المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
غزوة الحديبية والهدنة بين النبي وقريش
2024-11-01
بعد الحديبية افتروا على النبي « صلى الله عليه وآله » أنه سحر
2024-11-01
المستغفرون بالاسحار
2024-11-01
المرابطة في انتظار الفرج
2024-11-01
النضوج الجنسي للماشية sexual maturity
2024-11-01
المخرجون من ديارهم في سبيل الله
2024-11-01



شعراء الغزل الصريح  
  
3392   03:38 مساءً   التاريخ:
المؤلف : شوقي ضيف
الكتاب أو المصدر : تاريخ الادب العربي - العصر الاسلامي
الجزء والصفحة : ص:347-349
القسم : الأدب الــعربــي / الأدب / الشعر / العصر الاسلامي /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 17-6-2017 11686
التاريخ: 15-8-2021 4959
التاريخ: 22-03-2015 3253
التاريخ: 19-9-2021 3807

شعراء الغزل الصريح

رأينا في حديثنا عن مراكز الشعر لهذا العصر كيف تحضرت المدينة ومكة وغرقتا الى آذانهما في الرفه والنعيم، بتأثير ما صب فيهما من أموال الفتوح والرقيق الأجنبي، وكيف أخذ هذا الرقيق يسد حاجة الشباب المتعطل من اللهو بما كان يقدم له من غناء وموسيقي، وقد استطاع من خلال ملاءمته بين الغناء العربي القديم وما ثقفه من غناء الفرس والروم أن ينفذ الى نظرية جديدة وضع على أساسها الألحان والأنغام التي وقع عليها الشعر، وظلت هذه النظرية مسيطرة على غنائنا العربي قرونا طويلة.

ويخيل الى الإنسان كأنما فرغت المدينتان الكبيرتان في الحجاز للغناء، فالناس يختلفون فيهما الى المغنين والمغنيات، حتي النساك والفقهاء، فليس هناك من لا ينعم بالغناء، حتي النساءكن يتخذن الأسباب لسماعه في مجالسهن. وفي كتاب الأغاني أخبار كثيرة تصور كلف سكان المدينتين به وأنه أصبح شغلهم الشاغل (1). وقد شاعت في هذا الجو المعطرة أنفاسه بالموسيقي موجة واسعة من المرح، ورقيت الأذواق ودقت الأحاسيس وعاش الشعراء للحب والغزل فهو الموضوع الذي كان يطلبه المغنون والمغنيات ويستهوي الناس من رجال ونساء.

وبذلك كادت تختفي من المدينتين الموضوعات الأخري للشعر، فقلما نجد فيهما مديحا أو هجاء، إنما نجد الغزل يشيع على كل لسان. وأخذ يتطور بتأثير الغناء الذي عاصره تطورا واسعا، إذ أصبحت كثرته مقطوعات قصيرة، وعدل الشعراء الى الأوزان الخفيفة من مثل الرمل والسريع والخفيف والمتقارب والهزج

347

 

والوافر، كما عدلوا الى مجزوءات الأوزان الطويلة من مثل الكامل والبسيط والرجز، بل لقد مالوا الى تجزئة الأوزان الخفيفة من مثل الخفيف والرمل والمتقارب، حتي يعطوا للمغنين والمغنيات الفرصة كاملة كي يلائموا بين أشعارهم وألحانهم وأنغامهم التي يوقعونها على آلاتهم الوترية وطبولهم الموسيقية، فيطيلوا أو يقصروا ويجهروا في مواضع الجهر ويهمسوا في مواضع الهمس. وليس ذلك فقط ما أثر به الغناء الأموي في الغزل الذي عاصره، فقد دفع الشعراء الى اصطناع الألفاظ العذبة السهلة، حتي يرضوا أذواق المستمعين في هذا المجتمع المتحضر الذي يخاطبونه. وكانت هذه أول دفعة قوية نحو تصفية الشعر العربي من ألفاظه البدوية الجافية.

348

 

ولم يختلف هذا الغزل الجديد عن الغزل الجاهلي القديم في صورته الموسيقية والأسلوبية فحسب، فقد أخذ يختلف أيضا في صورته المعنوية، إذ لم يعد تشبيبا بالديار وبكاء على الأطلال، كما كان الجاهليون يصنعون في جمهور غزلهم، بل أصبح غالبا تصويرا لأحاسيس الحب التي سكبها المجتمع الجديد في نفوس الشعراء. وهو مجتمع ظفرت فيه المرأة العربية بغير قليل من الحرية، فكانت تلقي الرجال وتحادثهم، وكانت-شأن المرأة في كل عصر-تعجب بمن يصف جمالها وتعلق القلوب بها. وينبغي أن نفرق بين الحرية والإباحية، ففي الاولى يبقي للمرأة وقارها وعفافها، وفي الثانية تصبح ممتهنة تقبل على اللهو والعبث والمجون، لا يردها وقار ولا حشمة ولا خلق.

وحقا برزت المرأة في مكة والمدينة للشباب في هذا العصر، ولكنها ظلت تحتفظ بحجاب من الوقار، كانت فيه لا تضيق بما يقال فيها من غزل، بل لعلها كانت تحب فيه أن يحظي بغير قليل من الحرارة. وبذلك نفهم إقبال الثريا بنت على بن عبد الله الأموية في مكة وسكينة بنت الحسين وعائشة بنت طلحة في المدينة على هذا الغزل، بل لقد مر بنا أن ابن قيس الرقيات كان يتغني بنساء ممدوحه مصعب بن الزبير، وتغني بأم البنين في مدائحه لعبد الملك، ولم يجد أحدهما في ذلك حرجا.

وعلي هذا النحو كان الناس رجالا ونساء في مكة والمدينة يقبلون على شعر

349

 

الغزل، وأخذ الشعراء يخضعون ملكاتهم وعواطفهم له، منهم من يتحفظ، فيكظم حبه في نفسه، فإذا هو حب عذري نقي طاهر، وهم أصحاب التقوي والورع مثل عبد الرحمن بن أبي عمار الجشمي ناسك مكة وعروة بن أذينة وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة فقيهي المدينة. ومنهم من لا يتحفظ، بل يصرح بحبه وزياراته لمحبوباته، وهم الجمهور الأكثر، وعلي رأسهم عمر بن أبي ربيعة والأحوص والعرجي، فهم جميعا يطلبون المرأة ويلحون في الطلب، وهم جميعا يلقون من حولها شباك الإغراء، ولا بأس أحيانا من أن يستفزوا أهلها بما يثيرون في نفوسهم من ريبة، وبلغ من تيه عمر في ذلك أن رأيناه يصورها متهالكة عليه تتضرع إليه وتستعطفه، ونحن نقف قليلا عنده وعنده صاحبيه، لتتضح لنا صورة هذا الغزل الصريح.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) انظر في ذلك كتابنا: الشعر والغناء في المدينة ومكة لعصر بني أمية (طبع دار المعارف) ص 94.227 .

 

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.