(أ) مقدمة
تحدثنا فيما سبق عن المراسيم التي صدرت في عهد الملك «بطليموس الخامس» ورأينا أن الباعث الأكبر لإصدار هذه المراسيم هو إرضاء الكهنة الذين كانوا منذ فجر التاريخ المصري يتحكمون في معتقدات الشعب واتجاهاتهم الدينية، وكذلك لتهدئة الأحوال في البلاد التي كانت الثورات متأججة فيها بسبب ما أصاب الشعب المصري من مظالم واضطهاد على يد الحكام الأجانب من الإغريق والمقدونيين، ومن أجل ذلك أخذ «بطليموس الخامس» ورجال بلاطه يعالجون أحوال البلاد الداخلية بكل حزم وبصيرة نافذة حتى يتسنى لهم مجابهة الأخطار التي كانت تهدد كيان أرض الكنانة من الخارج. ومن أجل ذلك نلحظ أنه في عهد «بطليموس الخامس» صدر أكبر عدد من المراسيم التي كان هدفها ضم جماعة الكهنة إلى جانب الملك الذي أصبح يسير في كل تصرفاته على حسب الأنظمة الفرعونية العريقة في القدم في جميع البلاد من أقصاها إلى أقصاها، ولا أدل على ذلك من المرسوم الذي أصدره في صالح الإله «خنوم» وغيره من الآلهة الذين كانت عبادتهم منتشرة في منطقة الشلال وما بعدها في بلاد النوبة.
وهذا المرسوم نُقِشَ على لوحة تُعْرَف لدى الأثريين بلوحة القحط. وسنحاول فيما يلي أن نضع صورة جديدة تختلف اختلافًا بينًا عما كان معروفًا عن متن هذه اللوحة من الوجهات التاريخية والدينية والاقتصادية. وعلى الرغم من كل ما سنذكره هنا فإنه لا تزال توجد بعض النقاط الغامضة في محتوياتها، وبخاصة من الناحية الجيولوجية؛ فقد ذُكر فيها بعض مواد من المعادن والأحجار التي لم يتوصل الأثريون لمعرفة كنهها ولا الأغراض التي كانت تُستعمل فيها. وهذا المتن يكشف لنا عن وجود ثروات معدنية لا حد لها لا تزال تنتظر الكشف عن أسرارها والإفادة منها، وما أحوجنا إلى ذلك في هذه الفترة من تاريخ بلادنا بعد أن أصبحت مصر تأخذ مكانتها بين البلاد الصناعية في العالم.
(ب) تاريخ لوحة القحط
لوحة القحط هي عبارة عن متن يتألف من اثنين وثلاثين سطرًا عموديًّا، نُقِشَتْ على الوجه الشرقي لصخرة من الصخور الشامخة التي تتراكم في أقصى جزيرة سهيل بمنطقة الشلال.
وكان أول من كشف هذه اللوحة هو الرحالة والأثري «فيلبور» Wilbour عام 1889م (1). وقد قام في الحال بترجمتها ونشرها الأثري «بروكش» (2)، ثم ترجمها الأثري «بليت» (3)، ثم جاء بعده الأثري «دي مورجان» ونقل متن هذه اللوحة في عام 1894 (4)، وهذه النسخة أحسن من سابقتها، غير أنها مع ذلك تحتوي على أخطاء، وبعد ذلك ترجم لنا كل من «فنديه» في كتابه عن القحط في مصر القديمة عام 1936، ومن بعده أورد «جون ولسون» و«بريتشارد» في مجلة متون الشرق الأوسط عام 1951م بعض فقرات من هذه اللوحة. يُضاف إلى ذلك أن الأثري الكبير الأستاذ «زيته» كان قد ذكر بعض حقائق هامة عن هذه اللوحة في مقالين هامين عن «دوديكاشوينوس» Dodekaschinos (1901) وعن «أمحوتب» (1902م)؛ غير أنه لم يقدم لنا إلا ترجمة جزئية، وفي الغالب لم تكن ترجمة حرفية. هذا، وقد ترجم الأستاذ «كيس» فقرة من هذه اللوحة (5) أيضًا.
وأخيرًا قام الأثري «بول بارجيه» Paul Barguet بفحص هذه اللوحة والتعليق عليها تعليقًا شاملًا ممتعًا اعتمدنا عليه في كثير من النقاط.
(ﺟ) اختلاف الآراء في صحة تاريخ هذه اللوحة
لقد اختلفت الآراء في صحة نسبة هذه اللوحة إلى عهد الملك «زوسر» مؤسس الأسرة الثالثة على الرغم من أنها نُقشت في العهد البطلمي؛ فيقول الأستاذ «زيته»: إن هذا المتن قد أعيدت كتابته على إثر زيارة قام بها «بطليموس العاشر» في رحلة له في منطقة «الشلال». أما الأستاذ «كيس» فيقول: إن هذه اللوحة حديثة العهد، وإن الغرض من نقشها في هذا المكان الذي هي فيه هو تعظيم عبادة الإله «خنوم» من جديد، وكذلك إعادة تثبيت سيطرة هذا الإله الذي يمثل في صورة كبش على إقليم الاثني عشر ميلًا Dodekaschene. وأخيرًا يقول الأثري «بول بارجيه»: إن هذه اللوحة أُلفت في عهد «بطليموس الخامس». وفي اعتقادي أن هذا هو الرأي الأقرب إلى الصواب جدًّا.
(د) وصف اللوحة
تدل الظواهر على أن هذا المتن قد وُضع في صورة لوحة؛ فقد مثل في الواقع فوق المتن منظر يُشَاهَد في نهايته الملك «زوسر» يخطو نحو اليمين تعلوه سماء ترتكز على عمد، ويلبس الملك التاج المزدوج، ويرتدي قميصًا قصيرًا فوقه ثوب فضفاض. والظاهر أنه كان يقدم البخور — كما يدل المتن — لوالده «خنوم» سيد بلاد النوبة. وجاء تحت صورة الملك اسمه ولقبه: «حور» (نترخت)؛ «حور» الذهبي: «جسر».
ونُقش خلفه: الحماية لكل الحياة والقوة.
هذا، وتُقدَّم القربات للثالوث المقدس آلهة الشلال.
فيشاهد أولًا الإله «خنوم-رع» برأس كبشٍ متوجًا بتاج آتف، وجاء معه المتن التالي:
«كلام قيل على لسان «خنوم-رع» سيد الشلال، والإله العظيم سيد الفنتين، والمسيطر على بلاد النوبة: إني أحمل لك الفيضان في ميقاته كل عام.»
ثم نشاهد بعد ذلك الإلهة سوتيت (ساتيت) تلبس على رأسها قبعتها الخاصة بها محلاة بقرنين، جاء معها المتن التالي: «كلام قيل على لسان «سوتيت» العظيمة سيدة الفنتين وسيدة النوبة.»
وأخيرًا نشاهد الإلهة «عنقيت» ترتدي على رأسها ريشًا، وجاء معها المتن التالي:
كلام قيل على لسان «عنقيت» سيدة «سهيل» … التي تشرف على بلاد النوبة.
ثم يأتي بعد هذا الثالوث والمتون التي تتبعه متن اللوحة نفسه، ويحتوي على اثنين وثلاثين سطرًا عمودية نُقِشَتْ من اليمين إلى الشمال.
وتنحصر موضوعات هذا المتن فيما يأتي:
أولًا: موضوع القحط
السنة الثامنة عشرة من عهد «حور» (نترخت) ملك الوجه القبلي والوجه البحري صاحب السيدتين: «نترخت»، «حور الذهبي»: «جسر»، عندما كان متسلطًا، الأمير النبيل حاكم أملاك الجنوب ورئيس النوبيين في الفنتين «مسير» Mesir، وقد خُبِّر: أن هذا المرسوم الملكي لأجل أن تكون على علم بأنني كنت في حزن على عرشي العظيم، وأن أولئك الذين كانوا في قصري كانوا في أسى وقلبي كان في غم شديد؛ لأن الفيضان لم يَأْتِ في ميقاته مدة سبع سنوات، فكانت الغلة قليلة؛ إذ قد يبست الحبوب، وكل ما كان يؤكل كانت كميته قليلة، وكل إنسان كان مصابًا في دخله، وأصبح الفرد غير قادر على المشي، وكان الطفل يبكي، والشاب أصابه الوهن، وقلوب المسنين في حزن، فكانت أرجلهم مطوية قعودًا على الأرض في داخلها، و(حي) رجال البلاط كانوا في حاجة، وكانت المعابد موصدة، والمحاريب يخيم عليها التراب، (وبالاختصار) كان جميع ما هو كائن في حزن(6).
نداء للإله «أمحوتب»
فاستمع لما جاء فيه على لسان الملك:
(وبعد ذلك) حُبب إليَّ أن أعود إلى الماضي؛ فسألت رجلًا من موظفي «إبيس» (الإله تحوت) وهو رئيس الكهنة المرتلين ﻟ «أمحوتب» بن «بتاح» الذي في جنوبي جداره: في أي مكان ولد النيل؟ وأية مدينة للمتموج (7) تقع هناك؟ وأي إله يسكن هناك ليساعدني؟ فقام (وقال): سأذهب إلى قصر المصيدة (= محراب الإله «تحوت» في الأشمونين) وهو مصمم على أن يكون قلب كل إنسان شجاعًا فيما يفعل، وسأدخل قاعة السجلات، وسأتصفح الكتب القديمة، وسأسير على هديها.
وعلى ذلك ذهب ثم عاد نحوي في لحظة، وأعلمني بفيضان النيل … وكل الذي تحتويه، وقد كشف لي عما هو مدهش وخفي، فقد مشى نحوها الأجداد، ولكن لا يوجد ملك قد عمله منذ البداية.
الأمور التي كشف عنها كاهن «أمحوتب»
وقد صرح لي بما يأتي: توجد مدينة في وسط الماء، والنيل يحيط بها واسمها الفنتين، وهي بداية البداية، وأنها مقاطعة البداية (الواقعة) قبالة «واوات» (= إقليم أسوان) وهي مرتفع أرضي ومرتفع سماوي، وإنها عرش «رع» عندما يقرر إرسال الحياة لكل إنسان، وحلاوة الحياة هو اسم مأواها، والهوتان هو اسم الماء (أي ماء النيل) وهما الثديان اللتان توزعان وتتصرفان في جميع الأشياء، وأنها قاعة الولادة (اسم بيت الولادة في «دندره» حيث يولد النيل كل سنة) وأن النيل يعود إلى شبابه فيها في ميقاته (ويمنح البلاد الحياة قاطبة) … وأنه يمنح الزيادة، وينزو منقضًّا كفتًى يأتي امرأة (وهذه العبارة تذكرنا بتوحيد النيل بالإله «أوزير» الذي يمثل غالبًا بالثور في عهد البطالمة) ويبتدئ ثانية ليصبح رجلًا شابًّا قلبه نشطًا، ويندفع بارتفاع قدره ثمانٍ وعشرين ذراعًا (في الفنتين) ثم يسرع نحو «البلمون» فيبلغ ارتفاعه فيها حوالي سبع أذرع.
ويكون هناك «خنوم» بمثابة إلهٍ … ونعلاه موضوعان على أسفل الموجة وهو قابض على مزلاج الباب في يده، ويفتح المصراعين كما يريد، وأنه أبديٌّ هناك بوصفه الإله «شو» سيد التسعة ورئيس الحقول، وقد سُمي كذلك بعد حساب أرض الوجه القبلي والوجه البحري التي كانت توزع على كل إلهٍ، وذلك لأنه هو الذي يتحكم في الشعير، والطيور والأسماك وكل ما يعيش منه الإنسان. وكان هناك حبل مساحة ولوحة أدوات كتابة، وكان هناك سنَّادة من الخشب على هيئة صليب صُنعت من قطع خشب «سون» ليزن بها ما على الشاطئ (أي كل الأشياء التي كانت موضوعة على الشاطئ) وقد كلف بذلك الإله «شو» بن «رع» سيدَ العطاء — وزير الزراعة — ومعبده مفتوح من الجهة الشمالية الشرقية (أي معبد الإله خنوم، وقد اختفى الآن) ويشرق «رع» في واجهته كل يوم. ومياهه ثائرة في جهته الجنوبية مسافة ميل، وهي حائط (أي المياه) تفصله عن النوبيين كل يوم. وتوجد سلسلة جبال في موقعه الشرقي فيها كل أنواع المواد الثمينة وأحجار المحاجر الصلبة، وكل ما يُبحث عنه لبناء كل معبد في الوجهين القبلي والبحري، وكذلك حظائر الحيوان المقدس، والمقابر الملكية، وكل التماثيل التي تُنصب في المعابد والمحاريب. وكل محاصيلها مجتمعة قد وُضِعَتْ أمام الإله «خنوم» وحوله، وفي الوقت نفسه تُوجد هناك نباتات كبيرة خضراء، وكل أنواع الزهور التي توجد من أول الفنتين حتى «بيجه» (8)، في الشرق وفي الغرب (يعني النباتات والأزهار).
ويوجد في وسط النهر المغمور بالماء منذ عودة شبابه السنوي — أي فيضانه — مكان لراحة الجميع، وعلى كلا الشاطئين صنع هذه الأحجار.
ويوجد في النهر قبالة هذه المدينة (الفنتين نفسها) مرتفع في الوسط، وهو رديء في ذاته، ويسمى «كروفي» Krofi الفنتين.
تعلم أسماء الآلهة الذين في معبد «خنوم» وهم: سوتيس أنوكيت (سوتيت وعنقت) و«حعبي» و«شو» و«جب» و«نوت»، و«أوزير» و«حور» و«إزيس» و«نفتيس».
تعلم أسماء الأحجار الكائنة هناك في وسط الدائرة التي على الحدود (أي) التي في الشرق والغرب (أي التي على شاطئ قناة الفنتين) والتي في الفنتين، والتي في الوسط شرقًا وغربًا، والتي في وسط النهر، وهي: حجر «بخن» (وهو حجر بزاميت = البازلت) والجرانيت وحجر «مختبتب» Mhtbtb وهو حجر لونه أخضر، وحجر «رعجس» وحجر «وتشي» Wtsy أو «تخي» (وهو نوع من الحجر لونه أبيض ذكر في العهد المتأخر فقط) ويوجد في أقصى الشرق، وحجر برجن (وهو على حسب رأي بركش لونه أخضر كرنبي) في الغرب، وحجر «تشي» (من المحتمل أنه نفس الحجر «وتشي») في الغرب وفي النهر.
تعلم أسماء المعادن الثمينة التي في المحاجر في الجزء العالي من النيل — ويوجد بينها ما يبعد أربعة أميال: ذهب وفضة ونحاس وحديد ولازورد وفيروزج ونحنت حجر لونه أخضر) ويشب (9)أحمر وحجر «قع» (= حجر ثمين من بلاد النوبة من بين أحجار أخرى)، وحجر «منو» (وهو البللور الصخري الذي يعمل منه بعض الأواني، وبخاصة اللازمة منها لشعيرة فتح الفم) والزمرد (= برقت) وحجر «تم-أقر»، ومعنى هذه الكلمة هو: الذي لا غبار عليه، ويحتمل أنه البللور الصخري، وخلافًا لذلك «نشمت» (وهو نوع من حجر الفلدسبات الأبيض والأزرق)، وحجر «تامحي» (= حجر غير معروف كنهه)، وحجر «حماجت» (يجوز أن معناه الزمرد)، وحجر «بقس-عنخ» (10)(= حجر من بلاد النوبة)، والكحل الأخضر، والكحل الأسود، ومغراة حمراء من مادة «حرست»(11)، و«ميمي» (= حبوب من بذور زراعية، وطينة تحتوي على بياض من بلاد النوبة (12)، وكان المصريون المفتنون يستعملونها لطلاء المقابر) في هذا الإقليم.
وعندما علمت ما تحتويه (المدينة) انشرح قلبي، ومنذ أن سمعت التحدث عن ماء الفيضان أمرت بفك الكتب من أربطتها، وأمرت بعمل تطهيرات، وكذلك أمرت بإقامة مواكب، وأمرت بتقريب قربات كاملة من الخبز والجعة والطيور والثيران، ومن كل شيء طيب لآلهة وإلهات الفنتين الذين ذُكرت أسماؤهم (والمعنى المقصود هو أن الملك قد انشرح صدره في الجملة السابقة من المواد التي يشتمل عليها إقليم الفنتين، ولكن القربات التي كان سيقدمها للآلهة الذين يثوون هناك ستجلب رضاهم حتى يرسلوا هذا الفيضان الذي تحدث عنه كاهن «أمحوتب»، وهو ما تصبو إليه نفسه، ومن ثم كان جواب الإله «خنوم» عندما يزور الملك في الحلم).
الرؤيا
والواقع أنه عندما استولى عليَّ النوم في هدوء رأيت (في الرؤيا) الإله واقفًا أمامي، فهدأته بالصلاة والتضرع إليه، وقد شرح نفسه في محبة لي، وقال: إني «خنوم» فاطرك، وذراعاي خلفك؛ لأجل أن أضم جسمك، ولأجل أن تصير أعضاؤك في صحة جيدة، وإني أورد لك مواد ثمينة تلو المواد، ثمينة بما لم يُعرف من قبل، ولم يُعمل منها حتى الآن أي عمل؛ لبناء المعابد، ولإصلاح ما أُفسِد، ولعمل تركيب محاجر العيوم لصاحبها (13) — وذلك لأني السيد الذي يخلق، وإني أنا الذي خلق نفسه، وإني «نون» العظيم جدًّا، والذي وُجد منذ بداية الزمن، وإني «حعبي» الذي يجري على حسب مشيئته، والذي يصوغ الناس، والذي يقود كل إنسان إلى حينه (لحظته)، وإني «تاتنن» والد الآلهة، وإني الإله «شو» العظيم رب العطاء، وتوجد لناووسي فتحتان، وقد أمرت بفتح البركة له لأني أعرف «حعبي» فهو الذي يروي الحقول ريًّا يضم الحياة لكل أنف — وعلى حسب ما يُسقى من الحقول فإنها تستمر حية — وإني أجعل النيل يزيد من أجلك، ولن تكون أعوام بعد حيث ينقص فيها الفيضان من أجل أية أرض، والأزهار ستنبت وتنثني تحت اللقاح، وإني سأعمل على أن يكون قومك في فيض، ويملئون أيديهم معك، وسينتهي الجدب الذي يجلب القحط في مخازن غلالهم، وسيأتي المصريون مسرعين، وستينع الأراضي؛ وذلك لأن الفيضان سيكون ممتازًا، وستكون قلوبهم منشرحة أكثر من ذي قبل.
المرسوم الملكي
وعندئذ استيقظت (من نومي)، في حين أن أفكاري أخذت تعود إلى مجراها، وبعد أن أزلت عن نفسي خمولها أصدرت هذا المرسوم في صالح والدي «خنوم»: قربان ملكي للإله «خنوم رع» رب الشلال ورئيس بلاد النوبة، وفي مقابل ما تفعله لي أقدم لك «مانو» بوصفه حدك الغربي و«بايخو» بوصفه حدك الشرقي (يقصد بذلك أنه يمنحه جبال «مانو» وجبال «بايخو» التي تقع في شرقي مصر وغربها حدودًا لبلاده) من أول «الفنتين» إلى «تاكومبسو» لمسافة 12 ميلًا غربًا وشرقًا من حقولٍ وصحارى ونهر في كل ميل من الأميال المعدودة.
وأن كل أولئك الذين يكدحون في الحقول معطين الحياة ثانية كل ما كان نائمًا على الأرض؛ وذلك بسقي الشواطئ وكل الأراضي الجديدة، يقيمون في الأميال المذكورة، ويحملون محاصيلها إلى مخازنك.
وفضلًا عن ذلك فإن نصيبك الذي في مدينة الفخ (= الأشمونين) وكل صيادي الأسماك وكل صيادي طيور وماشية صغيرة وكل صيادي أسود في الصحراء؛ سأفرض عليهم ضريبة العشر في محصولهم الكلي، وكذلك كل الحيوانات الصغيرة التي تلد إناثًا في الأميال المذكورة سأحفظها جميعًا.
ويلزم أن تُعطى الحيوانات الموسومة كلها كقربات محروقة وقربات يومية، وكذلك حقائب الذهب والعاج والأبنوس وشجر الخروب، ومادة النوبة البيضاء والمغرات الحمراء (سهرت) والنباتات — «ديو»، والنباتات «نفو»، والخشب من كل أنواع الأشجار، وكل ما تجلبه بلاد «خنت-حن-نفر» (بلاد النوبة) لمصر، وكل ما يحصده مصري من متأخر الضرائب بينهم.
ويجب ألا تكون هناك أية خدمة إدارية لإعطاء أوامر في هذه الأمكنة، وألا يُحجَز أي شيء؛ بل يجب أن يُحافَظ على كل شيء لصالح محرابك.
وإني أقرب لك هذه الضيعة (أي الاثني عشر ميلًا) بما فيها من صخور وأراضٍ على ألا يكون هناك فرد (ينتقض شيئًا منها)، ولكن يسكن فيها كتابك ومراقبو الحبوب بوصفهم مسجلون يعلنون ما يجب أن يورده العمال والحدادون ورؤساء أصحاب الحرف وصُيَّاغ الذهب و… والعبيد، وفرقة العبيد الذين يشكلون هذه الأحجار يجب أن يوردوا ذهبًا وفضة ونحاسًا وقصديرًا ومكاييل حبوب ومأكولات، وما يجب أن يعطيه كل رجل يشتغل معهم، وذلك بأن يدفع 1 / 10 من كل ذلك، وأن يدفع 1 / 10 من المعادن الثمينة من المحاجر وهي التي يُؤتى بها من أعالي النهر، والأحجار التي في الشرق، وأن يكون هناك رئيس يزن كميات الذهب والفضة والنحاس والمعادن الثمينة الحقيقية، وهي التي سيبنيها النحاتون في حجرة الذهب (= أي المخازن والمعامل التي يُحفَظ فيها الذهب المخصص لصناعة التماثيل والأشياء الإلهية) لصناعة التماثيل، ولأجل إصلاح التماثيل التي نالها عطب، وكل مواد العبادة الناقصة هناك، كل ذلك سيوضع في المخزن إلى أن يُصنع من جديد، وسيعمل الإنسان كل ما يحتاج إليه المعبد إلى أن يصبح كما كان عليه في بادئ الأمر.
نُقش هذا المرسوم على لوحة في مكان مقدس في مكتوب؛ وذلك لأنه قد حدث كما قيل، وعلى لوحة تكون فيها الكتابات المقدسة في المحاريب مرتين، وأن من سيبصق عليها سيكون عرضة للعقاب، وعلى رؤساء الكهنة المطهرين ورئيس مستخدمي المعبد أن يعملوا على أن يكون اسمي باقيًا في معبد «خنوم رع» سيد الفنتين والقوي أبديًّا.
تعليق على لوحة القحط: أهميتها وتأريخها
لا نزاع في أن ما جاء في متن هذه اللوحة من معلومات منقطعة النظير عن هذا الجزء من الدولة المصرية يدل دلالة واضحة على أن واضعه كان من أبناء هذه البيئة بعينها، وأنه كان عالمًا بكل جزئيات هذا الإقليم الذي يسمى «الاثني عشر ميلًا». وليس هناك من شك في أنه أحد رجال الدين الذين كانوا يعتنقون مذهب الإله «خنوم» رب هذه المنطقة، ولا نستغرب — بعد قراءة عما في هذه المنطقة من ثروات معدنية وصناعية وفنية — أن يحرص كهنة الإله «خنوم» على أن تكون كل هذه الثروة في أيديهم، وأن يعملوا جهد طاقتهم على إغراء الملك الحاكم وقتئذ في أن يجعلها من أملاك الإله الأعظم لهذه المنطقة هو وثالوثه. وما جاء في المرسوم الذي أصدره هذا الفرعون يدل دلالة لا ريب فيها على أن الكهنة قد عرفوا كيف يستميلونه من الجانب الديني، وبخاصة أنهم ادعوا أن هذه الامتيازات التي طلبوا إليه تنفيذها كانت خاصة بهم منذ الملك «زوسر» مؤسس الأسرة الثالثة ومن بناة مجد مصر، فهل هذا صحيح؟
الواقع أن المتن الذي ترجمناه هنا وفحصنا بعض نقاطه مؤرخ بالسنة الثامنة عشرة لملك يُدعى «نتر-خت» فإذا كان المقصود به هو الملك «زوسر» مؤسس الأسرة الثالثة المصرية فعلًا، فإن هذا التاريخ يكون أقدم تاريخ عُرف لنا عن هذا الملك من الآثار، غير أن البحوث اللغوية تدل صراحة على أن متن هذه اللوحة قد أُلف في العهد الإغريقي، أو بعبارة أخرى في العهد البطلمي، وهذا بطبيعة الحال ما يضعف صحة هذا الزعم، يضاف إلى ذلك أن الآثار التي خلفها لنا الملك «زوسر» لم تقدم لنا تاريخًا واحدًا من عهده، هذا من الوجه الأثرية، أما من حيث ما تركه لنا المؤرخون الإغريق فقد ذكر لنا «مانيتون» أن الملك «توزوتروس» Tosorthros أي «زوسر» قد حكم تسعة وعشرين عامًا، غير أنه مما يُؤسَف له أننا لا يمكننا الاعتماد على ما ذكره لنا هذا المؤلف من حيث التأريخ المصري بوجه عام، وعن التأريخ للملك «زوسر» بوجه خاص؛ لأن تأريخه طويل بما لا يقبله العقل، ولا أدل على ذلك من أن ورقة «تورين» التي تقدم لنا تواريخ ملوك مصر من أقدم العهود حتى الدولة الحديثة قد خصصت خمسين عامًا للأسرة الثالثة بأسرها، في حين أن «مانيتون» قد خصص لنفس الأسرة 214 عامًا.
ومن ثم يتساءل الإنسان ماذا يمكن أن نفكر في تاريخ عام 18 من عهد «حور-نترخت»؟ ومن جهة أخرى أخرى يقول المتن الذي نحن بصدده الآن: إن «زوسر» لما كان مهتمًّا بأن يعيد إلى قومه الرخاء الذي حُرموا منه منذ سبع سنين بسبب عدم انتظام مياه النيل، قرر أن يعود إلى الماضي، ويسأل عددًا من مستخدمي عبادة (الإله) «أمحوتب»(14)، وهو وزير قديم كانت معلوماته العظيمة قد رفعته إلى مرتبة إله، وعلى ذلك فإنه إذا كان الملك يلجأ إلى نداء الرجل الذي يُعتبر من رجال الماضي، فإنه ليس الملك «زوسر» نفسه الذي يقوم بهذا النداء، وعلى ذلك فإن العام الثامن عشر الذي افتتح به المتن يمكن أن يعود إلى السنة الثامنة عشرة من حكم الملك الذي وضع هذا المرسوم، وعلى ذلك فإن اسم «زوسر» يخفي تحته اسم ملك آخر، وهو اسم أحد البطالمة؛ وذلك لأن المتن من العهد البطلمي.
وعلينا الآن أن نبحث من كان «بطليموس» هذا الذي يمكن أن ننسب إليه متن «سهيل» بصورة تكاد تكون صحيحة؟
والواقع أن ذكر «أمحوتب» هنا له أهمية رئيسية، وذلك لأن هذا الحكيم في الواقع هو الصانع من جديد للخيرات العميمة. وإذا كان هذا الملك الذي لا نعرف اسمه حتى الآن قد قرر تقديم قربات ومخصصات تُحبس على الإله «خنوم» وهذه لفتة سنكشف أهميتها الحقيقية فيما بعد؛ فهل لا يمكننا أن نفكر في أنه قد قام بعمل مكرمة كذلك ﻟ «أمحوتب»؟ والجواب على ذلك: نعم؛ إذ في الواقع يُوجد في جزيرة الفيلة معبد كان قد أقيم هناك، وأهدي للإله «أمحوتب»، والملك الذي أقام معبد «أمحوتب» هذا هو «بطليموس الخامس»، على أن ذكر الابن البكر للملك في الإهداء الإغريقي الذي نُقش على عتب باب معبد «أمحوتب» (15)، إنما يدل على أن هذا المعبد لا بد كان قد أقيم على أكثر تقدير في العام التاسع عشر أو العشرين من حكم هذا الفرعون، وعلى ذلك فإن هذا الملك يستوقف التفاتنا بوجه خاص (16).
هذا، ولدينا نقطة أخرى هامة في المتن الذي نحن بصدده يجب أن نتعرف على قيمتها ومدلولها: وذلك أن القربان المقدمة للإله «خنوم» كانت من كل الإقليم المسمى «دوديكاشين» الممتد من أسوان حتى «تاكومبسو»، ومعنى ذلك بوجه الإجمال ضم كل هذا الإقليم الواقع في بلاد النوبة السفلى إلى سلطان ملك مصر، وجعله ملك التاج، وأننا إذا رجعنا إلى الحقائق التاريخية المعروفة فيما يتعلق بهذا الجزء الجنوبي من مصر إلى عهدٍ يذهب بنا إلى ما بين عهدي «بطليموس الرابع» و«بطليموس السادس» لرأينا أن ملكا نوبيًّا يُدعى «إرجامنيز» كان يحكم إقليم «دوديكاشين» (الاثني عشر ميلًا) بوصفه تحت حماية «بطليموس الثاني»، وأنه في عهد الملك «بطليموس الخامس» كانت العلاقة بين مصر وبلاد النوبة قد فسدت مع خلفاء «إرجامنيز»، هذا فضلًا عن قيام ثورة في البلاد على يد زعيم مصري استقل بإقليم «طيبة»، وقد أشرنا إلى ذلك من قبل، وبعد ذلك نعلم أن «بطليموس السادس» قد استعمر هذا الجزء من بلاد النوبة، كما يشهد بذلك خلع اسمي «كليوباترا» و«فيلوتريس» على مدينتين من مدن هذا الإقليم، ولا نزاع في أن ذلك كان نتيجة للعداوة التي كانت سائدة منذ ذلك العهد بين ملك مصر والأسرة النوبية الحاكمة، ولدينا نقش من عهد «بطليموس السادس» في الفيلة يتحدث عن «الدوديكاشين» وعن ضريبة العشر من محاصيله، وعلى ذلك فإنه يحق لنا أن نقول: إن هذا الاستعمار قد بدأ منذ عهد «بطليموس الخامس» إذ هو الذي عاقب — في السنين الأخيرة من حكمه كما ذكرنا من قبل — الثورة التي قام بها حكام النوبة في عام 19 من حكمه، وهي السنة التي صدر فيا مرسوم بعد نهاية العصيان الذي قام في إقليم «طيبة».
ومن الجائز أن اسم حاكم «الفنتين» وهو «مسير» ومعناه «الذي يحضر من جديد العين» قد يكون فيه تورية لإعادة هذا الإقليم لمصر كما أحضرت عين حور له من هذه البلاد بعد فقدانها، ومن جهة أخرى يُلحظ أن لقب هذا الحاكم وهو «حاكم أملاك الجنوب» هو ترجمة للكلمة الإغريقية épistratege وهي وظيفة لم تظهر إلا في عهد «بطليموس الخامس»، وأخيرًا لدينا نقطة أخرى ثالثة تعضد الرأي القائل أن هذه اللوحة عملت في عهد «بطليموس الخامس» وهي أن الاضطرابات الخطيرة التي وقعت في عهد كل من «بطليموس» الرابع والخامس معلومة لنا، وهي التي يرجع سببها بلا نزاع إلى أمور سياسية، ولكن نعلم من جهة أخرى أنه قد زاد في حدتها إصابة البلاد بقحط يرجع سببه جزئيًّا إلى سوء الإدارة في البلاد، ولا أدل على ذلك من أنه قد قدمت شكاوى باستمرار لكل من «بطليموس» الرابع والخامس خاصة بالإهمال في تسهيل ري الأراضي التي تتوقف عليها حياة الشعب، والغريب في ذلك أن هذه الشكاوى قد أُهمل أمرها، ولم يصل إلى مرسليها أية إجابة من الحكومة، ولقد كان في مجيء النيل منخفضًا السبب الكافي لحدوث القحط، يدل على ذلك أنه في هذا العهد بلا نزاع يرجع تاريخ شكوى قدمها مالك أطيان من الجنود المرتزقة اسمه «فيلوتاس» Philotas من أهالي «أبوللينوبوليس» Apollinopolis وقد شكى كما يقول: من الجفاف والقحط؛ وذلك لأنه في خلال ثلاث سنوات لم يرو النيل بصورة كافية حقلي (17).
وعلى أية حال لم تعد الطمأنينة إلى البلاد إلا في عام 186ق.م وهو التاريخ الذي استؤنف العمل فيه في إقامة معبد «إدفو» بعد أن كان قد أُوقف بسبب الثورات التي كانت قائمة في الوجه القبلي. وهذا التاريخ يقابل السنة التاسعة عشرة من حكم «بطليموس الخامس» (18).
وإذا كانت نقوش حجر الرشيد التي أُلفت في الوقت الذي عادت السكينة العابرة إلى البلاد في عام 191ق.م قد تحدثت عن فيضان كان بوجه خاص عال في العام الثامن من حكم «بطليموس الخامس»؛ فإنه من الممكن أن نفكر في أنه قد أتى بعد ذلك عهد فيضانات منخفضة، وإذا كان الملك من جهة أخرى قد خاطب «أمحوتب» بطريقة غير مباشرة لأجل أن ينجي البلاد من القحط فما ذلك إلا لأن هذا الحكيم المؤله قد اعتبر إذ ذاك بأنه الصورة الوقورة ﻟ «خنوم» الفنتين الإله الذي يحكم مدخل النيل في مصر والفيضان السنوي.
بقي علينا الآن أن نفهم السبب الذي كان قد حدى ﺑ «بطليموس الخامس» أن يخفي نفسه تحت اسم «نترخت-زوسر». والمفتاح لحل هذه المسألة يظهر أنه يكمن في حادث هام أفاد منه «بطليموس الخامس»: والمقصود هنا حادث تتويج الملك، وذلك أن «بطليموس الخامس» هو في الواقع على حسب الرأي العام أول ملك بطلمي كان قد تُوج في «منف» كما تحدثنا عن ذلك من قبل، وعلى حسب الشعائر القديمة وجدت جماعة الكهنة المصريين الذين وفدوا من جهات مختلفة من مصر أنه قد تآلف عقدهم في معبد «بتاح»، وبذلك نجد أنهم بهذه الصورة قد أعادوا رباط تقليد قديم كان «زوسر» مؤسس الأسرة الثالثة والحكومة المنفية هو الصانع له، وذلك بمساعدة وزيره «أمحوتب» (الذي كان معبده في منف)، وعلى ذلك فإنه ليس من المدهش أن نجد «بطليموس الخامس» ينسب نفسه إلى عترة الفرعون الذي جعل من «منف» في الأزمان القديمة عاصمة للمملكة المصرية، ويُحتمل أن نأخذ في الاعتبار اللقب الذي كان يحمله «بطليموس الخامس» وهو اسم العبادة الذي خلعه الإغريق عليه، وهو الترجمة للقبه بالمصرية، وهو الإله الذي يُظهر نفسه أو المشرق، وهو بالإغريقية «ثيوس إبيفانس» θξός Επίφανήѕ، غير أن الكلمة «جسر» التي تُترجَم بكلمة رفيع أو سامي فإنها تؤدي معنى «الظهور الإلهي»، وكلمة «جسر» هي نفس الكلمة السامية أو العربية «جسر» أي الشيء العالي، وعلى أية حال فإن هذه الكلمة قد فُسرت خلافًا لذلك بالنعت الذي يحمله الملك «زوسر» وهو «نترى-خت» «إلهي الجسد»، وعلى ذلك لن يكون من المدهش أبدًا أن يكون هذا التشابه في النعت الذي كان قد مُنح له مع اسم مؤسس الأسرة الثالثة (19) وذلك لفائدة «بطليموس الخامس».
هذا، ونحن لا نجهل الميول الدينية الخفية ﻟ «بطليموس الخامس» فهي معلومة تمامًا؛ إذ نجده يبحث بكل شغف للحصول على كل حماية إلهية. وأنه كان يجتهد في تقوية عبادة الملك (20).
وبالاختصار فإن لوحة القحط تؤرَّخ بعام 187ق.م وأنها مرسوم أصدره «بطليموس الخامس» ذكر فيه بشكل تصويري عودة الأقاليم الجنوبية المصرية إلى التاج، وكذلك تأمين البلاد بالهدوء والسعادة التي كانت تنعم بها في الأزمان الخالية.
وختامًا بالنسبة لما جاء في هذه اللوحة من نقوش خاصة بالنيل نذكر شيئًا عن موضوع القحط الذي يظهر أنه هو موضوع نفس لوحتنا هذه.
حقًّا نجد أن الأثري «بركش» في كتابه الذي وضعه عن هذه اللوحة قد سماه: «سبع السنوات القحط» التي جاء ذكرها في التوراة، وبذلك قرب سبع السنوات التي تحدثت عنها التوراة بسبع سنوات القحط التي جاءت في لوحة «سهيل»، غير أن هذا التقارب قد انتُقد بسرعة جدًّا بأنه فرية.
وأنه قد يكون من خطل القول أن يُعتبر أحد المتنين بأنه ذكرى للآخر؛ وذلك لأن تقارب أحدهما من الآخر لا ينبغي رفضه بتاتًا.
هذا، ويوجد تقليد عام يحدثنا عن سبع سنوات عجاف قد ثبت تداوله في كل الشرق الأدنى القديم، فلم يكن وجوده إذن قاصرًا على مصر؛ بل كذلك وجدناه في تقاليد «أوجاريت» وحتى «بوغازكوى» (21)، عاصمة بلاد «الخيتا». والمقصود هنا على ما يظهر حدوث دورة مقدارها سبع سنين قحط تليها دورة أخرى مقدارها سبع سنوات رخاء.
وفي مثل هذه الحالة لا يجب ألا يؤخذ رقم سبع سنوات بمعناه الحرفي؛ بل يؤخذ على أنه يعني دون أي شك عددًا هامًّا من سنين القحط، وأن تتابعها يمكن أن يظهر بمظهر إلهي، وأن القحط كان يُعد من ألعن المصائب التي كانت تصيب الشرق القديم.
وتدل شواهد الأحوال على أن القحط في متن «سهيل» كان سببه أكثر من فيضان للنيل غير كاف؛ إذ من الجائز أن يكون الفيضان قد أتى في غير الوقت المناسب؛ فإما أن يكون قبل ميعاده بزمن طويل أو بعد ميعاده بزمن طويل، ومن أجل ذلك يقول المتن: «إن النيل لم يَأْتِ في ميقاته خلال سبع سنوات»، ولكن عندما استولى «بطليموس الخامس» من جديد على إقليم الشلال قد أصبح في مقدوره أن يراقب منابع النيل في «الفنتين»، وبذلك أمن بصورة ما مياه النهر انتظامها الموسمي.
...............................................
1- راجع: Wilbour Travels, p. 515.
2- راجع: Die. Biblischen Sieben Jahre der Heingersnoth, (1891).
3- راجع: Plyte. Compte Rendus de l’Académie des Sciences d’Amsterdam, (1892), 3e Série, T. III
4- راجع: De Morgan, Catalogue des Monuments et inscriptions de l’Egypte, T. 1
5- راجع: Kees (Religionsgeschichtlichen Lesbuch Aegypten. p. 21; and Kees, Gotterglaube, p. 416
6- راجع: يُلحظ في وصف هذا القحط الترتيب المنطقي الصحيح في سرد حوادثه ومفعوله: فنجد أن كاتبه بعد مقدمة جاء فيها ذكر سبب حزن الملك، وهو توالي سبع سنين عجاف؛ يرجع سببها إلى عدم انسجام فيضان النيل سنويًّا وشح مائه. ثم أردف ذلك بالتحدث عن النتيجة التي نجمت عن ذلك موضحة في نقطتين؛ الأولى: قلة محصول الحبوب، والثانية: الجوع الذي تسبب عن ذلك عند الأهالي صغيرهم وكبيرهم، وحتى عند رجال البلاط والدين من جهة أخرى، ثم ختم حديثه للحاكم «مسير» بكلمتين وهما: والحزن العام.
7- راجع: المقصود هنا بطبيعة الحال: النيل نفسه وأمواجه، والمعنى بالضبط هو: الذي يلتوي في سيره كالثعبان. هذا، ونعلم أن كل مقاطعة كانت تعبد إلهًا في صورة ثعبان يمثل الجزء من النيل الذي يخصب إقليمها (راجع: Maspero Etudes de Myth. Arch. Eg. II p 414).
8- راجع: إن ذكر «بيجة» هنا ليس بالأمر المستغرَب؛ وذلك لأننا نعرف أنه يُوجد هناك «أباطون» أي قبر «أوزير-النيل» النيل العظيم الذي من عرقه تُولد الأشجار والأزهار، ومن جهة أخرى فإن الإله «خنوم» يُدعى رئيس «سنمت» (أي أباطون)، وكذلك يُدعى الإله «شو» ساكن «بيجة» (راجع: Junker Onoris legend p. 7).
9- راجع: Jequier Materiaux, p. 121.
10- راجع: W.b. I, 480, 7.
11- راجع: Lucas A. Eg. 392.
12- راجع: Gardiner Wllbour Pap. II, 118.
13- راجع: المقصود هنا عملية كانت تجري في عهد الدولة القديمة بوجهٍ خاص، ثم أعيد استعمالها في عهد البطالمة، وهي عبارة عن ترصيع أحجار سوداء وبيضاء لأجل عمل إنسان العين وقرنيتها، لتعطى حيوية لرؤوس التماثيل.
14- راجع: يُلحظ أن أمحوتب في هذا المتن قد جمع الألقاب التي كانت تُنسب لهذا الوزير (مثل الكاهن المرتل الأول) على أن النعوت التي نُسبت إليه في العهد المتأخر قد جعلت منه إلهًا فأسمته ابن «بتاح» الذي خلف جداره.
15- راجع: Mahaffy: The Empire of the Ptolemies, p. 314.
16- راجع: L. D. IV, 27 b. et 38 d.
17- راجع: Fouilies franco-Polonaises, Tell Edfu III (1950) p. 333-334.
18- راجع: L. D. IV, 18; Sethe Imhotep, p. 18.
19- راجع: ولا بد أن نلحظ هنا أن الاسم «جسر» في اللوحة التي نحن بصددها هو الاسم «حور» الذهبي للملك، والظاهر أنه كان هنا معتبرًا بأنه مجرد نعت.
أما فيما يخص اسم «نترى-خت» (= إلهي الجسد) فقد كان يحمله كل من «بطليموس» السادس و«بطليموس» الحادي عشر بوصفه الاسم الحوري.
20- راجع: Jouguet, L’Egypte Ptolemalque p. 182–4.
21- راجع: H. Gordon, Sabbatical Cycle or Seasonal Pattern dans Grientalia 22 (1953), p. 110.
الاكثر قراءة في العصور القديمة في مصر
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة