سبب نزول الآية 106 من سورة المائدة
المؤلف:
الشيخ ماجد ناصر الزبيدي
المصدر:
التيسير في التفسير للقرآن برواية أهل البيت ( عليهم السلام )
الجزء والصفحة:
ج 2، ص232-234.
2025-11-21
57
سبب نزول الآية 106 من سورة المائدة
قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ (106) فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (107) ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [المائدة : 106 - 108].
1 - سبب نزولها :
( عن علي بن إبراهيم عن رجاله ) ، رفعه ، قال : « خرج تميم الدّاري ، وابن بيدي ، وابن أبي مارية نصرانيين ، وكان مع تميم الداري خرج له ، فيه متاع وآنية منقوشة بالذّهب ، وقلادة أخرجها إلى بعض أسواق العرب للبيع ، فاعتلّ تميم الداري علّة شديدة ، فلمّا حضره الموت دفع ما كان معه إلى ابن بيدي وابن أبي مارية ، وأمرهما أن يوصلاه إلى ورثته ، فقدما المدينة وقد أخذا من المتاع الآنية والقلادة ، وأوصلا سائر ذلك إلى ورثته ، فافتقد القوم الآنية والقلادة ، فقال أهل تميم لهما : هل مرض صاحبنا مرضا طويلا أنفق فيه نفقة كثيرة ؟ فقالا : لا ، ما مرض إلّا أيّاما قلائل. قالوا : فهل سرق منه شيء في سفره هذا ؟ قالا : لا.
قالوا : فهل اتّجر تجارة خسر فيها ؟ ، قالا : لا. قالوا فقد افتقدنا أفضل شيء كان معه ، آنية منقوشة بالذّهب ، مكلّلة بالجوهر ، وقلادة.
فقالا : ما دفع إلينا فقد أدّيناه إليكم. فقدّموهما إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فأوجب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم عليهما اليمين ، فحلفا ، فخلّى عنهما.
ثم ظهرت تلك الآنية والقلادة عليهما ، فجاء أولياء تميم إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فقالوا : يا رسول اللّه ، قد ظهر على ابن بيدي وابن أبي مارية ما ادّعيناه عليهما. فانتظر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم من اللّه عزّ وجلّ الحكم في ذلك ، فأنزل اللّه تبارك وتعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ - إلى قوله - إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فأطلق اللّه عزّ وجلّ شهادة أهل الكتاب على الوصيّة فقط ، إذا كان في سفر ولم يجد المسلمين ، ثمّ قال :
فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ - إلى قوله - إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ فهذه الشهادة الأولى التي جعلها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً أي أنّهما حلفا على كذب فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما يعني من أولياء المدّعي مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ أي يحلفان باللّه أنّهما أحق بهذه الدعوى منهما ، وأنّهما قد كذبا فيما حلفا باللّه لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَمَا اعْتَدَيْنا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ.
فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أولياء تميم الداري أن يحلفوا باللّه على ما أمرهم به ، فحلفوا فأخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم القلادة والآنية من ابن بيدي وابن أبي مارية وردّهما على أولياء تميم الداري ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ » « 1 ».
2 - تفسيرها : قال محمد بن يحيى : سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عزّ وجلّ :
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ - إلى قوله - أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ.
قال : « اللذان منكم : مسلمان ، واللذان من غيركم : من أهل الكتاب ، فإن لم تجدوا من أهل الكتاب فمن المجوس ، لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم سنّ في المجوس سنّة أهل الكتاب في الجزية ، وذلك إذا مات الرّجل في أرض غربة ، فلم يجد مسلمين ، أشهد رجلين من أهل الكتاب ، يحبسان بعد الصلاة فيقسمان باللّه عزّ وجلّ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ - قال - وذلك إذا ارتاب وليّ الميّت في شهادتهما ، فإن عثر على أنّهما شهدا بالباطل ، فليس له أن ينقض شهادتهما ، حتّى يجيء بشاهدين ، فيقومان مقام الشاهدين الأوّلين ، فيقسمان باللّه لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَمَا اعْتَدَيْنا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ فإذا فعل ذلك نقض شهادة الأوّلين ، وجازت شهادة الآخرين ، يقول اللّه عزّ وجلّ : ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ » « 2 ».
________________
( 1 ) الكافي : ج 7 ، ص 5 ، ح 7.
( 2 ) الكافي : ج 7 ، ص 4 ، ح 6.
الاكثر قراءة في أسباب النزول
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة