أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-1-2019
2440
التاريخ: 2024-11-07
195
التاريخ: 26-9-2019
2804
التاريخ: 30-4-2018
10909
|
انتماء النقباء للدعوة العباسية
اقتصرت الدعوة للعباسيين على الكوفة إلى حد سنة 100هـ، ولم يكن عدد الاتباع في الكوفة آنذاك قد تجاوز ثلاثين شخصاً (1)، فقد تبين أن الكوفة لم تعد تصلح لأن تكون مركزاً لتلك الحركة، فقد كان أهلها خليطاً من عناصر مختلفة عرفوا بالتقلب في الميول والأهواء (2).
وبناءً على ذلك وما تقتضيه الضرورة فقد ناقش الاتباع الوضع سنة 99/100هـ في الكوفة واتفقوا على اقتراح جديد لبث الدعوة (3)، ولقد اختلف الأتباع فيما بينهم بخصوص المكان الجديد الذي سوف تبث فيه الدعوة، حيث ظهر هنالك اقتراحان أحدها لسالم بن بجير (*) يرى أن تبث الدعوة في الشام. والمقترح الثاني كان لبكير بن ماهان الذي كان يرى بان تبث الدعوة في خراسان. وكتب هؤلاء الأتباع إلى محمد بن علي العباسي، يخبرونه بموت أبي رباح ميسرة النبال (**)، وليسترشدوا برأي الإمام، وسألوا بكيراً أن يخرج بكتبهم فأجاب إلى ذلك وسُرّ به ونشط له (4). وبينما كان بكير بن ماهان متهيئاً للشخوص إلى محمد بن علي العباسي وصله خبر وفاة أخيه يزيد بن ماهان، وأنه ترك مالاً جماً كثيراً. ولم يكن له وارث فطلبوا من بكير أن يذهب إلى السند (*) لقبضه، وإزاء هذه الظروف طلب سالم بن بجير من بكير ابن ماهان بأن يترك سفره إلى الإمام وأن يتوجه إلى السند لأن الأمر ضروري ومهم، على أن يوجه الأتباع شخصاً آخر لحمل كتبهم إلى الإمام في الحميمة. غير أن بكير رفض هذا العرض وقال ((ما كنت لأوثر الدنيا على الآخرة بل أمضي إلى صاحبي، وألقاه، وأستأذنه، فإن أذن لي في طلب ميراثي شخصت في ذلك)) (5). وهذا يعني أن بكير فضل مقابلة الإمام على السفر في طلب ميراثه.
فسافر بكير بن ماهان إلى الحميمة ولقي الإمام محمد بن علي العباسي، ودفع إليه مئة وتسعين ديناراً، وهو أول مبلغ جمعته الشيعة إلى الإمام (6). وسلمه كتاب سالم بن بجير وكتب أصحابه (7). وأوضح له –أي للإمام– بأنه جال الآفاق ودخل خراسان وشهد فتح جرجان مع يزيد بن المهلب، وما وجد قوماً ارق قلوباً عند ذكر آل الرسول (صلى الله عليه وسلم) من أهل المشرق (8).
وتبين أن محمد بن علي العباسي لا يميل إلى الشام، وقرر أن تبث الدعوة في المشرق، حيث قال محمد بن علي: (يا أبا هاشم –بكير بن ماهان– دعوتنا مشرقية وأنصارنا أهل المشرق وراياتنا سود) (9).
وسمح محمد بن علي العباسي لبكير بن ماهان أن يذهب إلى السند لقضاء حاجاته قال له: (قد أذنت لك فامض على بركة الله لوجهك) (10). ثم عاد بكير بن ماهان إلى الكوفة ولقي سالماً وأصحابه فأبلغهم تعليمات الإمام وبعد ذلك سافر إلى خراسان في محاولة منه لاختبار الوضع في فيها –أي في خراسان– قبل أن يمضي إلى السند (*)، وفي زيارة بكير بن ماهان هذه إلى خراسان كسب النقباء بانتمائهم إلى الدعوة العباسية، فذكر مصنف أخبار الدولة العباسية أن بكير لما أتى إلى خراسان بدأ بجرجان وأقام فيها شهراً، ثم انتقل بعد ذلك إلى مرو فنزل على سليمان بن كثر للمعرفة (**) التي كانت بينهما في طريقهما إلى العراق قبل ذلك (11). ويقال أن أول من عـرف الدعوة في خراسان وبايع أبا هاشم أي –بكير بن ماهان– هم يزيد بن الهنيد (*) وأبو عبيدة قيس بن السري وسليمان بن كثير الخزاعي (12).
استمر مكوث بكير بن ماهان في مرو قرابة شهرين، وأثناء ذلك أتاه سليمان بن كثير الخزاعي بعدد من النقباء وضمهم إلى الدعوة وهم: مالك بن الهيثم وعمرو بن أعين وزياد بن صالح وطلحه بن رزيق وأبو النجم عمران بن إسماعيل، وكان صديقه، وكان معلماً فبايعه، وأتاه بأبي داود خالد بن إبراهيم الذهلي، وأتاه علاء بن الحريث (13).
ثم جلب مالك بن الهيثم موسى بن كعب إلى الدعوة، ولقد ورده قصة انتماء موسى بن كعب كاملة في كتاب أخبار الدولة العباسية، بعبارة أخرى أنه سرد الكيفية التي تم بها كسب موسى بن كعب إلى الدعوة وهي كآلاتي: (قال: سمعت مالك بن الهيثم يقول: أني لجالس في المسجد بمرو وقد بايعت أبا هاشم، ومعي موسى بن كعب، ونحن نتحدث إذ طلع علينا بكير،… فلما بصرت به قمت إليه فقال لي موسى: أين تذهب؟ فقلت: ألقى هذا الرجل، وأرجع إليك الساعة. فلقيت بكيراً فسلمت عليه فصلى ركعتين ثم أقبل عليّ فقال: من جليسك؟ فقد رأيته كلمك حيث قمت. فقلت رجل من بني تميم، وهو لنا وادّ، وأنه ليظهر حبّ آل محمد، وما فاوضته بشيء فيهم. فقال لي: إن كنت تثق به فادعه وتوثق منه، وأحذر العامة من قومه. ثم خرج من المسجد، وانصرفت إلى موسى، وهو في مجلسه الذي كنا جميعاً فيه، فقال لي: من الرجل الذي رايتك قمت إليه؟ فقلت: أخٌ لنا، وإن معه لبضاعة، وهو يعرضها. فقال موسى: أرني بعض متاعه. فقلت: إنه يستر ذلك. فقال فنحن نستر عليه. فقلت: عليك عهد الله وميثاقه لتسترن عليه؟ فقال: نعم، فأخبرته خبره وما قدم له فقال: أتعرف منزل الرجل؟ فقلت: نعم. قال: فانهض بنا اليه، فقمنا فأتيناه، ولما وقفنا ببابه تقدمت فدخلت فأخبرته خبره فقال: أدخله عليّ، فأدخلته عليه، فبايعه، وتشمر معنا في الدعوة (14).
ومن هذا العرض يتبين أن بكير بن ماهان هو أول من عمل على بث الدعوة في خراسان فلم يسبقه إليه أحد حيث قال له محمد بن علي العباسي عندما سمح له بأن تبث الدعوة في خراسان: (فأنت بكر هذا الأمر وبك افتتاحه) (15). ويعود الفضل إلى بكير في انتماء النقباء في صفوف الدعوة، فهو الذي كسب سليمان بن كثير الذي يعتبر من أول من انتمى إلى الدعوة العباسية من أهل خراسان وكانت بينه وبين بكير صداقة قديمة كما بينا ذلك سابقاً، وعمل سليمان بدوره على جلب النقباء الآخرين تباعاً.
