المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17751 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
نظرية الغبار البركاني والغبار الذي يسببه الإنسان Volcanic and Human Dust
2024-11-24
نظرية البقع الشمسية Sun Spots
2024-11-24
المراقبة
2024-11-24
المشارطة
2024-11-24
الحديث المرسل والمنقطع والمعضل.
2024-11-24
اتّصال السند.
2024-11-24

ضرورة بيان الأحكام وبث الثقافة الإسلامية
10-04-2015
عناصر الإبداع في المؤسسات الرائدة
26-5-2018
Chance and likelihood
2024-01-29
على اي شيء أحسدك؟
24-10-2017
اللهجة
14-8-2022
مركبات الجالكونات Chalcones compounds
2024-09-02


تفسير الآية (12-20) من سورة ص  
  
3309   08:53 صباحاً   التاريخ: 21-4-2020
المؤلف : إعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : .....
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الصاد / سورة ص /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-4-2020 4946
التاريخ: 21-4-2020 3310
التاريخ: 21-4-2020 7132
التاريخ: 21-4-2020 11913

قال تعالى : {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ (12) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ (13) إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ (14) وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ (15) وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ (16) اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (18) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (19) وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} [ص : 12 - 20]

 

تفسير مجمع البيان

- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

{كذبت قبلهم} أي قبل هؤلاء الكفار .{قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد} وقيل في معناه أقوال (أحدها) أنه كانت له ملاعب من أوتاد يلعب له عليها عن ابن عباس وقتادة وعطا (والثاني) أنه كان يعذب الناس بالأوتاد وذلك أنه إذا غضب على أحد وتد يديه ورجليه ورأسه على الأرض عن السدي والربيع بن أنس ومقاتل والكلبي (والثالث) أن معناه ذو البنيان والبنيان أوتاد عن الضحاك (والرابع) أن المعنى ذو الجنود والجموع الكثيرة بمعنى أنهم يشدون ملكه ويقوون أمره كما يقوي الوتد الشيء عن الجبائي والقتيبي والعرب تقول هو في عز ثابت الأوتاد والأصل فيه أن بيوتهم إنما ثبتت بالأوتاد قال الأسود بن يعفر :

ولقد غنوا فيها بأنعم عيشة *** في ظل ملك ثابت الأوتاد

 (والخامس) أنه سمي ذو الأوتاد لكثرة جيوشه السائرة في الأرض وكثرة أوتاد خيامهم فعبر بكثرة الأوتاد عن كثرة الأجناد {وثمود} يعني قوم صالح {وقوم لوط وأصحاب الأيكة} وهم قوم شعيب {أولئك الأحزاب} لما ذكر سبحانه هؤلاء المكذبين أعلمنا أن مشركي قريش حزب من هؤلاء الأحزاب ومعناه هم الأحزاب حقا أي أحزاب الشيطان كما يقال هم هم ، قال :

وإن الذي حانت بفلج دماؤهم *** هم القوم كل القوم يا أم خالد (2)

 {وإن كل إلا كذب الرسل} أي ما كل حزب منهم إلا كذب الرسل {فحق عقاب} أي فوجب عليهم عقابي بتكذيبهم رسلي {وما ينظر} أي وما ينتظر {هؤلاء} يعني كفار مكة {إلا صيحة واحدة} وهي النفخة الأولى في الصور {ما لها من فواق} أي لا يكون لتلك الصيحة إفاقة بالرجوع إلى الدنيا عن قتادة والسدي والمراد أن عقوبة أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) بعذاب الاستئصال مؤخرة إلى يوم القيامة وعقوبة سائر الأمم معجلة في الدنيا كما قال بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر قال الفراء إذا ارتضعت البهيمة أمها ثم تركتها حتى تنزل فتلك الإفاقة والفواق ثم قيل لكل راحة وإنظار للاستراحة فواق وقيل معناه ما لها مثنوية أي صرف ورد عن الضحاك وقيل ما لها من فتور كما يفتر المريض عن ابن زيد .

{وقالوا} يعني هؤلاء الكفار الذين وصفهم {ربنا عجل لنا قطنا} أي قدم لنا نصيبنا من العذاب {قبل يوم الحساب} قالوه على وجه الاستهزاء بخبر الله عز وجل عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وقيل معناه أرنا حظنا من النعيم في الجنة حتى نؤمن عن السدي وسعيد بن جبير وقيل لما نزل فأما من أوتي كتابه بيمينه وأما من أوتي كتابه بشماله قالت قريش زعمت يا محمد أنى نؤتى كتابنا بشمالنا فعجل لنا كتبنا التي نقرؤها في الآخرة استهزاء منهم بهذا الوعيد وتكذيبا به عن أبي العالية والكلبي ومقاتل .

فقال الله سبحانه لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) {اصبر} يا محمد أي احبس نفسك {على ما يقولون} من تكذيبك فإن وبال ذلك يعود عليهم {واذكر عبدنا داود ذا الأيد} أي ذا القوة على العبادة عن ابن عباس ومجاهد وذكر أنه يقوم نصف الليل ويصوم نصف الدهر كان يصوم يوما ويفطر يوما وذلك أشد الصوم وقيل ذا القوة على الأعداء وقهرهم وذلك لأنه رمى بحجر من مقلاعه صدر رجل فأنفذه من ظهره فأصاب آخر فقتله وقيل معناه ذا التمكين العظيم والنعم العظيمة وذلك أنه كان يبيت كل ليلة حول محرابه ألوف كثيرة من الرجال .

{إنه أواب} أي ثواب راجع عن كل ما يكره الله تعالى إلى كل ما يحب من آب يؤب إذا رجع عن مجاهد وابن زيد وقيل مسبح عن سعيد بن جبير وقيل مطيع عن ابن عباس {إنا سخرنا الجبال معه يسبحن} لله إذا سبح ويحتمل أن يكون الله سبحانه خلق في الجبال التسبيح ويمكن أن يكون بنى فيها بنية يأتي فيها التسبيح {بالعشي والإشراق} أي بالرواح والصباح {والطير} أي وسخرنا الطير {محشورة} أي مجموعة إليه تسبح الله تعالى معه {كل} يعني كل الطير والجبال {له أواب} رجاع إلى ما يريد مطيع له بالتسبيح معه قال الجبائي لا يمتنع أن يكون الله تعالى خلق في الطيور من المعارف ما تفهم به أمر داود (عليه السلام) ونهيه فتطيعه فيما يريد منها وإن لم تكن كاملة العقل مكلفة .

{وشددنا ملكه} أي قوينا ملكه بالحرس والجنود والهيبة وكثرة العدد والعدة {وآتيناه الحكمة} وهي النبوة وقيل الإصابة في الأمور وقيل العلم بالله وشرائعه عن أبي العالية والجبائي {وفصل الخطاب} يعني الشهود والأيمان وإن البينة على المدعي واليمين على من أنكر لأن خطاب الخصوم لا ينفصل ولا ينقطع إلا بهذا وهو قول الأكثرين وقيل فصل الخطاب هو العلم بالقضاء والفهم عن ابن مسعود والحسن ومقاتل وقتادة وقال البلخي يجوز أن يكون المراد بتسبيح الجبال معه ما أعطاه الله تعالى من حسن الصوت بقراءة الزبور فكان إذا قرأ الزبور أو رفع صوته بالتسبيح بين الجبال ردت الجبال عليه مثله من الصدى فسمى الله ذلك تسبيحا .

________________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج8 ، ص347-350 .

2- قائله أشهب بن زميلة ، ونسبه بعض الى حريث بن مخفض ، وحانت اي : هلكت . وفلج : موضع بين مكة والبصرة . وأم خالد : اسم امرأة .

 

تفسير الكاشف

- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :

{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وعادٌ وفِرْعَوْنُ ذُو الأَوْتادِ وثَمُودُ وقَوْمُ لُوطٍ وأَصْحابُ الأَيْكَةِ} . كذبت هذه الأمم الرسل ، فأهلك اللَّه بعضهم بالطوفان كقوم نوح ، والبعض الآخر بالغرق في البحر كفرعون . وذو الأوتاد كناية عن استقامة ملكه كما تستقيم الخيمة إذا شدت أطنابها بالأوتاد الثابتة في الأرض : {فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ وأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ} - 6 الحاقة . أما قوم لوط فجعل أعلى ديارهم أسفلها . انظر تفسير الآية 82 من سورة هود ج 4 ص 255 .

وأخذ اللَّه أصحاب الأيكة - قوم شعيب - بعذاب أليم . انظر تفسير الآية 78 من سورة الحجر ج 4 ص 487 والآية 176 من الشعراء ج 5 ص 515 .

{أُولئِكَ الأَحْزابُ إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ} . أخذ سبحانه أحزاب الشيطان بذنوبهم وقطع دابرهم جزاء بما يكسبون من الشرك وتكذيب أنبياء اللَّه ورسله ، ألا يخشى الذين كذبوا محمدا (صلى الله عليه واله وسلم) أن يصيبهم مثل ما أصاب أولئك الأحزاب ؟ {وما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ} .

هؤلاء إشارة إلى الذين كذبوا محمدا (صلى الله عليه واله وسلم) والمعنى ما ذا ينتظرون من اللَّه بعد ان كذبوك يا محمد ؟ وهو القادر بكلمة واحدة أن يبعث عليهم عذاب النكال والاستئصال في أمد لا يستطيعون معه توصية ولا إلى أهلهم يرجعون .

{وقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ} هددهم سبحانه على لسان نبيه الكريم بعذاب جهنم ، فقالوا ساخرين : إذا كان هذا واقعا فلما ذا التأخير إلى يوم القيامة ؟ فليكن في الدنيا لا في الآخرة {اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ} يا محمد : انك ساحر كذاب وما إلى ذلك من الافتراءات ، فان عاقبة أمرهم الخسران والاستسلام .

وقد صبر النبي (صلى الله عليه واله وسلم) على أذى المشركين 13 سنة في مكة ، وعلى مكر المنافقين بضع سنوات في المدينة ، صبر هذا الأمد الطويل ، وهو واثق بالمستقبل ، وان أدبر الحاضر . . ولم تمض الأيام حتى نصر اللَّه محمدا ، وأظهر الإسلام على الدين كله ولوكره المشركون .

{واذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ} هذا الاسم عبري ، ومعناه محبوب ، وداود هو ثاني ملوك بني إسرائيل ، والأول اسمه طالوت : إِنَّ اللَّهً قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً - 247 البقرة ج 1 ص 377 . والتوراة تعبر عن طالوت هذا بشاول ، فقد جاء في (قاموس الكتاب المقدس) : ان شاول أول ملوك إسرائيل ، وان داود حارب في جيشه .

وقال الرازي : ان اللَّه وصف داود بأوصاف كثيرة . . ثم شرحها في أربع صفحات بالقطع الكبير ، نلخصها بالأسطر التالية :

1 - قال اللَّه لمحمد (صلى الله عليه واله وسلم) : {اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ واذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ} .

وهذا إكرام لداود .

2 – { ذا الأيد} أي ذا القوة على طاعة اللَّه .

3 – {انه أوّاب} أي يرجع في أموره كلها إلى اللَّه .

4 - {إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ والإِشْراقِ والطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ} . ومثله قوله تعالى في الآية 10 من سورة سبأ : {يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ والطَّيْرَ} والآية 79 من سورة الأنبياء : {وسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ والطَّيْرَ} انظر ج 5 ص 292 .

5 – {وشددنا ملكه } أي قويناه .

6 – {وآتيناه الحكمة} وهي وضع الأشياء في محلها ، وبتعبير الرازي (هي العلم والعمل به ، وانما سمي هذا بالحكمة لأن اشتقاق الحكمة من إحكام الأمور وتقويتها) .

7 - ( وفصل الخطاب ) قال الرازي : فصل الخطاب هو القدرة على ضبط المعنى والتعبير عنه إلى أقصى الغايات . وهذا أشمل مما نفهمه نحن من أن فصل الخطاب هو العلم بالقضاء والفصل في الخصومات على أساس العدل .

بهذه الأوصاف الكاملة الفاضلة نعت القرآن الكريم داود ، أما التوراة فقد وصفته بأقبح النعوت كالظلم والفسق والغدر واغتصاب النساء من الأزواج حتى قال المسهمون في وضع قاموس الكتاب المقدس صفحة 365 طبعة 15 آذار سنة 1967 ما نصه بالحرف الواحد : (ارتكب داود في بعض الأحيان خطايا يندى لها الجبين خجلا) .

_______________

  1. الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص368-370 .

 

تفسير الميزان

- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى : {كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد - إلى قوله - فحق عقاب} ذو الأوتاد وصف فرعون والأوتاد جمع وتد وهو معروف .

قيل : سمي بذي الأوتاد لأنه كانت له ملاعب من أوتاد يلعب له عليها ، وقيل : لأنه كان يعذب من غضب عليه من المجرمين بالأوتاد يوتد يديه ورجليه ورأسه على الأرض فيعذبه وقيل : معناه ذو الجنود أوتاد الملك ، وقيل : غير ذلك من الوجوه ، ولا دليل على شيء منها يعول عليه .

وأصحاب الأيكة قوم شعيب وقد تقدم في سورة الحجر والشعراء ، وقوله : {فحق عقاب} أي ثبت في حقهم واستقر فيهم عقابي فأهلكتهم .

قوله تعالى : {وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق} النظر الانتظار والفواق الرجوع والمهلة اليسيرة ، والمعنى وما ينتظر هؤلاء المكذبون من أمتك إلا صيحة واحدة تقضي عليهم وتهلكهم ما لها من رجوع أو مهلة وهي عذاب الاستئصال .

قالوا : والمراد من الصيحة صيحة يوم القيامة لأن أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) مؤخر عنهم العذاب إلى قيام الساعة ، وقد عرفت في تفسير سورة يونس أن ظاهر آيات الكتاب يعطي خلاف ذلك فراجع .

قوله تعالى : {وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب} القط النصيب والحظ ، وهذه الكلمة استعجال منهم للعذاب قبل يوم القيامة استهزاء بحديث يوم الحساب والوعيد بالعذاب فيه .

ولما حكى سبحانه عن المشركين رميهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ودعوته الحقة باختلاق وأنها ذريعة إلى التقدم والرئاسة وأنه لا مرجح له عليهم حتى يختص بالرسالة والإنذار .

ثم استهزائهم بيوم الحساب وعذابه الذي ينذرون به ، أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالصبر وأن لا يزلزله هفواتهم ولا يوهن عزمه وأن يذكر عدة من عباده الأوابين له الراجعين إليه فيما دهمهم من الحوادث .

وهؤلاء تسعة من الأنبياء الكرام ذكرهم الله سبحانه : داود وسليمان وأيوب وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وإسماعيل واليسع وذو الكفل (عليه السلام) ، وبدأ بداود (عليه السلام) وذكر بعض قصصه .

قوله تعالى : {اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب} الأيد القوة وكان (عليه السلام) ذا قوة في تسبيحه تعالى يسبح ويسبح معه الجبال والطير وذا قوة في ملكه وذا قوة في علمه وذا قوة وبطش في الحروب وقد قتل جالوت الملك كما قصه الله في سورة البقرة .

والأواب اسم مبالغة من الأوب بمعنى الرجوع والمراد به كثرة رجوعه إلى ربه .

قوله تعالى : {إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق} الظاهر أن {معه} متعلق بقوله : {يسبحن} وجملة {معه يسبحن} بيان لمعنى التسخير وقدم الظرف لتعلق العناية بتبعيتها لداود واقتدائها في التسبيح لكن قوله تعالى في موضع آخر : {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ} [الأنبياء : 79] يؤيد تعلق الظرف بسخرنا ، وقد وقع في موضع آخر من كلامه تعالى : { يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} [سبأ : 10] .

والعشي والإشراق الرواح والصباح .

وقوله : {إنا سخرنا} إلخ {إن} فيه للتعليل والآية وما عطف عليها من الآيات بيان لكونه (عليه السلام) ذا أيد في تسبيحه وملكه وعلمه وكونه أوابا إلى ربه .

قوله تعالى : {والطير محشورة كل له أواب} المحشورة من الحشر بمعنى الجمع بإزعاج أي وسخرنا معه الطير مجموعة له تسبح معه .

وقوله : {كل له أواب} استئناف يقرر ما تقدمه من تسبيح الجبال والطير أي كل من الجبال والطير أواب أي كثير الرجوع إلينا بالتسبيح فإن التسبيح من مصاديق الرجوع إليه تعالى .

ويحتمل رجوع ضمير {له} إلى داود على بعد .

ولم يكن تأييد داود (عليه السلام) في أصل جعله تعالى للجبال والطير تسبيحا فإن كل شيء مسبح لله سبحانه قال تعالى : {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء : 44] بل في موافقة تسبيحها لتسبيحه وقرع تسبيحها أسماع الناس وقد تقدم كلام في معنى تسبيح الأشياء لله سبحانه في تفسير قوله تعالى : {وإن من شيء إلا يسبح بحمده} الآية وأنه بلسان القال دون لسان الحال .

قوله تعالى : {وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب} قال الراغب : الشد العقد القوي يقال شددت الشيء قويت عقده .

انتهى فشد الملك من الاستعارة بالكناية والمراد به تقوية الملك وتحكيم أساسه بالهيبة والجنود والخزائن وحسن التدبير وسائر ما يتقوى به الملك .

والحكمة في الأصل بناء نوع من الحكم والمراد بها المعارف الحقة المتقنة التي تنفع الإنسان وتكمله ، وقيل : المراد النبوة ، وقيل الزبور وعلم الشرائع ، وقيل غير ذلك وهي وجوه ردية .

وفصل الخطاب تفكيك الكلام الحاصل من مخاطبة واحد لغيره وتمييز حقه من باطله وينطبق على القضاء بين المتخاصمين في خصامهم .

وقيل : المراد به الكلام القصد ليس بإيجازه مخلا ولا بإطنابه مملا ، وقيل : فصل الخطاب قول أما بعد فهو(عليه السلام) أول من قال : أما بعد ، والآية التالية {وهل أتاك نبؤا الخصم} إلخ تؤيد ما قدمناه .

________________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج17 ، ص154-158 .

 

تفسير الامثل

- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

تكفيهم صيحة سماوية واحدة :

تتمّة للآية الآنفة الذكر ، التي بشّرت بهزيمة المشركين مستقبلا ، ووصفتهم بأنّهم مجموعة صغيرة من الأحزاب ، تناولت آيات بحثنا الحالي بعض الأحزاب التي كذّبت رسلها ، وبيّنت المصير الأليم الذي كان بإنتظارها .

إذ تقول ، إنّ أقوام نوح وعاد وفرعون ذي الأوتاد كانت قد كذّبت قبلهم بآيات الله ورسله {كذّبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد} .

كذلك أقوام ثمود ولوط وأصحاب الأيكة ـ أي قوم شعيب ـ كانت هي الاُخرى قد كذّبت رسلهم {وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة اُولئك الأحزاب} (2) .

نعم ، هذه هي ستّة مجاميع من أحزاب الجهل وعبادة الأصنام ، التي عملت ضدّ أنبياء الله ، ورفضت قبول ما جاؤوا به من عند الله .

فقوم نوح واجهوا هذا النّبي العظيم .

وقوم عاد واجهوا نبيّ الله «هود» .

وفرعون وقف ضدّ «موسى وهارون» .

وقوم ثمود وقفوا بوجه «صالح» .

وقوم لوط وقفوا بوجه نبي الله «لوط» .

وأصحاب الأيكة واجهوا نبي الله «شعيب» .

إذ كذّبوا وآذوا أنبياء الله والمؤمنين وبذلوا في ذلك قصارى جهودهم ، ولكن في نهاية الأمر نزل عليهم العذاب الإلهي وجعلهم كعصف مأكول .

فقوم نوح اُبيدوا بالطوفان وسيول الأمطار .

وقوم عاد اُبيدوا بالأعاصير الشديدة .

وفرعون وأتباعه اُغرقوا في نهر النيل .

وقوم ثمود اُهلكوا بالصيحة السماوية .

وقوم لوط بالزلزلة الرهيبة المقترنة بأمطار الحجارة السماوية .

وقوم شعيب اُبيدوا بالصاعقة المهلكة التي نزلت عليهم من السحب الكثيفة التي غطّت سماء المنطقة ، وبهذا الشكل فإنّ (الماء) و(الهواء) و(التراب) و(النار) التي تشكّل اُسس حياة الإنسان ، كانت السبب في موت وإبادة تلك الأقوام الطائشة والعاصية ، وجعلهم في طي النسيان ، حيث لم يبق لهم أيّ أثر . فعلى مشركي مكّة أن يدركوا بأنّهم لا يعدّون سوى مجموعة صغيرة بالنسبة إلى تلك الأقوام ، فلِمَ لا يصحون من غفلتهم .

وصف (فرعون) بـ (ذي الأوتاد) أي (صاحب الأوتاد القويّة) في الآيات المذكورة أعلاه ، وفي الآية (10) من سورة الفجر ، كناية عن قوّة حكم فرعون والفراعنة وثباته ، وتستعمل هذه الكناية بكثرة ، فيقال : الشخص الفلاني أوتاده ثابتة ، أو إنّ أوتاد هذا العمل ثابتة ، أو إنّها مثبتة بأربعة أوتاد ، وذلك لأنّ الأوتاد دائماً تستخدم لتثبيت أركان الخيمة .

والبعض إعتبرها إشارة إلى كثرة جيوش فرعون السائرة في الأرض وكثرة أوتاد خيامهم .

والبعض الآخر قال : إنّها إشارة إلى التعذيب الوحشي الذي كان الفراعنة يعذّبون به معارضيهم ، إذ كانوا يربطون الأشخاص بأربعة أوتاد على الأرض أو على الخشبة أو على الحائط ، وكانوا يثبتون وتدين في الرجلين ، ووتدين آخرين في اليدين ويتركون الشخص يتعذّب حتّى يموت .

وأخيراً ، احتمل البعض أنّ الأوتاد تعني الأهرامات الموجودة في أرض مصر ، والتي تقوم في الأرض كالأوتاد ، ولأنّ الفراعنة هم الذين بنوا الأهرامات ، فإنّ هذا الوصف ينحصر بهم فقط .

على أيّة حال فإنّه لا يوجد أيّ إختلاف بين تلك الإحتمالات ، ومن الممكن جمعها لتعطي مفهوم هذه الكلمة .

أمّا (الأيكة) فإنّها تعني الشجرة ، و(أصحاب الأيكة) هم قوم نبي الله «شعيب» الذين كانوا يعيشون في منطقة خضراء بين الحجاز والشام ، وقد تمّ التطرّق إليها بصورة موسّعة في تفسير الآية (78) في سورة الحجرات .

نعم ، فكلّ قوم من هذه الأقوام كذّب بما جاء به رسل الله ، وأنزل العذاب الإلهي بحقّه {إنّ كلّ إلاّ كذّب الرسل فحقّ عقاب} (3) .

والتأريخ بيّن كيف أنّ كلّ قوم من تلك الأقوام اُبيد بشكل من أشكال العذاب ، وكيف أنّ مدنهم تحوّلت إلى خرائب وأطلال خلال لحظات ، وأصبح ساكنوها أجساد بلا أرواح !!

فهل يتوقّع مشركو مكّة أن يكون مصيرهم أفضل من مصير اُولئك من جرّاء الأعمال العدائية التي يقومون بها؟ في حين أنّ أعمالهم هي نفس أعمال اُولئك ، وسنّة الله هي نفس تلك السنّة؟

لذا فإنّ الآية التالية تخاطبهم بلغة التهديد الحازمة والقاطعة : ما ينتظر هؤلاء من جرّاء أعمالهم إلاّ صيحة سماوية واحدة تقضي عليهم وتهلكهم وما لهم من رجوع ، {وما ينظر هؤلاء إلاّ صيحة واحدة ما لها من فواق} .

يمكن أن تكون هذه الصيحة مماثلة للصيحات السابقة التي نزلت على الأقوام الماضية ، كأن تكون صاعقة رهيبة أو زلزالا عنيفاً يدمّر حياتهم وينهيها .

وقد تكون إشارة إلى صيحة يوم القيامة ، التي عبّر عنها القرآن الكريم بـ (النفخة الاُولى في الصور) .

إعترض بعض المفسّرين على التّفسير الأوّل ، وإعتبروه مخالفاً لما جاء في الآية (33) من سورة الأنفال التي تقول : {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ } [الأنفال : 33] .

أمّا بالنظر إلى أنّ المشركين كانوا لا يعتقدون برسول الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا يؤمنون برسالته ، بالإضافة إلى كون أعمالهم تشابه أعمال الأقوام السابقة التي اُهلكت بالصيحات السماوية ، لذا فعليهم أن يتوقّعوا مثل ذلك المصير وفي أيّ لحظة ، لأنّ الآية تتحدّث عن (الإنتظار) .

كما إعترض آخرون على التّفسير الثاني بأنّ مشركي مكّة لن يبقوا أحياء حتّى آخر الزمان كي تشملهم الصيحة .

ولكن هذا الإعتراض غير وارد ، لنفس السبب الذي ذكرناه من قبل ، وهو أنّه لا أحد من الناس يعلم لحظة نهاية العالم وقيام الساعة ، ولذا فعلى المشركين أن يترقّبوا لحظة بلحظة تلك الصيحة (4) .

على أيّة حال ، فكأنّ اُولئك الجهلة ينتظرون العذاب الإلهي جزاء تكذيبهم وإنكارهم لآيات الله سبحانه وتعالى ، وتقوّلهم على الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) بكلام لا يليق ، وإصرارهم على عبادة الأصنام ، والظلم وإشاعة الفساد ، العذاب الذي سيحرق حصيلة أعمارهم ، أو الصيحة التي تنهي كلّ شيء في العالم ، وتؤدّي بأولئك إلى طريق لا رجعة فيه .

«فواق» على وزن (رواق) وقد ذكر أهل اللغة والتّفسير عدّة معان لها منها : أنّها الفاصل بين كلّ رضعتين ، إذ بعد فترة معيّنة من حلب الثدي بصورة كاملة يعود فينزل إليه اللبن من جديد .

وقال البعض : إنّها الفاصل بين فتح الأصابع عن الثدي بعد حلبه وإعادتها لحلبه مرّة اُخرى .

وبما أنّ الثدي يستريح قليلا بعد كلّ حلبة ، فكلمة (فواق) يمكن أن تعطي معنى الهدوء والراحة .

وبما أنّ هذه الفاصلة من أجل عودة الحليب مرّة اُخرى إلى الثدي فإنّ هذه الكلمة تعطي مفهوم العودة والرجوع ، كما يقال للمريض الذي تتحسّن حالته الصحيّة بأن (أفاق) وذلك لأنّه إستعاد صحّته وسلامته ، كما يقال لحالة السكران الذي يصحو من سكرته وللمجنون عندما يستعيد عقله «إفاقة» عند عودتهما إلى الشعور والإدراك والعقل(5) .

على أيّة حال ، فالصيحة الرهيبة ليس بعدها رجوع ولا راحة ولا هدوء ولا إفاقة ، ففور شروعها تغلق كلّ الأبواب أمام الإنسان ، ولا ينفع الندم حينئذ ، إذ لا مجال لإصلاح الماضي ، ولا مجيب لصراخهم .

الآية الأخيرة في هذا البحث تشير إلى كلام آخر للكافرين حيث قالوا باستهزاء وسخرية : ربّنا عجّل علينا العذاب قبل حلول يوم الحساب ، {وقالوا ربّنا عجّل لنا قطنا قبل يوم الحساب} .

فهؤلاء المغرورون بلغ بهم الغرور حتّى إلى الإستهزاء بعذاب الله ومحكمته العادلة ، وإلى القول : لِمَ تأخّرت حصّتنا من العذاب؟!

لماذا لا يوفّينا الله بسرعة حظّنا من العذاب؟

والأقوام السابقة كانت تضمّ الكثير من أمثال هؤلاء السفهاء الذين نعقوا كالحيوانات فور نزول العذاب الإلهي عليهم ، ولم يهتمّ لنعيقهم أحد .

«(قِط» على وزن (جِنّ) تعني قطع الشيء عرضاً ، فيما تعني كلمة (قَد) وهي على نفس الوزن السابق ، قطع الشيء طولا! وكلمة (قط) هنا تعني نصيباً أوسهماً . وأحياناً تعني الورقة التي يرسم عليها ، أو تكتب عليها أسماء أشخاص فازوا بالجوائز .

لهذا فإنّ بعض المفسّرين ، قالوا في تفسير الآية المذكورة أعلاه : إنّ المقصود منها هوأنّ الله سبحانه وتعالى يسلّم عباده صحائف أعمالهم قبل حلول يوم الجزاء ، وهذا الكلام قيل بعد نزول آيات قرآنية تؤكّد على أنّ هناك مجموعة تعطى صحائفها باليد اليمنى ، ومجموعة اُخرى تستسلم صحائفها باليد اليسرى .

وهنا قالت مجموعة من مشركي مكّة وهي تستهزىء : ما أجمل أن تسلّم إلينا الآن صحف أعمالنا لنقرأها ونشاهد ماذا عملنا؟

على أيّة حال ، فإنّ «الجهل» و«الغرور» صفتان قبيحتان مذمومتان ، ولا تنفصل الواحدة عن الاُخرى ، إذ أنّ الجهلة مغرورون ، والمغرورون جهلة ، وشواهد هذا الوصف كانت موجودة بكثرة عند مشركي عصر الجاهلية .

وقوله تعالى : {اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (18) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (19) وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} [ص : 17 - 20]

 

تعلّم من داود :

نبيّ الله داود (عليه السلام) أحد كبار أنبياء بني إسرائيل وحاكماً لدولة كبيرة ، وقد ورد ذكر مقامه العالي في عدّة آيات بيّنات من القرآن الكريم .

وتتمّة للبحوث السابقة التي إستعرضت فيها آيات القرآن أذى المشركين لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ونسبتهم إليه ما لا يليق به . فإنّ القرآن الكريم لمواساة رسول الله وأصحابه المؤمنين القلائل ، طرح قصّة داود (عليه السلام) ، داود الذي منحه الله قدرة واسعة ، حتّى أنّ الجبال والطيور كانت مسخّرة له ، ليبيّن تبارك وتعالى من خلال هذه القصّة لنبيّه الأكرم أنّ اللطف الإلهي إن شمل أحداً فإنّ عموم الناس لا يستطيعون عمل أي شيء إزاء هذا اللطف .

فداود ـ مع هذه القدرة العظيمة التي منحها إيّاه ربّ العالمين ـ لم يسلم من تجريح الآخرين وبذاءة لسانهم ، وفي هذا الكلام مواساة للنبي الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) في أنّ هذه المسألة لا تنحصر بك فقط ، وإنّما شاركك فيها كبار الأنبياء (عليهم السلام) .

ففي البداية تقول آيات بحثنا : {اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنّه أوّاب} .

«الأيد» بمعنى القدرة ، وتأتي أيضاً بمعنى النعمة .

وقد توفّر المعنيان المذكوران أعلاه في داود ، إذ كان يتمتّع بقوّة جسدية مكّنته من أن يقتل الطاغية جالوت بضربة قويّة واحدة بواسطة حجر رماه من مقلاعه على جالوت ، فأسقطه من فرسه مضرّجاً بدمه خلال إحدى المعارك .

وقال البعض : إنّ الحجر مزّق صدر جالوت وخرج من ظهره .

أمّا من حيث قدرته السياسية ، فقد كانت حكومته قويّة ومستعدّة دائماً لمواجهة الأعداء ، بكلّ قوّة وإقتدار ، حتّى قيل أنّ الآلاف من جنده كانت تقف على أهبّة الإستعداد من المساء حتّى الصباح في أطراف محراب عبادته .

ومن حيث قدرته الأخلاقية والمعنوية والعبادية ، فإنّه كان يقوم معظم الليل في عبادة الله ، ويصوم نصف أيّام السنة .

وأمّا من حيث النعم الإلهيّة ، فقد أنعم عليه الباريء عزّوجلّ بالكثير من النعم الظاهرية والباطنية .

خلاصة الحديث ، إنّ داود كان رجلا ذا قوّة وقدرة في الحروب والعبادات والعلم والمعرفة وفي السياسة ، وكان أيضاً صاحب نعمة كبيرة (6) .

«أوّاب» مشتقّة من (أوب) على وزن (قول) وتعني العودة الإختيارية إلى أمر ما ، ولكون (أوّاب) على صيغة المبالغة ، فإنّها تشير إلى أنّه كان كثيراً ما يعود إلى الله سبحانه وتعالى ، وكان يتوب عن أصغر غفلة وترك للأولى .

وطبقاً لأسلوب القرآن في الإيجاز والتفصيل في ذكر القضايا المختلفة ، فإنّ الآيات الآنفة بعد أن تطرّقت بصورة موجزة إلى نعم الله على داود ، تشرح أنواعاً من تلك النعم ، قال تعالى : {إنّا سخّرنا الجبال معه يسبّحن بالعشيء والإشراق} (7) .

كذلك سخّرنا له مجاميع الطيور كي تسبّح الله معه (والطير محشورة) .

فكلّ الطيور والجبال مسخّرة لداود ومطيعة لأوامره ، وتسبّح معه الباريء عزّوجلّ ، وتعود إليه ، (كلّ له أوّاب) .

الضمير (له) يمكن أن يعود على داود ، وطبقاً لهذا فإنّ مفهوم الجملة ينطبق مع ما ذكرناه أعلاه ، وهناك إحتمال وارد أيضاً وهو أنّ ضمير (له) يعود إلى ذات الله الطاهرة ، ويعني أنّ كلّ ذرّات العالم تعود إليه ومطيعة لأوامره .

هناك سؤال يطرح ، وهو : كيف تردّد الطيور والجبال صوت التسبيح مع داود ؟

إختلف المفسّرون في الإجابة على هذا السؤال ، وذكروا عدّة تفاسير وإحتمالات له ، منها :

1 ـ قال البعض : إنّ صوت داود الجذّاب كان يتردّد صداه عندما تصطدم موجاته الصوتية بالجبال فيجذب الطيور إليه (وبالطبع فإنّ هذه لا تعدّ فضيلة كي يتطرّق إليها القرآن المجيد وبشيء من العظمة) .

2 ـ وإحتمل البعض الآخر أنّ تسبيحها كان توأماً مع صوت ظاهري ، مرافقاً لنوع من الإدراك والشعور الذي هو في باطن ذرّات العالم ، وطبقاً لهذا الإحتمال ، فإنّ كلّ موجودات العالم تتمتّع بنوع من العقل والشعور ، وحينما تسمع صوت مناجاة هذا النّبي الكبير تردّد معه المناجاة ، ليمتزج تسبيحها مع تسبيح داود (عليه السلام) .

3 ـ واحتملوا أيضاً أنّ هذا التسبيح هو التسبيح التكويني الذي ينطق به لسان حال كلّ مخلوق ، ونظام خلقهم يقول : إنّ الله خال من العيوب والنقص ، وإنّه مقدّس ومنزّه وعالم وقادر ، ويمتلك كافّة صفات الكمال .

ولكن هذا المعنى لا يختّص بداود حتّى يعدّ من مناقبه ، ولهذا فإنّ التّفسير الثاني يعدّ أنسب ، وما ذكر فيه غير مستبعد قياساً بقدرة الله .

فالمناجاة موجودة داخل جميع مخلوقات الكون ، وترانيمها تتردّد على الدوام في بواطنها ، وقد أظهرها الله سبحانه وتعالى لداود (عليه السلام) ، كما في الحصاة التي كانت تسبّح الله وهي في يد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

وتواصل الآية التالية إستعراض نعم الله على داود (عليه السلام) ، قال تعالى : (وشددنا ملكه) أي ثبّتنا وأحكمنا مملكته ، بحيث كان العصاة والطغاة من أعدائه يحسبون لمملكته ألف حساب لقوّتها .

وإضافة إلى هذا فقد آتيناه الحكمة والعلم والمعرفة (وآتيناه الحكمة) الحكمة التي يقول بشأنها القرآن المجيد (ومن يؤت الحكمة فقد اُوتي خيراً كثيراً) .

(الحكمة) هنا تعني العلم والمعرفة وحسن تدبير اُمور البلاد ، أو مقام النبوّة ، أو جميعها .

وقد تكون «الحكمة» أحياناً ذات جانب علمي ويعبّر عنها بـ «المعارف العالية» ، واُخرى لها جانب عملي ويعبّر عنها (بالأخلاق والعمل الصالح) وقد كان لداود في جميعها باع طويل .

وآخر نعمة إلهيّة أُنعمت على داود هي تمكّنه من القضاء والحكم بصورة صحيحة وعادلة (وفصل الخطاب) .

وقد إستخدمت عبارة (فصل الخطاب) لأنّ كلمة «الخطاب» تعني أقوال طرفي النزاع ، أمّا (فصل) فإنّها تعني القطع والفصل .

وكما هو معروف فإنّ أقوال طرفي النزاع لا تقطع إلاّ إذا حكم بينهم بالعدل ، ولهذا فإنّ العبارة هذه تعني قضائه بالعدل .

وهناك إحتمال آخر لتفسير هذه العبارة ، وهو أنّ الله سبحانه وتعالى أعطى داود منطقاً قويّاً يدلّل على سمو وعمق تفكيره ، ولم يكن هذا خاصّاً بالقضاء وحسب ، بل في كلّ أحاديثه .

حقّاً ، ليس من المفروض أن ييأس أحد من لطف الله ، الله الذي يستطيع أن يعطي الإنسان اللائق والمناسب كلّ تلك القوّة والقدرة . وهذه ليست مواساة للنبي الأكرم والمؤمنين في مكّة الذين كانوا يعيشون في تلك الأيّام تحت أصعب الظروف وأشدّها ، بل مواساة لكلّ المؤمنين المضطهدين في كلّ مكان وزمان .

_____________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج11 ، ص366-374 .

2 ـ عبارة (اُولئك الأحزاب) مبتدأ وخبر ، و(اُولئك) إشارة إلى الأقوام الستّة المذكورة في هاتين الآيتين ، و(أحزاب) إشارة إلى الأحزاب التي وردت في الآيتين السابقتين اللتين إعتبرتا مشركي مكّة مجموعة صغيرة من تلك المجموعات .

3 ـ عبارة (فحقّ عقاب) في الأصل (فحقّ عقابي) ، وقد حذفت الياء منها ، طبقاً للمعمول به ، وأُبقيت الكسرة لتدلّ عليها . (حقّ) فعل و(عقاب) فاعل ، يعني أنّ عقابي وجب عليهم وسيتحقّق .

4 ـ أمّا الرأي الذي احتمله بعض المفسّرين في أنّ المقصود هنا هو الصيحة الثانية ، والتي تطلق لإحياء الموتى وسوقهم إلى محكمة العدل الإلهيّة ، فإنّه أمر مستبعد جدّاً ، لأنّه لا ينسجم مع الآية التالية والآيات السابقة .

5 ـ بعض اللغويين قالوا بوجود عدّة فروق بين كلمة (فواق) المفتوحة و(فواق) المضمومة ، والبعض قال : إنّهما بمعنى واحد ، ومن يريد توضيحاً أكثر عليه مراجعة مفردات الراغب ، وتفسير روح المعاني ، والفخر الرازي ، وتفسير أبي الفتوح ، والقرطبي ، ومصادر اللغة .

6 ـ (أيد) جمع (يد) ، وقد إستعملت هنا لكونها مظهر القوّة والنعمة والملك ، وقد حملت كلّ هذه المعاني هنا .

7 ـ (معه) من الممكن أن تكون متعلّقة بقوله (يسبّحن) ووفقاً لهذا فإنّ إقتداء الجبال بداود في التسبيح يوضّح نفس ما جاء في الآية (10) من سورة سبأ (يا جبال أوبي معه) ويمكن أن تكون (معه) متعلّقة بـ (سخّرنا) وفي هذه الحالة فإنّ مفهوم العبارة يكون (إنّا سخّرنا له الجبال) وإستخدام كلمة (معه) بدلا من (له) إنّما تمّ لتوضيح إشتراكهما في التسبيح .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .