المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17738 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية

معنى كلمة حور
26-4-2022
هل يمكن لأي حشرة ناخرة أن تحفر في أجزاء النبات الأخرى؟
23-3-2021
التدابير المؤقتة
6-4-2016
السبب هو الباعث الدافع إلى التعاقد
28-8-2020
البينة هي البيان النبوي
2024-09-02
حق السرعة خلال مرحلة جمع الأدلة للدعوى الجزائية
2023-03-07


التناصّ والسياق‏  
  
2317   06:18 مساءاً   التاريخ: 2-03-2015
المؤلف : خلود عموش
الكتاب أو المصدر : الخطاب القرآني
الجزء والصفحة : ص292-299.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / علوم القرآن / مواضيع عامة في علوم القرآن /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-05-2015 2212
التاريخ: 2024-03-04 975
التاريخ: 2024-03-30 814
التاريخ: 2024-03-19 852

إنّ أي تغيير في المقام أو السياق الخارجي أو الداخلي يترتب عليه اختلاف بنية الخطاب في المستويات اللغوية المختلفة ، وتتنوع التأثيرات داخل هذه المستويات بتنوع تغيرات المقام التي تتراوح ما بين تغير في الزمان أو المكان ، أو المخاطب أو المخاطب ، أو أحداث الواقع ، أو الغرض ، أو اختلاف جزء من السياق اللغوي الداخلي قبل الآية المعنية أو بعدها. مما يعزز نظرتنا بأن النص القرآني كل واحد ، وعلينا أن نتعامل معه كذلك. وقد رصد المفسرون هذه المعادلة من خلال الموازنة بين نصّين يبدوان متشابهين ولكنّهما يفترقان في بعض التّبدلات والصيغ اللّغوية لاختلاف السياق المقامي بينهما في الغالب ، وهو ما يمكن أن يدخل فيما يسمّى بالتناص في علم النقد ، ويهمّنا هنا التركيز على العامل الذي أدّى إلى هذا الاختلاف بين النصّين وهو في الغالب اختلاف المقام بعناصره المختلفة.

فمن أمثلة نغير الخطاب لتغير المخاطب قوله تعالى {يُذَبِّحُونَ } [البقرة : 49] بغير واو هنا على البدل من (يسومونكم) ومثله في الأعراف‏ {يُقَتِّلُونَ} [الأعراف : 141]. وفي إبراهيم { وَيُذَبِّحُونَ} [ابراهيم : 6] .

بالواو قال الفيروزآبادي : " لأنّ ما في هذه السورة والأعراف من كلام اللّه تعالى فلم يرد تعداد المحن عليهم ، والذي في إبراهيم من كلام موسى فعدّد المحن عليهم وكان مأمورا بذلك في قوله : {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ«1». إنّ إختلاف المخاطب في كل من النصّين (مع الأخذ بعين الاعتبار أن القرآن كلّه كلام اللّه) ثمّ اختلاف طبيعة الموقف إلى حدّ ما ، أدّت إلى إحداث تغيير في صيغة الخطاب.

ويتغير الخطاب تبعا لتغير أحداث الواقع ومنه قوله {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا} [البقرة : 58]. بالفاء وفي الأعراف‏ {وَكُلُوا } [الأعراف : 31]. بالواو" لأنّ الدخول سريع الانقضاء فيعقبه الأكل وفي الأعراف‏ {اسْكُنُوا} والمعنى أقيموا فيها ، وذلك ممتد فذكر بالواو ، أي أجمعوا بين السكنى والأكل وزاد في البقرة {رَغَداً} لأنّه تعالى أسنده إلى ذاته بلفظ التعظيم بخلاف الأعراف ، فإنّ فيه‏ { وإِذْ قِيلَ«2».

وقال الرازي : " قال في البقرة " (ادْخُلُوا) وفي الأعراف‏ {اسْكُنُوا} لأنّ الدخول مقدّم على السكون ولا بدّ منهما فلا جرم ذكر الدخول في السورة المتقدّمة والسكون في السورة المتأخّرة" «3». إنّ الاختلاف بين الواو والفاء بين الموضعين جاء بسبب اختلاف الموقف أو الحدث ففي سورة (البقرة) حدث الدخول ، والدخول سريع لا يحتاج وقتا طويلا ، فأعقبه الأكل مباشرة ولذا استعمل الفاء ، وأمّا في الأعراف فعمليّة السكون أو الإقامة فتحتاج وقتا طويلا ، ولذلك استخدم معها الواو. أمّا لما ذا ذكر الدخول في (البقرة) والسكون في الأعراف ، فلأن الدخول مرحلة تسبق السكون ، فعمليّة ترتّب الحدث ووقائعه في خارج النّص أدّت إلى اختلاف التعبير اللغوي داخل النّص ، مع أنّ الفعل بقي فعل أمر إلّا أنّ الفعل نفسه اختلف ما بين دخول وسكون ، فالنصّ الأول يصف مرحلة أخرى معينة من- المقام ، بينما النصّ الثاني يصف‏ مرحلة أخرى متقدّمة قليلا أوجبت تغير الفعل ، ولأنّ (البقرة) تأتي قبل الأعراف فقد اختصت بالفعل الذي يأتي أولا. وأما قوله في البقرة (رغدا) وحذفه في الأعراف ، فقد ذكر الرازي إضافة لما سبق أن ذكرناه من قول الفيروزآبادي" لأنّه لما أسند الفعل إلى نفسه لا جرم ذكر معه الإنعام الأعظم وهو أن يأكلوا رغدا ، وفي الأعراف لمّا لم يسند الفعل إلى نفسه لم يذكر الإنعام الأعظم فيه" «4». ففي الأعراف جاءت الصيغة " وإِذْ قِيلَ‏" مبنيّة للمجهول أمّا في البقرة فقد جاء الخطاب مباشرا من اللّه فاقتضى زيادة هذا الإنعام العظيم (كلوا رغدا) لمناسبته للمخاطب سبحانه.

وقد يكون التغير في بنية الخطاب لإحداث التناسب مع السياق اللغوي العام الذي ورد فيه ، ومنه في هذه السورة {فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} وفي الأعراف ‏{فَأَرْسَلْنا} " لأنّ لفظ الرسول والرسالة كثرت في الأعراف فجاء ذلك على طبق ما قبله ، وليس كذلك في سورة البقرة " «5». ومن ناحية أخرى فقد قال تعالى في سورة البقرة {الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا} [البقرة : 59]. وفي الأعراف‏ (ظَلَمُوا مِنْهُمْ) " موافقة لقوله‏ { وَمِنْ قَوْمِ مُوسى‏} ولقوله { مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ ومِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ«6».

إنّ قوله { أَرْسَلْنا } فيه تأكيد على الاتساق الداخلي بين أجزاء النصّ القرآني كلّه ، فإذا كان الحديث عن الرسالة شائع في ثنايا سورة الأعراف كلّها كان من الاتّساق الموضوعي أن يقول في هذه الآية‏ {فَأَرْسَلْنا} ، ولما ابتدأت سورة البقرة بالحديث عن التنزيل وافق هنا قوله ‏{فَأَنْزَلْنا }. ومن ناحية أخرى فإنّ سورة الأعراف فيها (منهم) وهو حرف تبعيض هنا لأنّ قوم موسى فيهم الظالمون وفيهم الصالحون ، كما أوردت السورة نفسها ، ولمّا لم يرد مثل هذا التبعيض في الفقرة فلم يقترن الفعل (ظلموا) ب (من). إنّ طبيعة أولئك القوم فرضت استخدام هذا الحرف هنا ، فالمقام قد يتدخّل في اختيار الفعل وزمنه وكذلك في تحديد الأدوات المناسبة.

ومنه كذلك قوله في البقرة{وَسَنَزِيدُ} بواو ، وفي الأعراف‏ (سَنَزِيدُ) من غير واو ، وكلاهما واقع في فاصلة الآية ، وقد قال الرازي في تأويل ذلك." وأمّا في الأعراف فقد ذكر فيه أمرين : أحدهما قول الحطّة وهو إشارة إلى التوبة ، وثانيهما دخول الباب سجّدا وهو إشارة إلى العبادة ، ثمّ ذكر جزاءين : أحدهما قوله تعالى : {نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ} وهو واقع في مقابلة قول الحطّة ، والآخر قوله‏ {وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ} وهو واقع في مقابلة دخول الباب سجّدا ، فترك الواو يفيد توزّع كلّ واحد من الجزاءين على كلّ واحد من الشرطين ، وأمّا في سورة البقرة فيفيد كون مجموع المغفرة والزيادة جزاء واحدا لمجموع الفعلين أعني دخول الباب وقول الحطّة" «7». وهذا أيضا مظهر آخر من مظاهر التضافر بين الاتّساق المقامي والاتساق اللّغوي. وشرح الرازي ليس في حاجة لمزيد إضاءة.

ومنه قوله في سورة البقرة {بِما كانُوا يَفْسُقُونَ} ، وفي سورة الأعراف ‏{ بِما كانُوا يَظْلِمُونَ } قال الرازي في جوابه : " أنّه تعالى لمّا بيّن في سورة البقرة كون ذلك الظلم فسقا ، اكتفى بذكر الظلم في سورة الأعراف لأجل ما تقدّم من البيان في سورة البقرة " «8». وهذا يفضي بنا إلى تكامل النصّ القرآني واعتباره نصّا واحدا متآلفا ، فما سبق الإشارة إليه في نصّ يتكرّر في النصّ اللاحق.

ومنه قوله في البقرة {فَانْفَجَرَتْ}. وفي الأعراف ‏{فَانْبَجَسَتْ} قال الفيروزآبادي " لأنّ الانفجار انصباب الماء بكثرة ، والانبجاس ظهور الماء" «9». وأمّا الرازي فيقول :

" وبينهما تناقض لأنّ الانفجار خروج الماء بكثرة ، والإنبجاس خروجه قليلا ، والجواب من ثلاثة أوجه : أحدها : الفجر؛ الشقّ في الأصل ، والانفجار الانشقاق ، ومنه الفاجر الذي‏ يشقّ عصا المسلمين بخروجه إلى الفسق ، والانبجاس اسم للشقّ الضيق القليل ، فهما مختلفان اختلاف العام والخاص فلا يتناقضان.

وثانيهما : لعلّه انبجس أوّلا ثم انفجر ثانيا وكذا العيون يظهر الماء فيها قليلا ثم يكثر لدوام خروجه ، وثالثها لا يمتنع أنّ حاجتهم كانت تشتدّ إلى الماء فينفجر ، أي يخرج الماء كثيرا ، ثمّ كانت تقلّ فكان الماء ينبجس أي يخرج قليلا" «10». إنّ الهدف الأساسي أن لا يكون هنالك تناقض بين مكوّنات النصّ القرآني ، وهو ما يدخل ضمن (الاتّساق الداخلي للنص) وهو اتساق دلالي هنا ، والأمر الآخر أنّ الحقيقة الخارجيّة وحدوثها ضمن شكل معيّن وآليّة معيّنة ، جعل النّصين يختلفان في اختيار المفردات.

ومن أمثلته كذلك قوله : {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ} [البقرة : 62]. وفي سورة الحج‏ {وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى} [الحج : 17]. وقال في المائدة {وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى} [المائدة : 69]. قال الفيروزآبادي : " لأنّ النّصارى مقدّمون على الصابئين في الرتبة ، لأنّهم أهل الكتاب ، فقدّمهم في البقرة ، والصابئون مقدّمون على النّصارى في الزمان ، لأنّهم كانوا قبلهم فقدّمهم في الحج ، وراعى في المائدة المعنيين فقدّمهم في اللّفظ وأخّرهم في التقدير ، لأنّ تقديره : والصابئون كذلك. قال الشاعر :

فمن كان أمسى بالمدينة رحله‏

فإنّي وقيّار بها لغريب‏

أراد إني لغريب بها ، وقيّار كذلك ، فتأمّل فيها وفي أمثالها يظهر لك إعجاز القرآن" «11». إنّ المفسّر هنا اتّكأ على المقام في عنصرين من عناصره وهما : الرتبة الدينيّة أو الاجتماعيّة. والثاني : هو الوجود الزماني وهو ما تكرّر ذكره عند المفسّرين. إنّ تنويعنا للأمثلة في هذا الموضوع سببه أنّ الأثر النصّي الذي يتركه تغيّر المقامات يختلف بين مثال وآخر ، ونحن نحاول أن نبيّن أنّ التغيّر داخل النّص يطال كلّ مستوياته ، وكلّ مكوّناته ، وكلّ ما يتّصل به.

ومن تغير الخطاب تبعا لتغير حال المخاطب قوله { وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ } [البقرة : 95] في سورة البقرة ، وفي سورة الجمعة { وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ } [الجمعة : 7].

قيل : " لأنّ دعواهم في هذه السورة بالغة قاطعة ، وهي كون الجنّة بصفة الخلوص ، فبالغ في الردّ عليهم بلن ، وهو أبلغ ألفاظ النفي ، ودعواهم في الجمعة قاصرة متردّدة ، وهي زعمهم أنّهم أولياء اللّه فاقتصروا على (لا). «12» إنّ اعتقاد المخاطب جدّ مهمّ في اختيار الأسلوب اللّغوي الذي يختاره المخاطب ، فحين بالغوا في ظنّهم جزم في الردّ عليهم بصيغة نفي قاطعة.

ومن أمثلة هذا النوع من التغير أيضا قوله في سورة البقرة {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [البقرة : 100]. وفي غيرها (لا يعقلون) و(لا يعلمون) قال : " لأنّ هذه نزلت فيمن نقض العهد من اليهود ، ثمّ قال‏ {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} ، لأنّ اليهود بين ناقض عهد ، وجاحد حقّ ، إلّا القليل ، منهم عبد اللّه بن سلّام وأصحابه ، ولم يأت هذان المعنيان معا في غير هذه السورة " «13». إنّ المفسّر اعتمد في رصده لهذين السياقين على تحديد المخاطب من خلال سبب النزول (المقام) ومواصفات هؤلاء الجحد ونقض الحق إلّا قليلا منهم ، فناسب قوله" لا يؤمنون". ومن أمثلته كذلك قوله {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} [البقرة : 120]. وفي السورة نفسها {مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} [البقرة : 145]. فجعل مكان قوله (الذي) (ما) وزاد (من). قيل : " لأنّ العلم في الآية الأولى علم بالكمال ، وليس وراءه علم لأنّ معناه بعد الذي جاءك من العلم باللّه وصفاته وبأنّ الهدى هدى اللّه. ولفظ (الذي) أليق به من لفظ (ما) لأنّه في التعريف أبلغ ، وفي الوصف أقعد ، لأنّ (الذي) تعرّفه صلته ، فلا ينكّر قطّ ، ويتقدّمه أسماء الإشارة ، فيكتنف (الذي) بيانان : الإشارة والصلة ، ويلزم الألف واللام ويثنّى ويجمع ، وأمّا (ما) فليس له شي‏ء من ذلك ، لأنّه يتنكّر مرّة ويتعرّف أخرى ، ولا يقع وصفا لأسماء الإشارة ، ولا يدخله الألف واللام ولا يثنّى ولا يجمع ، وخصّ الثاني ب (ما) لأنّ المعنى : من بعد ما جاءك من العلم بأنّ قبلة اللّه هي الكعبة ، وذلك قليل من كثير من العلم ، وزيدت معه (من) التي لابتداء الغاية ، لأنّ تقديره : من الوقت الذي جاءك فيه العلم بالقبلة. لأنّ القبلة الأولى نسخت بهذه الآية ، وليس الأوّل موقتا بوقت ، وقال في سورة الرعد (بَعْدِ ما جاءَكَ) فعبّر بلفظ (ما) ولم يزد (من) لأنّ العلم هاهنا هو الحكم العربي أي القرآن ، وكان بعضا من الأول ولم يزد فيه (من) لأنّه غير موقت‏ «14».

إنّ اختلاف السياق بين الآيتين أدى إلى إحداث تغييرين في هذا النصّ : الأوّل دخول (الذي) في مقابل (ما) في النصّ ، والثاني دخول (من) في النصّ الثاني. فكلاهما تغيير تركيبي في المستوى النحوي ، أمّا السياق فجاء اختلافه من ناحية نوع العلم؛ فالعلم الأوّل هو العلم الكامل والعلم الثاني نوع من العلم فحسب ، والاختلاف الآخر في السياق يتّصل بالزمن؛ فالعلم الكامل لا يحدّه زمن ، وأمّا مسألة القبلة فقد اتّصل تحويلها بزمن معيّن ولذلك أضيفت (من). ومن أمثلته أيضا الآية (170) { أَوَ لَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً} وفي المائدة {لَا يَعْلَمُونَ } [المائدة : 104]. وذلك لأنّ دعوى المخاطبين في المائدة أبلغ لقولهم‏ {حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا} فادّعوا النهاية بلفظ (حسبنا) فنفى ذلك بالعلم وهو النهاية ، وقال في البقرة {بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا} ولم يكن النهاية ، فنفى بما هو دون العلم ليكون كلّ دعوى منفيّة بما يلائمها" «15».

ومنه أيضا قوله {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ } [البقرة : 174]. وفي آل عمران {أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ} [آل عمران : 77]. والسياق المختلف بينهما هو حال المخاطبين ، فالمنكر الذي ورد في سورة البقرة أكثر ، والتوعّد فيها أكثر"«16». ومما يتعلّق بحال المخاطب أيضا التناصّ الحاصل بين قوله : { وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ } في الآية (193) من سورة البقرة والآية (39) من سورة الأنفال في قوله ‏{ كُلَّهُ لِلَّهِ } وذلك لأنّ القتال في هذه السورة مع أهل مكّة ، وفي الأنفال مع جميع الكفار مقيّدة بقوله (كلّه) والأثر السطحي للخطاب ظهر في اختلاف الأسلوب ، فهو في نصّ مؤكّد وفي نص آخر غير مؤكّد. وهذا يقع في المستوى النحوي التركيبي للجمل. قد يكون التغيير لهدف تداولي ومنه في الآية (160) من سورة البقرة قوله { إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا} ." وليس في هذه السورة " مِنْ بَعْدِ ذلِكَ" وفي غيرها " من بعد ذلك " لأنّ (قبله) (من بعد ما بيّنه) فلو أعاد ألبس" «17». واللبس متعلّق لا ريب بالقارئ ، وبما أنّ السياق اللّغوي في نصّ البقرة قد أوضح فلا ضرورة لتكرار ذلك في هذا الموضع. فهنا الاختلاف بين هذين النّصين بني على القارئ وهو جزء من المقام ، وعلى السياق اللّغوي.

وقد يكون الأثر الذي يحدثه تغير السياق اختلافا على المستوى الدلالي ، ومن أمثلته قوله (تقربوها) في الآية (187) من سورة البقرة (و لا تعتدوها) في الآية (229) في السورة نفسها ، وذلك لأنّ الأولى جاءت في سياق النهي ، والثانية جاءت في سياق الأمر ، فالأولى تتحدّث عن مباشرة النساء في رمضان وهو نهي ، والثانية تتعلّق ببيان عدد الطلقات بخلاف ما كان عليه العرب من المراجعة بعد الطلاق من غير عدد ، وما كان أمرا أمر بترك المجاوزة وهو الاعتداء" «18».

إن قولة الفيروزآبادي" ليكون لكلّ دعوى ما يلائمها" تلخّص المعادلة التي يتعلّق بها النصّ والسياق ، فكلّ أثر في السياق يحدث تأثيرا مختلفا داخل بنية النصّ.

______________________________

(1) الفيروزآبادي ، بصائر ذوي التمييز ، 1/ 142.

(2) الفيروزآبادي ، 1/ 143.

(3) تفسير الرازي ، 4/ 80.

(4) تفسير الرازي ، 3/ 93.

(5) الفيروزآبادي ، بصائر ذوي التمييز ، 1/ 143.

(6) الفيروزآبادي ، بصائر ذوي التمييز ، 1/ 143.

(7) تفسير الرازي ، 3/ 93.

(8) نفسه ، 3/ 94.

(9) الفيروزآبادي ، بصائر ذوي التمييز ، 1/ 144.

(10) تفسير الرازي ، 3/ 96.

(11) الفيروزآبادي ، بصائر ذوي التمييز ، 1/ 145.

(12) الفيروزآبادي ، بصائر ذوي التمييز ، 1/ 146.

(13) الفيروزآبادي ، بصائر ذوي التمييز 1/ 146.

(14) الفيروزآبادي ، بصائر ذوي التمييز ، 1/ 146.

(15) الفيروزآبادي ، بصائر ذوي التمييز ، 1/ 150.

(16) سورة آل عمران ، الآية (77).

(17) الفيروزآبادي ، بصائر ذوي التمييز ، 1/ 149.

(18) الفيروزآبادي ، بصائر ذوي التمييز ، 1/ 152.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .