في المؤاخاة ، والمصادقة ، وما يتعلّق بهما
المؤلف:
الشيخ عبد الله المامقاني
المصدر:
مرآة الكمال
الجزء والصفحة:
ج2/ ص209-214
2025-06-14
799
قال أمير المؤمنين عليه السّلام : الإخوان صنفان : إخوان الثقة ، وإخوان المكاشرة[1] ، وأمّا إخوان الثقة فهم كالكفّ ، والجناح ، والأهل ، والمال ، فإذا كنت من أخيك على ثقة فابذل له مالك ويدك ، وصاف من صافاه ، وعاد من عاداه ، واكتم سرّه ، وأعنه ، وأظهر منه الحسن ، واعلم انّهم أعزّ من الكبريت الأحمر ، وأمّا إخوان المكاشرة فإنّك تصيب منهم لذّتك فلا تقطعنّ ذلك منهم ، ولا تطلبنّ ما وراء ذلك من ضميرهم ، وابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه وحلاوة اللسان[2] ، وورد أنّه لا تكون الصداقة إلّا بحدودها ، فمن كانت فيه هذه الحدود أو شيء منها فانسبه إلى الصداقة ، ومن لم يكن فيه شيء منها فلا تنسبه إلى شيء من الصداقة .
فأوّلها : أن تكون سريرته وعلانيته لك واحدة .
والثانية : أن يرى زينك زينه ، وشينك شينه .
والثالثة : أن لا يغيّره عليك ولاية ولا مال .
والرابعة : أن لا يمنعك شيئا تناله مقدرته .
والخامسة : - وهي تجمع هذه الخصال - أن لا يسلمك عند النكبات[3].
وملخّصه قول أمير المؤمنين عليه السّلام : لا يكون الصديق صديقا حتّى يحفظ أخاه في ثلاث : في نكبته ، وغيبته ، ووفاته[4].
ويستحبّ استفادة الإخوان في اللّه ، لما ورد من أنّ من استفاد أخا[5] في اللّه استفاد بيتا في الجنة[6] ، وأنّه ما استفاد امرؤ مسلم فائدة بعد الإسلام مثل أخ يستفيده في اللّه[7].
ويكره الزهد في أخوّة فقراء الشيعة للنهي عنه ، معلّلا بأنّ الفقير ليشفع يوم القيامة في مثل ربيعة ومضر ، وأنّ المؤمن إنّما سمي مؤمنا لأنه يؤمّن على اللّه فيجيز أمانه[8].
ويستحب اجتماع إخوان الدّين ، ومحادثتهم بالدينيّات ، ومصائب أهل البيت عليهم السّلام ، والتفجّع والبكاء عليهم ، لما ورد من قول أبي عبد اللّه عليه السّلام لفضيل : تجلسون وتحدّثون ؟ قال : نعم ، قال : تلك المجالس أحبّها ، فأحيوا أمرنا ، رحم اللّه من أحيا أمرنا ، يا فضيل ! من ذكرنا أو ذكرنا عنده فخرج من عينيه مثل جناح الذباب غفر اللّه له ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر[9].
وورد الأمر بتلاقي بعض الشيعة مع بعض في بيوتهم ، لأنّ في لقاء بعضهم بعضا حياة لأمر أهل البيت عليهم السّلام[10]. وقال الصادق عليه السّلام لأصحابه : اتّقوا اللّه وكونوا أخوة بررة ، متحابين في اللّه ، متواصلين متراحمين[11].
وعن أبي جعفر عليه السّلام أنه قال : اجتمعوا وتذاكروا تحفّ بكم الملائكة ، رحم اللّه من أحيا أمرنا[12].
ويستحب مواساة الإخوان ، بل هي من شرط الأخوّة ، لقول أبي جعفر عليه السّلام للوصافي : أرأيت من قبلكم إذا كان الرجل ليس عليه رداء ، وعند بعض إخوانه رداء يطرحه عليه ؟ قال : قلت : لا ، قال : فإذا كان ليس عنده إزار يوصل إليه بعض اخوانه بفضل إزاره حتّى يجد له إزارا ؟ قال : قلت : لا ، قال : فضرب يده على فخذه ثم قال : ما هؤلاء بإخوة[13].
