ القدرة الكافية على إثبات مرادهنّ أثناء المخاصمة والجدال لحيائهنّ وخجلهنّ .

لا شكّ أنّ بعض النسوة ليس لديهنّ هذا التعلّق الشديد بالزينة ، ولا شكّ أيضاً أنّ التعلّق بالزينة ومحبّتها في حدود الإِعتدال لا يعد عيباً في النساء ، بل أكّد عليها الإِسلام ، إلاّ أنّ المراد هو أكثريّة النساء اللاتي تعوّدن على الاِفراط في الزينة في أغلب المجتمعات البشريّة ، وكأنّهن يولدن بين أحضان الزينة ويتربّين في حجرها .

وكذلك لا يوجد أدنى شكّ في أنّ بعض النسوة ارتقين أعلى الدرجات في قوّة المنطق والبيان ، لكن لا يمكن إنكار ضعف النساء عند المخاصمة والبحث والجدال ، إذا ما قورنت بقدرة الرجال ، وذلك بسبب خجلهنّ وحيائهنّ .

والهدف بيان هذه الحقيقة ، وهي : كيف تظنّون وتعتقدون بأنّ البنات أولاد الله سبحانه ، وأنّكم مصطفون بالبنين؟

وتذكر الآية الأخيرة ـ من هذه الآيات ـ هذا المطلب بصراحة أكثر ، فتقول : {وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً} .

أجل . . إنّهم عباد الله ، مطيعون لأمره ، ومسلمون لإرادته ، كما ورد ذلك في الآيتين (26) ، (27) من سورة الأنبياء : {بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون} .

إنّ التعبير بكلمة (عباد) في الواقع ردّ على ظنّ هؤلاء ، لأنّ الملائكة لو كانت مؤنّثاً لوجب أن يقول : (عبدات) ، لكن ينبغي الإِنتباه إلى أنّ العباد تطلق على جمع المذكّر وعلى الموجودات التي تخرج عن إطار المذكر والمؤنث كالملائكة ، ويشبه ذلك استعمال ضمائر المفرد المذكّر في حقّ الله سبحانه ، في حين أنّه تعالى فوق كلّ هذه التقسيمات .

وجدير بالذكر أنّ كلمة (عباد) قد أضيفت إلى (الرحمن) في هذه الجملة ، ويمكن أن يكون هذا التعبير إشارة إلى أن أغلب الملائكة منفذون لرحمة الله ، ومدبرون لقوانين عالم الوجود وأنظمته ، وكل ذلك رحمة .

لكن لماذا وجدت هذه الخرافة بين عرب الجاهليّة؟ ولماذا بقيت ترسباتها إلى الآن في أذهان جماعة من الناس؟ حتى أنّهم يرسمون الملائكة ويصورونها على هيئة المرأة والبنت ، بل حتى إذا أرادوا أن يرسموا ما يسمى بملك الحرية فإنّهم يرسمونه على هيئة امرأة جميلة طويلة الشعر!

يمكن أن يكون هذا الوهم نابعاً من أنّ الملائكة مستورون عن الأنظار ، والنساء مستورات كذلك ، ويلاحظ هذا المعنى في بعض موارد المؤنث المجازي في لغة العرب ، حيث يعتبرون الشمس مؤنثاً مجازيّاً والقمر مذكراً ، لأنّ قرص الشمس مغطى عادة بأمواج نورها فلا سبيل للنظر إليه ، بخلاف قرص القمر .

أو أن لطافة الملائكة ورقتها قد سببت أن يعتبروها كالنساء ، حيث أن النساء اكثر رقّة ولطافة إذا قيست بالرجال .

والعجيب أنّه بعد كل هذه المحاربة الإِسلامية لهذا التفكير الخرافي وإبطاله ، فإنّهم إذا ما أرادوا أن يصفوا امرأة فإنّهم يقولون : إنّها ملك ، أمّا في شأن الرجال فقلما يستعمل هذا التعبير . وكذلك قد يختارون كلمة الملك والملاك اسماً للنساء!

ثمّ تجيبهم الآية بصيغة الإِستفهام الإِنكاري فتقول : (أشهدوا خلقهم)؟ وتضيف في النهاية : (ستكتب شهادتهم ويسألون) .

لقد ورد ما قرأناه في هذه الآيات بصورة أُخرى في سورة النحل الآيات (56 ـ 60) أيضاً ، وقد أوردنا هناك بحثاً مفصّلاً حول عقائد عرب الجاهليّة فيما يتعلق بمسألة الوأد ، وعقيدتهم في جنس المرأة ، وكذلك حول دور الإِسلام في إحياء شخصيّة المرأة ومقامها السامي .

وقوله تعالى : {وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (20) أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (21) بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ } [الزخرف : 20 - 22]

لا دليل لهم سوى تقليد الآباء الجاهلين !

أعطت الآيات السابقة أوّل جواب منطقي على عقيدة عبدة الأوثان الخرافيّة ، حيث كانوا يظنون أنّ الملائكة بنات الله ، والجواب هو : إنّ الرؤية والحضور في موقف ما ضروري قبل كل شيء لإثبات ادعاء ما ، في حين لا يقوى أي عابد وثن أن يدّعي أنّه كان حاضراً حين خلق الملائكة ، وأنّه رأى كيفيّة ذلك الخلق بعينه .

وتتابع هذه الآيات نفس الموضوع ، وتسلك مسالك أُخرى لإبطال هذه الخرافة القبيحة ، فتتعرض أوّلاً ـ وبصورة مختصرة ـ لأحد الأدلة الواهية لهؤلاء ثمّ تجيب عليه ، فتقول : (وقالوا لوشاء الرحمن ما عبدناهم) .

إنّ هذا التعبير قد يكون إشارة إلى أنّ هؤلاء كانوا يعتقدون بالجبر ، وأن كل ما يصدر منا فهو بإرادة الله ، وكل ما نفعله فهو برضاه أو أنّه لولم يكن راضياً عن أعمالنا وعقائدنا لوجب أن ينهانا عنها ، ولما لم ينهنا عنها فإنّ ذلك دليل على رضاه .

الحقيقة ، أنّ هؤلاء اختلقوا خرافات جديدة من أجل توجيه عقائدهم الخرافية الفاسدة الأولى ، وافتروا أكاذيب جديدة لإثبات أكاذيبهم الأولى ، وأيّاً من الإِحتمالين ـ أعلاه ـ كان مرادهم ، فهو فاسد من الأساس .

صحيح أنّ كل شيء في عالم الوجود لا يكون إلاّ بإذن الله تعالى ، إلاّ أنّ هذا لا يعني الجبر ، إذ يجب أن لا ننسى أنّ الله سبحانه هو الذي أراد لنا أن نكون مختارين وأحراراً في اختيارنا وتصرفنا ، ليختبرنا ويربينا .

وصحيح أيضاً أنّه يجب أن ينهى الله سبحانه عباده عن الباطل ، لكن لا يمكن إنكار أنّ جميع الأنبياء قد تصدّوا لردع الناس عن كل نوع من أنواع الشرك والإِزدواجيّة في العبادة .

إضافة إلى ذلك ، فإنّ عقل الإِنسان السليم ينكر هذه الخرافات أيضاً أليس العقل ـ هو رسول الله الداخلي ـ في أعماق الإِنسان؟!

وتجيب الآية في النهاية بجملة قصيرة على هذا الإِستدلال الواهي لعبدة الأصنام ، فتقول : {مالهم بذلك من علم إن هم إلاّ يخرصون} .

إنّ هؤلاء لا علم ولا إيمان لهم حتى بمسألة الجبر أو رضى الله سبحانه عن أعمالهم ، بل هم ـ ككثير من متبعي الهوى والمجرمين الآخرين ـ يتخذون مسألة الجبر ذريعة لهم من أجل تبرئة أنفسهم من الذنب والفساد ، فيقولون : إنّ يد القضاء والقدر هي التي جرتنا إلى هذا الطريق وحتمته علينا! مع علمهم بأنّهم يكذبون ، وأن هذه ذريعة ليس إلاّ ، ولذلك فإن أحداً لو اغتصبهم حقّاً فإنّهم غير مستعدين أبداً لغض النظر عن معاقبته مطلقاً ، ولا يقولون : إنّه كان مجبراً على عمله هذا!

«يخرصون» من الخرص ، وهو في الأصل بمعنى التخمين ، وأطلقت هذه الكلمة أوّلاً على تخمين مقدار الفاكهة ، ثمّ أطلقت على الحدس والتخمين ، ولما كان الحدس والتخمين يخطيء أحياناً ولا يطابق الواقع ، فقد استعملت هذه الكلمة بمعنى الكذب أيضاً ، و«يخرصون» في هذه الآية من هذا القبيل .

وعلى أيّة حال ، فيظهر من آيات قرآنية عديدة بأن عبدة الأوثان كانوا يستدلون ـ مراراً ـ بمسألة المشيئة الإِلهيّة من أجل توجيه خرافاتهم ، ومن جملة ذلك أنّهم كانوا قد حرّموا على أنفسهم أشياء وأحلّوا أُخرى ، ونسبوا ذلك إلى الله سبحانه ، كما جاء ذلك في الآية (148) من سورة الأنعام : { سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ } [الأنعام : 148] .

وتكرر هذا المعنى في الآية (35) من سورة النحل أيضاً : {وقال الذين أشركوا لوشاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء} .

وقد كذّبهم القرآن الكريم في ذيل آية سورة الأنعام ، حيث يقول : {كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا} ويصرح في ذيل آية سورة النحل : {فهل على الرسل إلاّ البلاغ}؟!

وفي ذيل الآية مورد البحث ينسبهم إلى التخمين والكذب كما رأينا ، وكلها ترجع في الحقيقة إلى أساس ومصدر واحد .

وتشير الآية التالية إلى دليل آخر يمكن أن يكونوا قد استدلوا به ، فتقول : {أم آتيناهم كتاباً من قبله فهم به مستمسكون} (3) ؟ أي يجب على هؤلاء أن يتمسّكوا بدليل العقل لإثبات هذا الإِدّعاء ، أو بدليل النقل ، في حين لم يكن لهؤلاء دليل لا من العقل ولا من النقل ، فإنّ كل الأدلّة العقلية تدعو إلى التوحيد ، وكذلك دعا كل الأنبياء والكتب السماوية إلى التوحيد .

وأشارت آخر آية ـ من هذه الآيات ـ إلى ذريعتهم الأصلية ، وهي في الواقع خرافة لا أكثر ، أصبحت أساساً لخرافة أُخرى ، فتقول : {بل قالوا إنّا وجدنا آباءنا على أُمّة وإنّا على آثارهم مهتدون} .

لم يكن لهؤلاء دليل إلاّ التقليد الأعمى للآباء والأجداد ، والعجيب أنّهم كانوا يظنون أنّهم مهتدون بهذا التقليد ، في حين لا يستطيع أي إنسان عاقل حر أن يستند إلى التقليد في المسائل العقائدية والأساسية التي يقوم عليها بناؤه الفكري ، خاصة إذا كان التقليد تقليد «جاهل لجاهل» ، لأنا نعلم أن آباء أُولئك المشركين لم يكن لهم أدنى حظ من العلم ، وكانت أدمغتهم مليئة بالخرافات والأوهام ، وكان الجهل حاكماً على أفكارهم ومجتمعاتهم ، كما توضح ذلك الآية (170) من سورة البقرة : {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} [البقرة : 170] ؟

التقليد يصحّ في المسائل الفرعية وغير الأساسية فقط ، وأيضاً يجب أن يكون تقليداً لعالم ، أي رجوع الجاهل إلى العالم ، كما يرجع المريض إلى الطبيب ، وغير المتخصصين إلى أصحاب الإِختصاص ، وبناء على هذا فإنّ تقليد هؤلاء كان باطلاً بدليلين .

لفظة «الأُمّة» تطلق ـ كما يقول الراغب في المفردات ـ على الجماعة التي تربط بعضها مع البعض الآخر روابط ، إمّا من جهة الدين ، أو وحدة المكان ، أو الزمان ، سواء كانت حلقة الإِتصال تلك اختيارية أم إجباريّة . ومن هنا استعملت هذه الكلمة أحياناً بمعنى المذهب ، كما هو الحال في الآية مورد البحث ، إلاّ أن معناها الأصلي هو الجماعة والقوم ، وإطلاق هذه الكلمة على الدين يحتاج إلى قرينة (4) .

 

وقوله تعالى : {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (24) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} [الزخرف : 23 - 25]

 

عاقبة هؤلاء المقلدين :

تواصل هذه الآيات موضوع الآيات السابقة حول الدليل الأصلي للمشركين في عبادتهم للأصنام ، وهو تقليد الآباء والأجداد ، فتقول : إن هذا مجرّد ادعاء واه من مشركي العرب : (وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلاّ قال مترفوها إنّا وجدنا آباءنا على أُمّة وإنّا على آثارهم مقتدون) .

يستفاد من هذه الآية جيداً أنّ المتصدين لمحاربة الأنبياء ، والذين كانوا يقولون بمسألة تقليد الآباء ويدافعون عنها بكل قوّة ، كانوا من المترفين والأثرياء السكارى والمغرورين ، لأنّ (المترف) من مادة (التَرَفُّه) أي كثرة النعمة ، ولما كان كثير من المنعمين يغرقون في الشهوات والأهواء ، فإنّ كلمة «المترف» تعني مَن طغى بالنعمة وغرق في سكرتها وأصبح مغروراً(5) ، ومصداق ذلك ـ على الأغلب ـ الملوك والجبابرة والأثرياء المستكبرون والأنانيون .

نعم ، هؤلاء هم الذين تتعرض مصالحهم وأنانيّاتهم للفناء بثورة الأنبياء ، ويحدق الخطر بمنافعهم وثرواتهم اللامشروعة ، ويتحرّر المستضعفون من مخالبهم ، ولهذا كانوا يسعون إلى تخدير الناس وإبقائهم جهلاء بمختلف الأساليب والحيل . وأغلب فساد الدنيا ينبع من هؤلاء المترفين الذين يتواجدون في أماكن الظلم والتعدي والمعصية والفساد والرذيلة .

وجدير بالذكر ، أنّنا قرأنا في الآية السابقة أن هؤلاء كانوا يقولون : {إنّا على آثارهم مهتدون} وهنا يذكر القرآن أنّهم يقولون : {وإنا على آثارهم مقتدون} وبالرغم من أن التعبيرين يعودان إلى معنى واحد في الحقيقة ، إلاّ أنّ التعبير الأوّل إشارة إلى دعوى أحقيّة مذهب الآباء ، والتعبير الثّاني إشارة إلى إصرار هؤلاء وثباتهم على اتباع الآباء والإِقتداء بهم .

وعلى أية حال فإنّ هذه الآية نوع من التسلية لخاطر النّبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم)والمؤمنين ليعلموا أن ذرائع المشركين واستدلالاتهم هذه ليست بالشيء الجديد ، إذ أنّ هذا الطريق سلكه كل المنحرفين الضالين على مر التأريخ .

وتبيّن الآية التالية جواب الأنبياء السابقين على حجج هؤلاء المشركين والمنحرفين بوضوح تام ، فتقول : {قال أولو جئتكم بأهدى ممّا وجدتم عليه آباءكم} (6) ؟

هذا التعبير هو أكثر التعابير المؤدبة الممكن طرحها أمام قوم عنيدين مغرورين ، ولا يجرح عواطفهم أو يمسها مطلقاً ، فهولا يقول : إن ما تقولونه كذب وخرافة ، بل يقول : إن ما جئت به أهدى من دين آبائكم ، فتعالوا وانظروا فيه وطالعوه .

إنّ مثل هذه التعبيرات القرآنية تعلمنا آداب المحاورة والمجادلة وخاصّة أمام الجاهلين المغرورين .

ومع كل ذلك ، فإنّ هؤلاء كانوا غرقى الجهل والتعصب والعناد بحيث لم يؤثّر فيهم حتى هذا المقال المؤدب الرقيق ، فكانوا يجيبون أنبياءهم بجواب واحد فقط : {قالوا إنّا بما أرسلتم به كافرون} دون أن يأتوا بأيّ دليل على مخالفتهم ، ودون أن يتأملوا في الإِقتراح المعقول المتين لأنبياء الله ورسله .

من البديهي أنّ مثل هؤلاء الأقوام الطاغين المعاندين ، لا يستحقون البقاء ، وليست لهم أهليّة الحياة ، ولابدّ أن ينزل عذاب الله ليقتلع هذه الأشواك من الطريق ويطهره منها ، ولذلك فإنّ آخر آية ـ من هذه الآيات ـ تقول : (فانتقمنا منهم)فبعضهم بالطوفان ، وآخرون بالزلزلة المدمرة ، وجماعة بالعاصفة والصاعقة ، وخلاصة القول : إنّا دمّرنا كل فئة منهم بأمر صارم فأهلكناهم .

وأخيراً وجهت الآية الخطاب إلى النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من أجل أن يعتبر مشركو مكّة أيضاً ، فقالت : (فانظر كيف كان عاقبة المكذبين) فعلى مشركي مكّة المعاندين أن يتوقعوا مثل هذا المصير المشؤوم .

__________________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج12 ، ص357-366 .

2 ـ «ينشؤّ» من مادة «الإنشاء» ، أي إيجاد الشيء ، وهنا بمعنى تربية الشيء وتنميته ، و«الحلية» تعني الزينة ، و«الخصام» هو المجادلة والنزاع على شيء ما .

3 ـ «أم» هنا متصلة ، وهي معطوفة على (اشهدوا خلقهم) ، والضمير في (من قبله) يعود إلى القرآن . وما احتمله البعض من أن (أم) هنا منقطعة ، أو أن الضمير يرجع إلى الرّسول ، لا يتناسب كثيراً مع القرائن التي في الآية .

4 ـ في جملة (إنّا على آثارهم مهتدون) مهتدون خبر (إن) و«على آثارهم» متعلق به ، وأمّا ما احتمله البعض من أن «على آثارهم» خبر أوّل ، و(مهتدون) خبر ثان ، فيبدو بعيداً عن الصواب .

5 ـ نقرأ في لسان العرب : أترفته النعمة ، أي : أطغته .

6 ـ لهذه الجملة محذوف تقديره : أتتبعون آباءكم ولو جئتكم بدين أهدى من دين آبائكم .تفسير الكشاف المراغي ، القرطبي ، وروح المعاني .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .