وفاة إبراهيم ابن النبي "ص"
المؤلف:
هاشم معروف الحسني
المصدر:
سيرة المصطفى "ص"
الجزء والصفحة:
ص655-656
2025-12-15
58
في أواخر السنة التاسعة من الهجرة والنبي تغمر قلبه الفرحة بانتصاراته على الشرك والوثنية حتى اخرج قومه من ظلمات الجهل إلى نور الهداية وجمعهم تحت لواء الإسلام اخوة تشد بعضهم إلى بعض روابط أوثق من رابطة العرق والدم ، وأصبحوا يتطلعون إلى ما وراء شبه الجزيرة بعد ان اطمأنوا على مصير الإسلام فيها .
هذا الجو الذي كان النبي يعيش فيه وفي الأشهر الأخيرة من السنة التاسعة وولده إبراهيم قد دخل في النصف الأول من عامه الثاني وملامح النبي تزهر على قسماته وتزداد وضوحا على مرور الأيام ، والنبي يحنو عليه ويداعبه ويرتاح إلى حركاته ونموه السريع .
وما ان دخل في الشهر السابع عشر على اشهر الروايات حتى دب فيه الداء واشتد عليه وأصبح يهدد حياته فنقله إلى نخل بجوار مشربة أمه مارية وقامت على تمريضه هي وأختها سيرين ومعهما حاضنته أم سيف ، وزادت وطأة الداء عليه حتى دخل في دور الاحتضار .
وبلغ خبره النبي فأسرع إليه وهو يجود بنفسه في حجر أمه فأخذه منها ووضعه في حجره وارتسمت علائم الحزن في وجهه ، ثم قال : انا يا إبراهيم لا نغني عنك من اللّه شيئا ، ولما فاضت نفس إبراهيم ذرفت عيناه بالدموع وقال : يا إبراهيم لولا انه امر لا بد منه وان آخرنا سيلحق بأولنا لحزنا عليك بأشد من هذا وانهمرت عيناه بالدموع وهو يقول : تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يغضب اللّه وإنا يا إبراهيم عليك لمحزونون .
وأراد بعض أصحابه ان يخفف عنه من وقع المصاب فلم يجدوا بدا الا ان يذكروه بما نهى عنه فقالوا يا رسول اللّه : أو لست قد نهيتنا عن هذا ، فقال ما عن الحزن نهيت ولكني نهيت عن رفع الصوت بالبكاء ، وان ما ترون بي من آثار ما في القلب من محبة ورحمة .
وغسلته أم بردة وحمله على سرير صغير ومعه جماعة من المسلمين إلى البقيع ، ودفنه حيث يدفن الموتى من المسلمين .
وصادف ان الشمس قد كسفت في ذلك اليوم ، فقال بعض المسلمين : ان ذلك لموت إبراهيم وتهامس بعض الناس بذلك ، وأدرك النبي ان السكوت عن مثل هذه الخواطر التي قد تشيع وتنتشر وربما تصبح عقيدة تنتقل بين الناس جيلا بعد جيل يسيء إلى الاسلام ، لأن للكواكب نظاما دقيقا يسير على قواعد ثابتة لا يمكن ان تنحرف عن نظامها ولا عن خطها ولو قدر ذلك تتعرض جميع الكائنات للدمار والخراب فلم يترك النبي ( ص ) مجالا لإشاعة هذه الخاطرة ولا للتفكير في شيء من هذا النوع ، فقال للمسلمين : ان الشمس والقمر آيتان من آيات اللّه لا تخسفان لموت أحد من الناس مهما بلغ من العظمة ولا تستقيمان لحياته ، فإذا رأيتم مثل ذلك فافزعوا إلى اللّه بالصلاة والدعاء .
الاكثر قراءة في زوجاته واولاده
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة