المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17607 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
غزوة الحديبية والهدنة بين النبي وقريش
2024-11-01
بعد الحديبية افتروا على النبي « صلى الله عليه وآله » أنه سحر
2024-11-01
المستغفرون بالاسحار
2024-11-01
المرابطة في انتظار الفرج
2024-11-01
النضوج الجنسي للماشية sexual maturity
2024-11-01
المخرجون من ديارهم في سبيل الله
2024-11-01

عليها تسعة عشر
5-6-2016
التأجير المنتهي بالتمليك عن طريق البيع بثمن رمزي أو غير رمزي محدد في العقد
2023-08-08
حب الجمال في عالم اليوم
2023-05-17
Hovering Helicopter
28-7-2016
الفنون التي اهتمت العرب بها.
2023-08-13
علماء فلك كلدانيون
23-2-2022


تفسير الآية (41-49) من سورة الاحزاب  
  
4705   03:04 مساءً   التاريخ: 17-4-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : .....
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الألف / سورة الأحزاب /

قال تعالى : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) هُو الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا (44) يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (47) وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (48) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} [الأحزاب : 41 - 49] .

 

تفسير مجمع البيان

- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) 

خاطب سبحانه المؤمنين فقال {يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا} روى ابن عباس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال من عجز عن الليل أن يكابده وجبن عن العدو أن يجاهده وبخل بالمال أن ينفقه فليكثر ذكر الله عز وجل ثم اختلف في معنى الذكر الكثير فقيل هو أن لا ينساه أبدا عن مجاهد وقيل هو أن يذكره سبحانه بصفاته العلى وأسمائه الحسنى وينزهه عما لا يليق به وقيل هو أن يقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر على كل حال عن مقاتل وقد ورد عن أئمتنا (عليهم السلام) أنهم قالوا من قالها ثلاثين مرة فقد ذكر الله ذكرا كثيرا .

وعن زرارة وحمران ابني أعين عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال من سبح تسبيح فاطمة الزهراء (عليها السلام) فقد ذكر الله ذكرا كثيرا وروى الواحدي بإسناده عن الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس قال جاء جبرائيل (عليه السلام) إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال يا محمد قل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله عدد ما علم وزنة ما علم وملء ما علم فإن من قالها كتب الله له بها ست خصال كتب من الذاكرين الله كثيرا وكان أفضل من ذكره بالليل والنهار وكن له غرسا في الجنة وتحاتت (2) عنه خطاياه كما تحات ورق الشجرة اليابسة وينظر الله إليه ومن نظر الله إليه لم يعذبه .

{وسبّحوه بكرة وأصيلا} أي ونزهوه سبحانه عن جميع ما لا يليق به بالغداة والعشي والأصيل العشي وقيل يعني به صلاة الصبح وصلاة العصر عن قتادة وصلاة الصبح وصلاة العشاء الآخرة خصهما بالذكر لأن لهما مزية على غيرهما من حيث أن ملائكة الليل والنهار يجتمعون فيهما وقال الكلبي أما بكرة فصلاة الفجر وأما أصيلا فصلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة وسمي الصلاة تسبيحا لما فيها من التسبيح والتنزيه .

{وهو الذي يصلي عليكم وملائكته} الصلاة من الله تعالى المغفرة والرحمة عن سعيد بن جبير والحسن وقيل الثناء عن أبي العالية وقيل هي الكرامة عن سفيان وأما صلاة الملائكة فهي دعاؤهم عن ابن عباس وأبي العالية وقيل طلبهم إنزال الرحمة من الله تعالى .

{ليخرجكم من الظلمات إلى النور} أي من الجهل بالله سبحانه إلى معرفته فشبه الجهل بالظلمات وشبه المعرفة بالنور لأن هذا يقود إلى الجنة وذلك يقود إلى النار وقيل من الضلالة إلى الهدى بألطافه وهدايته وقيل من ظلمات النار إلى نور الجنة {وكان بالمؤمنين رحيما} خص المؤمنين بالرحمة دون غيرهم لأنه سبحانه جعل الإيمان بمنزلة العلة في إيجاب الرحمة والنعمة العظيمة التي هو الثواب {تحيتهم يوم يلقونه سلام} أي يحيي بعضهم بعضا يوم يلقون ثواب الله بأن يقولوا السلامة لكم من جميع الآفات ولقاء الله سبحانه معناه لقاء ثوابه كما سبق القول فيه وروي عن البراء بن عازب أنه قال يوم يلقون ملك الموت لا يقبض روح مؤمن إلا سلم عليه فعلى هذا يكون المعنى تحية المؤمنين من ملك الموت يوم يلقونه أن يسلم عليهم وملك الموت مذكور في الملائكة .

{وأعد لهم أجرا كريما} أي ثوابا جزيلا ثم خاطب نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال {يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا} على أمتك فيما يفعلونه من طاعة أو معصية وإيمان أو كفر لتشهد لهم وعليهم يوم القيامة ونجازيهم بحسبه {ومبشرا} أي ومبشرا لمن أطاعني وأطاعك بالجنة {ونذيرا} لمن عصاني وعصاك بالنار {وداعيا} أي وبعثناك داعيا {إلى الله} والإقرار بوحدانيته وامتثال أوامره ونواهيه {بإذنه} أي بعلمه وأمره {وسراجا منيرا} يهتدي بك في الدين كما يهتدي بالسراج والمنير الذي يصدر النور من جهته إما بفعله وإما لأنه سبب له فالقمر منير والسراج منير بهذا المعنى والله منير السماوات والأرض وقيل عنى بالسراج المنير القرآن والتقدير وبعثناك ذا سراج منير فحذف المضاف عن الزجاج .

{وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا} زيادة على ما يستحقونه من الثواب {ولا تطع الكافرين والمنافقين} هو مفسر في أول السورة {ودع أذيهم} أي وأعرض عن أذاهم فإني سأكفيك أمرهم إذا توكلت علي وعملت بطاعتي فإن جميعهم في سلطاني بمنزلة ما هو في قبضة عبدي وقيل معناه كف عن أذاهم وقتالهم وذلك قبل أن يؤثر بالقتال عن الكلبي {وتوكل على الله} أي وأسند أمرك إلى الله ينصرك عليهم {وكفى بالله وكيلا} أي كافيا ومتكفلا بما يسند إليه .

ثم عاد سبحانه إلى ذكر النساء فقال {يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن} أي من قبل أن تدخلوا بهن {فما لكم عليهن من عدة تعتدونها} أي تستوفونها بالعدد وتحصون عليها بالأقراء وبالأشهر أسقط الله سبحانه العدة عن المطلقة قبل المسيس لبراءة رحمها فإن شاءت تزوجت من يومها {فمتعوهن} قال ابن عباس هذا إذا لم يكن سمي لها صداقا فإذا فرض لها صداقا فلها نصفه ولا تستحق المتعة وهو المروي عن أئمتنا (عليهم السلام) فالآية محمولة عندنا على التي لم يسم لها مهرا فيجب لها المتعة .

{وسرحوهن سراحا جميلا} أي طلقوهن طلاقا للسنة من غير ظلم عليهن عن الجبائي وقيل سرحوهن عن البيت فإنه ليس عليها عدة فلا يلزمها المقام في منزل الزوج سراحا جميلا بغير جفوة ولا أذية وقيل السراح الجميل هورفع المتعة بحسب الميسرة والعسرة عن حبيب بن أبي ثابت قال كنت قاعدا عند علي بن الحسين (عليهما السلام) فجاءه رجل فقال إني قلت يوم أتزوج فلانة فهي طالق فقال اذهب فتزوجها فإن الله تعالى بدأ بالنكاح قبل الطلاق وقرأ هذه الآية .

 

_____________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج8 ، ص166-170 .

2- تحات الورق من الشجر : تناثر وتساقط .

 

تفسير الكاشف

- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) 

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهً ذِكْراً كَثِيراً وسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وأَصِيلًا} . هذا أمر بالمواظبة على الصلوات الخمس ، وذكر اللَّه أحسن الذكر في سائر الأحوال {هُو الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ ومَلائِكَتُهُ} . الصلاة من اللَّه على المؤمن معناها المغفرة والرحمة ، ومن غيره معناها الدعاء بالمغفرة والرحمة ، وعلى هذا فلكل إنسان أن يصلي ويسلَّم على كل من آمن وعمل صالحا . وتجدر الإشارة إلى أن السنّة إذا ذكروا صحابيا جليلا أو إماما عظيما من أئمة المسلمين قالوا - في الغالب - :

رضي اللَّه عنه ، أما الشيعة فيقولون : عليه السلام ، ومصدر القولين واحد ، وهو القرآن ، قال تعالى : {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [المائدة : 119] .

وقال : {سَلامٌ عَلى آل ياسِينَ} - 130 الصافات . وقال أيضا : {هو الذي يصلي عليكم وملائكته} . وفي تفسير روح البيان {قال بنو إسرائيل لموسى : أيصلي ربنا ؟ فكبر ذلك عليه} . وليس هذا ببعيد على إسرائيل . . وبالخصوص إذا أمرت بالصلاة .

{لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ} . المراد بالظلمات هنا ظلمات الجحيم ، وبالنور نور النعيم أي ان اللَّه وملائكته يصلَّون على المؤمنين ليبعدوا عن عذاب السعير ، ويدخلوا في روح وريحان . وقيل : المراد بالظلمات ظلمات الكفر ، وبالنور نور الايمان . ولا يتفق هذا مع قوله تعالى : {وكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} وأيضا لا يصلي اللَّه وملائكته على الكافرين ليخرجهم إلى الايمان .

{تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً} . تقدم في الآية 10 من سورة يونس ج 4 ص 137 والآية 23 من سورة إبراهيم .

{يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً ومُبَشِّراً ونَذِيراً وداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ} . أرسل اللَّه محمدا (صلى الله عليه واله وسلم) داعيا إلى الحق ، وزوده بالحجج الكافية الوافية مبشرا من أطاع بالجنة ، ومنذرا من عصى بعذاب أليم . . وسيشهد غدا على هذا بأنه أعرض وتولى ، ولذاك بأنه سمع وأطاع . وفي نهج البلاغة : أرسله داعيا إلى الحق وشاهدا على الخلق ، فبلَّغ رسالات ربه غير وان ولا مقصر ، وجاهد في اللَّه أعداءه غير واهن ولا معذّر - أي لم يدع لأحد عذرا - إمام من اتقى ، وبصر من اهتدى {وسِراجاً مُنِيراً} يهتدي به التائهون إلى شاطئ السلام والأمان .

{ولا تُطِعِ الْكافِرِينَ والْمُنافِقِينَ} تقدم بالحرف في أول هذه السورة مع التفسير والسؤال عن وجه النهي وجوابه {ودع أذاهم} . النبي (صلى الله عليه واله وسلم) لم يؤذهم ، ولكن المشركين هم الذين آذوه حتى قال : ما أوذي نبي بمثل ما أوذيت . وعليه يكون المعنى أعرض عنهم ، ولا تهتم بجهلهم وسفههم {وتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا} .

في نهج البلاغة : من توكل على اللَّه كفاه ، ومن سأله أعطاه ، ومن أقرضه قضاه ، ومن شكره جزاه .

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها فَمَتِّعُوهُنَّ وسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلًا} . المتعة بضم الميم وكسرها اسم للتمتع في اللغة ، وفي الشرع هي عبارة عن منحة يقدمها المطلق لمطلقته بحسب حاله يسرا وعسرا . . ولا عدة للمطلقة قبل الدخول ، وأيضا لا تجب لها المتعة على المطلق ان استحقت عليه نصف المهر ، وإلا وجبت المتعة . انظر ج 1 ص 366 .

____________

1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص228-229 .

 

تفسير الميزان

- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

آيات تدعو المؤمنين إلى الذكر والتسبيح وتبشرهم وتعدهم الوعد الجميل وتخاطب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بصفاته الكريمة وتأمره أن يبشر المؤمنين ولا يطيع الكافرين والمنافقين ، ويمكن أن يكون القبيلان مختلفين في النزول زمانا .

قوله تعالى : {يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا} الذكر ما يقابل النسيان وهو توجيه الإدراك نحو المذكور وأما التلفظ بما يدل عليه من أسمائه وصفاته فهو بعض مصاديق الذكر .

قوله تعالى : {وسبحوه بكرة وأصيلا} التسبيح هو التنزيه وهو مثل الذكر لا يتوقف على اللفظ وإن كان التلفظ بمثل سبحان الله بعض مصاديق التسبيح .

والبكرة أول النهار والأصيل آخره بعد العصر وتقييد التسبيح بالبكرة والأصيل لما فيهما من تحول الأحوال فيناسب تسبيحه وتنزيهه من التغير والتحول وكل نقص طار ، ويمكن أن يكون البكرة والأصيل معا كناية عن الدوام كالليل والنهار في قوله : {يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [فصلت : 38] .

قوله تعالى : {هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور} المعنى الجامع للصلاة على ما يستفاد من موارد استعمالها هو الانعطاف فيختلف باختلاف ما نسب إليه ولذلك قيل : إن الصلاة من الله الرحمة ومن الملائكة الاستغفار ومن الناس الدعاء لكن الذي نسب من الصلاة إلى الله سبحانه في القرآن هو الصلاة بمعنى الرحمة الخاصة بالمؤمنين وهي التي تترتب عليها سعادة العقبى والفلاح المؤبد ولذلك علل تصليته عليهم بقوله : {ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما} .

وقد رتب سبحانه في كلامه على نسيانهم له نسيانه لهم وعلى ذكرهم له ذكره لهم فقال : {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ } [التوبة : 67] ، وقال : { فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ } [البقرة : 152] وتصليته عليهم ذكر منه لهم بالرحمة فإن ذكروه كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا صلى عليهم كثيرا وغشيهم بالنور وأبعدهم من الظلمات .

ومن هنا يظهر أن قوله : {هو الذي يصلي عليكم} إلخ ، في مقام التعليل لقوله : {يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا} وتفيد التعليل أنكم إن ذكرتم الله كثيرا ذكركم برحمته كثيرا وبالغ في إخراجكم من الظلمات إلى النور ويستفاد منه أن الظلمات إنما هي ظلمات النسيان والغفلة والنور نور الذكر .

وقوله : {وكان بالمؤمنين رحيما} وضع الظاهر موضع المضمر ، أعني قوله : {بالمؤمنين} ولم يقل : وكان بكم رحيما ، ليدل به على سبب الرحمة وهو وصف الإيمان .

قوله تعالى : {تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجرا كريما} ظاهر السياق أن {تحيتهم} مصدر مضاف إلى المفعول أي إنهم يحيون - بالبناء للمفعول - يوم يلقون ربهم من عند ربهم ومن ملائكته بالسلام أي إنهم يوم اللقاء في أمن وسلام لا يصيبهم مكروه ولا يمسهم عذاب .

وقوله : {وأعد لهم أجرا كريما} أي وهيأ الله لهم ثوابا جزيلا .

قوله تعالى : {يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا} شهادته (صلى الله عليه وآله وسلم) على الأعمال أن يتحملها في هذه النشأة ويؤديها يوم القيامة وقد تقدم في قوله : {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة : 143] ، وغيره من آيات الشهادة أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) شهيد الشهداء .

وكونه مبشرا ونذيرا تبشيره المؤمنين المطيعين لله ورسوله بثواب الله والجنة وإنذاره الكافرين والعاصين بعذاب الله والنار .

قوله تعالى : {وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا} دعوته إلى الله هي دعوته الناس إلى الإيمان بالله وحده ، ولازمه الإيمان بدين الله وتقيد الدعوة بإذن الله يجعلها مساوقة للبعثة .

وكونه (صلى الله عليه وآله وسلم) سراجا منيرا هو كونه بحيث يهتدي به الناس إلى سعادتهم وينجون من ظلمات الشقاء والضلالة فهومن الاستعارة ، وقول بعضهم : إن المراد بالسراج المنير القرآن والتقدير ذا سراج منير تكلف من غير موجب .

قوله تعالى : {وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا} ، الفضل من العطاء ما كان من غير استحقاق ممن يأخذه وقد وصف الله عطاءه فقال : {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا } [الأنعام : 160] ، وقال : { لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق : 35] ، فبين أنه يعطي من الثواب ما لا يقابل العمل وهو الفضل ولا دليل في الآية يدل على اختصاصه بالآخرة .

قوله تعالى : {ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على الله} إلخ ، تقدم معنى طاعة الكافرين والمنافقين في أول السورة .

وقوله : {ودع أذاهم} أي اترك ما يؤذونك بالإعراض عنه وعدم الاشتغال به والدليل على هذا المعنى قوله : {وتوكل على الله} أي لا تستقل بنفسك في دفع أذاهم بل اجعل الله وكيلا في ذلك وكفى بالله وكيلا .

قوله تعالى : {يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا} المراد بنكاحهن العقد عليهن بالنكاح ، وبالمس الدخول ، وبالتمتيع إعطاؤهن شيئا من المال يناسب شأنهن وحالهن والتسريح بالجميل إطلاقهن من غير خصومة وخشونة .

والمعنى : إذا طلقتم النساء بعد النكاح وقبل الدخول فلا عدة لهن للطلاق ويجب تمتيعهن بشيء من المال والسراح الجميل .

والآية مطلقة تشمل ما إذا فرض لهن فريضة المهر وما إذا لم يفرض فيقيدها قوله : {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } [البقرة : 237] ، وتبقى حجة فيما لم يفرض لهن فريضة .

________________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج16 ، ص265-270 .

 

تفسير الامثل

- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

تحيّة الله والملائكة فرج للمؤمنين :

لمّا كان الكلام في الآيات السابقة عن مسؤوليات نبيّ الإسلام (صلى الله عليه وآله) وواجباته الثقيلة الملقاة على عاتقه ، فإنّ الآيات مورد البحث تبيّن جانباً من وظائف المؤمنين من أجل تهيئة الأرضية اللازمة لهذا التبليغ ، وتوسعة أطرافه في جميع الأبعاد ، فوجّهت الخطاب إليهم جميعاً وقالت : {يا أيّها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً} ونزّهوه صباحاً ومساءاً {وسبّحوه بكرةً وأصيلا} .

أجل . . لمّا كانت عوامل الغفلة في الحياة المادية كثيرة جدّاً ، وسهام وسوسة الشياطين ترمى من كلّ جانب صوب الإنسان ، فلا طريق لمحاربتها إلاّ بذكر الله الكثير .

إنّ «الذكر الكثير» ـ بالمعنى الواقعي للكلمة ـ يعني التوجّه إلى الله سبحانه بكلّ الوجود ، لا بلقلقة اللسان وحسب .

«الذكر الكثير» هو الذي يقذف النور في كلّ أعمال الإنسان ، ويغمرها بالضياء ، ولهذا فإنّ القرآن أمر كلّ المؤمنين في هذه الآية أن يذكروا الله على كلّ حال :

فاذكروه أثناء العبادة ، فاحضروا قلوبكم وأخلصوا فيها .

واذكروه عند إقدامكم على المعصية وتجنّبوها وإذا ما بدرت منكم عثرة وهفوة فبادروا إلى التوبة ، وارجعوا إلى طريق الحقّ .

واذكروه عند النعم واشكروه عليها .

واذكروه عند البلايا والمصائب واصبروا عليها وتحمّلوها .

والخلاصة : لا تنسوا ذكره في كلّ مشهد من مشاهد الحياة والإبتعاد عن سخطه ، والتقرّب لما يجلب رضاه .

ونطالع في حديث مروي في «سنن الترمذي» و«مسند أحمد» عن أبي سعيد الخدري عن النّبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) : أنّه سئل : أي العباد أفضل درجة عند الله يوم القيامة؟ فقال : «الذاكرون الله كثيراً» .

قال أبوسعيد : فقلت : يا رسول الله ، ومن الغازي في سبيل الله؟! قال : «لو ضرب بسيفه في الكفّار والمشركين حتّى ينكسر ويختضب دماً لكان الذاكرون أفضل درجة منه»(2) ، وذلك لأنّ الجهاد المخلص لا يمكن أن يتمّ بدون ذكر الله الكثير .

ومن هنا يعلم أنّ للذكر الكثير معنىً واسعاً ، وإذا ما فسّر في بعض الرّوايات بتسبيح فاطمة (عليها السلام) ـ وهو34 مرّة (الله أكبر) و33 مرّة (الحمد لله) و33 مرّة (سبحان الله) ـ وفي كلمات بعض المفسّرين بذكر الصفات العليا والأسماء الحسنى ، وتنزيه الله سبحانه عمّا لا يليق به ، فإنّ كلّ ذلك من باب ذكر المصداق الواضح ، لا تحديد المعنى بخصوص هذه المصاديق .

وكما يظهر بوضوح من سياق الآيات ، فإنّ المراد من «تسبيح الله» في كلّ غداة وعشي هو إستمرار التسبيح ، وذكر هذين الوقتين بالخصوص بإعتبارهما بداية اليوم ونهايته ، وما فسّرهما به البعض من أنّ المراد صلاتي الصبح والعصر ، أو أمثال ذلك ، فهومن قبيل ذكر المصداق أيضاً .

لهذا فإنّ ذكر الله الكثير ، وتسبيحه بكرةً وأصيلا لا يحصل إلاّ بإستمرار التوجّه إلى الله ، وتنزيهه عن كلّ عيب ونقص ، وتقديسه المتّصل ، فذكر الله غذاء لروح الإنسان كما أنّ الطعام والشراب غذاء للبدن .

وجاء في الآية (28) من سورة الرعد {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد : 28] ونتيجة هذا الإطمئنان القلبي هوما ورد في الآيات 27 ـ 30 من سورة الفجر ، حيث تقول : {ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر : 28 - 30] .

والآية التالية بمثابة نتيجة وعلّة غائيّة للتسبيح في الواقع ، فهي تقول : {هو الذي يصلّي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور} أي من ظلمات الشرك والكفر والجهل إلى نور الإيمان والعلم والتقوى {وكان بالمؤمنين رحيماً} وبسبب هذه الرحمة كتب على نفسه هداية البشر وإرشادهم ، وأمر ملائكته أن تعينهم في ذلك .

«يصلّي» من مادة (صلاة) وهي هنا تعني الرعاية والعناية الخاصّة ، وهذه العناية بالنسبة لله تعني نزول الرحمة ، وبالنسبة للملائكة تعني الإستغفار وطلب الرحمة ، كما نقرأ ذلك في الآية (7) من سورة غافر : {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} [غافر : 7] .

وعلى أيّة حال ، فإنّ هذه الآية تتضمّن بشارة عظيمة للمؤمنين الذاكرين الله على الدوام ، فهي تقول بصراحة : إنّ هؤلاء ليسوا وحدهم في سيرهم إلى الله ، بل إنّهم ـ بمقتضى (يصلّي) وهو فعل مضارع يدلّ على الإستمرار ـ يسيرون في ظلّ رحمة الله وملائكته ، وفي ظلّ هذه الرحمة تزاح حجب الظلمة ، ويغمر قلوبهم وأرواحهم نور العلم والحكمة والإيمان والتقوى .

نعم . . إنّ هذه الآية بشارة كبرى لكلّ سالكي طريق الحقّ بأنّ هناك جاذبية قوية من جانب المعشوق تجذب العاشق إليها لينتهي سعي هذا العاشق الصبّ إلى نتيجة ولا يذهب سدى!

إنّ هذه الآية ضمان لكلّ المجاهدين في سبيل الله أن لا ينالهم قسم الشيطان على إغواء بني آدم ، لأنّهم في زمرة المخلِصين المخلَصين ، وقد أظهر الشيطان عجزه عن إضلال هذه الزمرة منذ الوهلة الاُولى فقال : { قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ } [ص : 82 ، 83] .

إنّ جملة (وكان بالمؤمنين رحيماً) وبملاحظة أنّ (كان) فعل ماض يدلّ على أنّ الله كان رحيماً بالمؤمنين رحمة خاصّة على الدوام ، تأكيد مجدّد على ما جاء في بداية السورة .

أجل . . هذه هي رحمة الله الخاصّة التي تخرج المؤمنين من ظلمات الأوهام والشهوات والوساوس الشيطانية ، وتهديهم إلى نور اليقين والإطمئنان والسيطرة على النفس ، ولولا رحمته سبحانه فإنّ هذا الطريق المليء بالمنعطفات والعراقيل لا يكون سالكاً .

وتجسّد الآية الأخيرة من الآيات مورد البحث مقام المؤمنين وثوابهم بأروع تجسيد وأقصر عبارة ، فتقول : {تحيّتهم يوم يلقونه سلام} .

«التحيّة» من مادّة «حياة» ، وهي تعني الدعاء لسلامة وحياة اُخرى . ولمزيد التوضيح راجع التّفسير الأمثل ذيل الآية (85) من سورة النساء .

هذا السلام يعني السلامة من العذاب ، ومن كلّ أنواع الألم والعذاب والمشقّة ، سلام ممتزج بالهدوء والإطمئنان .

ومع أنّ بعض المفسّرين يعتقد أنّ «تحيتهم» إشارة إلى سلام المؤمنين وتحية بعضهم بعضاً ، إلاّ أنّ ملاحظة الآيات السابقة التي كان الكلام فيها عن الصلاة ورحمة الله والملائكة في هذه الدنيا ، تُظهر أنّ هذه التحية أيضاً من الملائكة في الآخرة ، كما نقرأ ذلك في الآية (23) من سورة الرعد : { وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ } [الرعد : 23 ، 24] .

ممّا قلناه اتّضح بصورة ضمنية أنّ المراد من جملة (يوم يلقونه) هو يوم القيامة الذي سمّي بيوم «لقاء الله» ، وهذا التعبير يستعمل عادةً في القرآن بهذا المعنى .

بعد هذه التحيّة ، التي ترتبط ببداية الأمر ، أشارت الآية إلى نهايته فقالت : {وأعدّ لهم أجراً كريماً} .

إنّها جملة جمع فيها كلّ شيء على إختصارها ، واُخفيت فيها كلّ النعم والمواهب .

وقوله تعالى : {يَأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَكَ شَهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (45) وَدَاعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً (46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللهِ فَضْلا كَبِيراً (47) وَلاَ تُطِعِ الْكَفِرِينَ وَالْمُنَفِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلا}

السّراج المنير!

الخطاب في هذه الآيات موجّه إلى النّبي (صلى الله عليه وآله) ، إلاّ أنّ نتيجته لكلّ المؤمنين ، وبذلك فإنّها تكمل الآيات السابقة التي كانت تبحث في بعض وظائف المؤمنين وواجباتهم .

لقد جاءت في الآيتين الأوليين من هذه الآيات الأربع «خمس صفات» للنبي(صلى الله عليه وآله) وجاء في الآيتين الاُخريين بيان خمس واجبات يرتبط بعضها ببعض ، وتكمل إحداها الاُخرى .

تقول الآية أوّلا : {إنّا أرسلناك شاهداً} فهومن جانب شاهد على أعمال اُمّته ، لأنّه يرى أعمالهم كما نقرأ ذلك في موضع آخر : {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة : 105] وهذا العلم يمكن تحقّقه عن طريق عرض أعمال الاُمّة على النّبي (صلى الله عليه وآله) والأئمّة (عليهم السلام) ، وقد مرّ تفصيل ذلك في ذيل الآية المذكورة (105 من سورة التوبة) .

وهومن جانب آخر شاهد على الأنبياء الماضين الذين كانوا شهوداً على اُممهم : {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا } [النساء : 41] .

ومن جهة ثالثة فإنّ وجودك بما لك من الصفات والأخلاق والبرامج والتعليمات البنّاءة ، إضافةً إلى تاريخك المشرق وأعمالك المشرفة ، شاهد على أحقّية دينك ، وشاهد على عظمة الله وقدرته .

ثمّ تطرّقت الآية إلى الصفتين الثّانية والثالثة فقالت : {ومبشّراً ونذيراً} فهو مبشّر للمحسنين بثواب الله اللامتناهي . . بالسلامة والسعادة الخالدة . . بالظفر والتوفيق المليء بالفخر والإعتزاز . . ونذير للكافرين والمنافقين من عذاب الله الأليم . . من خسران كلّ رأسمال الوجود ، ومن السقوط في شراك التعاسة في الدنيا والآخرة .

وكما قلنا سابقاً ، فإنّ البشارة والإنذار يجب أن يقترنا في كلّ مكان ، وأن يكون أحدهما معادل للآخر ، لأنّ نصف وجود الإنسان عبارة عن حبّه لجلب المنفعة ، ونصفه الآخر سعيه لدفع المضرّة عنه ، فالبشارة تشكّل الدافع على القسم الأوّل ، والإنذار على النصف الثاني ، فالمناهج التي تعتمد على جانب واحد لم تدرك حقيقة الإنسان ، ولم تدرك دوافعه وميوله(3) .

وأشارت الآية التالية إلى الصفة الرّابعة والخامسة ، فقالت : {وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً} .

وقوله تعالى : {يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّة تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلا}

 

جانب من أحكام الطلاق :

إنّ آيات هذه السورة ـ الأحزاب ـ جاءت على شكل مجموعات مختلفة ، والخطاب في بعضها موجّه إلى النّبي (صلى الله عليه وآله) ، وفي بعضها الآخر إلى كلّ المؤمنين ، ولذلك تقول أحياناً : {يا أيّها النّبي} ، وأحياناً اُخرى : {يا أيّها الذين آمنوا} قد وردت فيها الأوامر اللازمة يوازي بعضها بعضاً ، وهذا يعني أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله) كان مراداً بهذه التعليمات ، كما أنّ عموم المؤمنين يرادون بها أيضاً .

والآية التي نبحثها من الآيات التي توجّه خطابها إلى كلّ المؤمنين ، في حين أنّ الآيات السابقة خاطبت شخص النّبي (صلى الله عليه وآله) ظاهراً ، ويتوجّه الخطاب إلى النّبي (صلى الله عليه وآله)في الآيات القادمة مرّة اُخرى ، وبهذا فإنّ قسماً من هذه السورة يتّبع اُسلوب «اللفّ والنشر المرتّب» .

تقول الآية : {يا أيّها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثمّ طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ فما لكم عليهنّ من عدّة تعتدّونها} .

لقد بيّن الله سبحانه هنا حكماً إستثنائياً من حكم عدّة النساء المطلّقات ، وهو أنّ الطلاق ، إن وقع قبل الدخول فلا تلزم العدّة ، ومن هذا التعبير يفهم أنّ حكم العدّة كان قد بُيّن قبل هذه الآية .

إنّ التعبير بـ «المؤمنات» لا يدلّ على أنّ الزواج من غير المسلمات ممنوع تماماً ، بل من الممكن أن يكون إشارة إلى أولوية المؤمنات ، وبناءً على هذا فإنّه لا ينافي الروايات ومشهور فتاوى الفقهاء بجواز الزواج المؤقّت من الكتابيات .

ثمّ إنّه يستفاد من تعبير (لكم) وكذلك جملة (تعتدونها) أنّ إنتظار عدّة المرأة يعتبر حقّاً للرجل ، ويجب أن يكون هكذا ، لأنّ من الممكن أن تكون المرأة حاملا في الواقع ، وتركها العدّة وزواجها برجل آخر يجعل حال الولد غير معلوم ، ويؤدّي إلى ضياع حقّ الرجل إضافةً إلى أنّ إنتظار العدّة يمنح الرجل والمرأة فرصة لتجديد النظر والرجوع إلى بعضهما ، فقد يقع الطلاق نتيجة إنفعالات شديدة ، ومثل هذه الفرصة والتفكير حقّ للرجل والمرأة معاً .

وأمّا ما أورده البعض على هذا الحكم ، بأنّ العدّة إن كانت حقّاً للرجل ، فبإمكانه أن يسقط حقّه ، فلا يصحّ ، لأنّ في الفقه حقوقاً كثيرة لا يمكن إسقاطها ، كالحقّ الذي لورثة الميّت في أمواله ، أو الحقّ الذي للفقراء في الزكاة ، إذ لا يقدر أي أحد على إسقاط هذا الحقّ الشرعي .

ثمّ تتطرّق الآية إلى حكم آخر من أحكام النساء اللاتي يطلقن قبل المباشرة الجنسية ـ والذي سبقت الإشارة إليه في سورة البقرة أيضاً ـ فتقول : (فمتّعوهنّ)أي اعطوهنّ هدية مناسبة .

ولا شكّ أنّ تقديم هديّة مناسبة إلى المرأة يكون واجباً في حالة عدم تعيين المهر من قبل ، كما جاء في الآية (236) من سورة البقرة {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ} [البقرة : 236] .

بناءً على هذا ، فإنّ الآية مورد البحث وإن كانت مطلّقة ، وتشمل الموارد التي عين فيها المهر ، والتي لم يعيّن فيها ، إلاّ أنّنا نحدّدها بالمورد الذي لم يعيّن فيه المهر بقرينة آية سورة البقرة ، لأنّه في حالة تعيين المهر وعدم الدخول يجب دفع نصف المهر ، كما جاء ذلك في الآية (237) من سورة البقرة .

واحتمل بعض المفسّرين والفقهاء أنّ حكم تقديم هديّة مناسبة عام في الآية مورد البحث ، ويشمل حتّى الموارد التي عيّن فيها المهر ، غاية ما هناك أنّ له صفة الإستحباب في هذه الموارد ، وله صفة الوجوب في الموارد التي لم يعيّن فيها المهر . وتلاحظ في بعض الآيات والروايات إشارة إلى هذا المعنى أيضاً(4) .

أمّا كم هو مقدار هذه الهدية؟ فقد بيّنه القرآن المجيد في سورة البقرة إجمالا بقوله : { مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة : 236] وكذلك قال في نفس تلك الآية : {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ } [البقرة : 236] .

بناءً على هذا ، فإن ذكرت في الروايات الإسلامية موارد من قبيل البيت والخادم واللباس وأمثال ذلك ، فإنّها من قبيل المصاديق لهذا الكلّي وهي تتفاوت بحسب إمكانيات الزوج وشؤون المرأة .

وآخر حكم في الآية مورد البحث هو : {وسرحوهنّ سراحاً جميلا} .

«السراح الجميل» هو الطلاق المقترن بالمحبّة والإحترام ، وترك كلّ خشونة وظلم وجور وإحتقار ، والخلاصة هوما ورد في الآية (29) من سورة البقرة : {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } [البقرة : 229] فإنّ الإستمرار في الحياة الزوجية يجب أن يكون قائماً على أساس المعايير الإنسانية ، والطلاق كذلك ، فلا يجوز للرجل ـ إذا صمّم على طلاق زوجته ـ هضم حقّ الزوجة ومهرها ، وبذاءة الكلام والخشونة معها ، فإنّ هذا السلوك غير إسلامي قطعاً ، ولا يمتّ إلى الإسلام بصلة .

واعتبر بعض المفسّرين «السراح الجميل» بمعنى إجراء الطلاق طبقاً للسنّة الإسلامية ، وجاء هذا المعنى في الرّواية الواردة في تفسير علي بن إبراهيم وعيون الأخبار . إلاّ أنّ من المسلّم أنّ «السراح الجميل» لا يتحدّد بهذا المعنى ، بالرغم من أنّه أحد مصاديقه .

واعتقد بعض آخر من المفسّرين أنّ السراح الجميل هنا يعني إذن الخروج من المنزل ، لأنّ المرأة ليست مكلّفة هنا بالعدّة ، وبناءً على هذا فيجب إطلاق سراحها لتذهب حيث شاءت .

إلاّ أنّ هذا المعنى يبدو بعيداً بملاحظة أنّ تعبير السراح الجميل ، أو أمثاله في الآيات القرآنية الاُخرى قد ورد حتّى في شأن النساء اللاتي يجب أن يعتددن .

وقد كان لنا بحث مفصّل حول المعنى الأصلي للسراح ، وأصله اللغوي ، ولماذا يستعمل في الإطلاقات المتعارفة بمعنى الطلاق والإطلاق في ذيل الآية (28) من سورة الأحزاب هذه .

______________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج10 ، ص430-445 .

2 ـ الدرّ المنثور ، طبقاً لنقل الميزان ، المجلّد 16 ، صفحة 353 .

3 ـ لقد أوردنا بحثاً مفصّلا في هذا الباب تحت عنوان أصلان تربويان مهمّان ، في ذيل الآية (119) من سورة البقرة .

4 ـ كالآية (241) من سورة البقرة ، ووردت روايات متعدّدة في هذا الباب ذكرت في وسائل الشيعة ، الجزء 15 ، ص59 الباب 50 من أبواب المهور من كتاب النكاح ، ومن جملتها ما ورد عن علي (عليه السلام) «لكلّ مطلّقة متعة إلاّ المختلعة» .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .