المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17599 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

Vowels PRICE, PRIZE
2024-03-22
قصة النجاشي وعلماء الحبشة المسيحيين
7-12-2015
مكونات الكون
10/12/2022
علي بن الحسن بن أحمد بن مظاهر
8-8-2016
تعريف البيع سيف
17-3-2016
الداتورة Datura metel L
17-2-2021


تفسير الآية (30-40) من سورة ص  
  
15907   09:05 صباحاً   التاريخ: 21-4-2020
المؤلف : إعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : .....
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الصاد / سورة ص /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-4-2020 4875
التاريخ: 21-4-2020 7020
التاريخ: 21-4-2020 15908
التاريخ: 21-4-2020 11771

قال تعالى : {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (31) فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32) رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (33) وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (34) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوأَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} [ص : 30 - 40]

 

تفسير مجمع البيان

- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

عطف سبحانه على قصة داود (عليه السلام) حديث سليمان فقال {ووهبنا لداود سليمان} أي وهبناه له ولدا {نعم العبد} أي نعم العبد سليمان {إنه أواب} أي رجاع إلى الله تعالى في أمور دينه ابتغاء مرضاته {إذ عرض عليه} يجوز أن يتعلق إذ بنعم العبد أي نعم العبد هو حين عرض عليه ويجوز أن يتعلق باذكر يا محمد المحذوف لدلالة الكلام عليه {بالعشي} أي في آخر النهار بعد زوال الشمس {الصافنات} الخيل الواقفة على ثلاث قوائم الواضعة طرف السنبك الرابع على الأرض {الجياد} السريعة المشي الواسعة الخطو قال مقاتل أنه ورث من أبيه ألف فرس وكان أبوه قد أصاب ذلك من العمالقة وقال الكلبي غزا سليمان دمشق ونصيبين فأصاب ألف فرس وقال الحسن كانت خيلا خرجت من البحر لها أجنحة وكان سليمان قد صلى الصلاة الأولى وقعد على كرسيه والخيل تعرض عليه حتى غابت الشمس .

{فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي} والمراد بالخير الخيل هنا فإن العرب تسمي الخيل الخير عن قتادة والسدي فالمعنى آثرت حب الخيل من ذكر ربي أي على ذكر ربي قال الفراء كل من أحب شيئا فقد آثره وفي قراءة ابن مسعود حب الخيل وسمي النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) زيد الخيل زيد الخير وقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) الخير معقود بنواصي الخيل إلى يوم القيامة وقيل معناه حب المال عن سعيد بن جبير والخيل مال والخير بمعنى المال كثير في التنزيل وقيل إن هذه الخيل كانت شغلته عن صلاة العصر حتى فأت وقتها عن علي (عليه السلام) وقتادة والسدي وفي روايات أصحابنا أنه فاته أول الوقت وقال الجبائي لم يفته الفرض وإنما فاته نفل كان يفعله آخر النهار لاشتغاله بالخيل وقيل إن ذكر ربي كناية عن كتاب الله التوراة فالمعنى إني أحببت الخيل عن كتاب الله وكما أن ارتباط الخيل ممدوح في كتابنا كذلك كان في كتابهم عن أبي مسلم .

{حتى توارت بالحجاب} أي غربت الشمس عن ابن مسعود وجماعة من المفسرين وجاز وإن لم يجر للشمس ذكر كما قال لبيد :

حتى إذا ألقت يدا في كافر *** وأجن عورات الثغور ظلامها (2)

وقيل : الضمير للخيل يعني حتى توارت الخيل بالحجاب بمعنى أنها شغلت فكره إلى تلك الحال وهي غيبوبتها عن بصره وذلك بأنه أمر بإجراء الخيل فأجريت حتى غابت عن بصره عن أبي مسلم وعلي بن عيسى .

{ردوها علي} أي قال لأصحابه ردوا الخيل علي عن أكثر المفسرين وقيل معناه أنه سأل الله تعالى أن يرد الشمس عليه فردها عليه حتى صلى العصر فالهاء في ردوها كناية عن الشمس عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) {فطفق مسحا بالسوق والأعناق} قيل فيه وجوه ( أحدها ) أن المسح هاهنا القطع والمعنى أنه أقبل يضرب سوقها وأعناقها لأنها كانت سبب فوت صلاته عن الحسن ومقاتل وقال أبو عبيدة تقول العرب مسح علاوته أي ضرب عنقه وقيل إنه إنما فعل ذلك لأنها كانت أعز ماله فتقرب إلى الله تعالى بأن ذبحها ليتصدق بلحومها ويشهد بصحته قوله لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون .

(وثانيها) أن معناه فجعل يمسح أعراف خيله وعراقيبها بيده حبا لها عن ابن عباس والزهري وابن كيسان قال ابن عباس سألت عليا (عليه السلام) عن هذه الآية فقال ما بلغك فيها يا ابن عباس قلت سمعت كعبا يقول اشتغل سليمان بعرض الأفراس حتى فأتته الصلاة فقال ردوها علي يعني الأفراس كانت أربعة عشر فأمر بضرب سوقها وأعناقها بالسيف فقتلها فسلبه الله ملكه أربعة عشر يوما لأنه ظلم الخيل بقتلها فقال علي (عليه السلام) كذب كعب لكن اشتغل سليمان بعرض الأفراس ذات يوم لأنه أراد جهاد العدو حتى توارت الشمس بالحجاب فقال بأمر الله تعالى للملائكة الموكلين بالشمس ردوها علي فردت فصلى العصر في وقتها وإن أنبياء الله لا يظلمون ولا يأمرون بالظلم لأنهم معصومون مطهرون .

(وثالثها) أنه مسح أعناقها وسوقها وجعلها مسبلة في سبيل الله تعالى وقيل لتغلب إن قطربا يقول مسحها وبارك عليها فأنكر ذلك وقال القول ما قال الفراء إنه ضرب أعناقها وسوقها ثم قال سبحانه {ولقد فتنا سليمان} أي اختبرناه وابتليناه وشددنا المحنة عليه {وألقينا على كرسيه جسدا} أي وطرحنا عليه جسدا والجسد الذي لا روح فيه ثم أناب سليمان .

واختلف العلماء في زلته وفتنته والجسد الذي ألقي على كرسيه على أقوال منها أن سليمان قال يوما في مجلسه لأطوفن الليلة على سبعين امرأة تلد كل امرأة منهن غلاما يضرب بالسيف في سبيل الله ولم يقل إن شاء الله فطاف عليهن فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق ولد رواه أبو هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال ثم قال فو الذي نفس محمد بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانا الجسد الذي ألقي على كرسيه كان هذا ثم أناب إلى الله تعالى وفزع إلى الصلاة والدعاء على وجه الانقطاع إليه سبحانه وهذا لا يقتضي أنه وقع منه معصية صغيرة ولا كبيرة لأنه وإن لم يستثن ذلك لفظا فلا بد من أن يكون قد استثناه ضميرا واعتقادا إذ لوكان قاطعا للقول بذلك لكان مطلقا لما لا يأمن من أن يكون كذبا إلا أنه لما لم يذكر لفظة الاستثناء عوتب على ذلك من حيث ترك ما هو مندوب إليه .

ومنها : ما روي أن الجن والشياطين لما ولد لسليمان ابن قال بعضهم لبعض إن عاش له ولد لنلقين منه ما لقينا من أبيه من البلاء فأشفق منهم عليه فاسترضعه في المزن وهو السحاب فلم يشعر إلا وقد وضع على كرسيه ميتا تنبيها على أن الحذر لا ينفع عن القدر فإنما عوتب على خوفه من الشياطين عن الشعبي وهو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) .

ومنها : أنه ولد له ولد ميت جسد بلا روح فألقي على سريره عن الجبائي ومنها أن الجسد المذكور هو جسد سليمان لمرض امتحنه الله تعالى به وتقدير الكلام وألقينا منه على كرسيه جسدا لشدة المرض فيكون جسدا منصوبا على الحال والعرب تقول في الإنسان إذا كان ضعيفا هو جسد بلا روح ولحم على وضم .

