المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17738 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية



تفسير الآية (59-62) من سورة الاحزاب  
  
5202   04:16 مساءً   التاريخ: 17-4-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : .....
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الألف / سورة الأحزاب /

قال تعالى : {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59) لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا } [الأحزاب : 59 - 62]

 

تفسير مجمع البيان

- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) 

خاطب النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن} أي قل لهؤلاء فليسترن موضع الجيب بالجلباب وهو الملاءة التي تشتمل بها المرأة عن الحسن وقيل الجلباب مقنعة المرأة أي يغطين جباههن ورءوسهن إذا خرجن لحاجة بخلاف الإماء اللاتي يخرجن مكشفات الرؤوس والجباه عن ابن عباس ومجاهد وقيل أراد بالجلابيب الثياب والقميص والخمار وما تستتر به المرأة عن الجبائي وأبي مسلم .

{ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين} أي ذلك أقرب إلى أن يعرفن بزيهن أنهن حرائر ولسن بإماء فلا يؤذيهن أهل الريبة فإنهم كانوا يمازحون الإماء وربما كان يتجاوز المنافقون إلى ممازحة الحرائر فإذا قيل لهم في ذلك قالوا حسبناهن إماء فقطع الله عذرهم وقيل معناه ذلك أقرب إلى أن يعرفن بالستر والصلاح فلا يتعرض لهن لأن الفاسق إذا عرف امرأة بالستر والصلاح لم يتعرض لها عن الجبائي {وكان الله غفورا} أي ستارا لذنوب عباده {رحيما} بهم .

ثم أوعد سبحانه هؤلاء الفساق فقال {لئن لم ينته المنافقون} أي لئن لم يمتنع المنافقون {والذين في قلوبهم مرض} أي فجور وضعف في الإيمان وهم الذين لا دين لهم عما ذكرناه من مراودة النساء وإيذائهن {والمرجفون في المدينة} وهم المنافقون أيضا الذين كانوا يرجفون في المدينة بالأخبار الكاذبة المضعفة لقلوب المسلمين بأن يقولوا اجتمع المشركون في موضع كذا قاصدين لحرب المسلمين ونحو ذلك ويقولوا لسرايا المسلمين إنهم قتلوا وهزموا وفي الكلام حذف وتقديره لئن لم ينته هؤلاء عن أذى المسلمين وعن الإرجاف بما يشغل قلوبهم {لنغرينك بهم} أي لنسلطنك عليهم يا محمد عن ابن عباس والمعنى أمرناك بقتلهم حتى تقتلهم وتخلي عنهم المدينة .

وقد حصل الإغراء بهم بقوله {جاهد الكفار والمنافقين} عن أبي مسلم وقيل لم يحصل الإغراء بهم لأنهم انتهوا عن الجبائي قال ولو حصل الإغراء لقتلوا وشردوا وأخرجوا عن المدينة {ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا} أي ثم لا يساكنونك في المدينة إلا يسيرا وهوما بين الأمر بالقتل وما بين قتلهم {ملعونين} أي مطرودين منفيين عن المدينة مبعدين عن الرحمة وقيل ملعونين على السنة المؤمنين .

{أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا} أي أينما وجدوا وظفر بهم أخذوا وقتلوا أبلغ القتل {سنة الله في الذين خلوا من قبل} والسنة الطريقة في تدبير الحكم وسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) طريقته التي أجراها بأمر الله تعالى فأضيفت إليه ولا يقال سنته إذا فعلها مرة أو مرتين لأن السنة الطريقة الجارية والمعنى سن الله في الذين ينافقون الأنبياء ويرجفون بهم أن يقتلوا حيثما ثقفوا عن الزجاج {ولن تجد لسنة الله تبديلا} أي تحويلا وتغييرا أي لا يتهيأ لأحد تغييرها ولا قلبها من جهتها لأنه سبحانه القادر الذي لا يتهيأ لأحد منعه مما أراد فعله .

______________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج8 ، ص181-182 .

 

تفسير الكاشف

- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :

مرّ معنا آيتان تدلان على وجوب الحجاب على النساء : الأولى قوله تعالى :

ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن الآية 31 من سورة النور ج 5 ص 415 . الثانية قوله تعالى : وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب الآية 53 من سورة الأحزاب ، وأوضح من هاتين الآيتين قوله تعالى : {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْواجِكَ وبَناتِكَ ونِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} فإن قوله تعالى : {يدنين عليهن من جلابيبهن} عام يشمل الستر والحجاب لجميع أجزاء البدن بما فيه الرأس والوجه ، ويؤيد هذا الشمول قوله سبحانه : {ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين} .

فقد كانت المسلمات في أول الإسلام يخرجن من بيوتهن سافرات متبذلات على عادة الجاهلية ، فطلب سبحانه من نبيه الكريم في هذه الآية أن يأمرهن بالستر والحجاب ، والأمر يدل على الوجوب فيكون الحجاب واجبا . . أجل ، لقد خرج من هذا العموم الوجه والكفان لقوله تعالى : {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر} .

{ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ} بالعفة والصون ، فإن الحجاب يحجز بين المرأة المتحجبة وبين طمع أهل الفسق والريب (فلا يؤذين) بالمعاكسات والنظرات الفاسقة {وكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} يغفر عما سلف ، ويرحم من تاب وأناب .

{لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ والَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ والْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلًا} . المنافقون هم الذين أضمروا الكفر وأظهروا الايمان ، والمرجفون قوم من المنافقين كانوا ينشرون الدعايات المضللة ضد النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) والصحابة ، ويشككون ضعاف الايمان الذين عبّر عنهم سبحانه بقوله : {والَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} . والآية تهديد ووعيد بالقتل والنفي لأهل النفاق والإرجاف ومن يستمع إليهم إذا لم يكفوا عما هم عليه من الإضلال والإفساد .

الحرب النفسية :

وفي عصرنا يسمى الإرجاف بالحرب النفسية ، وقد تفننت فيها قوى الشر ، وبلغت الغاية من بث الأكاذيب والأباطيل بكل وسيلة ، بالصحف والإذاعة والتلفزيون وأفلام السينما والخطب والمنشورات والمدارس والجامعات والكتب والقصص وغيرها ، وكررت هذه الأجهزة الأكذوبة الواحدة على مسامع الناس في كل يوم مرات ومرات حتى لا تجد الحقيقة مكانا لها عند الطيبين والمخلصين إلا إذا كانوا على وعي تام وعلم مسبق بدعايات الاستعمار والصهيونية وأساليبهما المضللة .

قرأت في جريدة (أخبار اليوم) المصرية عدد 13 - 12 - 69 : (ان للدعاية الإسرائيلية 890 صحيفة في العالم لنشر الأخبار الكاذبة ، بالإضافة إلى سيطرة الصهيونية على كثير من أجهزة الاعلام بطريقة غير مباشرة كالتلفزيون والراديو والإعلانات . . الخ) . ولا أدري : هل يدخل في هذا الإحصاء الصحف البيروتية التي لها صلة وثيقة بالاستعمار والصهيونية أم لا ؟ ومهما يكن فقد بدأت إسرائيل - وللَّه الحمد - تحس بعنف الضربات القاسية من الأيدي العربية . . وانها لكفيلة بالقضاء على الدعايات التي تلفقها أمريكا وربيبتها إسرائيل ، ويذيعها العملاء بعد أن يقبضوا الثمن .

{مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وقُتِّلُوا تَقْتِيلًا} . ملعونون على كل لسان لأن دينهم الدرهم والدينار ، وعملهم الغش والكذب والخداع . . ولا دواء لهم إلا القتل أينما كانوا لأنهم كالعضو الفاسد يفسد الجسم بكامله إذا لم يقطع منه {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ ولَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} . المراد بسنّة اللَّه هنا حكم اللَّه سبحانه في الضالّ المضل ، وهو القتل الذي شرعه ، جلت حكمته ، منذ الأزل ، وسيبقى هذا الحكم إلى الأبد من غير تبديل وتعديل .

___________

1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص239-241 .

 

تفسير الميزان

- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1)

قوله تعالى : {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن} إلخ ، الجلابيب جمع جلباب وهو ثوب تشتمل به المرأة فيغطي جميع بدنها أو الخمار الذي تغطي به رأسها ووجهها .

وقوله : {يدنين عليهن من جلابيبهن} أي يتسترن بها فلا تظهر جيوبهن وصدورهن للناظرين .

وقوله : {ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين} أي ستر جميع البدن أقرب إلى أن يعرفن أنهن أهل الستر والصلاح فلا يؤذين أي لا يؤذيهن أهل الفسق بالتعرض لهن .

وقيل : المعنى ذلك أقرب من أن يعرفن أنهن مسلمات حرائر فلا يتعرض لهن بحسبان أنهن إماء أومن غير المسلمات من الكتابيات أو غيرهن والأول أقرب .

قوله تعالى : {لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم} إلخ ، الانتهاء عن الشيء الامتناع والكف عنه ، والإرجاف إشاعة الباطل للاغتمام به وإلقاء الاضطراب بسببه ، والإغراء بالفعل التحريض عليه .

والمعنى : أقسم لئن لم يكف المنافقون والذين في قلوبهم مرض عن الإفساد والذين يشيعون الأخبار الكاذبة في المدينة لإلقاء الاضطراب بين المسلمين لنحرضنك عليهم ثم يجاورونك في المدينة بسبب نفيهم عنها إلا زمانا قليلا وهوما بين صدور الأمر وفعلية إجرائه .

قوله تعالى : {ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا} الثقف إدراك الشيء والظفر به ، والجملة حال من المنافقين ومن عطف عليهم أي حال كونهم ملعونين أينما وجدوا أخذوا وبولغ في قتلهم فعمهم القتل .

قوله تعالى : {سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا} السنة هي الطريقة المعمولة التي تجري بطبعها غالبا أو دائما .

يقول سبحانه هذا النكال الذي أوعدنا به المنافقين ومن يحذو حذوهم من النفي والقتل الذريع هي سنة الله التي جرت في الماضين فكلما بالغ قوم في الإفساد وإلقاء الاضطراب بين الناس وتمادوا وطغوا في ذلك أخذناهم كذلك ولن تجد لسنة الله تبديلا فتجري فيكم كما جرت في الأمم من قبلكم .

_______________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج16 ، ص274-275 .

تفسير الامثل

- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) 

تحذير شديد للمؤذين ومختلقي الإشاعات !

بعد النهي عن إيذاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) والمؤمنين الذي ورد في الآية السابقة ، أكّدت الآية هنا على أحد موارد الأذى ، ومن أجل الوقوف أمامه سلكت طريقين : فأمرت المؤمنات أوّلا أن لا يدعن في يد المفسدين والعابثين حجّة يتشبّثون بها في سبيل تحقيق أذاهم ، ثمّ هاجمت المنافقين ومختلقي الإشاعات وهدّدتهم بتهديد قلّ نظيره في آيات القرآن .

فتقول الآية في الجزء الأوّل : {يا أيّها النّبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهنّ من جلابيبهنّ ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين} .

هناك رأيان لدى المفسّرين في المراد من «المعرفة» لا يتناقضان :

الأوّل : أنّه كان من المتعارف ذلك اليوم أن تخرج الجواري من المنازل مكشوفات الرأس والرقبة ، ولمّا لم يكن مقبولات من الناحية الأخلاقية ، فقد كان بعض الشباب المتهوّر يضايقوهنّ ، فأمرت المسلمات الحرائر أن يلتزمن الحجاب التامّ ليتميّزن عن الجواري ، وبالتالي لا يقدر أن يؤذيهنّ اُولئك الشباب .

ومن البديهي أنّ هذا الكلام لا يعني أنّه كان لاُولئك الطائشين حقّ أذى الجواري ، بل المراد سلب الحجّة من الأفراد الفاسدين .

والآخر : أنّ الهدف هو أن لا تتساهل المسلمات في أمر الحجاب كبعض النساء المتحلّلات والمتبرجات المسلوبات الحياء رغم التظاهر بالحجاب ، هذا التبرّج يغري السفلة والأراذل ويلفت إنتباههم .

أمّا المراد من «الجلباب» فقد ذكر المفسّرون وأرباب اللغة عدّة معان له :

1 ـ أنّه «الملحفة» ، وهي قماش أطول من الخمار يغطّي الرأس والرقبة والصدر .

2 ـ أنّه المقنعة والخمار .

3 ـ أنّه القميص الفضفاض الواسع (2) .

ومع أنّ هذه المعاني تختلف عن بعضها ، إلاّ أنّ العامل المشترك فيها أنّها تستر البدن .

وتجدر الإشارة إلى أنّ «الجلباب» يقرأ بكسر الجيم وفتحها .

إلاّ أنّ الأظهر أنّ المراد هو الحجاب الذي يكون أكبر من الخمار وأقصر من العباءة ، كما ذكر ذلك صاحب لسان العرب .

والمراد من (يُدنين) أن يقربن الجلباب إلى أبدانهن ليكون أستر لهنّ ، لا أن يدعنه كيف ما كان بحيث يقع من هنا وهناك فينكشف البدن ، وبتعبير أبسط أن يلاحظن ثيابهنّ ويحافظن على حجابهنّ .

أمّا ما إستفاده البعض من أنّ الآية تدلّ على وجوب ستر الوجه أيضاً ، فلا دليل عليه ، والنادر من المفسّرين من إعتبر ستر الوجه داخلا في الآية (3) .

وعلى كلّ حال ، فيستفاد من هذه الآية أنّ حكم الحجاب بالنسبة للحرائر كان قد نزل من قبل ، إلاّ أنّ بعض النسوة كنّ يتساهلن في تطبيقه ، فنزلت الآية المذكورة للتأكيد على الدقّة في التطبيق .

ولمّا كان نزول هذا الحكم قد أقلق بعض المؤمنات ممّا كان منهن قبل ذلك ، فقد أضافت الآية في نهايتها {وكان الله غفوراً رحيماً} فكلّ ما بدر منكنّ إلى الآن كان نتيجة الجهل فإنّ الله سيغفره لكنّ ، فتبن إلى الله وارجعن إليه ، ونفذن واجب العفّة والحجاب جيداً .

بعد الأمر الذي صدر في الآية السابقة للمؤمنات ، تناولت هذه الآية بُعداً آخر لهذه المسألة ، أي أساليب الأراذل والأوباش في مجال الإيذاء ، فقالت : {لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينّك بهم ثمّ لا يجاورونك فيها إلاّ قليلا} (4) .

(المرجفون) من مادّة «إرجاف» ، وهي إشاعة الأباطيل بقصد إيذاء الآخرين وإحزانهم ، وأصل الإرجاف : الإضطراب والتزلزل ، ولمّا كانت الإشاعات الباطلة تحدث إضطراباً عامّاً ، فقد اُطلقت هذه الكلمة عليها .

و(نغرينّك) من مادّة «الإغراء» ، ويعني الدعوة إلى تنفيذ عمل ، أو تعلّم شيء ، دعوة تقترن بالترغيب والتحريض .

ويستفاد من سياق الآية أنّ ثلاث فئات في المدينة كانت مشتغلة بأعمال التخريب والهدم ، وكلّ منها كان يحقّق أهدافه باُسلوب خاصّ ، فظهر ذلك كتيار ومخطّط جماعي ، ولم تكن له صبغة فردية :

فالفئة الاُولى : هم «المنافقون» الذين كانوا يسعون لإقتلاع جذور الإسلام عبر مؤامرتهم ضدّه .

والثّانية : هم «الأراذل» الذين يعبّر عنه القرآن : {الذين في قلوبهم مرض} كما أنّ هذا التعبير قد ورد في الآية (32) من سورة الأحزاب في شأن من يتّبع أهواءه وشهواته {فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض} .

والفئة الثالثة : هم الذين كانوا بيثّون الإشاعات في المدينة ، وخاصّةً عندما كان النّبي (صلى الله عليه وآله) وجيش المسلمين يتّجهون إلى الغزوات ، لإضعاف معنوياتهم ، وكانوا ينشرون الأخبار الكاذبة عن هزيمة النّبي والمؤمنين ، وهؤلاء هم «اليهود» برأي بعض المفسّرين .

وبهذا فإنّ القرآن الكريم هدّد هذه الفئات الثلاثة جميعاً .

ويحتمل في تفسير الآية أيضاً ، أنّ كلّ أعمال التخريب للفئات الثلاثة كانت من عمل المنافقين ، وفصلها عن بعضها هو فصل الصفات لا الأشخاص .

ومهما كان ، فإنّ القرآن يقول : إنّ هؤلاء إن استمروا في أعمالهم القبيحة المشينة فسنصدر أمراً بالهجوم العام عليهم ، لنقتلع جذورهم من المدينة بحركة المؤمنين الشعبية ، ولا يقدرون على البقاء في المدينة بعد ذلك .

وعندما يطردون من هذه المدينة ، ويخرجون عن حماية الحكومة الإسلامية ، فإنّهم سيكونون {ملعونين أينما ثقفوا اُخذوا وقتلوا تقتيلا} .

«ثقفوا» من مادّة «ثقف» و«ثقافة» ، وهي : السيطرة على الشيء بدقّة ومهارة ، ولهذا يقال للعلم وتحصيله والإحاطة به «ثقافة» . وهذا التعبير إشارة إلى أنّهم سوف لا يجدون مكاناً آمناً بعد هذا الهجوم ، بل سيبحث عنهم المؤمنون بدقّة حتّى يجدوهم ويرسلوهم إلى ديار الفناء .

وهناك إحتمالان في المراد من الآية : فامّا أنّه سيطاردون المنافقين ويتعقّبونهم خارج المدينة ويقتلونهم ، أو أنّهم إذا بقوا في المدينة بعد حكم الإبعاد العام سيلاقون هذا المصير ، ولا منافاة بينهما ، إذ أنّ المعنى هو أنّ هؤلاء المنافقين والمخرّبين والمرجفين ومرضى القلوب سوف لا يكونون بمأمن من سطوة المسلمين الشجعان بعد أن هدرت دماؤهم ، وسحبت الحماية عنهم ، وصدر الحكم بإخراجهم من المدينة ، سواء بقوا فيها أم خرجوا .

ثمّ تضيف الآية الأخيرة من هذه الآيات أنّ هذا الأمر ليس جديداً ، بل {سنّة الله في الذين خلوا من قبل} فكلّما زادت صلافة المفسدين وتجاوزت مؤامراتهم الحدود ، يصدر الأمر بالهجوم عليهم .

ولمّا كان هذا الحكم سنّة إلهيّة ، فإنّه سوف لا يتغيّر ولا يتبدّل أبداً ، حيث أنّ سنّة الله ثابتة {ولن تجد لسنّة الله تبديلا} .

إنّ هذا التعبير يجسّد كون هذا التهديد حقيقياً وجدياً ، ليعلموا أنّ هذا المطلب والمصير حتمي ، وله جذوره ونظائره في التأريخ ، ولا سبيل إلى تغييره وتبديله ، فإمّا أن ينتهوا عن أعمالهم المخزية ، أو أن ينتظروا هذا المصير المؤلم .

____________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج10 ، ص479-482 .

2 ـ لسان العرب ، مجمع البحرين ، مفردات الراغب القطر المحيط ، وتاج العروس .

3 ـ كان لنا بحث حول فلسفة الحجاب وأهميّته ، وكذلك حول إستثناء الوجه والكفّين في ذيل الآيتين 31 و32 من سورة النور .

4 ـ (قليلا) هنا مستثنى من محذوف ، والتقدير : لا يجاورونك زماناً إلاّ زماناً قليلا .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .