أقرأ أيضاً
التاريخ: 4-2-2019
![]()
التاريخ: 12-2-2019
![]()
التاريخ: 4-2-2019
![]()
التاريخ: 4-2-2019
![]() |
مظاهر التماسك السياقي:
قلنا: إن التماسك السياقي ينبني على العلاقات المتشابكة بين أجزاء السياق، أي بين الأبواب النحوية فيه، وهذا يتضح في مظهرين من مظاهره هما:
1- الحالة.
2- الزمن والجهة.
وسنشرح كل واحدة منها على حدة:
1- الحالة: هنا أيضا يجب أن نلاحظ أن العلاقة التي نسميها الحالة، ليست إلا علاقة شكلية بين الأبواب، أو بين الكلمتين من باب واحد، وهي مع ذلك جزء آخر من أجزاء التطريز النحوي، وللحالة مجال في الأسماء، والأفعال، والأدوات؛ أي أنها تجد تعبيرها الشكلي في أولئك جميعا، ولكنها ينظر إليها في الغالب باعتبارها في الأسماء، ولهذا نرى دراسة الحالات المختلفة في الإغريقية واللاتينية، تأتي في كتب الجرامطيقا تصريفات للأسماء لا للأفعال، ويبدو بصفة عامة أن هذا يلقى شيئا من الغموض على حقيقة هامة، هي أن الحالة ليست إلا وسيلة أخرى من وسائل النمطية النحوية.
وتبدو الفكرة السنسكريتية عن الحالة، أكثر جدوى من الفكرتين الاغريقية واللاتينية، فالدراسات السنسكريتية، لا توجه اهتمامها الكلي إلى الجدول، وإنما توجهه إلى علاقة الأسماء في أنواع الجمل، ومن الضروري في الفنلندية أن تدرس الحالة في الأسماء، إذا كنت تريد فهم "الجهة" في الأفعال، فكل من الأسماء والأفعال في هذه اللغة، يؤثر في الآخر تأثيرًا يؤدي إلى تماسك سياقي، وما تحدده
الإنجليزية، والفرنسية مثلا بالأدوات، تحدده الفنلندية بالتعبير الشكلي عن الحالة كما في حالة البعضية، فإذا قلت: "مزق الكتاب"، فإن الكتاب سيكون في حالة البعضية، ثم إن البعضية المفهومة من التمزيق إلى قطع، تتطلب أن يكون الفعل في صورة خاصة، إذا أردت أن تتصورها بإيضاح من العربية مثلا قلنا: "مع الاعتذار
لإيضاح لغة بصيغة من أخرى"، إن هذه الحالة تتطلب أن يكون الفعل مشدد العين المفتوحة مثلا، لا مفردها، فأنت ترى هنا كيف تتبادل العلاقات في السياق بين الاسم والفعل، وقد ضربنا لذلك مثلا بجملة "ضرب محمد عليا".
والعربية من بين اللغات المتصرفة، تعطي مثلا حيا للعلاقة بين الأسماء والأفعال، وبينها وبين الأدوات، وصورة الحالة، ففي العربية حالات أربع شكلية، نقطع الصلة متعمدين بينها، وبين الأفكار المنطقية: الأولى حالة الرفع، والثانية حالة النصب،
ص208
والثالثة حالة الجر، والرابعة جالة الجزم، وحالة الرفع من مميزات العمدة في السياق، فالمسند والمسند إليه كلاهما في حالة الرفع، يصدق ذلك على المبتدأ والخبر، والفاعل ونائب الفاعل، وعلى المضارع المجرد من بين الأفعال؛ لأن البقية موزعة بين البناء، والوقوع في مواقع الحالات الأخرى، ولكن إذا دخلت أداة على طرفي الإسناد في الجملة الإسمية، عمدت اللغة العربية إلى نمطية أخرى في الصوغ، مراعاة للقيم الخلافية بين ما اقترن بالأداة وما لم يقترن، ودخول الأدوات على الجملة الاسمية، يتطلب المخالفة في الحالة بين طرفي الإسناد، فيبدو أحدهما في حالة الرفع، والآخر في حالة النصب، فمع كان وكاد وليس وأخواتهن، الأول مرفوع والثاني منصوب، ومع إن ولا النافية، يلاحظ العكس.
ويلاحظ هنا أننا نعتبر النواقص والمقاربات أدوات لا أفعالا، برغم إمكان دخولها في جدول تصريفي، لدخولها على الجملة المفيدة بنفسها، وإفادتها وظيفة نحوية قريبة من وظائف الأدوات، من مثل "إن" و"لا".
وحالة النصب بعد ذلك تعبير شكلي عن طائفة كبيرة، مما يعبر عنه باصطلاح الفضلة هي المفعولات الخمسة، والحال والتمييز والمستثنى وحد هذه الطائفة، أنها الفضلة التي لم تأت معها أداة جر، أو اسم مضاف، والفعل المضارع المنصوب من هذه الطائفة؛ لأنه يقع مواقعها من الكلام، ويتم الكلام بدونه مثلها.
وحالة الجر إما أن تكون بالأداة أو بالإضافة، وهي حالة طائفة من الفضلات يعبر عن العلاقة بينها، وبين الفعل بإحدى هاتين الطريقتين.
أما حالة الجزم، فتكون في الفعل المضارع الواقع في نوع خاص من الجمل، تقتضي المخالفة بينه فيها، وبينه في الجمل الأخرى التي ينصب فيها أو يرفع، أن يتخذ شكلا إعرابيا آخر هو الجزم.
ذلك هو ملخص الحالة في اللغة العربية.
وتتشابك العلاقات بين الحالة وبين النوع، والعدد، والشخص، فتكون
ص209
كلها نماذج للترابط في السياق بين أجزائه، على نحو ما في المثال الآتي: هذه هي المرأة البيضاء التي فتنت".
ومن هذا نرى تساند الكلمات، وتقاربها في علاقاتها التطريزية، ونرى النوع والعدد والشخص "الإفراد والتأنيث والغيبة"، متحدة في كل كلمات المثال، سواء في ذلك الأسماء والفعل، ونرى الحالة في الأسماء دون الفعل الماضي؛ لأنه مبني غير معرب، والحالة إعرابية أولا وقبل كل شيء، ونرى الزمن في الفعل دون الأسماء.
وتفرق اللغة العربية بين حالات الرفع والنصب، والجر في ضمائر الشخص، كما يبدو ذلك في الأمثلة الآتية:
هم يقومون، يضربونهم، يغضبون عليهِمْ
هُوَ يقوم، يضربونهُ، يغضبون عليه.
لاحظ الفرق بين حركتي الهاء في الضمير في الحالتين، ولاحظ الفرق في الفصل والوصل بين حالة الرفع، والحالتين الأخريين.
إننا إذا نظرنا إلى جملة مثل: "بالنبي والله أومن"، فسوف لا يقرر ما إذا كان لفظ الجلالة معطوفا، أو مقسما به إلا الاعتبارات التماسكية في هذه الجملة.
ص210
2- الزمن والجهة:
نحب أن نفرق هنا بين اصطلاحات ثلاثة، تفريقًا تقتضيه الأغراض العملية لهذا البحث؛ هذه الاصطلاحات هي الزمان، والزمن، والجهة، ونقصد بالزمان الوقت الفلسفي الذي ينبني على الماضي، والحاضر، والمستقبل، ويعتبر قياسًا لكمية تجربة في الرياضة، أو الطبيعة، أو الفلسفة، ويعبر عنه بالتقويم، والإخبار عن الساعة، وتتوجه إليه النظرية المعروفة بنظرية حدّ السكين، التي تقول: إن الزمان إما ماض، أو مستقبل، ولا جود للحاضر، ويقابله في الإنجليزية كلمة "Time"، ونقصد بالزمن الوقت النحوي الذي يعبر عنه بالفعل الماضي، والمضارع، تعبيرا لا يستند إلى دلالات زمانية فلسفية، وإنما ينبني على استخدام القيم الخلافية بين الصيغ المختلفة، في الدلالة على الحقائق اللغوية المختلفة. ويقابل الزمن في الإنجليزية كلمة "Tense"، ونقصد بالجهة ما يشرح موقفًا معينا في الحدث الفعلي؛ ويكون ذلك بإضافة ما يفيد تخصيص العموم في هذا الفعل. ويقابلها في الإنلجيزية "aspect".
ليس الزمان والزمن إذا مترادفين في فهم هذا البحث؛ لأن الزمان يدخل في دائرة المقاييس، والزمن يدخل دائرة التعبيرات اللغوية، فالفرق بينهما كالفرق بين الذراع القياسي، كوحدة ذات طول معين ثابت، وبين ذراع الطفل الصغير كجزء من جسم متغير النمو، ولهذا لا يهمنا في دراسة النحو أن نعلم ساعة حدوث الزمن، ولا تاريخه، ولكن الذي يهمنا نظام زمني معين في نحو اللغة المدروسة، يقوم التطريز والنمطية، أكثر مما يقوم على المعنى الفلسفي المطلق.
والزمن النحوي نسبي اعتباري، والماضي والمضارع صيغ لا أفكار، فصيغة الماضي من نوع الماضي، ولو دلت على المستقبل، أو الحضور الفلسفيين، كما في:
"إن كنت شجاعا فواجهني بالحقيقة"، و {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} ، و"لو كان زيد يأتي لكنت أعطيه درهمًا"، و {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَة} .
ص211
والمضارع بصغيته مضارع، ولو دل على المضيّ الفلسفي، كما في "لم يقم زيد". ولا بد لأية لغة من اللغات من أن تستخدم الدلالات الزمنية، "ولا أقصد الزمانية"، وهذه الدلالات لا تنحصر في الأفعال فحسب، ولكنها تتعداها إلى ظروف الأزمان، التي لا تكاد تتصل اتصالا مباشرا بنظام الأزمنة في الأفعال، وكذلك يستطيع الناظر إلى الكلمات المفردة من غير الأفعال، والظروف أن يجد من بينها ما يعبر تعبيرا خاصا عن شيء يشبه الزمان، أكثر مما يشبه الزمن. لإيضاح ذلك قارن الكلمات الآتية:
جد، ابن، سابق، لاحق، خطيبة، مطلقة، مرشح، متوقع، منتظر، المأسوف عليه، المرحوم، المورث.
ولكن هذه الدلالات لا تهمنا في الدراسات النحوية؛ فلندعها لهؤلاء الذين يدرسون الاجتماع اللغوي؛ وسيجدون فيها مادة غزيرة للملاحظة.
لقد كان النحاة العرب على حق في تسميتهم المضارع مضارعًا؛ لأن هذه التسمية ذات دلالة شكلية لا زمانية، فهم يقولون: إنما سمي المضارع مضارعا لمضارعته المشتق من حيث إعرابه وشكله، ولو جرت التسمية في الماضي والأمر على هذا النمط، لخلت اصطلاحات الزمن في اللغة العربية من عدوى التفكير في الزمان، ولكان اللاحقون من النحاة أقدر على تخليص النحو من براثن الفلسفة.
ولنا أن نلاحظ هنا أن الجهة مما يمكن ملاحظته في الأسماء، والأفعال، والأدوات، وقد سبق أن مثلنا بمجموعة الأسماء ذات الدلالة على السبق أو اللحاق، وبدخول "لم" على المضارع، والوظيفة التي قامت بها هذه الأداة، غير أن الجهة ينظر إليها نحويا في الأفعال فحسب، ولكل لغة وسائلها الضخمة في التعبير عن الجهة، فالهمز، والتضعيف، وتشديد العين، وحروف الزيادة فيما زاد على الثلاثة، والإضافات الظرفية، والحال، والتمييز، تعبيرات شكلية عن الجهة في اللغة العربية، بمعنى أنها تقييد لعموم الدلالة، بما يفيد النظر إلى جهة معينة في تطبيق فهم الفعل، لاحظ اختلاف الجهة باختلاف الصيغة في نفس المادة، والزمن فيما يأتي:
ص212
قتل - قاتل - قتل- استقتل - اقتتل.
قتله أمس - قتله من سنة مضت - يقتله الآن - يقتله غدا - يقتله حين ينفرد به - قتله صبرا - قتله ذبحا - قتله خجلا - قتله تشهيرًا - قتله قصاصًا - قتله واقفًا - قتله على ظهر حصانه - قتله شهيدًا - قتله قائما للصلاة.
لاحظ أيضًا الفرق بين:
عس - عسعس، جر - جرجر،
درج - دحرج، قلب - سقلب.
وما يسمونه حرف المطاوعة، وتاء الافتعال، وكل حروف الزيادة التي تأتي لمعنى وظيفي، هي في الواقع تعبيرات شكلية عن الجهة، تضيف معنى وظيفتها إلى المفهوم العام للفعل، لتخصيصه في الدلالة، والجهة تعبير يستغرق كل تصريفات الفعل؛ بمعنى أنه يلحظ في كل شكل من الأشكال التصريفية للمادة، مثال ذلك أن نأخذ تاء الافتعال، أو صيغة المطاوعة كتعبير عن الجهة، فسنجد أن المطاوعة تلحظ في كل صيغة في التصريف، كما يأتي:
إسكنر.
والجهة غير الزمن؛ ومن الضروري ألا نخلط بينهما في الفهم، وهذا الخلط محتمل في حالة التعبير عن الجهة بالظرف؛ فهذه الظروف تختلف عن الدلالة الزمنية في الأفعال، هذه الدلالة الزمنية في الفعل ملحوظة مع وجود الظرف وعدمه،
ص213
وهي الفرق الزمني بين ضرب، ويضرب، واضرب، ومن التعبيرات الشكلية عن الجهة.
كان يضرب، ظل يضرب، أصبح، ما زال يضرب، إنه يضرب ما فتئ يضرب، وهلم جرا.
وإتيان هذه "النواسخ" لأداء وظيفة التعبير عن الجهة، هو الذي دعانا فيما سبق إلى اعتبارها أدوات.
والتعدي واللزوم جهتان في اللغة العربية، يفرق بينهما بالهمز، والتشديد، كما في شاع وأشاع، ووفى ووفى، ومن ذلك أيضا ترديد صيغة الفعل معطوفة، نحو "فكتبت وكتبت، حتى لم أدع معنى إلا طرقته".
والترديد صورة أخرى من صور التعبير عن الجهة في اللغة العربية، نحو جرجر، وعسعس، وزمزم، إلخ والمعاني التي يضيفها الترديد ليخصص بها عموم دلالة الفعل هي الكثرة، أو التكرار، أو الكبر، أو الشدة، أو التعود، أو الاستمرار.
ويمكن أن نلاحظ هنا ملاحظة عابرة، أن هذا الترديد في عمومه الذي يشمل الاسم على أنواع منها:
1- البسيط: نحو إربا إربا، وجرجر، وعسعس، ودكادكا.
2- المقفى: نحن شذر مذر، حيص بيص، ومن التعبيرات العامية شيله بيله، وحرسه برسه.
3- متخالف: نحن الكلمات العامية يتكتك، "بمعنى يحدث صوت مثل الموتوسيكل" حتحوت، كركور "اسم منطقة"، علمي علمك.
4- مخلخل: نحو الكلمات العامية يوم عسل ويوم بصل، كده وكده نص ونص، وهو مخلخل لتدخل الواو بين الأجزاء المرددة.
ص214
|
|
للعاملين في الليل.. حيلة صحية تجنبكم خطر هذا النوع من العمل
|
|
|
|
|
"ناسا" تحتفي برائد الفضاء السوفياتي يوري غاغارين
|
|
|
|
|
المجمع العلمي يقيم ورشة تطويرية ودورة قرآنية في النجف والديوانية
|
|
|