{ثم أناب} أي رجع إلى حال الصحة عن أبي مسلم واستشهد على ذلك بقوله تعالى ومنهم من يستمع إليك إلى قوله يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين ولو أتى بالكلام على شرحه لقال يقول الذين كفروا منهم أي من المجادلين كما قال سبحانه محمد رسول الله إلى قوله وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة ومثله قول الأعشى :

وكان السموط علقها السلك *** بعطفي جيداء أم غزال (3) .

ولو أتى بالشرح لقال علقها السلك منها وقال كعب بن زهير :

زالوا فما زال أنكاس ولا كشف *** عند اللقاء ولا ميل معازيل

 ولو أتى بالشرح لقال فما زال منهم أنكاس وأما ما ذكر عن ابن عباس أنه ألقي شيطان اسمه صخر على كرسيه وكان ماردا عظيما لا يقوى عليه جميع الشياطين وكان نبي الله سليمان لا يدخل الكنيف بخاتمه فجاء صخر في صورة سليمان حتى أخذ الخاتم من امرأة من نسائه وأقام أربعين يوما في ملكه وسليمان هارب وعن مجاهد أن شيطانا اسمه آصف قال له سليمان كيف تفتنون الناس قال أرني خاتمك أخبرك بذلك فلما أعطاه إياه نبذه في البحر فذهب ملكه وقعد الشيطان على كرسيه ومنعه الله تعالى نساء سليمان فلم يقربهن وكان سليمان يستطعم فلا يطعم حتى أعطته امرأة يوما حوتا فشق بطنه فوجد خاتمه فيه فرد الله عليه ملكه وعن السدي أن اسم ذلك الشيطان حيقيق وما ذكر أن السبب في ذلك أن الله سبحانه أمره بأن لا يتزوج في غير بني إسرائيل فتزوج من غيرهم وقيل بل السبب فيه أنه وطىء امرأة في حال الحيض فسال منه الدم فوضع خاتمه ودخل الحمام فجاء إبليس الشيطان وأخذه وقيل تزوج امرأة مشركة ولم يستطع أن يكرهها على الإسلام فعبدت الصنم في داره أربعين يوما فابتلاه الله بحديث الشيطان والخاتم أربعين يوما وقيل احتجب ثلاثة أيام ولم ينظر في أمر الناس فابتلي بذلك فإن جميع ذلك مما لا يعول عليه لأن النبوة لا تكون في خاتم ولا يجوز أن يسلبها الله النبي ولا أن يمكن الشيطان من التمثل بصورة النبي والقعود على سريره والحكم بين عباده وبالله التوفيق .

ثم حكى سبحانه دعاء سليمان حين أناب إلى الله تعالى بقوله {قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب} يسأل عن هذا فيقال إن هذا القول من سليمان يقتضي الضن والمنافسة لأنه لم يرض بأن يسأل الملك حتى أضاف إلى ذلك أن يمنع غيره منه وأجيب عنه بأجوبة (أحدها) أن الأنبياء لا يسألون إلا ما يؤذن لهم في مسألته وجائز أن يكون الله تعالى أعلم سليمان أنه إن سأل ملكا لا يكون لغيره كان أصلح له في الدين وأعلمه أنه لا صلح لغيره في ذلك ولو أن أحدنا صرح في دعائه بهذا الشرط حتى يقول اللهم اجعلني أكثر أهل زماني مالا إذا علمت أن ذلك أصلح لي لكان ذلك منه حسنا جائزا ولا ينسب في ذلك إلى شح وضن واختاره الجبائي .

(وثانيها) أنه يجوز أن يكون التمس من الله تعالى آية لنبوته يبين بها من غيره وأراد لا ينبغي لأحد غيري ممن أنا مبعوث إليه ولم يرد من بعده إلى يوم القيامة من النبيين كما يقال إنا لا أطيع أحدا بعدك أي لا أطيع أحدا سواك .

(وثالثها) ما قاله المرتضى قدس الله روحه إنه يجوز أن يكون إنما سأل ملك الآخرة وثواب الجنة ويكون معنى قوله {لا ينبغي لأحد من بعدي} لا يستحقه بعد وصولي إليه أحد من حيث لا يصلح أن يعمل ما يستحق به ذلك لانقطاع التكليف .

(ورابعها) أنه التمس معجزة تختص به كما أن موسى يختص بالعصا واليد البيضاء واختص صالح بالناقة ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) بالمعراج والقرآن ويدل عليه ما روي مرفوعا عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه صلى صلاة فقال ((إن الشيطان عرض لي ليفسد علي الصلاة فأمكنني الله منه فدفعته ولقد هممت أن أوثقه إلى سارية حتى تصبحوا وتنظروا إليه أجمعين فذكرت قول سليمان {رب هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي} فرده الله خاسئا)) . أورده البخاري ومسلم في الصحيحين .

ثم بين سبحانه أنه أجاب دعاه بقوله {فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء} أي لينة سهلة عن ابن زيد وقيل طيبة سريعة عن قتادة وقيل مطيعة تجري إلى حيث يشاء عن ابن عباس {حيث أصاب} أي حيث أراد سليمان من النواحي عن أكثر المفسرين وحقيقته حيث قصد والمعنى أنه ينطاع له كيف أراد قال الحسن كان يغدو من إيليا ويقيل بقزوين ويبيت بكابل .

سؤال : كيف وصف سبحانه الريح بالعاصف في قوله ولسليمان الريح عاصفة ووصفها هنا بخلافه؟ جوابه يجوز أن يكون الله سبحانه جعلها عاصفة تارة ورخاء أخرى بحسب ما أراد سليمان (عليه السلام) {والشياطين} أي وسخرنا له الشياطين أيضا {كل بناء} في البر يبني له ما أراد من الأبنية الرفيعة {وغواص} في البحر على اللآلىء والجواهر فيستخرج له ما يشاء منها {وآخرين مقرنين في الأصفاد} أي وسخرنا له آخرين من الشياطين مشدودين في الأغلال والسلاسل من الحديد وكان يجمع بين اثنين وثلاثة منهم في سلسلة لا يمتنعون عليه إذا أراد ذلك بهم عند تمردهم وقيل إنه إنما كان يفعل ذلك بكفارهم فإذا آمنوا أطلقهم .

{هذا عطاؤنا} أي هذا الذي تقدم ذكره من الملك الذي لا ينبغي لأحد من بعدك عطاؤنا {فامنن أو أمسك} أي فأعط من الناس من شئت وامنع من شئت والمن الإحسان إلى من لا يستثيبه {بغير حساب} أي لا تحاسب يوم القيامة على ما تعطي وتمنع فيكون أهنأ لك عن قتادة والضحاك وسعيد بن جبير وقيل معناه بغير جزاء أي أعطيناكه تفضلا لا مجازاة عن الزجاج وقيل إن المعنى فأنعم على من شئت من الشياطين بإطلاقه أو أمسك من شئت منهم في وثاقه وصرفة في عمله من غير حرج عليك فيما تفعله {وإن له عندنا لزلفى وحسن م آب} معناه وإن لسليمان عندنا لقربى وحسن مرجع في الآخرة وهذا من أعظم النعم إذ هي النعمة الباقية الدائمة .

___________________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج8 ، ص358-363 .

2 - البيت من المعلقات ، يصف اشرافه على الاعداء ، وصعوده جبلا ، ووقوفه على الجبل الى غروب الشمس . والكافر : الليل . والاجنان : الستر . والثغر : موضع المخافة . وعورته : أشده مخافة ، ويقول : حتى اذا ألقت الشمس يدها في الليل اي : ابتدأت في الغروب . وعبر عن هذا المعنى بإلقاء اليد ، لأنه يعني ابتدأ بالشمس قبل القاء يده فيه ، وستر الظلام .

3- قيل : يعني كأن العقد من هذه المرأة معلق على جيد ظبية .

 

تفسير الكاشف

- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :

 

{ووَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} . جاء في قاموس الكتاب المقدس عند الكلام عن سليمان ما نصه بالحرف : سليمان اسم عبري معناه رجل سلام ، وهو ابن الملك داود الذي خلفه على العرش . . مع أنه كان له ستة إخوة من أمهات مختلفات . . وسليمان هو ابن بثشيع التي كانت زوجة لأوريا ، وقد أحب داود سليمان لأنه كان ابن زوجته المفضلة . . وكان داود قد وعد بثشيع ان يملك ابنها على الشعب بعده .

وقد لخص هذا المساهمون في وضع القاموس ، لخصوه من التوراة سفر الملوك الأول وسفر صموئيل الثاني . ومعناه ان التوراة تقول عن داود : انه لا يأتمر بأمر اللَّه ، ولا يعمل بوحي منه ، بل بوحي امرأة اغتصبها من زوجها الذي قتله بحد السيف . . وانها هي الآمرة الناهية عليه وعلى شعبه . . وإذا كانت المرأة في عصرنا تطالب بالمساواة مع الرجل فإن التوراة تجعل الملوك والأنبياء طوع أهواء المرأة وشهواتها . . ولا بدع فلقد كان الجنس اللطيف وما زال عند اليهود أفضل الوسائل للربح وبلوغ المآرب .

{إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب ردوها عليّ فطفق مسحا بالسوق والأعناق} .

للمفسرين هنا أقوال ، أرجحها ان سليمان قد بدا له في مساء يوم من الأيام أن يستعرض ما أعده للحرب والعزو من رباط الخيل ، وقد كانت آنذاك السلاح الذي يرهب الأعداء ، وبكلمة أراد أن يجري استعراضا عسكريا ، فأمر بإحضار الخيل ، وان يجريها الفرسان أمام عينيه ، وقال : أفعل هذا عن أمر ربي ، لا عن هوى في نفسي . . حتى إذا أجريت أعجب بها واطمأن إليها ، ولما غابت عن بصره في ركضها أمر بردها ، وشرع يمسح سوقها وأعناقها مسرورا بها وراضيا عنها . .

وعلى هذا يكون المراد ب {حب الخير} استعراض الخيل وجريها أمام عينيه ، أما قوله : {عَنْ ذِكْرِ رَبِّي} فمعناه اني فعلت هذا عن أمر اللَّه لا عن أمري .

{ولَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً} . ابتلى سبحانه سليمان بمرض عضال ، وألقى به على سريره كجسد بلا روح ، تماما كما ابتلى غيره من الأنبياء بأنواع البلاء ، وتومئ الآية إلى أن الابتلاء كان جزاء على شيء صدر من سليمان ، ولكن اللَّه سبحانه لم يبين هذا الشيء ، وما ذكره المفسرون في بيانه وتحديده لا يقوم على أساس ، ومهما يكن فقد تاب سليمان مما حدث منه كما تاب غيره من الأنبياء ، وقبل اللَّه من سليمان كما قبل من الأنبياء {ثُمَّ أَنابَ قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي} .

وتجدر الإشارة إلى أن الأنبياء يتوبون لتركهم الأولى والأفضل ، لا لاقترافهم المعصية ، وبيّنا ذلك في ج 1 ص 88 .

{وهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} . طلب ملكا لا نظير له من بعده في الكيف لا في الكم ، ومن نوع الخوارق والمعجزات كتسخير الرياح والطير والجن ، فاستجاب اللَّه دعوته بشهادة قوله تعالى : {فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ} . رخاء أي طيعة ، وحيث أصاب أي إلى أية جهة يشاء {والشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ} لما يريده سليمان من محاريب وتماثيل وغيرها (وغواص) في البحر على اللآلئ والجواهر (وآخرين) من الشياطين أيضا {مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفادِ} لأنهم خرجوا عن أمره وطاعته . وتقدم مثله في الآية 12 و13 من سورة سبأ .

{هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَو أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ} . وعطاء اللَّه لا يثلمه الإنفاق ولا ينقصه البذل ، ولذا أمر اللَّه سليمان ان ينفق بالجملة ومن غير وزن وكيل ان شاء .

وفي نهج البلاغة : من أيقن بالخلف جاد بالعطية . ومع هذا فإن سليمان ضعيف كأي إنسان (تؤلمه البقة ، وتقتله الشرقة ، وتنتنه العرقة) .

________________

  1. الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص378-380 .

 

تفسير الميزان

- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

القصة الثانية من قصص العباد الأوابين التي أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يصبر ويذكرها .

قوله تعالى : : {ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب} أي وهبناه له ولدا والباقي ظاهر مما تقدم .

قوله تعالى : {إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد} العشي مقابل الغداة وهو آخر النهار بعد الزوال ، والصافنات على ما في المجمع ، جمع الصافنة من الخيل وهي التي تقوم على ثلاث قوائم وترفع إحدى يديها حتى تكون على طرف الحافر .

قال : والجياد جمع جواد والياء هاهنا منقلبة عن واو والأصل جواد وهي السراع من الخيل كأنها تجود بالركض .

انتهى .

قوله تعالى : {فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب} الضمير لسليمان ، والمراد بالخير : الخيل - على ما قيل - فإن العرب تسمي الخيل خيرا وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : الخير معقود بنواصي الخيل إلى يوم القيامة .

وقيل : المراد بالخير المال الكثير وقد استعمل بهذا المعنى في مواضع من كلامه تعالى كقوله : {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} [البقرة : 180] .

وقوله : {إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي} قالوا : إن {أحببت} مضمن معنى الإيثار و{عن} بمعنى على ، والمراد إني آثرت حب الخيل على ذكر ربي وهو الصلاة محبا إياه أو أحببت الخيل حبا مؤثرا إياه على ذكر ربي - فاشتغلت بما عرض علي من الخيل عن الصلاة حتى غربت الشمس .

وقوله : {حتى توارت بالحجاب} الضمير على ما قالوا للشمس والمراد بتواريها بالحجاب غروبها واستتارها تحت حجاب الأفق ، ويؤيد هذا المعنى ذكر العشي في الآية السابقة إذ لولا ذلك لم يكن غرض ظاهر يترتب على ذكر العشي .

فمحصل معنى الآية أني شغلني حب الخيل - حين عرض الخيل علي - عن الصلاة حتى فات وقتها بغروب الشمس ، وإنما كان يحب الخيل في الله ليتهيأ به للجهاد في سبيل الله فكان الحضور للعرض عبادة منه فشغلته عبادة عن عبادة غير أنه يعد الصلاة أهم .

وقيل : ضمير {توارت} للخيل وذلك أنه أمر بإجراء الخيل فشغله النظر في جريها حتى غابت عن نظره وتوارت بحجاب البعد ، وقد تقدم أن ذكر العشي يؤيد المعنى السابق ولا دليل على ما ذكره من حديث الأمر بالجري من لفظ الآية .

قوله تعالى : {ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والأعناق} قيل : الضمير في {ردوها} للشمس وهو أمر منه للملائكة برد الشمس ليصلي صلاته في وقتها ، وقوله : {فطفق مسحا بالسوق والأعناق} أي شرع يمسح ساقيه وعنقه ويأمر أصحابه أن يمسحوا سوقهم وأعناقهم وكان ذلك وضوءهم ثم صلى وصلوا ، وقد ورد ذلك في بعض الروايات عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) .

وقيل : الضمير للخيل والمعنى قال : ردوا الخيل فلما ردت .

شرع يمسح مسحا بسوقها وأعناقها ويجعلها مسبلة في سبيل الله جزاء ما اشتغل بها عن الصلاة .

وقيل : الضمير للخيل والمراد بمسح أعناق الخيل وسوقها ضربها بالسيف وقطعها والمسح القطع فهو(عليه السلام) غضب عليها في الله لما شغلته عن ذكر الله فأمر بردها ثم ضرب بالسيف أعناقها وسوقها فقتلها جميعا .

وفيه أن مثل هذا الفعل مما تتنزه ساحة الأنبياء (عليهم السلام) عن مثله فما ذنب الخيل لو شغله النظر إليها عن الصلاة حتى تؤاخذ بأشد المؤاخذة فتقتل تلك القتلة الفظيعة عن آخرها مع ما فيه من إتلاف المال المحترم .

وأما استدلال بعضهم عليه برواية أبي بن كعب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : في قوله تعالى : فطفق مسحا بالسوق والأعناق قطع سوقها وأعناقها بالسيف ثم أضاف إليها وقد جعلها بذلك قربانا لله وكان تقريب الخيل مشروعا في دينه فليس من التقريب ذكر في الحديث ولا في غيره .

على أنه (عليه السلام) لم يشتغل عن العبادة بالهوى بل شغلته عبادة عن عبادة كما تقدمت الإشارة إليه .

فالمعول عليه هو أول الوجوه إن ساعده لفظ الآية وإلا فالوجه الثاني .

قوله تعالى : {ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب} الجسد هو الجسم الذي لا روح فيه .

قيل : المراد بالجسد الملقى على كرسيه هو سليمان نفسه لمرض امتحنه الله به وتقدير الكلام ألقيناه على كرسيه جسدا أي كجسد لا روح فيه من شدة المرض .

وفيه أن حذف الضمير من {ألقيناه} وإخراج الكلام على صورته التي في الآية الظاهرة في أن الملقى هو الجسد مخل بالمعنى المقصود لا يجوز حمل أفصح الكلام عليه .

ولسائر المفسرين أقوال مختلفة في المراد من الآية تبعا للروايات المختلفة الواردة فيها والذي يمكن أن يؤخذ من بينها إجمالا أنه كان جسد صبي له أماته الله وألقى جسده على كرسيه ، ولقوله : {ثم أناب قال رب اغفر لي} إشعار أو دلالة على أنه كان له (عليه السلام) فيه رجاء أو أمنية في الله فأماته الله سبحانه وألقاه على كرسيه فنبهه أن يفوض الأمر إلى الله ويسلم له .

قوله : {قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب} ظاهر السياق أن الاستغفار مرتبط بما في الآية السابقة من إلقاء الجسد على كرسيه ، والفصل لكون الكلام في محل دفع الدخل كأنه لما قيل : {ثم أناب} قيل : فما ذا قال؟ فقيل : قال رب اغفر لي} إلخ .

وربما استشكل في قوله : {وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي} أن فيه ضنا وبخلا ، فإن فيه اشتراط أن لا يؤتى مثل ما أوتيه من الملك لأحد من العالمين غيره .

ويدفعه أن فيه سؤال ملك يختص به لا سؤال أن يمنع غيره عن مثل ما آتاه ويحرمه ففرق بين أن يسأل ملكا اختصاصيا وأن يسأل الاختصاص بملك أوتيه .

قوله تعالى : {فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب متفرع على سؤاله الملك وإخباره عن إجابة دعوته وبيان الملك الذي لا ينبغي لأحد غيره وهو تسخير الريح والجن .

والرخاء بالضم اللينة والظاهر أن المراد بكون الريح تجري بأمره رخاء مطاوعتها لأمره وسهولة جريانها على ما يريده (عليه السلام) فلا يرد أن توصيف الريح هاهنا بالرخاء يناقض توصيفه في قوله : {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ} [الأنبياء : 81] بكونها عاصفة .

وربما أجيب عنه بأن من الجائز أن يجعلها الله رخوة تارة وعاصفة أخرى حسب ما أراد سليمان (عليه السلام) .

وقوله : {حيث أصاب} أي حيث شاء سليمان (عليه السلام) وقصد وهو متعلق بتجري .

قوله تعالى : {والشياطين كل بناء وغواص} أي وسخرنا له الشياطين من الجن كل بناء منهم يبني له في البر وكل غواص يعمل له في البحر فيستخرج اللئالىء وغيرها .

قوله تعالى : {وآخرين مقرنين في الأصفاد} الأصفاد جمع صفد وهو الغل من الحديد ، والمعنى سخرنا له آخرين منهم مجموعين في الأغلال مشدودين بالسلاسل .

قوله تعالى : {هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب} أي هذا الذي ذكر من الملك عطاؤنا لك بغير حساب والظاهر أن المراد بكونه بغير حساب أنه لا ينفد بالعطاء والمن ولذا قيل : {فامنن أو أمسك} أي أنهما يستويان في عدم التأثير فيه .

وقيل : المراد بغير حساب أنك لا تحاسب عليه يوم القيامة ، وقيل : المراد أن إعطاءه تفضل لا مجازاة وقيل غير ذلك .

قوله تعالى : {وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب} تقدم معناه .

_______________

  1. الميزان ، الطباطبائي ، ج17 ، ص167-170 .

 

تفسير الامثل

- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

سليمان (عليه السلام) يستعرض قوّاته القتالية :

هذه الآيات تواصل البحث السابق بشأن داود(عليه السلام) .

فالآية الاُولى تزفّ البشرى لداود في أنّه سيرزق بولد صالح هو سليمان ، وسيتولّى الحكم وأعباء الرسالة من بعده ، وتقول : {ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنّه أوّاب} .

هذه الجملة تبيّن عظمة مقام سليمان ، ويحتمل كونها ردّاً على الإتّهامات القبيحة والعارية من الصحّة الواردة في التوراة المحرّفة عن ولادة سليمان من زوجة أوريا ، والتي كانت شائعة في المجتمع قبل نزول القرآن .

فعبارة (وهبنا) من جهة و(نعم العبد) من جهة اُخرى ، وللتعليل (إنّه أوّاب) أي (الشخص المطيع لله والممتثل لأوامره ، والذي يتوب إلى الباري عزّ وجلّ إثر أبسط غفلة أو زلّة) من جهة ثالثة ، كلّها تدلّ على عظمة مقام هذا النّبي الكبير .

وعبارة (إنّه أوّاب) هي نفس العبارة التي جاءت بحقّ والده داود في الآية (17) من نفس السورة ، ورغم أنّ كلمة (أوّاب) صيغة مبالغة وتعني كثير الرجوع وغير محدودة ، فإنّها هنا تعني العودة لطاعة الأمر الإلهي ، العودة إلى الحقّ والعدالة ، العودة من الغفلة وترك العمل بالأولى .

الآية التالية تبدأ بقصّة خيل سليمان ، التي فسّرت بأشكال مختلفة ، حيث أنّ البعض فسّرها بصورة سيّئة ومعارضة لموازين العقل ، حتّى أنّه لا يمكن إيرادها بشأن إنسان عادي ، فكيف ترد بحقّ نبي عظيم كسليمان (عليه السلام) .

ولكن المحقّقين بعد بحثهم في الدلائل العقليّة والنقلية أغلقوا الطريق أمام أمثال هذه التّفسيرات ، وقبل أن نخوض في الإحتمالات المختلفة الواردة ، نفسّر الآيات وفق ظاهرها أو(وفق أقوى إحتمال ظاهري لها) لكي نوضّح أنّ القرآن الكريم خال من مثل هذه الإدّعاءات المزيّفة التي فُرضت على القرآن من قبل الآخرين .

إذ يقول القرآن : {إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد} .

«صافنات» جمع (صافنة) وقال معظم اللغويين والمفسّرين : إنّها تطلق على الجياد التي تقوم على ثلاث قوائم وترفع أحد قوائمها الإمامية قليلا ليمسّ الأرض على طرف الحافر ، وهذه الحالة تخصّ الخيول الأصيلة التي هي على أهبّة الإستعداد للحركة في أيّة لحظة (2) .

«الجياد» جمع (جواد) وتعني الخيول السريعة السير ، وكلمة «جياد» مشتقّة في الأصل من (جود) ، والجود عند الإنسان يعني بذل المال ، وعند الخيول يعني سرعة سيرها . وبهذا الشكل فإنّ الخيول المذكورة تبدو كأنّها على أهبّة الإستعداد للحركة أثناء حالة توقّفها ، وإنّها سريعة السير أثناء عدوها .

ويستشف من الآية مع القرائن المختلفة المحيطة بها ، أنّه في أحد الأيّام وعند العصر إستعرض سليمان (عليه السلام) خيوله الأصيلة التي كان قد أعدّها لجهاد أعدائه ، إذ مرّت تلك الخيول مع فرسانها أمام سليمان (عليه السلام) في إستعراض منسّق ومرتّب . وبما أنّ الملك العادل وصاحب النفوذ عليه أن يمتلك جيشاً قويّاً ، والخيول السريعة إحدى الوسائل المهمّة التي يجب أن تتوفّر لدى ذلك الجيش ، فقد جاء هذا الوصف في القرآن بعد ذكر مقام سليمان بإعتباره نموذجاً من أعماله .

ولكي يطرد سليمان التصوّر عن أذهان الآخرين في أنّ حبّه لهذه الخيول القويّة ناتج من حبّه للدنيا ، جاء في قوله تعالى : {فقال إنّي أحببت حبّ الخير عن ذكر ربّي} انّي اُحبّ هذه الخيل من أجل الله وتنفيذ أمره ، واُريد الإستفادة منها في جهاد الأعداء .

لقد ورد أنّ العرب تسمّي «الخيل» خيراً ، وفي حديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)قال فيه : «الخير معقود بنواصي الخيل إلى يوم القيامة» (3) .

وإستمرّ سليمان (عليه السلام) ينظر إلى خيله الأصيلة المستعدّة لجهاد أعداء الله ، وهو يعيش حالة من السرور ، حتّى توارت عن أنظاره (حتّى توارت بالحجاب) .

كان هذا المشهد جميلا ولطيفاً لقائد كبير مثل سليمان ، بحيث أمر بإعادة عرض الخيل مرّة اُخرى (ردّوها عليّ) . وعندما نفّذت أوامره بإعادة الخيل ، عمد سليمان (عليه السلام) إلى مسح سوقها وأعناقها {فطفق مسحاً بالسوق والأعناق} .

وبهذا الشكل أشاد بجهود مدربي تلك الخيول ، وأعرب لهم عن تقديره لها ، لأنّ من الطبيعي لمن أراد أن يعرب عن تقديره للجواد أن يمسح رأس ذلك الجواد ووجهه ورقبته وشعر رقبته ، أو يمسح على ساقه . وأبرز في نفس الوقت تعلّقه الشديد بخيله التي تساعده في تحقيق أهدافه العليا السامية ، وتعلّق سليمان الشديد بخيله ليس بأمر يبعث على العجب .

«طفق» بإصطلاح النحويين من أفعال المقاربة ، وتأتي بمعنى «شرع» .

«سوق» هي جمع (ساق) و(أعناق) جمع (عنق) ومعنى الآية هو أنّ سليمان شرع بمسح سوق الجياد وأعناقها .

ما ذكرناه بشأن تفسير هذه الآية يتطابق مع ما ذهب إليه بعض المفسّرين كالفخر الرازي ، كما تمّت الإستفادة من بعض ما ورد عن العالم الشيعي الكبير السيّد المرتضى ، إذ قال في كتابه (تنزيه الأنبياء) في باب نفي الإدّعاءات الباطلة والمحرّمة التي ينسبها بعض المفسّرين ورواة الحديث إلى سليمان (إنّ الله تعالى ابتدأ الآية بمدحه والثناء عليه فقال : {نعم العبد إنّه أوّاب} فلا يمكن أن يثني عليه بهذا الثناء ثمّ يتبعه من غير فصل بإضافة القبيح إليه ، وأنّه يتلّهى بعرض الخيل عن فعل المفروض عليه من الصلاة ، والذي يقتضيه الظاهر أنّ حبّه للخيل وشغفه بها كان عن إذن ربّه وبأمره وبتذكيره إيّاه ، لأنّ الله تعالى قد أمرنا بإرباط الخيل وإعدادها لمحاربة الأعداء ، فلا ينكر أن يكون سليمان (عليه السلام) مأموراً بمثل ذلك) (4) .

أمّا العلاّمة المجلسي فقد ذكر في كتابه (بحار الأنوار) في باب النبوّة ، تفسيراً لهذه الآيات يشابه كثيراً ما ذكر أعلاه (5) .

على أيّة حال ـ وفق هذا التّفسير ـ لم يصدر من سليمان أي ذنب ، ولم يحدث أي خلل في ترتيب الآيات ، ولا تبدو أيّة مشكلة حتّى نعمد إلى توضيحها (6) .

والآن نستعرض تفاسير اُخرى لمجموعة من المفسّرين بشأن هذه الآيات وأشهرها ، ذلك التّفسير الذي يعود بالضمير في جملتي (توارت) و(ردّوها) إلى (الشمس) التي لم ترد في تلك الآيات ، ولكنّهم استدلّوا عليها من كلمة (العشي) (التي تعني آخر النهار بعد الزوال) الموجودة في آيات بحثنا .

وبهذا الشكل فإنّ الآيات تعطي المفهوم التالي ، إنّ سليمان كان غارقاً في مشاهدة الخيل والشمس قد غربت واستترت خلف حجاب الاُفق ، فغضب سليمان كثيراً لأنّه لم يكن قد صلّى صلاة العصر ، فنادى ملائكة الله ، ودعاها إلى ردّ الشمس ، فإستجابت له الملائكة وردّتها إليه ، أي رجعت فوق الاُفق ، فتوضّأ سليمان (المراد بمسح السوق والأعناق هو أداء الوضوء الذي كان حينذاك يعمل به وفق سنّة سليمان ، وبالطبع فإنّ كلمة (المسح) تأتي أحياناً في لغة العرب بمعنى الغسل) ثمّ صلّى .

البعض ممّن ليس لديهم الإطلاع الكافي تحدّثوا بأكثر من هذا ، ونسبوا اُموراً سيّئة ومحرّمة اُخرى إلى هذا النّبي الكبير ، عندما قالوا : إنّ المقصود من جملة (طفق مسحاً بالسوق والأعناق) هو أنّه أمر بضرب سوق وأعناق الخيل بالسيف ، أو أنّه نفّذ هذا الأمر بشخصه ، لأنّها شغلته عن ذكر الله والصلاة .

طبيعي أنّ بطلان التّفسير الأخير لا يخفى على أحد ، لأنّ الخيول لا ذنب لها كي يقتلها سليمان بحدّ السيف ، فإن كان هناك ذنب فقد إرتكبه هو ، لأنّه كان غارقاً في مشاهدة خيله ، ونسي صلاته .

وأحياناً فإنّ قتل الخيل إسراف إضافةً إلى كونه جريمة ، فكيف يمكن أن يصدر مثل هذا العمل المحرّم من نبي ، أمّا الروايات التي وردت من المصادر الإسلامية بشأن هذه الآية فإنّها تنفي ـ بشدّة ـ هذه التهمة الموجّهة إلى سليمان (عليه السلام) .

أمّا التفاسير السابقة التي قالت بنسيان سليمان وغفلته عن أداء صلاة العصر ، فهي موضع السؤال التالي ، هل يمكن لنبي معصوم أن ينسى واجباً مكلّفاً به ؟ رغم أنّ إستعراضه للخيول كان واجباً آخر مكلّفاً به ، إلاّ إذا كانت الصلاة ـ كما قال البعض ـ صلاة مندوبة أو مستحبّة ، ونسيانها لا يسبّب أيّة مشاكل ، ولكن إن كانت صلاة نافلة فلا ضرورة إذن لردّ الشمس .

إذا إنتهينا من هذا ، فهناك إشكالات اُخرى وردت بشأن هذا التّفسير .

1 ـ كلمة (الشمس) لم تأت بصورة صريحة في الآيات ، في حين أنّ الخيل (الصافنات الجياد) جاء ذكرها صريحاً ، ونرى من المناسب أن نعود بالضمير على شيء صرّحت به الآيات .

2 ـ عبارة (عن ذكر ربّي) ظاهرها يعني أنّ حبّ هذه الخيل إنّما هو ناشئ من ذكر وطاعة أمر الله ، في حين ـ طبقاً للتفسير الأخير ـ تعطي كلمة (عن) معنى (على) ويكون معنى العبارة ، إنّي آثرت حبّ الخيل على حبّ ربّي ، وهذا المعنى مخالف لظاهر الآية .

3 ـ الأعجب من كلّ ذلك هي عبارة (ردّوها عليّ) التي تحمل صفة الأمر ، فهل يمكن أن يخاطب سليمان الباري عزّ وجلّ أو ملائكته بصيغة الأمر ، أن ردّوا عليّ الشمس ، كما يخاطب عبيده أو خدمه .

4 ـ قضيّة ردّ الشمس ، رغم أنّها في مقابل قدرة الباري عزّ وجلّ تعدّ أمراً يسيراً ، إلاّ أنّها تواجه بعض الإشكالات بحيث جعلتها أمراً لا يمكن قبوله من دون توفّر أدلّة واضحة عليها .

5 ـ الآيات المذكورة أعلاه تبدأ بمدح وتمجيد سليمان ، في حين أنّ التّفسير الأخير لها يعطي معنى الذمّ والتحقير .

6 ـ إذا كانت الصلاة المتروكة واجبة ، فتعليلها يعدّ أمراً صعباً ، أمّا إذا كانت نافلة فلا داعي لردّ الشمس .

السؤال الوحيد المتبقّي هنا ، هو أنّ هذا التّفسير ورد في عدّة روايات في مصادر الحديث ، وإذا دقّقنا جيّداً في إسناد هذه الأحاديث ، يتّضح لنا أنّها جميعاً تفتقد السند الموثوق المعتبر ، وأنّ أكثر هذه الروايات موضوعة .

أليس من الأفضل صرف النظر عن تلك الروايات غير الموثوقة ، وإرجاع علمها إلى أصحابها ، وتقبّل كلّ ما يبيّنه ظاهر الآيات بذهنية صافية ومتفتّحة ، لنريح أنفسنا من عناء الإشكالات الفارغة .

 

وقوله تعالى : {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (34) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ } [ص : 34 - 40]

 

الامتحان الصعب لسليمان وملكه الواسع :

هذه الآيات تتحدّث عن أحداث اُخرى من قصّة سليمان ، وتبيّن أنّ الإنسان مهما إمتلك من قوّة وقدرة ، فإنّها ليست منه ، بل إنّ كلّ ما عنده هومن الله سبحانه وتعالى ، هذا الموضوع يزيل حجب الغرور والغفلة عن عين الإنسان ، ويجعله يشعر بصغر حجمه قياساً إلى هذا الكون .

القسم الأوّل من الآيات يتطرّق إلى أحد الإمتحانات التي إمتحن الله بها عبده سليمان ، الإمتحان في ترك العمل بالأولى ، وكيف توجّه بعدها سليمان بقلب خاشع إلى الله سبحانه وتعالى طالباً منه العفو والتوبة لتركه العمل بالأولى .

إيجاز محتوى الآيات ، سمح مرّة اُخرى لناسجي قصص الخيال أن ينسجوا قصصاً خيالية وهمية اُخرى ، ويلصقوا التّهم بهذا النّبي الكبير ما لا يليق بالنبوّة ، ويتنافى مع مقام العصمة ، ويتنافى أساساً مع المنطق والعقل ، وهذا بحدّ ذاته إمتحان للمحقّقين في علوم القرآن ، فلو أنّنا إكتفينا بما تطرحه آيات القرآن لما بقيت ثغرة لنفوذ الخرافات والأباطيل .

الآية الاُولى في بحثنا هذا تقول : {ولقد فتنّا سليمان وألقينا على كرسيه جسداً ثمّ أناب} .

«الكرسي» يعني الأريكة ذات الأرجل القصيرة ، ويبدو أنّه كان للسلاطين نوعان من الكراسي ، الأوّل : له أرجل قصيرة يستخدم في الأوقات العادية ، والثاني : له أرجل أطول يستخدمها السلاطين في إجتماعاتهم الرسمية ، ويطلق على الأوّل اسم (كرسي) وعلى الثاني اسم (عرش) .

«الجسد» يعني الجسم الذي لا روح فيه ، وكما يقول الراغب في مفرداته : إنّ لها مفهوماً أكثر محدودية من مفهوم الجسم ، لأنّ كلمة الجسد لا تطلق على غير الإنسان إلاّ نادراً ، ولكن كلمة الجسم لها طابع عام .

يستفاد من هذه الآيات بصورة عامّة أنّ موضوع إمتحان سليمان كان بواسطة جسد خال من الروح اُلقي على كرسيّه وأمام عينيه ، أمر لم يكن يتوقّعه ، وآماله كانت متعلّقة بشيء آخر ، والقرآن لا يعطي تفصيلات اُخرى في هذا المجال .

وقد أورد المفسّرون والمحدّثون تفسيرات متعدّدة في هذا المجال ، أفضلها وأوضحها ما يلي :

إنّ سليمان (عليه السلام) كان متزوجاً من عدّة نساء ، وكان يأمل أن يُرزق بأولاد صالحين شجعان ليساعدوه في إدارة شؤون البلاد وجهاد الأعداء ، فحدّث نفسه يوماً قائلا : لأطوفنّ على نسائي كي اُرزق بعدد من الأولاد لعلّهم يساعدونني في تحقيق أهدافي ، ولكونه غفل عن قول (إن شاء الله) بعد تمام حديثه مع نفسه ، تلك العبارة التي تبيّن توكّل الإنسان على الله سبحانه وتعالى في كلّ الاُمور والأحوال ، فلم يرزق سوى ولد ميّت ناقص الخلقة جيء به واُلقي على كرسي سليمان (عليه السلام) .

سليمان (عليه السلام) غرق ـ هنا ـ في تفكير عميق ، وتألّم لكونه غفل عن الله لحظة واحدة وإعتمد على قواه الذاتية ، فتاب إلى الله وعاد إليه .

وهناك تفسير آخر يمكن طرحه بعد التّفسير الأوّل وهو : إنّ الله سبحانه وتعالى إمتحن سليمان بمرض شديد ، بحيث طرحه على كرسيه كجسد بلا روح من شدّة المرض ، وعبارة (جسد بلا روح) مألوفة ودارجة في اللغة العربية إذ تطلق على الإنسان الضعيف والعليل .

وفي نهاية الأمر تاب سليمان إلى الله ، وأعاد الله إليه صحّته ، وعاد كما كان قبل مرضه (والمراد من (أناب) هنا عودة الصحّة والعافية إليه) .

بالطبع هناك إشكال ورد على هذا التّفسير إذ أنّ عبارة (ألقينا) كان يجب أن تأتي بصورة (ألقيناه) حتّى تتناسب مع التّفسير المذكور أعلاه ، يعني أنّا ألقينا سليمان على كرسيّه جسداً بلا روح ، في حين أنّ هذه العبارة لم ترد في الآية بتلك الصورة ، وتقديرها مخالف للظاهر .

عبارة (أناب) في هذا التّفسير جاءت بمعنى عودة الصحّة والعافية إليه ، وهذا أيضاً مخالف للظاهر ، أمّا إذا اعتبرنا أنّ معنى (أناب) هو التوبة والعودة إلى الله ، فإنّها لا تلحق أي ضرر بالتّفسير ، ولهذا فإنّ الشيء الوحيد المخالف لظاهر الآية ـ هنا ـ هو حذف ضمير عبارة (ألقيناه) .

القصص الكاذبة والقبيحة التي تحدّثت عن فقدان خاتم سليمان ، وعثور أحد الشياطين عليه ، وجلوس ذلك الشيطان على عرش سليمان ، كما ورد في بعض الكتب التي لا يستبعد أن يكون مصدرها هو كتاب (التلمود) اليهودي المليء بالخرافات الإسرائيلية بما لا يتناسب مع العقل والمنطق .

وهذه القصص ـ في حقيقة الأمر ـ دليل إنحطاط أفكار مبتدعيها ، ولهذا فإنّ المحقّقين المسلمين أينما ذكروها أعلنوا بصراحة زيفها وكونها مجرّد إختلاقات ، وقالوا : إنّ مقام النبوّة والحكومة الإلهية غير مرتبط بالخاتم ، ولم يستردّ الباري عزّ وجلّ النبوّة من أحد أنبيائه بعد أن بعثه بها ، حتّى يبعث الشيطان بصورة نبي ليجلس مكان سليمان (40) يوماً يحكم فيها بين الناس ويقضي بينهم (7) .

على أيّة حال ، فإنّ القرآن الكريم ـ من خلال الآية التالية ـ يكرّر الحديث بصورة مفصّلة حول قضيّة توبة سليمان التي وردت في آخر عبارة تضمّنتها الآية السابقة : {قال ربّ اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي إنّك أنت الوهّاب} .

هنا يطرح سؤالان :

1 ـ هل يستشفّ البخل من طلب سليمان (عليه السلام) ؟

ذكر المفسّرون أجوبة كثيرة على هذا السؤال ، الكثير منها لا يتطابق مع ظاهر الآيات ، والجواب الذي يبدو أكثر تناسباً ومنطقية من بقيّة التفاسير هو أنّ سليمان طلب من الباري عزّ وجلّ أن يهب له ملكاً مع معجزات خاصّة ، كي يتميّز ملكه عن بقيّة الممالك ، لأنّنا نعرف أنّ لكلّ نبي معجزة خاصّة به ، فموسى (عليه السلام) معجزته العصا واليد البيضاء ، ومعجزة إبراهيم (عليه السلام) عدم إحراق النار له بعد أن اُلقي فيها ، ومعجزة صالح (عليه السلام) الناقة الخاصّة به ، ومعجزة نبيّنا الأكرم محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) هو القرآن المجيد ، وسليمان كان ملكه مقترناً بالمعجزات الإلهيّة ، كتسخير الرياح والشياطين له مع مميّزات اُخرى .

وهذا الأمر لا يعدّ عيباً أو نقصاً بالنسبة للأنبياء الذين يطلبون من الله أن يؤيّدهم بمعجزة خاصّة ، كي يبرهنوا للناس على صدق نبوّتهم ، ولهذا فلا يوجد أي مانع في أن يطلب الآخرون ملكاً أوسع وأكبر من ملك سليمان ، ولكن لا تتوفّر فيه الخصائص التي اُعطيت لسليمان .

والدليل على هذا الكلام الآيات التالية ، والتي هي ـ في الحقيقة ـ تعكس إستجابة البارئ عزّ وجلّ لطلب سليمان ، وتتحدّث عن تسخير الرياح والشياطين لسليمان ، وكما هو معروف فإنّ هذا الأمر هومن خصائص ملك سليمان .

ومن هنا يتّضح جواب السؤال الثاني الذي يقول ، وفقاً لعقائدنا نحن المسلمون ، فإنّ ملك المهدي (عجّل الله تعالى فرجه) سيكون ملكاً عالياً ، وبالنتيجة سيكون أوسع من ملك سليمان . لأنّ ملك المهدي (عجّل الله تعالى فرجه) مع سعته وخصائصه التي تميّزه عن بقيّة الممالك ، فإنّه يبقى من حيث الخصائص مختلفاً عن ملك سليمان ، وملك سليمان يبقى خاصّاً به . خلاصة الأمر أنّ الحديث لم يختّص بزيادة ونقصان وتوسعة ملكه وطلب الإختصاص به ، وإنّما اختصّ الحديث بكمال النبوّة والذي يتمّ بوجود معجزات خصوصية ، لتميّزه عن نبوّة الأنبياء الآخرين ، وسليمان كان طلبه منحصراً في هذا المجال .

ولقد ورد في بعض الرّوايات المنقولة عن الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام)في ردّه على سؤال يقول : إنّ دعوة سليمان فيها بخل ، إذ جاء في الحديث أنّ أحد المقرّبين عن الإمام الكاظم (عليه السلام) وهو علي بن يقطين سأل الإمام (عليه السلام) قائلا : أيجوز أن يكون نبي الله عزّ وجلّ بخيلا ؟

فقال : «لا» .

فقلت له : فقول سليمان (عليه السلام) : (ربّ اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي) ما وجهه ومعناه؟

فقال : «الملك ملكان : ملك مأخوذ بالغلبة والجور وإجبار الناس ، وملك مأخوذ من قبل الله تعالى كملك آل إبراهيم وملك طالوت وذي القرنين ، فقال سليمان (عليه السلام) : هب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي أن يقول إنّه مأخوذ بالغلبة والجور وإجبار الناس ، فسخّر الله عزّوجلّ له الريح تجري بأمره رخاءً حيث أصاب ، وجعل غدوّها شهراً ورواحها شهراً ، وسخّر الله عزّوجلّ له الشياطين كلّ بنّاء وغوّاص ، وعلّم منطق الطير ومكّن في الأرض ، فعلم الناس في وقته وبعده أنّ ملكه لا يشبه ملك الملوك المختارين من قبل والمالكين بالغلبة والجور .

قال : فقلت له : فقول رسول الله : «رحم الله أخي سليمان بن داود ما كان أبخله»؟

فقال : «لقوله (عليه السلام) وجهان : أحدهما : ما كان أبخله بعرضه وسوء القول فيه ، والوجه الآخر يقول : ما كان أبخله إن كان أراد ما كان يذهب إليه الجهّال» (8) .

الآيات التالية تبيّن ـ كما قلنا ـ موضوع إستجابة الله سبحانه وتعالى لطلب سليمان ومنحه ملكاً يتميّز بإمتيازات خاصّة ونعم كبيرة ، يمكن إيجازها في خمسة أقسام :

1 ـ تسخير الرياح له بعنوان واسطة سريعة السير ، كما تقول الآية : {فسخّرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب} .

من الطبيعي أنّ الملك الواسع الكبير يحتاج إلى واسطة اتّصال سريعة ، كي يتمكّن صاحب ذلك الملك من تفقّد كلّ مناطق مملكته بسرعة في الأوقات الضرورية ، وهذا الإمتياز منحه الباري عزّ وجلّ لسليمان (عليه السلام) .

أمّا كيف كانت الرياح تطيع أوامره ؟

وبأي سرعة كانت تسير؟

وعلى أي شيء كان سليمان وأصحابه يركبون أثناء إنتقالهم من مكان إلى آخر عبر الرياح؟

وما هي العوامل التي كانت تحفظهم من السقوط ومن إنخفاض وإرتفاع ضغط الهواء ، وغيرها من المشاكل .

خلاصة الأمر : ما هي هذه الواسطة السريّة وذات الأسرار الخفيّة التي كانت موضوعة تحت تصرّف سليمان في ذلك العصر؟

تفاصيل هذه التساؤلات ليست واضحة بالنسبة لنا ، وكلّ ما نعرفه أنّ تلك الاُمور الخارقة توضع تحت تصرّف الأنبياء لتسهّل لهم القيام بمهامهم . وهذه القضايا ليست بقضايا عادية ، وإنّما هي نعم خارقة ومعجزات ، وهذه الأشياء تعدّ شيئاً بسيطاً في مقابل قدرة الباري عزّوجلّ ، وما أكثر المسائل التي نعرف أصلها في الوقت الذي لا نعرف أي شيء عن جزئياتها .

وهنا يطرح سؤال ، وهو : كيف يمكن أن تتطابق عبارة (رخاء) الواردة في هذه الآية ، والتي تعني (اللين) مع عبارة (عاصفة) والتي تعني الرياح الشديدة والواردة في الآية (81) من سورة الأنبياء : {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا } [الأنبياء : 81] .

لهذا السؤال جوابان :

الأوّل : وصف الرياح بالعاصفة لبيان سرعة حركتها ، ووصفها بالرخاء لبيان حركتها الهادئة والرتيبة ، أي إنّ سليمان وأصحابه لم يكونوا يشعرون بأيّ إنّزعاج من جرّاء حركة الرياح السريعة ، فهي كالوسائل السريعة السير الموجودة حالياً ، التي يشعر الإنسان معها كأنّه جالس في إحدى غرف بيته ، بينما تسير به تلك الوسيلة بسرعة عالية جدّاً .

وقد ذكر بعض المفسّرين جواباً آخر على ذلك السؤال ، وهو : إنّ هاتين الآيتين تشيران إلى نوعين من الرياح سخّرهما الله سبحانه وتعالى لسليمان ، إحداهما كانت سريعة السير ، والثانية بطيئة .

2 ـ النعمة الاُخرى التي أنعمها الباريء عزّوجلّ على عبده سليمان (عليه السلام) ، هي تسخير الموجودات المتمردة ووضعها تحت تصرّف سليمان لتنجز له بعض الأعمال التي يحتاجها {والشياطين كلّ بنّاء وغوّاص} (9) .

أي إنّ مجموعة منها منشغلة في البرّ ببناء ما يحتاج إليه سليمان من أبنية ، واُخرى منشغلة بالغوص في البحر .

وبهذا الشكل فإنّ الله وضع تحت تصرّف سليمان قوّة مستعدّة لتنفيذ ما يحتاج إليه ، فالشياطين ـ التي من طبيعتها التمرّد والعصيان ـ سخّرت لسليمان لتبني له ، ولتستخرج المواد الثمينة من البحر .

ومسألة تسخير الشياطين لسليمان وتنفيذها لما يحتاج إليه ، لم ترد في هذه الآية فقط ، وإنّما وردت في عدّة آيات من آيات القرآن المجيد ، ولكن في بعض الآيات ـ كالآية التي هي مورد بحثنا والآية (82) من سورة الأنبياء إستخدمت كلمة (الشياطين) فيها ، فيما إستخدمت كلمة (الجنّ) في الآية (12) من سورة سبأ .

وكما قلنا سابقاً فإنّ (الجنّ) موجودات مخفية عن أنظارنا ، ولها عقول وشعور وقدرة ، وبعضها مؤمن وبعضها الآخر كافر ، ولا يوجد هناك أي مانع من أن توضع ـ بأمر من الله ـ تحت تصرّف بعض الأنبياء ، لتنجز له بعض الأعمال .

وهناك إحتمال وارد أيضاً ، وهو أنّ كلمة الشياطين لها معنى واسع قد يشمل حتّى العصاة من البشر ، وقد إستخدم هذا المعنى في الآية (112) من سورة الأنعام ، وبهذا الترتيب فإنّ الله سبحانه وتعالى منح سليمان قوّة جعلت حتّى المتمردّين العصاة ينصاعون لأوامره .

3 ـ النعمة الاُخرى التي أنعمها الباري عزّوجلّ على سليمان ، هي سيطرته على مجموعة من القوى التخريبيّة ، لأنّ هناك من بين الشياطين من لا فائدة فيه ، ولا سبيل أمام سليمان سوى تكبيلهم بالسلاسل ، كي يبقى المجتمع في أمان من شرورهم ، كما جاء في القرآن المجيد {وآخرين مقرنين في الأصفاد} (10) .

«مقرّنين» مشتقّة من (قرن) وهي تشير إلى ربط الأيدي والأرجل أو الرقاب بالسلاسل .

«أصفاد» جمع (صفد) على وزن (مطر) وتعني القيود التي تكبّل بها أيدي السجناء .

وقال البعض : إنّ عبارة (مقرنين في الأصفاد) تعني الجامعة التي تجمع بين الرقبة واليدين ، وهذا المعنى قريب من معنى «مقرنين» اللغوي وأكثر مناسبة له .

وهناك رأي آخر محتمل ، وهو أنّ المقصود من هذه العبارة هو أنّ كلّ مجموعة منهم مغلولة بسلسلة واحدة .

وهنا يطرح هذا السؤال : إن كان المراد من الشياطين هم شياطين الجنّ ، فإنّ اُولئك لهم جسم شفّاف لا يتناسب مع إستخدام الأغلال والسلاسل والقيود .

لهذا قال البعض : إنّها كناية عن إعتقال ومنع تلك الشياطين من أداء أي نشاط تخريبي ، وإن كان المقصود من الشياطين هم المتمردون والعصاة من بني آدم فإنّ الأغلال والقيود تبقى محافظة على مفهومها الأصلي ، أي إنّ إستخدامها هنا وارد .

4 ـ النعمة الرابعة التي أنعمها الله سبحانه وتعالى على نبيّه سليمان هي إعطاؤه الصلاحيات الواسعة والكاملة في توزيع العطايا والنعم على من يريد ، ومنعها عمّن يريد حسب ما تقتضيه المصلحة ، {هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب} .

عبارة (بغير حساب) إمّا أن تكون إشارة إلى أنّ الباريء عزّ وجلّ قد أعطى لسليمان صلاحيات واسعة لن تكون مورد حساب أو مؤاخذة ، وذلك لصفة العدالة التي كان يتمتّع بها سليمان في مجال إستخدام تلك الصلاحيات ، أو أنّ العطاء الإلهي لسليمان كان عظيماً بحيث أنّه مهما منح منه فإنّه يبقى عظيماً وكثيراً .

وقال بعض المفسّرين : إنّ هذه العبارة تخصّ ـ فقط ـ الشياطين المقرنين بالأصفاد ، وتخاطب سليمان بأنّه يستطيع إطلاق سراح أي منهم (إن رأى في ذلك صلاحاً ، وإبقاء من يشاء في قيوده إن رأى الصلاح في ذلك .

إلاّ أنّ هذا المعنى مستبعد ، لأنّه لا يتلاءم مع ظاهر كلمة (عطائنا) .

5 ـ والنعمة الخامسة والأخيرة التي منّ الله سبحانه وتعالى بها على سليمان ، هي المراتب المعنوية اللائقة التي شملته ، كما ورد في آخر آية من آيات بحثنا {وإنّ له عندنا لزلفى وحسن مآب} .

هذه الآية ـ في الحقيقة ـ هي الردّ المناسب على اُولئك الذين يدّنسون قدسية أنبياء الله العظام بادّعاءات باطلة وواهية يستقونها من كتاب التوراة الحالي المحرّف ، وبهذا الشكل فإنّها تبرئ ساحته من كلّ تلك الإتّهامات الباطلة والمزيّفة ، وتشيد بمرتبته عند الباريء عزّ وجلّ ، حتّى أنّ عبارة (حسن مآب) التي تبشّره بحسن العاقبة والمنزلة الرفيعة عند الله ، هي ـ في نفس الوقت ـ إشارة إلى زيف الإدّعاءات المحرّفة التي نسبتها كتب التوراة إليه ، والتي تدّعي أنّ سليمان انجرّ في نهاية الأمر إلى عبادة الأصنام إثر زواجه من امرأة تعبد الأصنام ، وعمد إلى بناء معبد للأصنام ، إلاّ أنّ القرآن الكريم ينفي ويدحض كلّ تلك البدع والخرافات .

______________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج11 ، ص394-408 .

2 ـ ويرى البعض : إنّ (صافنات) ، تستعمل للمذكّر والمؤنث ، ولهذا فإنّها لا تختّص بإناث الخيل .

3 ـ مجمع البيان في ذيل الآيات مورد بحثنا ، قال البعض : إنّ (خير) الواردة في الآية الآنفة الذكر تعني المال أو المال الكثير ، وهذا التّفسير من الممكن أن يتطابق مع التّفسير السابق ، لأنّ مصداق المال هنا هو الخيل .

4 ـ تنزيه الأنبياء ، الصفحة 93 .

5 ـ بحار الأنوار ، المجلّد 14 ، الصفحة 104 .

6 ـ طبقاً لهذا التّفسير فإنّ الضمير في عبارتي (توارت) و(ردّوها) يعود على الخيل الماهرة والحاذقة (الصافنات الجياد) .

7 ـ وللإيضاح أكثر في أنّ كتب اليهود هي مصدر مثل هذه الخرافات ، يراجع كتاب (أعلام

القرآن) موضوع سليمان في القصص الصفحة 392 .

8 ـ كتاب علل الشرائع ، نقلا عن تفسير نور الثقلين ، المجلّد 4 ، الصفحة 459 .

9 ـ (الشياطين) معطوفة على (الريح) والتي هي مفعول (سخّرنا) ، و(كلّ بنّاء وغوّاص) بدل

من الشياطين .

10 ـ «آخرين» معطوفة على (كلّ بنّاء) وهي بمثابة مفعول (سخّرنا) ، و(مقرنين) صفة لـ(آخرين) .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .