 
					
					
						معركة قطوان					
				 
				
					
						 المؤلف:  
						أ.د. محمد سهيل طقوش
						 المؤلف:  
						أ.د. محمد سهيل طقوش					
					
						 المصدر:  
						تاريخ السلاجقة في خراسان وإيران والعراق
						 المصدر:  
						تاريخ السلاجقة في خراسان وإيران والعراق					
					
						 الجزء والصفحة:  
						ص 215 ــ 218
						 الجزء والصفحة:  
						ص 215 ــ 218					
					
					
						 2025-09-24
						2025-09-24
					
					
						 188
						188					
				 
				
				
				
				
				
				
				
				
				
			 
			
			
				
				أسبابها: شكل التوسع القراخطائي في تركستان، وتطلع القراخطائيين إلى التوسع في بلاد ما وراء النهر على حساب المسلمين؛ السبب المباشر لمعركة قطوان بين السلطان سنجر وكورخان، أما التي أشعلت نارها فهي قبيلة القارلوق التركية البدوية. كانت هذه القبيلة تمتهن مهنة الرعي في أراضي بلاد ما وراء النهر حتى جاء القراخانيون، واستولوا على هذه البلاد، وأسسوا دولة لهم في ربوعها، وأخضعوا القبائل الضاربة فيها، وبخاصة قبيلتي القارلوق والقُنقلي، وكانت علاقة القارلوق بهم جيدة، فكانت هذه القبيلة تمدهم بالجند، وتؤمن لهم ما يحتاجونه من الخيل، واشتركت معهم في حروبهم ضد أعدائهم الطامعين في بلاد ما وراء النهر، كالغزنويين والسامانيين ثم السلاجقة والخوارزميين. وفي المقابل سمح القراخانيون للقارلوق أن يرتادوا أراضيهم لرعي ماشيتهم، وأضحوا من رعاياهم سواء في سمرقند وبخارى أو في بلاساغون الواقعة إلى الشرق من نهر سيحون، وظلت العلاقة الجيدة سائدة بين الطرفين حتى دخل القراخطائيون على الخط السياسي. فقد شكل القارلوق والقُنقلي قوة عسكرية وسياسية كبيرة في المنطقة، وراح القارلوق يغيرون على المناطق الحضرية فينهبونها من دون أن تتصدى لهم السلطات القراخانية بفعل ضعفها، فاضطرت إلى التماس المساعدة من القراخطائيين، وكانت النتيجة أن قضى هؤلاء على القراخانيين في شرقي سيحون، وسيطروا على أراضيهم وتوسعوا باتجاه الغرب حتى وصلوا إلى شاطىء نهر سيحون الشرقي.
وكان القارلوق يجوبون أراضي ما وراء النهر سعياً وراء الماء والكلأ، وانتشرت مواشيهم وبخاصة خيولهم في نواحي سمرقند بأعداد كثيرة جداً، فراحت تعتدي على الأهالي، فترعى مزارعهم وتتلف محصولاتهم الزراعية فاشتكوا إلى السلطان سنجر.
استشار السلطان سنجر كبار مستشاريه وأمرائه في أمر القارلوق، فأشاروا عليه بأن يتوجه إلى بلاد ما وراء النهر لردعهم، ويبدو أنهم طمعوا في ممتلكاتهم من المواشي التي لا حصر لها، على الرغم من أنهم (القارلوق) يعيشون تحت مظلة السلطان، ويرضخون لمطالبه.
وشدد والي بلاد ما وراء النهر، محمود بن محمد وهو نائب السلطان سنجر، الضغط عليهم، وراح يضايقهم، وأسرف في اختطاف نسائهم وذراريهم، فأرسلوا إلى السلطان (وبذلوا له الخدمة خمسة آلاف جمل وخمسة آلاف فرس وخمسين رأس غنم، ليتمكنوا منه بأقوى ذمم وأوفى عصم وليأمنوا على أهاليهم ونسائهم وذراريهم) (1)، مبرهنين بذلك أنهم على طاعته وتحت إمرته غير أنهم لم يجدوا أذناً صاغية، فكرَّروا الطلب منه برفع التعدي الواقع عليهم ولكن من دون طائل. عندئذ اصطدموا بقوات الوالي وهزموه وخشي أهل سمرقند وبخارى على أنفسهم واشتد خوفهم من أن يهاجمهم القارلوق فأرسل محمود بن محمد يلتمس المساعدة من السلطان سنجر.
وفضَّل القارلوق الرحيل عن المنطقة للحفاظ على أسرهم وأموالهم، فتوجهوا نحو شرقي نهر سيحون، واحتموا بالدولة القراخطائية الوثنية (2)، فرحب بهم كورخان بلاساغون وأمنهم على أنفسهم ونسائهم.
ويبدو أن القارلوق رأوا أن وضعهم كمسلمين تحت حكم دولة وثنية لا يليق بهم، ولم يفقدوا الأمل في العودة إلى بلاد ما وراء النهر ؛ فطلبوا من كورخان أن يشفع لهم لدى السلطان سنجر، فاستجاب لهم، غير أن السلطان السلجوقي رفض الشفاعة وكتب إلى كورخان باستعلاء أن يدخل في الإسلام وتوعده بالدمار الشامل له ولشعبه إن لم يفعل ذلك، وسانده أمراؤه مبرهنين عن قصر نظر في التخاطب السياسي، وعارضه وزيره ناصر الدين طاهر بن فخر الملك بن نظام الملك الذي رفض هذا التصرف لكن السلطان لم يُصغ إليه، وعقد سلوك مبعوثه السيء واللامسؤول أمام كورخان الموقف المتأزم أصلاً، ما دفع كورخان إلى رد الإهانة بنتف لحية المبعوث السلجوقي(3).
رأى كورخان أن سبل السلام قد سُدَّت، وأن السلطان سنجر، لا محالة، قادم إليه لينفذ ما توعده به في رسالته وكان القارلوق قد أطلعوه على الأوضاع الداخلية المتردية للدولة السلجوقية، وأطمعوه في امتلاك ما لديها من أراض غربي نهر سيحون، وقد وصف البنداري هذا الوضع بقوله: (إن الممالك بخراسان وما وراء النهر مشمره، وأن السعادة من سلاطينها متنمرة، وأن سنجر قد تخالف عسكره وكسف معروفه منكره (4).
أحداثها: استعد السلطان سنجر للحرب وجهز حملة بالغ في إعدادها وعديدها،
فقد ذكر المؤرخون (5) أن ملوك وحكام خراسان وأفغانستان، والغور، ومازندران وسجستان، قد انضموا إليه وقد بلغ عديد جيشه ما بين سبعين ألفاً ومائة ألف مقاتل.
واستعد كورخان من جهته، فحشد جيشاً بالغ المؤرخون المسلمون في تحديد عديده، سبعمائة ألف مقاتل (6)، في حين قللت الروايات الصينية من عديده فبلغ عشرة آلاف مقاتل (7)، إلا أن الواقع أنه كان قريباً من عدد أفراد الجيش السلجوقي.
وضع كورخان خطة عسكرية تقضي بمهاجمة خصمه في عقر داره في خطوة استباقية تنم عن بعد نظر وسياسة عسكرية سليمة، فخرج على رأس جيشه من بلا ساغون متوجهاً نحو الجنوب الغربي باتجاه الأراضي السلجوقية، ثم عبر نهر سيحون ودخل منطقة أشروسنة، وهناك جرت المعركة بين الجيشين اللذين وصفهما ابن الأثير بأنهما كانا كالبحرين العظيمين (8) وذلك يوم الثلاثاء (5 صفر 536هـ/9 أيلول 1141م) في مفازة قطوان التي تقع في إقليم أشروسنة في أراضي بلاد ما وراء النهر إلى الشرق من مدينة سمرقند.
وقسم كل قائد جيشه إلى ثلاثة أقسام، ميسرة وميمنة وقلب. وألهب كورخان نفوس جنده حماساً من واقع الخطبة التي ألقاها عليهم قبل بدء المعركة حتى يستميتوا في القتال وصف فيها السلطان سنجر بأنه تعوزه صفة القائد العسكري الحاذق وأنه أي كورخان، سينتزع منه النصر (9).
وضغط كورخان أثناء القتال على الجيش السلجوقي حتى اضطره إلى اللجوء إلى وادي درغم فحشره هناك وقضى عليه وقد بلغ عدد قتلاه حوالي ثلاثين ألفاً غطت جثثهم أرض المعركة، وحمل وادي درغم آلافاً القتلى والجرحى، من وأسر الشخصيات السلجوقية قائدا الميمنة والميسرة الأمير قماج والملك تاج الدين أبو الفضل ملك سجستان، وزوجة السلطان، وفرّ السلطان سنجر من أرض المعركة ناجياً بنفسه حتى لا يقع في الأسر ومعه محمود بن محمد نائبه في بلاد ما وراء النهر، ومرَّ أثناء فراره من أمام كورخان الذي عرفه فلم يحاول سد الطريق عليه
وأسره، وكان يقول: سد الطريق للمنهزم يضطره إلى قتال لا بقاء فيه، ومن يئس من حياته لا يُفكر في العواقب، ربما ينال الظفر بما يدفع عن نفسه (1) وهذه وجهة نظر سليمة.
نتائجها: كان لمعركة قطوان نتائج عدة لعل أهمها:
- خضوع بلاد ما وراء النهر لحكم أجنبي وثني لأول مرة في تاريخ المسلمين في تلك المنطقة منذ الفتح الإسلامي، بعد أن فرَّ منها السلطان سنجر ونائبه محمود بن محمد، والملفت أن الحكم الجديد لم يتعرض لحياة السكان الذين نعموا في ظله بالطمأنينة والعدل، بخلاف ما كانوا يعانونه من ظلم وتعسف في ظل الحكم السلجوقي البائد.
- دخول إقليم خوارزم تحت الحكم القراخطائي، ذلك أن كورخان استغل انتصاره في قطوان فهاجم الإقليم المذكور واستولى عليه وخضع حاكمه أتسز الخوارزمي لحكمه، ودفع الضريبة المترتبة على المنهزم وقدرها ثلاثون ألف دينار ذهب.
- شكلت خسارة السلطان سنجر في معركة قطوان بداية النهاية لحياته بخاصة وهو الذي لم يُهزم من قبل، ودولة السلاجقة العظام بعامة التي فقدت السيطرة على أراضي بلاد ما وراء النهر إلى الأبد، ونالت الهزيمة من سمعة السلطان ومن مكانته في أوساط العامة من مواطنيه في مختلف أنحاء مملكته وشجعت قبائل الغز في خراسان على الثورة عليه فيما بعد وكانوا السبب الرئيس في نهاية حياته وزوال ملكه، واستغل أتسز هذه الخسارة فغزا خراسان قلب الدولة السلجوقية.
- توقف المد الإسلامي باتجاه الشرق، وانحسر نفوذ المسلمين بحيث أضحى نهر جيحون الحد الفاصل بين ممتلكاتهم وممتلكات الوثنيين.
- تردد صدى خسارة السلطان سنجر في الأوساط الأوروبية الغربية، إذ أن أخبار انتصار کورخان الساحق على المسلمين، وما ترتب عليه من خسائر فادحة، وصلت إلى أوروبا، فأحيت الأمل في نفوس الأوروبيين بأن حليفاً لهم قد ظهر في آسيا. والملفت أن هذه الأخبار وصلت إليهم مضخمة، فقد جعلوا كورخان يتقدم إلى الغرب حتى وصل إلى روافد نهر دجلة في طريقه إلى بيت المقدس لمساعدة الصليبيين، وصوّروه بصورة الملك الأسطوري الغامض الخوري يوحنا، الذي قالوا عنه إن مملكته تقع في مكان ما وراء الدول الإسلامية، وتكهنوا بأنه سيقضي على الكفرة، لكن كل ما حققه كورخان في الواقع هو دفع جماعات جديدة من التركمان الثائرين مثل الغز نحو خراسان.
..........................................................
(1) البنداري: ص 365.
(2) كان القراخطائيون يدينون بالمانوية ثم اعتنقوا النصرانية على المذهب النسطوري.
(3) ابن الأثير: جـ 9 ص 118
(4) تاريخ دولة آل سلجوق: ص 365.
(5) الحسيني: ص 93. البنداري: ص 365 ابن الأثير: جـ 9 ص 118.
(6) الحسيني ص 93. البنداري: ص 365، وقارن بابن الأثير الذي يذكر أن عدد أفراد جيش سنجر بلغ ثلاثمائة ألف مقاتل، ص 115.
(7) انظر الغامدي ص 375، 376.
(8) الكامل في التاريخ: جـ 9 ص 119.
(9) المصدر نفسه.
(10) ابن الأثير جـ 9 ص 119. الحسيني: ص 94، 95.
				
				
					
					 الاكثر قراءة في  الدولة العباسية *
					 الاكثر قراءة في  الدولة العباسية *					
					
				 
				
				
					
					 اخر الاخبار
						اخر الاخبار
					
					
						
							  اخبار العتبة العباسية المقدسة