وقد عدّ عليه السّلام مواساة الأخ المؤمن في المال من جملة الثلاثة الّتي جعلها اللّه من أشدّ ما افترض على خلقه[14] ، لكن روى إسحاق بن عمّار قال : كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام ، فذكر مواساة الرجل لإخوانه وما يجب له عليهم ، فدخلني من ذلك أمر عظيم ، فقال : إنّما ذلك إذا قام قائمنا عجل اللّه تعالى فرجه وجب عليهم أن يجهزوا إخوانهم ، وأن يقروهم[15].
وينبغي الإغضاء عن الإخوان وترك مطالبتهم بالإنصاف ، لما ورد من قول الصادق عليه السّلام : لا تفتّش الناس فتبقى بلا صديق[16]. وانّه ليس من الإنصاف مطالبة الإخوان بالإنصاف[17].
ويستحبّ اختبار الإخوان بالمحافظة على الصلوات في أوقاتها ، والبرّ بإخوانهم ، ومفارقتهم مع الخلو عن الوصفين ، لما ورد عنه عليه السّلام من قوله :
اختبروا إخوانكم بخصلتين فإن كانتا فيهم والّا فاعزب ثم اعزب : المحافظة على الصلوات في مواقيتها ، والبر بالإخوان في العسر واليسر[18].
ويستحبّ لمن احبّ أخا مؤمنا أن يخبره بحبّه له ، للأمر بذلك ، معلّلا بأنّه أثبت للمودّة ، وخير للألفة[19].
ويكره ذهاب الحشمة بين الإخوان بالكليّة ، والاسترسال والمبالغة في الثقة ، للنهي عن ذلك ، معلّلا بانّ في ذهاب الحشمة ذهاب الحياء[20]. وقال الصادق عليه السّلام : لا تطلع صديقك من سرّك إلّا على ما لو اطّلع عليه عدوك لم يضرّك ، فإن الصديق ربّما كان عدوّا[21].
ويكره كراهة شديدة مؤاخاة الفاجر الأحمق والكذّاب ، لما ورد من انّه ينبغي للمسلم ان يجتنب مواخاة ثلاثة : الماجن الفاجر ، والأحمق ، والكذّاب ، فأمّا الماجن الفاجر فيزيّن لك فعله ، ويحبّ أن تكون مثله ، ولا يعينك على أمر دينك ومعادك ، ومقاربته جفاء وقسوة ، ومدخله ومخرجه عار عليك ، وأمّا الأحمق فإنّه لا يشير عليك بخير ، ولا يرجى لصرف السوء عنك ولو أجهد نفسه ، وربّما أراد منفعتك فضرّك ، فموته خير من حياته ، وسكوته خير من نطقه ، وبعده خير من قربه ، وأمّا الكذّاب فإنه لا يهنيك معه عيش ، ينقل حديثك ، وينقل إليك الحديث كلّما فنى أحدوثة مطها[22] بأخرى مثلها حتى انّه يحدّث بالصدق فما يصدّق ، ويفرق بين الناس بالعداوة فينبت السخايم[23] في الصدور ، فاتّقوا اللّه وانظروا لأنفسكم[24].
وقال لقمان عليه السّلام لابنه : يا بني ! لا تقرب الفاجر فيكون ابعد لك ، ولا تبعد فتهان ، كلّ دابة تحبّ مثلها ، وانّ ابن آدم يحبّ مثله ، ولا تنشر بزّك[25] الّا عند باغيه ، كما ليس بين الذئب والكبش خلّة كذلك ليس بين البارّ والفاجر خلّة ، من يقرب من الرفث[26] يعلق به بعضه ، كذلك من يشارك الفاجر يتعلّم من طرقه ، من يحبّ المراء يشتم ، ومن يدخل مداخل السوء يتّهم ، ومن يقارن قرين السوء لا يسلم ، ومن لا يملك لسانه يندم[27].
وورد الأمر بملازمة الصديق القديم ، والتحذير عن كل محدث لا عهد له ، ولا أمانة ، ولا ذمّة ، ولا ميثاق . قال عليه السّلام : وكنّ على حذر من أوثق الناس عندك[28].
[1] التبسم من غير صوت . [ منه ( قدس سره ) ] . مجمع البحرين 3 / 474 .
[2] مستدرك وسائل الشيعة : 2 / 61 باب 3 حديث 1 .
[3] الخصال : 1 / 277 حدود الصداقة خمسة حديث 19 .
[4] نهج البلاغة القسم الثالث 3 / 184 .
[6] ثواب الأعمال : 182 ثواب من استفاد أخا في اللّه عزّ وجلّ .
[7] أمالي الشيخ الطوسي : 1 / 45 ، بسنده عن أبي العباس الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمد عليهما السّلام ، قال : قال رسول صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : أوّل عنوان صحيفة المؤمن بعد موته ما يقول الناس فيه ان خيرا فخير ، وإن كان شرّا فشرّ ، وأول تحفة المؤمن أن يغفر له ولمن تبع جنازته ، ثم قال : يا فضل ! لا يأتي المسجد من كل قبيلة إلّا وافدها ، ومن كل أهل بيت الّا نجيبها ، يا فضل ! لا يرجع صاحب المسجد بأقل من إحدى ثلاث اما دعاء يدعو به يدخله اللّه الجنّة ، وأمّا دعاء يدعو به فيصرف اللّه به بلاء الدنيا ، وأمّا أخ يستفيده في اللّه عزّ وجلّ ، قال : ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : ما استفاد امرؤ مسلم فائدة بعد فائدة الإسلام مثل أخ يستفيده في اللّه ، ثم قال : يا فضل ! لا تزهدوا في فقراء شيعتنا ، فإن الفقير منهم ليشفع يوم القيامة في مثل ربيعة ومضر ، يا فضل ! إنّما سمي المؤمن مؤمنا لأنه يؤمن على اللّه فيجيز اللّه أمانه ، ثم قال : أما سمعت اللّه تعالى يقول في أعدائكم إذا رأوا شفاعة الرجل منكم لصديقه يوم القيامة فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ ، وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ .
[9] وسائل الشيعة : 8 / 410 باب 10 حديث 1 ، عن مصادقة الإخوان : 4 ، وقرب الإسناد : 18 .
[11] مصادقة الإخوان : 6 .
[12] مصادقة الإخوان : 10 .
[13] مصادقة الإخوان : 8 .
[14] وسائل الشيعة : 8 / 415 باب 14 حديث 5 ، بسنده عن ابن أعين انّه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام : عن حق المسلم على أخيه فلم يجيبه ، قال : فلما جئت أودّعه قلت : سألتك فلم تجبني . قال : إنّي أخاف أن تكفروا . وان أشد ما افترض اللّه على خلقه ثلاث ، إنصاف المؤمن من نفسه حتى لا يرضى لأخيه المؤمن من نفسه إلّا بما يرضى لنفسه ، ومواساة الأخ المؤمن في المال [ في اللّه ] ، وذكر اللّه على كل حال ، وليس سبحان اللّه والحمد للّه ، ولكن عندما حرّم اللّه عليه فيدعه .
[15] مصادقة الإخوان : 8 .
[16] أصول الكافي : 2 / 651 باب الإغضاء حديث 2 .
[17] أمالي الشيخ الطوسي : 286 .
[18] أصول الكافي : 2 / 672 باب النوادر حديث 7 .
[19] أصول الكافي : 2 / 644 باب إخبار الرجل أخاه بحبّه حديث 1 و 2 .
[20] أصول الكافي : 2 / 672 باب النوادر حديث 5 .
[21] أمالي أو المجالس للشيخ الصدوق : 397 المجلس الخامس والتسعون .
[22] اي كر على أخرى مثلها . [ منه ( قدس سره ) ] .
[23] اي الأحقاد [ منه ( قدس سره ) ] . وفي المتن : رفت .
[24] أصول الكافي : 2 / 376 باب مجالسة أهل المعاصي حديث 6 .
[25] اي متاعك [ منه ( قدس سره ) ] .
[26] اي التبن [ منه ( قدس سره ) ] .
[27] أصول الكافي : 2 / 642 باب من تكره مجالسته حديث 9 ، باختلاف يسير . أقول : الرفت - بالراء غير المعجمة ، والفاء بنقطة واحدة من فوق ، والتاء بنقطتين من فوق - هو التبن من الحنطة والشعير . وفي نسختنا من أصول الكافي من الزّفت - بالزاي المعجمة - القار ، والظاهر صحة الأخير .
[28] أصول الكافي : 2 / 638 باب من يجب مصادقته ومصاحبته حديث 4 ، بسنده قال أبو عبد اللّه عليه السّلام عليك بالتلاد ، وإيّاك وكلّ محدث لا عهد له ولا أمان ، ولا ذمّة ولا ميثاق ، وكنّ على حذر من أوثق الناس عندك .
الاكثر قراءة في اداب عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة