أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-08-26
1040
التاريخ: 27-4-2018
39077
التاريخ: 6-1-2019
2614
التاريخ: 2024-01-07
711
|
لم تكن [الدولة العباسية] قادرة على إسقاط إمبراطورية الروم من خلال ما عرف بحملات الصوافي والشواتي، فقد استمر الروم البيزنطيون في طموحهم وحملاتهم العسكرية على حدود الخلافة العباسية، كما استمر العباسيون في تجهيز وإرسال حملات الشواتي والصوافي عبر الحدود.
فخلال العصر العباسي الأول (132-247 هـ/749-861 م) وجه الروم البيزنطيون (13) غزوة برية وبحرية باتجاه الحدود الشمالية للخلافة العباسية، بينما كان هناك (64) صائفة وشاتية للعرب المسلمين باتجاه الروم البيزنطيين خلال نفس الفترة (1).
ولغرض مواجهة هذا العداء الخارجي المستمر للخلافة، كان من البديهي أن تهيئ مختلف وسائل وأساليب مواجهته، ولعلّ في مقدمتها حسن اختيار الولاة القادرين على المحافظة على حدود الخلافة، ومنع هجمات الروم التي كثيراً ما كانت تستغل عدد من الظروف الداخلية للخلافة، لكي تعاود هجماتها عبر الحدود. ففي حين كان الخليفة أبو العباس (132-136هـ/749-753م) منشغلاً بتثبيت أركان الخلافة، هاجم إمبراطور الروم البيزنطيين قسطنطين بن ليون (Constantine Leon) (123-158هـ/740-775م) سنة (133هـ/ 751م) مدينتي كمخ (2) وملطية (3).
كما هاجم الروم البيزنطيون حدود الخلافة العباسية سنة (158هـ/775 م) وتصدى لذلك الخليفة المنصور الذي عمل على تحصين ثغور الشام والجزيرة ومدّها بالمقاتلين ونظم حملات الصوافي والشواتي السنوية (4).
وسار الخليفة المهدي على نهج أبيه المنصور في تحصين الثغور وتوجيه الحملات ضد الروم البيزنطيين إذ انطلقت من سواحل الشام حملة بحرية قادها الغمر بن العباس الخثعمي الذي توجه جنوب جزر بحر الشام (البحر الأبيض المتوسط) سنة (160هـ/776 م) (5) وكذلك سنة (161هـ/777 م) (6). كما وجه الخليفة المهدي ابنه هارون الرشيد في سنة (163هـ/779 م) وأشرف الخليفة المهدي بنفسه على إعداد الجيش كما رافق الجيش إلى أن وصل إلى الموصل ومن ثم عاد (7). وفي سنة (165هـ/ 781 م) سار هارون بأمر من والده الخليفة المهدي حتى بلغ خليج القسطنطينية وحقق هارون نصراً كبيراً أجبر من خلاله الإمبراطورة أيريني (اوغسطة امرأة ليون) Irene (Augusta) (181-187هـ/797-802م) على توقيع معاهدة صلح في غاية الإذلال للإمبراطورية البيزنطية (8).
في سنة (170هـ/786 م) ظهر كيان إداري جديد على يد الخليفة الرشيد وهو إقليم الثغور والعواصم (9) وعُد إقليماً فاصلاً بين الشام والجزيرة وبين الروم البيزنطيين بعد أن كان الاتصال مباشراً بين الجانبين وهذا أدى إلى تأثر الشام والجزيرة بكل ما يحدث في إقليم الثغور والعواصم سلباً وإيجاباً.
اهتم الخليفة الرشيد بتحصين الثغور وترميم الحصون القديمة فقد بنى عدة حصون وأمدها بالمقاتلين (10)، فقد وجه الخليفة الرشيد عدة حملات ضد الروم البيزنطيين وكان يتولى بعضها ففي سنة (181هـ/797 م) قاد حملة عسكرية قاصداً الروم البيزنطيين فاستطاع الرشيد أن يفتح حصن الصفصاف (11)، ووجه عبد الملك بن صالح على رأس جيش عباسي حتى بلغ عبد الملك أنقرة (12) وفي سنة (187 هـ/802 م) سار الرشيد إلى الروم البيزنطيين ووصل إلى هرقلة (13) ففتحها فسأله الإمبراطور البيزنطي نقفور (Nicophors) (186-193هـ/802-808 م) المصالحة على خراج يحمله إليه كل سنة وذلك نتيجة لثورة بردانس توركس (Bardanes Turcus) الذي أشغل جانباً كبيراً من الجيش البيزنطي (14).
لقد استمرت حملات الرشيد ضد الروم البيزنطيين في السنوات التالية وسار الخلفاء العباسيون على النهج نفسه في تحصين الثغور والحصون وتوجيه الحملات ضد الروم البيزنطيين والاهتمام الإداري بالشام والجزيرة لأنهما قاعدتا الانطلاق والتحرك ضد الروم البيزنطيين. وفي سنة (205 هـ/820 م) ثار في الإمبراطورية البيزنطية توماس الصقلبي (Thomas) مطالباً بالإمبراطورية لنفسه، تلقى الدعم والمساندة من الخلافة العباسية إذ كان الخليفة المأمون في ذلك متبعاً خطة دقيقة التحديد عدائية للروم البيزنطيين، وقد أضعفت هذه الحركة الجيوش البيزنطية وفي قوتيها (البرية والبحرية)، ودفعت ثمنها على جبهة الثغور مع الخلافة العباسية كما استفادت ثورة توماس من الصراع الديني في الإمبراطورية البيزنطية بين الايقونيين واللاايقونيين وتلقت ثورة توماس قبولاً اجتماعياً من قبل سكان عدد من مدن الإمبراطورية البيزنطية (15).
وقد تم إلقاء القبض على توماس بعد استمالة أفراد من أنصاره وهكذا انتهت حركته بالفشل سنة (208هـ/823 م) (16) وعلى أثرها وجه الخليفة المأمون كل انتباهه لمشاكل الخلافة الداخلية وقام بتأجيل خطته العسكرية بشن حملة ضد الإمبراطورية البيزنطية (17) لبعض الوقت، ثم يعاود بنفسه قيادة الصائفة في سنة (215هـ/830 م) عندما ورد الخبر إليه أن الإمبراطور تيوفيل (Theophlos) (206-214 هـ/821-829 م) قتل قوماً من أهل طرسوس والمصيصة، إذ افتتح الخليفة المأمون عدة حصون بيزنطية ووصل إلى هرقلة القريبة من عمورية (18).
وقد حاول الخليفة المأمون مهاجمة القسطنطينية والسيطرة عليها فتوجه إلى الروم البيزنطيين في سنة (218هـ/833 م) وقد استعّد لحصار عمورية إذ: " وجّه إلى العرب فأتي بهم من البوادي ثم أنزلهم كل مدينة افتتحها حتى أضرب إلى القسطنطينية " (19).
في سنة (222 هـ/836 م) هاجم الروم البيزنطيون بقيادة إمبراطورهم تيوفيل مدينة زبطرة (20) وملطية ويعد بابك الخرمي (21) سبب خروج الروم البيزنطيين إلى مدينة زبطرة وتدميرها فحينما ضاق الأمر به وأشرف على الهلاك كتب إلى الإمبراطور تيوفيل بقصد إشعال الفتنة ان ملك (خليفة) العرب قد وجه إليك جميع عساكره"(22). كان قصده من ذلك إشعال نار الحرب بين الخلافة العباسية والروم البيزنطيين وتظاهر بابك أيضاً بأنه مسيحي ووعد بتنصير أصحابه كذلك وأراد من ذلك كسب الإمبراطورية البيزنطية إلى جانبه لمساعدته ضد العرب المسلمين وإضعاف الجبهة العباسية (23). أدت ثورة بابك الخرمي إلى تأخير الخليفة المعتصم (218-227هـ/833-841 م) للثأر لأهل زبطرة لما حلّ بها ولعدة أشهر وبعد القضاء على حركة بابك الخرمي تحولت أنظار وجهود الخليفة المعتصم إلى مدينة عمورية في سنة (223هـ/838 م) (24) إذ جهز الخليفة المعتصم حملته بعد أن أعلن النفير والسير معه لقتال الروم البيزنطيين وقد رافقه العديد من القادة ومنهم اشناس التركي الذي كان على مقدمة الجيش العباسي، وبغا الكبير، وفتح المعتصم حصوناً كثيرة وفتح مدينة عمورية (25).
عم الهدوء والسلم بين الخلافة العباسية والإمبراطورية البيزنطية في خلافة الواثق (227-232هـ/841-846 م) بسبب الأحوال الداخلية في الخلافة العباسية إذ انشغلت الخلافة بالفتن التي حدثت ضد الخليفة الواثق في سنة (227هـ/842 م) وثورات قامت في دمشق والعراق فضلاً عن تدخل النفوذ التركي في شؤون الخلافة العباسية. ولم تكن ظروف الدولة البيزنطية تسمح لها بإشعال نار الحرب ضد الجبهة العباسية، بل كانت تلك الظروف الداخلية تحتم عليها مسالمتهم وتمثلت بالصراع الديني حول عبادة الأيقونات وهي الصور والتماثيل التي تمثل السيد المسيح عليه السلام والسيدة العذراء والقديسين (26).
ومن خلال ما تقدم، من الواضح أن الخلافة أخذت بعين الاعتبار جملة العوامل والظروف الداخلية والخارجية في اختيار الولاة على الإقليمين، ففي حين كان عددهم أربعون والياً كان أكثر من نصفهم من الأسرة العباسية أو من الموالي المقربين للخلافة وخاصة في المراحل الأولى من الخلافة العباسية بعد ذلك بدأت هذه النسبة بالاختلاف حسب طبيعة الأوضاع السائدة. ومن هنا نستنتج أن عملية تعيين الولاة على بلاد الشام والجزيرة لم تكن عفوية أو مرتجلة بل لها خصوصيتها المرتبطة بخصوصية هذين الإقليمين العسكرية والدينية والاجتماعية والاقتصادية وسياسة الخلفاء أنفسهم.
_____________
(1) الطحطوح، أحداث …، ص42.
(2) كمخ، مدينة للروم البيزنطيين، عامرة محصنة، ابن حوقل، المصدر السابق، ص178.
(3) ملطية، احدى مدن الثغور الجزرية والتي بناها والي الشام عبد الوهاب بن ابراهيم الامام سنة (140هـ/759م) بامر من الخليفة المنصور واكمل بنائها في السنة التي تلتها، الازدي، المصدر السابق، ج2، ص142، الحموي، المصدر السابق، مج5، ص192-193.
(4) الطبري، المصدر السابق، ج7، ص497-500؛ ابن الأثير، الكامل …، مج5، ص500-501 ؛ فوزي، العباسيون …، بغداد، طُبع بمساعدة جامعة بغداد، (د.ت)، ج2، ص238-239 ؛ الطحطوح، أحداث …، ص40.
(5) الطبري، المصدر السابق، ج8، ص129 ؛ ابن الأثير، الكامل…، مج6، ص46 ؛ فوزي، العباسيون…، ج2، ص252.
(6) الطبري، المصدر السابق، ج8، ص140 ؛ ابن الأثير، الكامل…، مج6، ص55 ؛ فوزي، العباسيون…، ج2، ص252.
(7) الطبري، المصدر السابق، ج8، ص144-145؛ ابن الأثير، الكامل …، مج6، ص60-61؛ فتحي عثمان، الحدود الإسلامية البيزنطية، القاهرة، دار الكتاب العربي، 1966 م، ج2، ص152-153؛ فوزي، العباسيون …، ج2، ص244 – 245.
(8) ابن الأثير، الكامل …، مج6، ص66.
(9) الطبري، المصدر السابق، ج8، ص234؛ ابن الأثير، الكامل …، مج6، ص108 .
(10) ابن الأثير، المصدر السابق، مج6، ص206؛ عثمان، المرجع السابق، ج2، ص158.
(11) حصن الصفصاف، في إقليم الثغور تابع لمدينة المصيصة، الحموي، المصدر السابق، مج3، ص413.
(12) الطبري، المصدر السابق، ج8، ص268؛ ابن الأثير، الكامل …، مج6، ص158؛ محمد سهيل طقـّوش، تاريخ الدولة العباسية، ط1، دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع، 1996 م، ص102؛ S. F. Mahmud, The Story Of Islam, London, Oxford University Press, 1965, p.,91.
(13) هرقلة، إحدى مدن الإمبراطورية البيزنطية وتقع قرب مدينة عمورية، الحموي، المصدر السابق، مج5، ص398.
(14) كان لبردانس ثلاثة رفاق ليو الأرمني، وميخائيل الثاني، وتوماس الصقلبي وظل الصقلبي معه بعد أن تخلى عنه ميخائيل وليو في سنة (187هـ/803 م)، ابن الأثير، الكامل …، مج6، ص185؛ عماد الدين إسماعيل بن محمد بن عمر المعروف بأبي الفدا (ت 732هـ/1331 م)، المختصر في أخبار البشر، ط1، القاهرة، المطبعة الحسينية، 1325 هـ، ج2، ص17 ؛ رنا صلاح طاهر طاقة، العلاقات الدبلوماسية بين العباسيين والبيزنطيين (132-320هـ/749-931 م)، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية التربية – جامعة الموصل، 1999 م، ص37.
(15) ا. ا. فازيليف، العرب والروم، ترجمة محمد عبد الهادي شعيرة وفؤاد حسنين علي، دار الفكر العربي، (د.ت)، ص28-29 ؛ رنا صلاح طاهر طاقة، قضية الأسرى بين الخلافة العباسية والإمبراطورية البيزنطية (132-370هـ/749-979 م)، أطروحة دكتوراه غير منشورة، كلية التربية – جامعة الموصل، 2004 م، ص102.
(16) فازيليف، المرجع السابق، ص51 ؛ طاقة، قضية …، ص103 .
(17) عثمان، المرجع السابق، ج2، ص174 ؛ طاقة، قضية …، ص103.
(18) عموريه، احدى مدن الامبراطورية البيزنطية القريبة من مدينة انقره، الازدي، تاريخ …، ج2، ص399 ؛ ابن خرداذبه، المصدر السابق، ص101 ؛ ابن الأثير، الكامل …، مج6، ص417-418 ؛ أبو الفدا، المختصر…، ج2، ص30 ؛ Francesco Gaprieli, A short History of the Arabs, London, 1965, p., 96.
(19) اليعقوبي، تاريخ …، مج2، ص469.
(20) زبطرة، إحدى مدن الثغور الواقعة بين مدينة ملطية ومدينة سميساط، ابن رستة، المصدر السابق، ص107؛ الحموي، المصدر السابق، مج3، ص130-131.
(21) ظهر بابك الخرمي في المنطقة المحصورة بين أذربيحان وأرمينية وبدأت حركته ضد الخلافة العباسية سنة (201هـ/816 م) ودعا بابك الناس إلى الديانة الخرمية وحلل لهم المحرمات وأخذت حركته تتوسع وتنتشر خصوصاً بعدما لقي المساعدة من الإمبراطورية البيزنطي وشكلت خطراً على الخلافة العباسية إلى أن قضى عليه القائد الافشين حيدر بن كاوس القائد العسكري للخليفة المعتصم في سنة (222 هـ/837 م) الطبري، المصدر السابق، ج8، ص556.
(22) الطبري، المصدر السابق، ج9، ص56.
(23) طاقة، قضية …، ص100 ؛ عثمان، المرجع السابق، ج2، ص201.
(24) الطبري، المصدر السابق، ج9، ص56-57.
(25) أبو الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي (ت346 هـ/957 م)، مروج الذهب ومعادن الجوهر، بيروت، دار الأندلس، 1966 م، ج3، ص472-473 ؛ Phlip K. Hitti, History of the Arabs, Britain, Burn Limited, Tenth Edition, 1974, pp.300-301; Gabrieli, op., cit., p., 96.
(26) طاقة، العلاقات …، ص47؛ قضية …، ص41-42.
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|