ويمكننا تحديد سنة انتماء هؤلاء النقباء في الدعوة العباسية على وجه الدقة وهي سنة 101هـ، ذلك لأن مصنف أخبار الدولة العباسية يذكر انه انقضت سنة 100هـ ولم يزد عدد الاتباع في الكوفة على ثلاثين شخص (16). وهذا يعني أن الدعوة كانت مقتصرة على الكوفة إلى سنة 100هـ، فعندما تبين للأتباع أن الكوفة ليست بالمكان المناسب لبث الحركة فيها بسبب عصبيتها القبلية. ارتأوا على نشرها في مكان آخر، ووقع الاختيار أخيراً على خراسان. فكان ذهاب بكير بن ماهان إلى خراسان في سنة 101هـ فيها دخل النقباء في الدعوة. وبعد كل هذا يتبين لنا أن النقباء كانوا من أول من انتمى للدعوة العباسية من أهل خراسان، وهم يشكلون نواة الدعوة العباسية في خراسان وقد قاموا بمهام عظام كان لها الأثر الأكبر في نجاح الدعوة العباسية والوصول بالعباسيين إلى السلطة وهذا ما سنعمل على التكلم عنه بشيء من التفصيل في الفصول القادمة.
_______________
(1) مؤلف مجهول، أخبار الدولة العباسية، ص194.
(2) فان فلوتن، السيادة العربية، ص107.
(3) الدوري، ضوء جديد على الدعوة العباسية، ص70.
(*) وهو من ثقاة أبي هاشم –عبد الله بن محمد بن الحنفية– وهو راس الشيعة الهاشمية في الكوفة قبل انتقال الإمامة لمحمد بن علي، وهو من موالي بني مسلية، كما انه لم يحضر وفاة أبي هاشم لأنه كان في دمشق قضاء بعض حوائج أبو هاشم، كان سلمة بن بجير يلقب بالشهيد، وبعد أن أقبل ابن بجير من دمشق يقص أثر أبي هاشم حتى ورد الشراة. فوجد أبا هاشم قد توفي وانه قد تنازل عن الإمامة لمحمد بن علي، وقام سلمة بدوره فبايع محمد بن علي الذي على قدرة وقدمه على سائر الدعاة كعهده مع أبي هاشم، فاعلمه سلمة بن بجير بأسماء دعاة الهاشمية، وهو أول داعٍ دعاه في الكوفة لكنه لم يباشر مهام منصبه لوفاته في الطريق إلى الكوفة عقب خروجه من الإمام محمد العباس (مؤلف مجهول، أخبار الدولة العباسية، ص182، 183، 189-192، مؤلف مجهول، تاريخ الخلفاء، ص500، 501).
(**) تولى رئاسة الدعوة في الكوفة بعد وفاة سلمة بن بجير، وهو من موالي الازد، بقي رئيساً للدعوة إلى أن توفي سنة 105هـ حيث خلفه بكير بن ماهان، كان الإمام محمد بن علي قد استدعى ميسرة إلى الحميمة وأعطاه التعاليم وبعثه إلى الكوفة عند بدء الدعوة العباسية سنة 100هـ حيث كان يعمل على نقل كتب التي تأتيه من الدعاة إلى الإمام، وفي سنة 102هـ قام ميسرة بتوجيه الرسل إلى= =خراسان للعمل على تنشيط الدعوة العباسية هناك، وكان ميسرة ممن حضر وفاة أبو هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية وشهد وصيته وبايع للإمام العباسي. (ينظر: أخبار الدولة العباسية، ص189، 192 وتاريخ الأمم والملوك، ج4: ص66، 96).
(4) مؤلف مجهول، أخبار الدولة العباسية، ص194، مؤلف مجهول، تاريخ الخلفاء، ص55.
(5) مؤلف مجهول، أخبار الدولة العباسية، ص195.
(6) مؤلف مجهول، أخبار الدولة العباسية، ص196؛ مؤلف مجهول، تاريخ الخلفاء، ص505.
(7) مؤلف مجهول، أخبار الدولة العباسية، ص196.
(8) مؤلف مجهول، أخبار الدولة العباسية، ص198؛ مؤلف مجهول، تاريخ الخلفاء، ص505.
(*) السِنْد: بلاد بين الهند وكرمان وسجستان قصبتها المنصورة. ياقوت الحموي، معجم البلدان، ج5: ص82؛ ابن عبد الحق، مراصد الاطلاع، ج2: ص746؛ جرجي زيدان، تاريخ التمدن الإسلامي، الطبعة الثالثة، مطبعة الهلال، (مصر: 1921م)، ج2: ص42.
(9) مؤلف مجهول، أخبار الدولة العباسية، ص199؛ مؤلف مجهول، تاريخ الخلفاء، ص507.
(10) مؤلف مجهول، أخبار الدولة العباسية، ص200.
(11) مؤلف مجهول، أخبار الدولة العباسية، ص201؛ مؤلف مجهول، تاريخ الخلفاء، ص508.
(*) ذهب بكير بالفعل إلى السند وصحب واليها الجنيد بن عبد الرحمن، وصار ترجماناً له، وكان الجنيد والياً للسند من قبل يزيد بن عبد الملك، وحصل بكير على مالاً كثيراً بالإضافة إلى تركة أخيه، وعندما عاد إلى العراق انفق مالاً كثيراً في سبيل الدعوة وهو ما مقداره أربع لبنات من ذهب ولبنة من فضة. حيث استحق أن يوليه محمد بن علي رئيساً للدعوة في الكوفة وبقي في منصبه هذا لمدة 22 عاماً منذ سنة 105هـ، مؤلف مجهول، أخبار الدولة العباسية، ص201؛ الطبري، ج4: ص111.
(**) كان بكير بن ماهان يعرف سليمان بن كثير قبل هذه الزيارة إلى خراسان لأن بكير كان قد جال الآفاق ودخل خراسان وشهد فتح جرجان مع يزيد بن المهلب، حيث تعرف عليه أي على سليمان بن كثير عندما أقبل بكير من جرجان وفي الري التقى بسليمان بن كثير وبايعه على نصرة آل محمد، حيث كان كل منهما في طريقه إلى الحج، مؤلف مجهول، أخبار الدولة العباسية، ص199؛ مؤلف مجهول، تاريخ الخلفاء، ص506.
(12) مؤلف مجهول، أخبار الدولة العباسية، ص 202؛ مؤلف مجهول، تاريخ الخلفاء، ص508.
(13) مؤلف مجهول، أخبار الدولة العباسية، ص202؛ مؤلف مجهول، تاريخ الخلفاء، ص508.
(*) وهو من أعاجم جرجان كان مفرطاً في حب آل محمد (صلى الله عليه وسلم) سمعه بكير بن ماهان يبكي ويقول بالفارسية ما رأيت قوماً أضل من العرب مات نبيهم ونقلوا السلطان إلى غير عترته فبايع بكير بن ماهان على رد الأمر لآل النبي (صلى الله عليه وسلم) وقال لبكير أنا لكم على أهل بلادي ضمين، وهو من أول من انتمى للدعوة العباسية من خراسان، مؤلف مجهول، أخبار الدولة العباسية، ص198، 201، 202؛ مؤلف مجهول، تاريخ الخلفاء، ص506.
(14) مؤلف مجهول، أخبار الدولة العباسية، ص202.
(15) مؤلف مجهول، أخبار الدولة العباسية، ص200.
(16) مؤلف مجهول، أخبار الدولة العباسية، ص194؛ مؤلف مجهول، تاريخ الخلفاء، ص505.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|