المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9111 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24

التفاعليات النسبية للألكانات تجاه الهلجنة
30-11-2016
Voltage across parallel resistances
12-4-2021
مندوبات الوقوف بعرفة
21-9-2016
قاعدة « إقرار العقلاء » (*)
16-9-2016
الفضل الإلهي له حساب
25-11-2014
Organ
26-10-2015


تأويل القدح في المختار  
  
2801   01:37 صباحاً   التاريخ: 18-4-2019
المؤلف : السيد نعمة الله الجزائري .
الكتاب أو المصدر : رياض الابرار
الجزء والصفحة : ج‏1، ص292-300.
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام الحسين بن علي الشهيد / الأحداث ما بعد عاشوراء /

أقول: قدحوا في شأن المختار لهذا و أمثاله، و هو إن صحّ يكون المراد منه ما وقع منه كما سيأتي من دعوة الناس إلى البيعة لطلب الثأر لأنّهم كانوا لا يبايعونه إلّا أن يقولوا له: أنت مأمور من محمّد بن عليّ بن الحنفية و من عليّ بن الحسين، فكان يزيد في الكلام عنهما لمصلحة طلب الثأر فيكون من باب الكذب رعاية للمصالح الشرعيّة مع وقوع أصل الإذن منهما و سيأتي التصريح به.

و روى الكشّي أيضا عن عبد اللّه بن شريك قال: دخلنا على أبي جعفر (عليه السّلام) يوم النحر إذ دخل عليه شيخ من أهل الكوفة فتناول يده ليقبّلها فمنعه، ثمّ قال: من أنت؟

فقال: الحكم بن المختار فقرّبه إليه ثمّ قال: إنّ الناس قد أكثروا في أبي و القول و اللّه قولك قال: أيّ شي‏ء يقولون؟

قال: يقولون كذّاب، فقال: سبحان اللّه أخبرني أبي و اللّه إنّ مهر أمّي كان ممّا بعث به المختار أ و لم يبني دورنا و قتل قاتلينا و طلب بدمائنا فرحمه اللّه، و أخبرني و اللّه أبي أنّه كان ليتمّ عند فاطمة بنت عليّ يمهّد لها الفراش و يثنى لها الوسائد و منها أصاب الحديث رحم اللّه أباك رحم اللّه أباك ما ترك لنا حقّا عند أحد إلّا طلبه و قتل قتلتنا و أخذ بدمائنا .

و عن الأصبغ قال: رأيت المختار على فخذ أمير المؤمنين (عليه السّلام) و هو يمسح رأسه و يقول: يا كيس يا كيس‏ .

و قال الكشي: إنّ المختار هو الذي دعا الناس إلى محمّد بن الحنفيّة، و سمّوا الكيسانية و هم المختارية و كان لقبه كيسان‏ .

أقول: يجوز أنّه دعى الناس بإمامة محمّد بن علي أوّل الأمر لأنّه الأكبر بعد الحسين، ثمّ يحقّق له الأمر أنّ الإمام هو عليّ بن الحسين، فرجع إليه و بقي عن ذلك الاعتقاد الأوّل قوم و يجوز أن يكون دعوته إلى محمّد بن عليّ باعتبار أخذ الثأر يعني أنّ محمّدا أمره بطلب الثأر من قبل ابن أخيه، و يجوز أن يكون لقب بكيسان لقول أمير المؤمنين (عليه السّلام) له: يا كيس يا كيس، و على كلّ قول شاهد إمّا من الحديث أو من الأثر.

و قال الشيخ حسن بن سليمان في كتاب المختصر: قيل بعث المختار إلى عليّ بن الحسين (عليهما السّلام) بمائة ألف درهم فكره أن يقبلها و خاف أن يردّها فتركها في بيت.

فلمّا قتل المختار كتب إلى عبد الملك يخبره بها، فكتب إليه خذها طيّبة هنيئة فكان علي يلعن المختار و يقول كذب على اللّه و علينا، لأنّ المختار كان يزعم أنّه يوحى إليه.

أقول: هذا الكلام آثار التقية عليه لائحة باعتبار أنّ عليّ بن الحسين (عليهما السّلام) أخبر عبد الملك بالدراهم، و وجه التقيّة أنّه لمّا قتل المختار و استقلّ الملك لبني اميّة كانوا يتّهمون أهل البيت (عليهم السّلام) بأمر المختار و أنّ خروجه و قتله لبني اميّة كان من جهة أمرهم له بالخروج فكانوا يلعنونه كما كان الصادق (عليه السّلام) يلعن زرارة و يقول لابنه عيدان: لعني لأبيك، يكتب له في صحيفة حسنات.

و أمّا حكاية أنّه يوحى إليه فقد ورد في صفات المختار: إنّه كان شجاعا مدبّرا و كان عنده غلام سمّاه جبرائيل فكان يشاوره في اموره و يكلّمه و يخرج إلى الناس و يقول لهم: قال لي جبرئيل و كلّمت جبرئيل يوهم الناس أنّه يوحى إليه حتّى قويت شوكته و استحكمت له الأمور، و إلّا فهو بري‏ء من هذا الاعتقاد .

و قال الشيخ الفاضل جعفر بن محمّد بن نما في رسالة أخذ الثأر التي نزّه فيها المختار:

ما زال السلف يتباعدون عن زيارة المختار و يتقاعدون عن إظهار فضيلته و نسبوه إلى القول بإمامة محمّد بن الحنفيّة و رفضوا زيارة قبره مع قربه من الجامع و أنّ قبّته لكلّ من خرج من قبر مسلم بن عقيل كالنجم اللّامع، و كان محمّد بن الحنفيّة أكبر من زين العابدين (عليه السّلام) سنّا لكنّه يقول بإمامة ابن أخيه.

كما رويته عن أبي مجير عالم الأهواز، و كان يقول بإمامة ابن الحنفيّة قال: حججت فلقيت إمامي فمرّ به غلام شاب فقام إليه و قبّل ما بين عينيه و خاطبه: بيا سيّدي و مضى الغلام.

فقلت له: إنّا نعتقد أنّك الإمام المفترض الطاعة و تقول لهذا الغلام يا سيّدي؟

فقال: نعم هو إمامي و ابن أخي عليّ بن الحسين، اعلم أنّي نازعته الإمامة فقال لي: أترضى بالحجر الأسود حكما بيني و بينك؟ فقلت: و كيف نتحاكم إلى حجر جماد؟

فقال: إنّ إماما لا يكلّمه الجماد ليس بإمام فقصدنا الحجر و صلّينا عنده فتقدّم و قال: أسألك بالذي أودعك مواثيق العباد لتشهد لهم بالموافاة إلّا ما أخبرتنا من الإمام منّا، فنطق الحجر و قال: يا محمّد سلّم الأمر إلى ابن أخيك فهو أحقّ به منك و هو إمامك فأذعنت بإمامته.

قال مجير: فدنت أنا بإمامة عليّ بن الحسين، و تركت القول بالكيسانية و الأخبار في ذلك كثيرة، مع أنّ إبراهيم الأشتر كان معاونا للمختار في أخذ الثأر و لم يقل أحد فيه قدحا و لو علم أنّ المختار كيسانيّا لما أطاعه في شي‏ء من الأمور.

ثمّ قال ابن نما: كان أبو عبيدة أبا المختار يتنوق في طلب النساء فأبى أن يتزوّج من قومه، فأتاه آت في منامه فقال: تزوج دومة الحسناء فأخبر أهله فقالوا: قد أمرت فتزوّج دومة بنت وهب فتزوّجها، فلمّا حملت بالمختار قالت له: رأيت في النوم قائلا يقول، شعر:

ابشر بالولد               أشبه شي‏ء بالأسد

إذ الرجال في كبد         تقاتلوا على بلد

كان له الحظّ الأشد

 

و حضر مع أبيه وقعة قيس الناطف و هو ابن ثلاث عشرة و كان يريد القتال فيمنعه عمّه، فنشأ مقداما شجاعا لا يتّقي شيئا و تعالى معالي الامور و كان ذا عقل وافر و جواب حاضر .

و عن أبي حمزة الثمالي قال: كنت أزور عليّ بن الحسين في كلّ سنة مرّة في وقت‏ الحجّ فأتيته سنة، فإذا على فخذه صبيّ فوقع على عتبة الباب فانشج فوثب إليه و جعل ينشّف دمه و يقول: إنّي اعيذك أن تكون المصلوب في الكناسة، قلت: في أيّ الكناسة؟

قال: كناسة الكوفة، و لئن عشت بعدي لترين هذا الغلام في ناحية من نواحي الكوفة و هو مقتول مدفون منبوش مصلوب في الكناسة، ثمّ ينزل فيحرق و يذرّى في البرّ، فقلت: ما اسمه؟

قال: زيد، ثمّ دمعت عيناه و قال: لأحدّثنّك بحديث ابني هذا؛ بينا أنا ليلة اصلّي ذهب فيّ النوم فرأيت كأنّي في الجنّة و كان رسول اللّه و عليّا و فاطمة و الحسن و الحسين صلوات اللّه عليهم قد زوّجوني حوراء العين فواقعتها و اغتسلت عند سدرة المنتهى و هتف هاتف ليهنّك زيد، فاستيقظت لصلاة الفجر فدقّ الباب رجل فخرجت إليه فإذا معه جارية فقال: أنا رسول المختار يقرئك السلام و يقول: وقعت هذه الجارية في ناحيتنا فاشتريتها بستّمائة دينار و هذه ستّمائة دينار استعن بها على دهرك، فقلت: ما اسمك؟

قالت: حوراء، فهيّؤوها لي و بت بها عروسا، فعلقت بهذا الغلام فسمّيته زيدا و سترى ما قلت لك.

قال أبو حمزة: فو اللّه لقد رأيت كلّما قاله (عليه السّلام) في زيد فما زال المختار ينشر فضائل أهل البيت مع حداثة سنّه، ففي بعض الأيّام لقيه معبد بن خالد فقال: يا معبد أنّ أهل الكتب ذكروا أنّهم يجدون رجلا من ثقيف يقتل الجبّارين و ينصر المظلومين و يأخذ بثأر المستضعفين و وصفوا صفته و هي كلّها في غير خصلتين إنّه شاب و قد جاوزت الستّين و أنّه ردي‏ء البصر و أنا أبصر من عقاب، فقال معبد: أمّا السنّ فإن ابن ستّين و سبعين عند أهل ذلك الزمان شاب و أمّا بصرك فما تدري ما يحدث اللّه فيه، فلم يزل حتّى مات معاوية و ولّي يزيد و وجّه الحسين (عليه السّلام) مسلم بن عقيل إلى الكوفة فأسكنه المختار داره و بايعه، فلمّا قتل مسلم سعي بالمختار إلى ابن زياد فأحضره فقال له: أنت المبايع لأعدائنا؟ فشهد له ابن حريث إنّه لم يفعل.

فقال: لولا شهادة هذا لقتلتك و شتمه و ضربه بقضيب، فشتر عينه و حبسه و حبس عبد اللّه بن الحارث بن عبد المطّلب و كان في الحبس ميثم التمّار فطلب عبد اللّه حديدة يزيل بها شعر بدنه و قال: لا آمن ابن زياد يقتلني فأكون قد ألقيت ما عليّ من الشعر، فقال المختار: و اللّه لا يقتلك و لا يقتلني و لا يأتي عليك إلّا قليل حتّى تلي البصرة، فقال ميثم للمختار: و أنت تخرج ثائرا بدم الحسين فتقتل هذا الذي يريد قتلنا و تطأ بقدميك على و جنتيه، و لم يزل ذلك يتردّد في صدره حتّى قتل الحسين (عليه السّلام) فكتب المختار إلى أخته صفية و كانت زوجة عبد اللّه بن عمر تسأله مكاتبة يزيد بن معاوية فكتب إليه، فقال يزيد: تشفع أبا عبد الرحمن و كلّمته هند بنت أبي سفيان في عبد اللّه بن الحارث و هي خالته، فكتب إلى عبيد اللّه فأطلقهما بعد أن أجّل المختار ثلاثة أيّام ليخرج من الكوفة و إن تأخّر عنها ضرب عنقه، فخرج هاربا نحو الحجاز حتّى إذا صار بواقصة لقيه ابن زهير فقال: ما لي أرى عينك؟

قال: فعل ذلك بي ابن زياد قتلني اللّه إن لم أقتله و أقطع أعضاؤه و لأقتلنّ بالحسين عدد الذين قتلوا بيحيى بن زكريا و هم سبعون ألفا.

ثمّ قال: و الذي أنزل القرآن و كره العصيان لأقتلن العصاة ازد عمان و مذحج و همدان و مهد و خولان و بكر و هران و قبائل قيس غيلان غضبا لابن بنت نبي الرحمن، فلم يزل على ذلك حتّى مات يزيد و خلف أحد عشر ولدا و عمره ثمان و ثلاثون سنة و مدّة خلافته سنتان و ثمانية أشهر و لمّا خلع معاوية نفسه عن الخلافة بويع في تلك السنة لعبد اللّه بن الزبير بالحجاز و لمروان بن الحكم بالشام و لعبيد اللّه بن زياد بالبصرة.

و أمّا أهل العراق فإنّهم وقعوا في الأسف على ترك نصرة الحسين (عليه السّلام) و كان عبيد اللّه بن الحرّ الجعفي من أشراف أهل الكوفة و قد ندبه الحسين إلى الخروج معه، فلم يفعل ثمّ تداخله الندم فقال، شعر:

فيالك حسرة ما دمت حيّا                    تردّد بين حلقي و التراقي‏

غداة حسين يطلب بذل نصري‏             على أهل الضلالة و الشقاق‏

غداة يقول لي بالقصر قولا                 أتتركنا و تزمع بالفراق‏

و لو أنّي اواسيه بنفسي‏                      لنلت كرامة يوم التلاق‏

مع ابن المصطفى نفسي فداه‏               تولّى ثمّ ودّع بانطلاق‏

فلو فلق التلهّف قلب حيّ‏                    لهم اليوم قلبي بانفلاق‏

فقد فاز الأولى نصروا حسينا               و خاب الآخرون إلى النفاق‏

و لم يكن في العراق من يصلح للقتال و النجدة إلّا قبائل الكوفة، فأوّل من نهض سليمان بن صرد الخزاعي و كانت له صحبة مع النبيّ (صلّى اللّه عليه و اله) و المسيّب بن نجبة الضراري و هو من كبار الشيعة و له صحبة مع عليّ (عليه السّلام) و عبد اللّه بن سعد و رفاعة بن شداد و جماعة، فاجتمعوا في دار سليمان فبدأ سليمان بالكلام فقال بعد الحمد و الثناء: أمّا بعد فقد ابتلينا بطول العمر، ثمّ قال في كلامه: إنّ اللّه اختبرنا فوجدنا كذّابين في نصر ابن بنت رسول اللّه و لا عذر دون أن تقتلوا قاتليه فعسى ربّنا أن يعفو عنّا.

قال رفاعة بن شدّاد: قد هداك اللّه ثمّ انّهم اتّفقوا على سليمان شيخا لهم. و قال المسيّب: أصبتم و أنا أرى الذي رأيتم فاستعدّوا للحرب، و كتب سليمان إلى من كان بالمدائن من الشيعة يدعوهم إلى أخذ الثأر فكتبوا إليه بالقبول‏ .

و ذكر الطبري في تاريخه: أنّ أوّل ما ابتدأ به الشيعة من أمرهم سنة إحدى و ستّين و هي السنة التي قتل فيها الحسين، فما زالوا في جمع آلة الحرب و الاستعداد للقتال حتّى مات يزيد و كان بين مقتل الحسين (عليه السّلام) و هلاك يزيد ثلاث سنين و شهران و أربعة أيّام و كان أمير العراق عبيد اللّه و خليفته بالكوفة عمرو بن حريث و كان عبد اللّه ابن الزبير قبل موت يزيد يدعو الناس إلى طلب ثأر الحسين، فلمّا مات يزيد أظهر أنّه يدعو الناس لنفسه فخرج المختار من مكّة متوجّها إلى الكوفة، فلمّا دخل الكوفة نهارا صار لا يمرّ على جماعة إلّا سلّم و قال: ابشروا بالفرج فقد جئتكم بما تحبّون و أنا المسلّط على الفاسقين و الطالب بدم أهل بيت نبيّ ربّ العالمين.

فقال الناس: هذا المختار نرجو به الفرج، ثمّ بعث إلى وجوه الشيعة و عرّفهم أنّه جاء من محمّد بن الحنفية للطلب بدماء أهل البيت، فقالوا: أنت موضع ذلك غير أنّ الناس بايعوا سليمان بن صرد فهو شيخ الشيعة اليوم فلا تعجل في أمرك، فسكت المختار و أقام ينتظر ما يكون من أمر سليمان و الشيعة يدبّرون أمرهم سرّا خوفا من عبد الملك و من عبد اللّه بن الزبير و كان خوف الشيعة من أهل الكوفة أكثر لأنّ أكثرهم قتلة الحسين و صار المختار يثبّط الناس عن سليمان و يدعوهم إلى نفسه، فقال عمر بن سعد و شبث بن ربعي لأهل الكوفة: إنّ المختار أشدّ عليكم، لأنّ سليمان إنّما خرج يقاتل عدوّكم و المختار إنّما يريد أن يثب عليكم فسيروا إليه و أوثقوه بالحديد و خلّدوه السجن فأحاطوا بداره و استخرجوه و أدخلوه السجن.

ثمّ أراد سليمان النهوض بعسكره من النخيلة مستهلّ شهر ربيع الآخر سنة خمس و ستّين، و هي السنة التي أمر مروان بن الحكم أهل الشام بالبيعة من بعده لابنيه عبد الملك و عبد العزيز و جعلهما وليّي عهده.

و فيها مات مروان بدمشق و عمره إحدى و ثمانين سنة و كان عبيد اللّه بالعراق فنزل الجزيرة فأتاه الخبر بموت مروان و خروج سليمان ليرحل، فاستقلّ عسكره فبعث من ينادي بالكوفة يا لثارات الحسين.

فسمع النداء رجل من الأزد و عنده امرأته و كانت من أجمل النساء، فوثب إلى سلاحه و فرسه فقالت له زوجته: أجنيّت؟

قال: لا، ولكنّي سمعت داعي اللّه فأنا مجيبه و طالب بدم هذا الرجل حتّى أموت، فقالت إلى من تودع بيتك هذا؟

قال: إلى اللّه، اللّهم إنّي أستودعك ولدي و أهلي، اللّهم احفظني فيهم و تب عليّ ممّا فرّطت في نصرة ابن بنت نبيّك، ثمّ نادوا: يا لثارات الحسين في الجامع، فخرج جمع كثير إلى سليمان و عزم على المسير إلى الشام لمحاربة ابن زياد، فقال له عبد اللّه بن سعد: إنّ قتلة الحسين كلّهم بالكوفة منهم عمر بن سعد و أشراف القبائل و ليس بالشام سوى عبيد اللّه بن زياد، فلم يوافق إلّا على المسير فخرج عشية الجمعة فأصبحوا عند قبر الحسين (عليه السّلام) فأقاموا يوما و ليلة يصلّون و يستغفرون ثمّ ضجّوا ضجّة واحدة بالبكاء و العويل فلم ير مثله يوما و ازدحموا عند الوداع على قبره و قام وهب الجعفي باكيا على القبر و أنشد، شعر:

تبيت السكارى من أميّة نوّما               و بالطفّ قتلى ما ينام حميمها

و أضحت قناة الدّين في كفّ ظالم‏                   إذا اعوجّ منها جانب لا يقيمها

فساروا إلى هيت ثمّ إلى قرقيسيا و بلغهم أنّ أهل الشام في عدد كثير، ثمّ إنّ سليمان و عظهم و قال: إن قتلت فأميركم المسيّب بن نجبة فإن اصيب المسيّب فالأمير عبد اللّه بن وال فإن قتل فالأمير رفاعة بن شدّاد، ثمّ بعث سليمان المسيب في أربعة آلاف رائدا و أن يشنّ‏ عليهم الغارة، فلمّا قرب منهم قال الأعرابي: كم بيننا و بين القوم؟

قال: ميل و من ورائهم الحصين بن نمير في أربعة آلاف و من ورائهم الصلت في أربعة آلاف و جمهور العسكر مع ابن زياد، فساروا حتّى أشرفوا على عسكر الشام، فقال المسيب لأصحابه: كرّوا عليهم، فحمل عليهم عسكر العراق فانهزموا و قتل منهم خلق كثير و غنموا منهم غنيمة عظيمة و رجعوا إلى سليمان و وصل الخبر إلى ابن زياد، فسرّح إليهم الحصين بن نمير في عشرين ألفا و عسكر العراق ثلاثة آلاف و مائة فحمل عليهم عسكر العراق فهزموهم و ظفروا بهم و حجز الليل بينهم ثمّ قاتلوهم ثلاثة أيّام فأمر الحصين أهل الشام برمي النبل فجاءت السهام كالشرار المتطاير فقتل سليمان رحمه اللّه.

ثمّ أخذ الراية المسيّب فقاتل قتالا خرّت له الأذقان ثلاث مرّات، فلم يزل يكرّ عليهم فيفرّون حتّى تكاثروا عليه فقتلوه ثمّ أخذ الراية عبد اللّه بن سعد و قاتل أشدّ قتال حتّى قتل و تقدّم عبد اللّه بن وال فقاتل حتّى قطعت يده اليسرى، فبينما هم كذلك إذ جاءتهم العسكر من البصرة و من المدائن فاشتدّت قلوب أهل العراق و اجتمعوا و كبّروا و اشتدّ القتال حتّى بان في أهل العراق الضعف و الذلّة و تحدّثوا في ترك القتال، ثمّ عاد أهل الكوفة و أهل البصرة و أهل المدائن إلى بلادهم و المختار محبوس فكتب إلى أصحاب سليمان: أمّا بعد، فإنّ اللّه عظّم لكم الأجر و حطّ عنكم الوزر و انّي لو خرجت إليكم جرّدت فيما بين المشرق و المغرب من عدوّكم بالسيف بإذن اللّه إلى آخر الكتاب، فوقف عليه جماعة من رؤساء القبائل و فرحوا به و كتبوا إليه: إن شئت أن نأتيك حتّى نخرجك من الحبس، فكتب إليهم: إنّي أخرج في أيّامي هذه، و قد كان المختار بعث إلى عبد اللّه بن عمر بأن يكتب إلى عبد اللّه بن يزيد و إبراهيم بن محمّد بالخلاص من أيديهما، فكتب ابن عمر إليهما بخلاص المختار فطلبوا منه كفلاء بأن لا يخرج عليهم و حلّفاه فإن هو خرج فعليه ألف بدنة ينحرها عند باب الكعبة و مماليكه أحرار، فخرج و جاء إلى داره و قال: قاتلهم اللّه ما أجهلهم حيث يرون أنّي أفي لهم بأيماني هذه، أمّا الحلف فتركه إلى ما هو خير منه جائز، و أمّا هدي ألف بدنة فهو هيّن عليّ، و أمّا عتق مماليكي، فإذا أخذت الثأر وددت أنّي لا أملك مملوكا أبدا، و لمّا استقرّ في داره اختلفت الشيعة إليه.

و كان قد بويع له و هو في السجن و لم يزل أمرهم يقوى حتّى عزل عبد اللّه بن الزبير الواليين من قبله و هما عبد اللّه بن يزيد و إبراهيم بن محمّد المذكورين و بعث عبد اللّه بن مطيع واليا إلى الكوفة و الحارث بن عبد اللّه على البصرة، فأراد المختار أن يثب على أهل الكوفة حتّى قال جماعة من أصحابه: إنّ المختار يريد الخروج بنا للثأر و قد بايعناه و لا نعلم أرسله إلينا محمّد بن الحنفية أم لا؟ فقوموا نخبره و جاؤوا إلى ابن الحنفية و قالوا له: إنّ المختار قدم و يزعم أنّه جاءنا من قبلكم للأخذ بثأر الحسين (عليه السّلام) فبايعناه على ذلك فإن أمرتنا اتّبعناه، فقال: قوموا إلى إمامي و إمامكم عليّ بن الحسين، فلمّا دخلوا عليه أخبر محمّد بما جاؤوا به فقال: يا عمّ لو أنّ عبدا زنجيا تعصّب لنا أهل البيت لوجب على الناس معاونته و قد وليّتك هذا الأمر فاصنع ما شئت فخرجوا و هم يقولون أذن لنا زين العابدين و محمّد بن الحنفيّة و كان المختار علم بخروجهم إلى محمّد و كان يريد النهوض قبل قدومهم، فلمّا قدموا و أخبروه قال:

اجمعوا لي الشيعة فجمعوهم و أخبروهم بأنّ عليّ بن الحسين و عمّه راضيان بأخذ الثأر، و عرّفه قوم أنّ جماعة من أهل الكوفة مجتمعون على قتالك مع ابن مطيع و متى جاء معنا إبراهيم بن الأشتر رجونا القوّة على عدوّنا لأنّ له عشيرة، فقال ألقوه و قولوا له، فلمّا قالوا له قال: أجبتكم على أن تولّوني الأمر.

قالوا: أنت أهل، ولكن المختار جاءنا من قبل إمام الهدى و من نائبه محمّد بن الحنفيّة و هو المأذون له في القتال، فلم يجب و انصرفوا و عرفوا المختار فأتى المختار بالشيعة إلى بيت إبراهيم و جلس إلى فراشه و قال: هذا كتاب محمّد بن أمير المؤمنين يأمرك أن تنصرنا فأخذه إبراهيم و فضّ ختمه فإذا الكتاب إليه من محمّد يأمره بالقتال مع المختار لأخذ الثأر، فلمّا قرأ الكتاب بايع المختار و صار يتردّد إليه مع شيعته و أجمع رأيهم أن يخرجوا شهر ربيع الآخر سنة ستّ و ستّين و كان إياس أمير الكوفة من قبل عبد اللّه بن مطيع فقالوا له: إنّ المختار خارج عليك فخذ حذرك ثمّ خرج إياس مع الحرث و بعث ولده راشد إلى الكناسة، ثمّ إنّ إبراهيم بن الأشتر خرج إلى ابن إياس و طعنه في نحره و احتزّ رأسه و أقبل به إلى المختار، فاستبشر تفاؤلا بالنصر و خرجت الشيعة من دورهم يتداعون إلى الطعان لأخذ الثأر، شعر:

و لما دعى المختار للثأر           و أقبلت كتايب من أشياع آل محمّد

و قد لبسوا فوق الدروع قلوبهم‏             و خاضوا بحار الموت في كلّ مشهد

هم نصروا سبط النبيّ و رهطه‏            و دانوا بأخذ الثأر من كلّ ملحد

ففازوا بجنّات النّعيم و طيبها               و ذلك خير من لجين و عسجد

و لو أنّني يوم الهياج لدى الوغا            لأعملت حدّ المشرفي المهنّد

فوا أسفا إذ لم أكن من حماته‏                فأقتل فيهم كلّ باغ و معتدي‏

قال الوالبي و حميد بن مسلم: خرجنا مع المختار و نادى ابن مطيع في أصحابه فبعث شبث بن ربعي في ثلاثة آلاف و راشد بن إياس في أربعة آلاف و العجلي في ثلاثة آلاف و تتابعت العساكر نحوا من عشرين ألفا، و سمع المختار أصواتا مرتفعة فإذا هو شبث بن ربعي و معه خيل عظيم فأتى إليهم إبراهيم بن الأشتر و حمل عليهم حملة عظيمة و قتل منهم جماعة كثيرة حتّى أدخلهم الدور و حصروا الأمير ابن مطيع ثلاثا في القصر حصره إبراهيم، فلمّا ضاق عليه الحصار خرج في زيّ امرأة حتّى صار إلى دار أبي موسى الأشعري فآووه، و أمّا أصحابه فطلبوا الأمان و خرجوا و بايعوا و دخل المختار إلى القصر ثمّ خرج إلى الجامع و أمر بالنداء الصلاة جامعة فاجتمع الناس، ثمّ رقى المنبر و خطب و قال في خطبته: و ربّ العالمين لأقتلنّ أعوان الظالمين و بقايا القاسطين و لأحرقنّ بالمصر دورا و لأنبشنّ بها قبورا و لأشفينّ بها صدورا و لأقتلنّ بها جبّارا كفورا، ثمّ نزل و دخل قصر الإمارة و انعكف عليه الناس بالبيعة و وجد في بيت المال بالكوفة تسعة آلاف ألف ففرّقها على أصحابه.

و لمّا علم أنّ ابن مطيع في دار أبي موسى أرسل إليه عشرة آلاف درهم يستعين بها على خروجه إلى ابن الزبير ثمّ إنّ المختار فرّق [الدراهم‏] على أصحابه و عزل شريحا عن القضاء و ولّى عبد اللّه بن عتبة بن مسعود و كان مروان بن الحكم لمّا استقامت له الشام بالطاعة بعث جيشين أحدهما إلى المختار و الآخر إلى العراق مع ابن زياد لينهب الكوفة ثلاثة أيّام فاجتاز بالجزيرة و عاملها من قبل ابن الزبير قيس غيلان ثمّ قدم الموصل و عامل المختار عليها عبد الرحمن بن سعد فوجه عبيد اللّه إليه خيله و رجله فانحاز عبد الرحمن إلى تكريت و كتب إلى المختار يعرفه ذلك فكتب الجواب أن لا يفارق مكانه حتّى يأتيه أمره ثمّ دعى المختار يزيد بن أنس و عرفه صورة الحال و ضمّ إليه ثلاثة آلاف فارس ثمّ خرج من الكوفة و شيّعه المختار.

ثمّ كتب المختار إلى عبد الرحمن بن سعدان: خلّ بين يزيد و بين البلاد إن شاء اللّه، فسار حتّى بلغ أرض الموصل و بلغ خبره إلى ابن زياد و عرف عدّتهم فقال: ارسل إلى كلّ ألف ألفين فبعث ستّة آلاف فارس، فجاؤوا و يزيد مريض مدنف فأركبوه حمارا مصريّا و الرّجال يمسكونه فيقف على الرّجال و يحثّهم على القتال و قال: إن هلكت فأميركم و رقاء بن غارب الأسدي.

و وقع القتال قبل شروق الشمس فلم يرتفع الضحى حتّى هزمهم عسكر العراق و أتوا يزيد بثلاثمائة أسير و قد أشفى على الموت فأشار بيده أن اضربوا رقابهم فقتلوهم جميعا ثمّ مات يزيد بن أنس و اغتمّ عسكر العراق لموته و انصرفوا في جوف الليل إلى المختار.

و كان مع ابن زياد ثمانون ألفا من أهل الشام، ثمّ إنّ المختار أمر إبراهيم الأشتر بالمسير إلى ابن زياد فخرج في جموع كثيرة حتّى نزل ساباط فتوسّم أهل الكوفة في المختار القلّة و الضعف فخرجوا عليه و جاهروه بالعداوة، ثمّ إنّه أرسل إلى إبراهيم بالرجوع مع عسكره إلى الكوفة، فرجع و حارب أهل الكوفة و قتل منهم خلقا كثيرا ممّن حضر قتل الحسين و غيرهم، ثمّ علم أنّ شمر بن ذي الجوشن خرج هاربا و معه نفر ممّن شرك في دم الحسين فأمر عبدا له أسود يقال له رزين و معه عشرة و كان شجاعا، فبلغ إلى شمر و تقاتل معه و قتله و جاء برأسه و من معه إلى المختار و كان المختار قد تجرّد لقتلة الحسين فأوّل من بدأ به الذين وطئوا الحسين (عليه السّلام) بخيلهم فأنامهم على ظهورهم و ضرب سكك الحديد في أيديهم و أرجلهم و أجرى الخيل عليهم حتّى قطعتهم و حرقهم بالنار، ثمّ أخذ رجلين اشتركا في دم عبد الرحمن بن عقيل فضرب أعناقهما ثمّ أحرقهما بالنار.

و بعث أبا عمرة فأحاط بدار خولي الأصبحي و هو حامل رأس الحسين إلى ابن زياد، فخرجت امرأته إليهم و هي النوار بنت مالك و كانت محبّة لأهل البيت قالت: لا أدري أين هو و أشارت بيدها إلى بيت الخلاء فوجدوه و على رأسه قوسرة فأخذوه و قتلوه ثمّ أمر بحرقه و بعث إلى حكيم ابن الطفيل و كان قد أخذ سلب العبّاس فجعلوه هدفا و رموه بالسّهام و بعث إلى قاتل عليّ بن الحسين و هو مرّة العبدي فأحرقوه و هرب سنان بن أنس، ثمّ أخذه بين العذيب و القادسية فقطع أنامله ثمّ يديه و رجليه و غلى له زيتا و رماه فيها و كلّ من قتله هدم‏ داره حتّى هدم في الكوفة دورا كثيرة، فلمّا خلى خاطره اهتمّ بعمر بن سعد و ابنه حفص، فقال يوما: و اللّه لأقتلنّ رجلا عظيم القدمين مشرف الحاجبين يهزّ الأرض برجله، فسمع الهيثم قوله و وقع في نفسه أنّه عمر بن سعد فأرسل إلى ابن سعد و عرّفه قول المختار و قد أخذ لعمر أمانا حيث اختفى فيه بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا أمان المختار لعمر بن سعد إنّك آمن بأمان اللّه إلّا أن يحدث حدثا.

قال الباقر (عليه السّلام): إنّما قصد المختار أن يحدث حدثا هو أن يدخل بيت الخلاء فيحدث، و لمّا علم ابن سعد أنّ قول المختار عنه عزم على الخروج من الكوفة فركب ناقته و خرج ثمّ نام على ظهر ناقته، فرجعت و هو لا يدري حتّى ردّته إلى الكوفة فأخبروا المختار فقال: و فينا له و غدر بنا فأرسل إليه و ضرب عنقه و أتى برأسه و ابنه حفص عند المختار، فلمّا وضع الرأس قال لابنه: تعرفه؟

قال: نعم، و لا خير في العيش بعده، فقال: إنّك لا تعيش بعده و أمر بقتله، فقال المختار: عمر بالحسين و حفص بعليّ بن الحسين و لا سواء، و قال: لو قتلت ثلاثة أرباع قريش لما وفوا بأنملة من أنامل الحسين (عليه السّلام) و كان محمّد بن الحنفيّة يعتب على المختار بتأخيره قتل ابن سعد، فأرسل بالرأسين إلى مكّة فما تمّ كلامه إلّا و الرأسان عنده فخرّ ساجدا و بسط كفّيه و قال: اللّهم لا تنس هذا اليوم للمختار و أجزه عن أهل بيتك محمّد خير الجزاء، فو اللّه ما على المختار بعد هذا من عتب.

ثمّ قال المختار: لم يبق عليّ أعظم من ابن زياد فأمر إبراهيم بن الأشتر بالمسير إليه فسار إلى تكريت و نزل بها و سار إلى ما بقي أربعة فراسخ من الموصل و ابن زياد بها، فخرج إليه ابن زياد في ثلاثة و ثمانين ألفا حتّى نزل قريبا من عسكر العراق و كان مع الأشتر أقلّ من عشرين ألفا، فلمّا كان في السحر عبّأ إبراهيم أصحابه فزحفوا إلى أهل الشام و التقى الجمعان فدخل على أهل الشام من أهل العراق مدخل عظيم ثمّ تقدّم إبراهيم و نادى: ألا يا أنصار الدّين قاتلوا أولاد القاسطين لا تطلبوا أثرا بعد عين هذا عبيد اللّه بن زياد قاتل الحسين، ثمّ حمل على أهل الشام و ضرب فيهم بسيفه و اختلط العسكران و شبّت فيهم نار الحرب إلى أن صلّوا بالإيماء صلاة الظهر و اشتغلوا بالقتال إلى أن تجلى صدر الدجا بالأنجم الزهر و انقضّ‏عليهم أهل العراق انقضاض العقبان على الرخم و جالوا فيهم جولان الذئب على الغنم، فولّى عسكر الشام و صبغ الأرض بدمائهم.

قال إبراهيم: و احمرّ رجل أحمر في كبكبة فدنى منّي فضربت يده فسقط فوجدت رائحة المسك تفور منه فاحتزّوا رأسه و إذا هو ابن زياد فقال إبراهيم: الحمد للّه الذي أجرى قتله على يدي في يوم عاشوراء و عمره دون الأربعين و أصبح الناس فغنموا غنيمة عظيمة و كان المختار قد سار من الكوفة يتطلّع أحوال إبراهيم فأتته البشرى بقتل ابن زياد و أصحابه فكاد يطير فرحا و رجع إلى الكوفة مسرورا، و قال أبو عمر البزّاز: كنت مع إبراهيم الأشتر لمّا لقى ابن زياد بالخارز فعددنا القتلى بالقصب لكثرتهم فكانوا سبعين ألفا و صلب عبيد اللّه بن زياد منكسا، فكأنّي أنظر إلى خصيه كأنّهمنا جعلان و بعث إبراهيم برأس ابن زياد و أهل الشام و في آذانهم رقاع أسمائهم فقدموا عليه و هو يتغدّى فوطأ وجه ابن زياد بنعله، ثمّ أمر بحمل الرؤوس إلى مكّة إلى محمّد بن الحنفيّة و عليّ بن الحسين‏ .

و عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) قال: ما اكتحلت هاشميّة و لا اختضبت و لا رئي في دار هاشمي دخّان خمس سنين، و كانت ولاية المختار ثمانية عشر شهرا أوّلها أربع عشرة ليلة خلت من ربيع الأوّل سنة ستّ و ستّين، و آخرها النصف من شهر رمضان سنة سبع و ستّين و عمره سبع و ستّون سنة .

 




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.