أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-5-2017
1138
التاريخ: 16-11-2016
1155
التاريخ: 26-9-2018
2052
التاريخ: 16-11-2016
1235
|
سياسة التفريق :
وبنى معاوية سياسته على تفريق كلمة المسلمين وتشتيت شملهم، وبث روح التفرقة والبغضاء بينهم، ايمانا منه بان الحكم لا يمكن أن يستقر له الا في تفلل وحدة الامة، واشاعة العداء بين ابنائها، يقول العقاد :
" وكانت له - اي لمعاوية - حيلته التي كررها واتقنها وبرع فيها، واستخدمها مع خصومه في الدولة من المسلمين وغير المسلمين، وكان قوام تلك الحيلة العمل الدائب على التفرقة والتخذيل بين خصومه بالقاء الشبهات بينهم، واثارة الاحن فيهم، ومنهم من كانوا من أهل بيته وذوي قرباه..
كان لا يطيق ان يرى رجلين ذوي خطر على وفاق، وكان التنافس الفطري بين ذوي الاخطار مما يعينه على الايقاع بهم " (1). لقد شتتت كلمة المسلمين، وفصم عرى الاخوة الاسلامية التي عقد أواصرها الرسول الكريم، وبنى عليها مجتمعه .
اضطهاد الموالي :
وبالغ معاوية في اضطهاد الموالي واذلالهم، وقد رام ان يبيدهم ابادة شاملة يقول المؤرخون:
انه دعا الاحنف بن قيس وسمرة بن جندب وفال لهما :
" اني رايت هذه الحمراء فد كثرت، وأراها قد قطعت على السلف، وكأني انظر الى وثبة منهم على العرب والسلطان، فقد رايت أن اقتل شطرا منهم، وادع شطرا لأقامة السوق وعمارة الطريق " .
ولم يرتض الاحنف وسمرة هذا الاجراء الخطير فأخذا يلطفان به حتى عدل عن رايه (2). لقد سن معاوية اضطهاد الموالي، واخذت الحكومات التي تلت من بعده تشيع فيهم الجور والحرمان بالرغم من اشتراكهم في الميادين العسكرية وغيرها من اعمال الدولة، يقول شاعر الموالي شاكيا مما ألم بهم من الظلم :
ابلـغ امية عني إن عرضت لها *** وابن الزبيــر وابلـــغ ذلك العــــربـا
ان الموالي اضحت وهي عاتبة *** على الخليفة تشكوا الجوع والحربا
وانبرى احد الخراسانيين الى عمر بن عبد العزيز يطالبه بالعدل فيهم قائلا: له :
" يا امير المؤمنين عشرون الفا من الموالي يغزون بلا عطاء، ولا رزق، ومثلهم قد اسلموا من أهل الذمة يؤدون الخراج." (3) وكان الشعبي قاضي عمر بن عبد العزيز قد بغض المسجد حتى صار ابغض إليه من كناسة داره - حسب ما يقول - لان الموالي كانت تصلي فيه (4) وقد اضطر الموالي الى تأسيس مسجد خاص لهم اسموه (مسجد الموالي) كانوا يقيمون الصلاة فيه (5) ويميل خودا بخش الى الظن انهم انما اضطروا الى تأدية صلاتهم فيه بعدما رؤوا تعصب العرب ضدهم، وانهم لم يكونوا يسمحون لهم بالعبادة معهم في مسجد واحد (6) وكان الموالي يلطفون بالرد على العرب ويدعونهم الى الهدى قائلين :
" اننا لا ننكر تباين الناس، ولا تفاضلهم، ولا السيد منهم والمسود، والشريف والمشروف، ولكننا نزعم ان تفاضل الناس فيما بينهم هو ليس بإبائهم، ولا بأحسابهم ولكنه بأفعالهم واخلاقهم، وشرف انفسهم، وبعد همهم، فمن كان دنئ الهمة، ساقط المرؤءة لم يشرف وان كان من بني هاشم في ذؤابتها ! ! إنما الكريم من كرمت افعاله، والشريف من شرفت همته." (7) ولم يع الامويون ومن سار في ركابهم هذا المنطق المشتق من واقع الاسلام وهديه الذي أمر ببسط المساواة والعدل بين جميع الناس من دون فرق بين قومياتهم .
وعلى أي حال فقد ادت هذه السياسة العنصرية الى اشاعة الاحقاد بين المسلمين واختلاف كلمتهم، كما ادت الى تجنيد الموالي لكل حركة ثورية تقوم ضد الحكم الاموي وكانوا بالاخير هم القوة الفعالة التي اطاحت بالأمويين وطوت معالمهم وآثارهم .
العصبية القبلية :
وتبعا لسياسة التحزب والتفريق التي سار عليها الامويون فقد احيوا العصبيات القبلية، وقد ظهرت في الشعر العربي صورا مريعة ومؤلمة من الوان ذلك الصراع الذي كانت تخلقه السلطة الاموية لأشغال الناس بالصراع القبلي عن التدخل في الشؤون السياسية، وابعادهم عما يقننه معاوية من الظلم والجور، ويقول المؤرخون :
إنه عمد الى اثارة الاحقاد القديمة ما بين الاوس والخزرج محاولا بذلك التقليل من أهميتهم، واسقاط مكانتهم امام العالم العربي والاسلامي..
كما تعصب لليمنيين على المضربين، واشعل نار الفتنة فيما بينهم حتى لا تتحد لهم كلمة تضر بمصالح دولته .
وسار عمال معاوية على وفق منهج سياسته التخريبية فكان زياد بن أبيه يضرب القبائل بعضها ببعض ويؤجج نار الفتنة فيما بينها حتى تكون تحت مناطق نفوذه يقول ولها وزن :
" وعرف زياد كيف يخضع القبائل بان يضرب احداها بالاخرى، وكيف يجعلها تعمل من اجله، وافلح في ذلك.." (8) .
وحفلت مصادر التاريخ ببوادر كثيرة من الوان التناحر القبلي الذي اثاره معاوية وعماله مما ادى الى انتشار الضغائن بين المسلمين، وقد عانى الاسلام من جراء ذلك أشد الوان المحن فقد أوقف كل نشاط مثمر له " وخولف ما كان يدعو له النبي (صلى الله عليه وآله) من الناخي والتعاطف بين المسلمين .
سياسة البطش والجبروت :
وساس معاوية الامة سياسة بطش وجبروت فاستهان بمقدراتها وكرامتها، وقد اعلن - بعد الصلح - انه انما قاتل المسلمين وسفك دماءهم ليتامر عليهم، وان جميع ما اعطاه للامام الحسن (عليه السلام) من شروط فهي تحت قدميه لا يفي بشئ منها، وقد ادلى بتصريح عبر فيه عن كبريائه وجبروته فقال :
" نحن الزمان من رفعناه ارتفع، ومن وضعناه اتضع.. (9) وسار عماله وولاته على هذه الخطة الغادرة فقد خطب عتبة بن أبي سفيان بمصر فقال :
" يا حاملي الام أنوف ركبت ببن أعين، إني قلمت اظفاري عنكم ليلين مسيئكم وسالتكم اصلاحكم اذا كان فسادكم باقيا عليكم فاما إذا أبيتم الا الطعن على السلطان والنقض للسلف، فوالله لا قطعن بطون السياط على ظهوركم، فان حسمت اداواءكم والا فان السيف من ورائكم، فكم حكمة منا لم تعها قلوبكم، ومن موعظة منا صمت عنها آذانكم، ولست ابخل بالعقوبة اذا جدتم بالمعصية.."(10) وخاطب المصريين في خطاب آخر له فقال :
" يا أهل مصر إياكم أن تكونوا للسيف حصيدا فان لله ذبيحا لعثمان لا تصيروا الى وحشة الباطل بعد انس الحق باحياء الفتنة، واماتة السنن فاطاكم والله وطاة لا رمق معها حتى تنكروا ما كنتم تعرفون "(11). ومثلت هذه القطع من خطابه مدى احقاده على الامة وتنكره لجميع قيمها وأهدافها ومن اولئك الولاة الذين كفروا بالحق والعدل، خالد القسري، فقد خطب في مكة، وهو يهدد المجتمع بالدمار والفناء، فقد جاء في خطابه :
" أيها الناس عليكم بالطاعة، ولزوم الجماعة، وإياكم والشبهات فاني - والله - ما أوتي لي باحد يطعن على امامه الا صلبته في الحرم..(12) وكانت هذه الظاهرة ماثلة عند جميع حكام الامويين وولاتهم يقول الوليد بن يزيد :
فـدع عنـك ادكارك آل سعدى *** فنحن الاكثرون حصى ومالا
ونحن المالكون الناس قسـرا *** نســـومهم المذلــة والنكــالا
ونوردهم حياض الخسف ذلا *** ومــا نالوهـــــم الا خبــــــالا (13)
وصورت هذه الابيات مدى استهانته بالامة، فانه مع بقية الحكام من اسرته، قد ملكوا الناس بالغلبة والقوة، وانهم يسومونهم الذل، ويوردونهم حياض الخسف...
ومن اولئك الملوك عبد الملك بن مروان فقد خطب في يثرب امام ابناء المهاجرين والانصار فقال :
" الا وإني لا أداوي أمر هذه الامة الا بالسيف حتى تستقيم قناتكم، وانكم تحفظون أعمال المهاجرين الاولين، ولا تعملون مثل عملهم، وانكم تامروننا بتقوى الله، وتنسون انفسكم والله لا يامرني احد بتقوى الله بعد مقامي هذا - الا ضربت عنقه.." (14) وحفل هذا الخطاب بالطغيان الفاجر على الامة، فهو لا يرى حلا لازماتها الا بسفك الدماء واشاعة الجور والارهاب، اما بسط العدل ونشر الدعة والرفاهية بين الناس فلم يفكر به ولا دار بخلده ولا في خلد واحد من حكام الامويين .
احتقار الفقراء :
وتبنى الحكم الاموي في جميع ادواره اضطهاد الفقراء واحتقار الضعفاء، ويقول المؤرخون ان بني امية كانوا لا يسمحون للفقراء بالدخول الى دوائرهم الرسمية الا في آخر الناس يقول زياد بن ابيه لعجلان حاجبه :
- كيف تاذن للناس ؟
- على البيوتات، ثم على الاسنان، ثم على الادب .
- من تؤخر ؟
- الذين لا يعبا الله بهم .
- من هم ؟
- الذين يلبسون كسوة الشتاء في الصيف، وكسوة الصيف في الشتاء (15) وهدمت هذه السياسة قواعد العدل والمساواة التي جاء بها الاسلام فانه لم يفرق بين المسلمين وجعلهم سواسية كاسنان المشط .
سياسة الخداع :
واقام معاوية دولته على المخاتلة والخداع فلا ظل للواقع في اي تحرك من تحركاته السياسية، فما كان مثل ذلك الضمير المتحجر ان يعي الواقع أو يفقه الحق، وقد حفل التاريخ بصور كثيرة من خداعه، وهذه بعضها :
1 - لما دس معاوية السم الى الزعيم الكبير مالك الاشتر اقبل على اهل الشام فقال لهم :
" ان عليا وجه الاشتر الى مصر فادعوا الله ان يكفيكموه.
" فكان اهل الشام يدعون عليه في كل صلاة، ولما اخبر بموته انبا اهل الشام بان موته نتج عن دعائهم لانهم حزب الله، ثم همس في اذن ابن العاص قائلا له: " ان لله جنودا من عسل " (16).
2 - ومن خداع معاوية وأضاليله ان جرير البجلي لما اوفده الامام الى معاوية يدعوه الى بيعته، طلب معاوية حضور شرحبيل الكندي، وهو من ابرز الشخصيات في الشام وقد عهد الى جماعة من اصحابه ان ينفرد كل واحد منهم به، ويلقي في روعه ان عليا هو الذي قتل عثمان بن عفان، ولما قدم عليه شرحبيل اخبره معاوية بوفادة جرير، وانه يدعوه الى بيعة الامام، وقد حبس نفسه في البيعة حتى ياخذ رايه لان الامام قد قتل عثمان، وطلب منه شرحبيل ان يمهله لينظر في الامر، فلما خرج التقى به القوم كل على انفراده، واخبروه ان الامام هو المسؤول عن اراقة دم عثمان فلم يشك الرجل في صدقهم فانبرى الى معاوية وهو يقول له :
" يا معاوية اين الناس ؟
الا ان عليا قتل عثمان، والله ان بايعت لنخرجنك من شامنا ولنقتلنك.
" فقال معاوية مخادعا له :
" ما كنت لاخالف عليكم ما أنا الا رجل من أهل الشام.."(17) بمثل هذا الخداع والبهتان اقام دعائم سلطانه، وبنى عليه عرش دولته .
3 - ومن الوان خداعه لاهل الشام انه لما راسل الزعيم قيس بن سعد يستميله ويمنيه بسلطان العراقيين وبسلطان الحجاز لمن احب من اهل بيته ان صار معه فرد عليه قيس باعنف القول فاظهر معاوية لاهل الشام انه قد بايع، وأمرهم بالدعاء له واختلق كتابا نسبه إليه وقد قراه عليهم وهذا نصبه :
" اما بعد :
ان قتل عثمان كان حدثا في الاسلام عظيما، وقد نظرت لنفسي وديني فلم ار بوسعي مظاهرة قوم قتلوا امامهم مسلما محرما برا تقيا فنستغفر الله لذنوبنا الا واني قد القيت لكم بالسلام، واحببت قتال قتلة امام الهدى المظلوم، فاطلب مني ما احببت مني من الاموال والرجال اعجله إليك.." (18) وبهذه الاساليب المنكرة خدع أهل الشام وزج بهم لحرب وصي رسول الله (صلى الله عليه وآله) و باب مدينة علمه .
4 - لقد كان الخداع من ذاتيات معاوية، ومن العناصر المقومة لسياسته، وقد بهر ولده يزيد حينما بويع وكان الناس يمدحونه فقال لابيه :
" يا امير المؤمنين ما ندري انخدع الناس ام يخدعوننا ؟؟ " .
فاجابه معاوية :
" كل من اردت خديعته فتخادع له حتى تبلغ منه حاجتك فقد خدعته " (19) لقد جر معاوية ذيله على الخداع وغذى به أهل مملكته حتى نشا جبل كانت هذه الظاهرة من ابرز ما عرف منه .
اشاعة الانتهازية :
وعملت حكومة معاوية على اشاعة الانتهازية والوصولية بين الناس، ولم يعد ماثلا عند الكثيرين منهم ما جاء به الاسلام من ايثار الحق ونكران الذات، ومن مظاهر ذلك التذبذب ما رواه المؤرخون ان يزيد بن شجرة الرهاوي قد وفد على معاوية، وبينما هو مقبل على سماع حديثه اذ اصابه حجر عاثر فادماه فاظهر تصنعا عدم الاعتناء به فقال له معاوية:
لله انت ما نزل بك ! ! ؟
ما ذاك يا امير المؤمنين ؟
هذا دم وجهك يسيل..
إن حديث امير المؤمنين الهاني حتى غمز فكري فما شعرت بشئ حتى نبهني امير المؤمنين.
فبهر معاوية وراح يقول :
لقد ظلمك من جعلك في الف من العطاء، واخرجك من عطاء ابناء المهاجرين، وكماة أهل صفين.
" وامر له بخمسمائة الف درهم، وزاد في عطائه الف درهم (20).
وكانت هذه الظاهرة سائدة في جميع ادوار الحكم الاموي فقد ذكر المؤرخون ان اسماعيل بن يسار كان زبير الهوى فلما ظفر آل مروان بال الزبير انقلب اسماعيل عن رايه واصبح مروانيا، وقد استاذن على الوليد فاخره ساعة فلما اذن له دخل وهو يبكي فساله الوليد عن سبب بكائه فقال :
" اخرتني وأنت تعلم مروانيتي، ومروانية أبي " وأخذ الوليد يعتذر منه، وهو لا يزداد الا اغراقا في البكاء، فهون عليه الوليد واحسن صلته، فلما خرج تبعه شخص ممن يعرفه فساله عن مروانيته التي ادعاها متى كانت ؟
فقال له :
" بغضنا لال مروان، وهي التي حملت أباه يسار في حال موته ان يتقرب الى الله بلغن مروان بن الحكم، وهي التي دعت امه ان تلعن آل مروان مكان ما تتقرب به الى الله من التسبيح.." (21).
ونقل المؤرخون بوادر كثيرة من الوان هذا الخداع الذي ساد في تلك العصور وهو من دون شك من مخلفات سياسة معاوية الذي ربى جيله على التذبذب والانحراف عن الحق .
_______________
(1) معاوية في الميزان (ص 64 )
(2) العقد الفريد 2 / 260.
(3) الطبري 8 / 134، الكامل 5 / 19 .
(4) طبقات ابن سعد 6 / 175 .
(5) الطبري في احداث سنة 245 .
(6) الحضارة الاسلامية 1 / 43.
(7) العقد الفريد 2 258 - 259.
(8) الدولة العربية (ص 207)
(9) نهاية الارب 6 / 7.
(10) تهذيب الكامل للمبرد 1 / 17.
(11) العقد الفريد 2 / 159.
(12) تاريخ الطبري 8 / 80 .
(13) حياة الامام موسى بن جعفر 1 / 387.
(14) تاريخ ابن الاثير 4 / 33 .
(15) نهاية الارب 6 / 86.
(16) شرح النهج 2 / 23.
(17) شرج النهج 1 / 129 .
(18) شرح النهج 2 / 23.
(19) الكامل للمبرد 1 / 305.
(20) التاج في اخلاق الملوك (ص 55) .
(21) الاغاني 4 / 120.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|