الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
أسباب الأمراض النفسية
المؤلف: جون باولبي
المصدر: رعاية الطفل ونمو المحبة
الجزء والصفحة: ص 15 ــ 23
2024-12-24
147
من بين أهم التطورات في الطب النفسي خلال ربع القرن الماضي الحقيقة المتصلة بتزايد الأدلة على أن نوع العناية التي يلقاها الطفل من والديه في سني حياته الأولى ذات أثر بالغ على صحته العقلية في المستقبل، ونتيجة لهذه المعلومات الحديثة نجد اتفاقاً تاماً بين العاملين في ميدان توجيه الأطفال في كل من أوروبا وأمريكا على جملة من الأفكار الرئيسية في هذا الميدان. يتشابه هؤلاء العاملون في الطريقة التي يعالجون ويدرسون ويشخصون بها علل مرضاهم، ثم إنهم يتشابهون في أهداف علاجهم بل إنهم ليلتقون فوق كل ذلك في النظريات التي يرتكز عليها عملهم في تحديد أسباب الأمراض العقلية، ويكفي أن نقول إن ما يعتقد أنه ضروري لضمان الصحة العقلية هو ضرورة ممارسة الطفل والحدث الصغير لنوع من العلاقة الدافئة القريبة المستمدة مع أمه أو مع من يحل محلها بصفة دائمة أي مع بديلة دائمة للأم وهي الشخص الذي يتبناه بصفة مستمرة، بحيث يجد فيها كل من الطرفين متعة وتحقيقاً لاحتياجاته. وإن هذه العلاقات المتشابكة السخية المجزية التي تقوم بين الطفل وأمه في سنوات حياته الأولى والتي تتنوع بطرق لا حصر لها باتصاله بأبيه وإخوته وأخواته هي التي تؤثر على نمو الطفل الخلقي والعقلي كما يعتقد أطباء الصحة العقلية للأطفال وكثيرون غيرهم.
وتلك الحالات التي يحرم فيها الطفل من هذه العلاقة يطلق عليها اصطلاحاً (الحرمان من الأمومة) وهو اصطلاح عام يشمل عدداً من الأوضاع المختلفة، فقد يكون الطفل محروماً مع أنه يعيش في منزله إذا ما كانت أمه الحقيقية أو بديلة أمه غير قادرة على منحه المحبة والعناية التي يحتاجها الأطفال الصغار، كما يعتبر الطفل محروماً إذا كان بعيداً عن رعاية أمه لأي سبب من الأسباب، ويعد هذا الحرمان بسيطاً نسبياً إذا وجد الطفل رعاية من شخص درج على الاتصال به والثقة به، ولكنه قد يكون ذا أثر خطير إذا ما كانت المربية غريبة عنه حتى لو كانت تحبه. كل هذه التدابير ولو أنها تمنح الطفل بعض الرضى إلا أنها تعتبر أمثلة للحرمان الجزئي الذي يختلف عن الحرمان التام الذي لا يزال مألوفاً في المؤسسات أو دور الحضانة الداخلية والمصحات حيث لا يجد الطفل عادة فرداً واحداً مخصصاً لرعايته بطريقة شخصية بحيث يشعر معه بالأمن والطمأنينة.
وتختلف الآثار السيئة الناتجة عن الحرمان تبعاً لدرجة ذلك الحرمان، فالحرمان الجزئي يسبب القلق والتعطش إلى المحبة كما يولد الشعور الغامر بالرغبة في الانتقام، وعن الأخيرين ينتج الشعور بالذنب والاكتئاب. فالطفل الصغير الذي لم ينضج عقلا وجسما لا يستطيع أن يجابه كل هذه الانفعالات والدوافع. وقد تكون الطرق التي يستجيب بها الطفل لهذه المتاعب في حياته الداخلية من العوامل المؤدية في النهاية إلى الاضطرابات العصبية وعدم الاستقرار السلوكي والخلقي.
أما الحرمان الكلي فله آثار أشد خطراً على النمو الخلقي بل ربما يسبب العجز التام عن إيجاد علاقات بالآخرين، وقد اكتشف كثير من الباحثين العلاقة بين انهيار الأسرة وفشل الأطفال في تكيف أنفسهم للحياة مع الآخرين.
ومع أن هذه الدراسات قد أكدت الأهمية القصوى للخبرات الأولى للطفل في الحياة المنزلية إلا أن فكرة (الأسرة المنهارة)، تتضمن كثيراً من العوامل مما يجعلها غير صالحة كتصنيف يستعان به في الدراسة العالمية. ولهذا يحسن أن نحصر أذهاننا في دراسة نوع العلاقة التي تنمو بين الطفل وأمه وأبيه. وإذا ما لجأنا إلى هذا المنهج فينكشف كثير من الغموض المتعلق بمنشأ الأمراض العقلية.
ومما يوضح فائدة هذه النظرة تلك الدراسة الحديثة لحالات مائة واثنين من المجرمين الأحداث الذين تتراوح أعمارهم بين الخامسة عشرة والثامنة عشرة في إحدى الإصلاحيات الإنجليزية، ومنها يظهر بوضوح كيف أن القلق الناتج عن العلاقة السيئة في مرحلة الطفولة الأولى يهيء الأطفال للاستجابة بطريقة غير اجتماعية لما يواجهونه من ضغوط في مراحل حياتهم التالية. وقد تبين أن معظم مواقف القلق الأولى في حياة هؤلاء الأولاد كانت مظاهر معينة للحرمان من الأمومة.
وطبيعي أن هناك أموراً عديدة أخرى عدا الحرمان تنجم عن انفصال الطفل عن أبويه أو إبعاده عنهما بطريقة غير مشروعة، حيث قد تصبح فيها العلاقة بهما غير سوية. ومن أهمها:
(أ) اتجاه لا شعوري نحو نبذ الطفل يكمن وراء اتجاه المحبة.
(ب) المغالاة في طلب المحبة والاطمئنان من جانب الأم.
(ح) رضاء الأم لا شعورياً عن تصرفات طفلها في الوقت الذي تظن أنها تلومه.
ومع كلٍ فإن هذه الأبحاث لا يتعرض لها هذا الكتاب كما أنها لا تعالج بالتفصيل علاقة الطفل بأبيه، والسبب في ذلك هو أن جميع الشواهد التي تعنينا هنا هي الخاصة بعلاقة الطفل بأمه والتي هي بلا شك في الظروف العادية أعظم علاقاته أهمية خلال هذه السنوات من حياته.
إن الأم هي التي تغذيه وتنظفه وتدفئه وتعمل على راحته، وإليها يلجأ عندما تكتنفه المتاعب، أما الوالد فأنه يأتي، في نظر الطفل الصغير، في المرتبة الثانية ویزداد مركزه أهمية كلما استطاع الطفل أن يستقل بنفسه. ومع ذلك فإن للآباء فوائدهم حتى في عهد الطفولة، إذ أنهم لا يقتصرون على منح زوجاتهم ما يمكنهن من أن يهين أنفسهن إلى أقصى الحدود للعناية بالطفل، بل يبذلون هم أنفسهم من الحب والمشاركة ما يساعد الأم مساعدة عاطفية. وهذا كله يمكنه من الاحتفاظ بحالة من الرضى والانسجام في ذلك الجو الذي ينمو فيه الطفل، ولهذا فإنه في الوقت الذي نلجأ فيه في الفصول القادمة إلى الاستدلال المستمر بعلاقة الطفل بأمه، فإننا لن نشير إلا قليلا إلى علاقته بأبيه مسلمين بدوره الاقتصادي وقيمته في التدعيم العاطفي لحياة الأم.
إن النظريات التي تضع أسس الاضطرابات العقلية المتعلقة بهذه المسائل العائدية الخاصة تجد أصولها في أبحاث (سيجمند فرويد) وغيره من أعضاء مدرسة التحليل النفسي التي أسسها. والواقع إن قدراً كبيراً من البحث قد قام به أطباء الصحة النفسية وعلماء النفس من أنصار هذه النظرة بحكم تدريبهم، وتناقض هذه النظريات طبعاً تناقضاً تاماً مع النظريات التي ينصب كل اهتمامها على العوامل الفطرية والوراثية ومع الذين يجعلون الوراثة مسئولة عن شيء، ويكفي القول بأن الأهمية النسبية لكل من الفطرة والبيئة لم تتحدد بعد. ومن المفيد أن تتذكر بهذه المناسبة أن الدراسة الحديثة للجنس البشري والحيوانات قبل الولادة قد أنتجت مجموعة من الحقائق تدل على أن التغيرات الضارة في البيئة قبل الولادة قد تسبب عيوباً في النمو والنشأة مماثلة تماماً لما كان يظن في الماضي أنها من أثر الوراثة.
وهذا كشف على جانب كبير من الأهمية له ما يقابله من نتائج علم النفس کما سنرى، ومن المؤكد مع ذلك أن مثل هذه الكشوف لا تتعارض بأية وسيلة مع نظريات التأثير الضار للعوامل الوراثية إلا فيما يعتقده الناس من أن العوامل الوراثية هي المسئولة وحدها عن جميع الفوارق في السلوك البشري. وفي الحقيقة هناك ما يدعو إلى الاعتقاد بأن عوامل الوراثة تلعب هي الأخرى دوراً هاماً، وأن أعظم تقدم علمي سيتحقق عندما يدرس التفاعل بين الجانبين. وهناك مبدأ آخر من مبادئ علم الحياة على جانب كبير من الأهمية ينبثق من دراسة النمو قبل الولادة، وذلك أن الآثار الضارة على الجنين الذي لم يولد سواء أكان حيواناً أم إنساناً نتيجة لحالات السكر أو للعدوى وغيرهما مما يلحق ضرراً بالجنين لا تختلف حسب طبيعة الضرر وتكوين ووظيفة الأنسجة التي أصيبت أساساً بل تختلف أيضاً حسب مقدار نضوج تلك الأنسجة.
ومن الأمثلة ذات الأهمية الخاصة في هذا الصدد ما كشف عنه جراح استرالي حيث يبين مقدار ما يحيق بطفل لم يولد من جراء إصابة أمه بالحصبة الألمانية، فإذا ما أصيبت الأم بهذا المرض في الفترة الأولى من الحمل بين الأسبوع السادس والعاشر فهناك خطر بالغ من أن ميكروب الحصبة الألمانية سيؤذي الطفل الذي لم يولد وخاصة في عينيه وأذنيه التي يبدأ تكوينها في ذلك الوقت فينتج عن ذلك العمى والصمم، ولو أنها أصيبت بذلك المرض قبل أو بعد ذلك الوقت فلن يكون هناك خطر أو أذى ــ فهناك إذن فترة معينة وهي فترة بدء تكوين العضو حيث يكون معرضاً للضرر بوجه خاص.
وهناك العديد من الأسباب التي تحمل على الاعتقاد بأن الخبرات العاطفية في مرحلة مبكرة جداً من الحياة العقلية قد تحدث بنفس الطريقة نتائج خطيرة قد يمتد أثرها إلى أمد طويل. وقد ثبت من الدراسات العديدة التي قام بها علماء الأحياء الأوروبيون صدق هذا في حياة الطيور والكلاب، إذ تتأثر تصرفات الطيور الكاملة النمو إلى حد كبير حيال بني جنسها بما فيها أزواجها بكنه من رعاها في شبابها المبكر. وفي الحقيقة تصل الحساسية بكثير من الطيور إلى درجة كبيرة نحو من يرعاها بعد الفقس مباشرة، حتى أنه لو تبناها إنسان فإنها تتعلق إلى حد كبير بذلك الإنسان أكثر من تعلقها بغيرها من الطيور وأخيراً تتوطد المحبة بينها وبين بني الإنسان.
والحيوانات الأكثر تقدماً ليست لحسن الحظ مثل الطيور بهذه الدرجة من الحساسية نحو من يرعاها في بدء طفولتها، كذلك فإن الشخص الذي يختاره الكلب ليكون سيده يتم وهو لا يزال جروا. ويصدق هذا بصفة خاصة على الكلاب الصينية، فإذا ما أراد شخص أن يتثبت من صدق ولاء الكلب الصيني يجب عليه أن يقوم بتربيته من صغره بنفسه إذ أنه لا يستطيع ذلك إذا ما بلغ الكلب أربعة أو خمسة أشهر من عمره.
وهذه الأمثلة كافية طبعاً ليدرك القارئ الفكرة الأساسية من أن ما يحدث في الشهور والسنوات الأولى من الحياة يكون ذا أثر دائم وعميق، وأن النظريات المعروضة في هذا الكتاب ليست بعيدة الاحتمال في حد ذاتها، هذا فضلا عن أنها متفقة مع ما أثبته علم الأحياء سواء عن النمو الجسمي أو العقلي.
لكن قبل أن نبدأ في استعراض كافة النتائج المحزنة التي تلاحق الأطفال الذين لا أم لهم فإنه من المناسب هنا أن تقال كلمة لطمأنة الأمهات. ذلك أن قراءة بعضهن لما قد يصيب نفسية الطفل من تدمير مروع نتيجة للحرمان قد يجعلهن يضطربن خوفاً من أن يكن قد فشلن في إعطاء أطفالهن ما يحتاجون إليه وهنا يجب أن تؤكد حقيقة هامة وهي أن الحالات التي وصفناها إنما هي عن الأطفال المحرومين حرماناً تاماً، وهم الذين لم يذوقوا طعم العاطفة أو ينالوا قسطاً من الرعاية - إنها تماماً ذلك النوع من الرعاية الذي تمنحه الأم لطفلها دون تفكير في أن هذه الرعاية هي ما يحتاج إليه. إن ما يحتاجه فعلا هو العناق والمداعبة وأنواع القرب والضم التي تصاحب الرضاعة والتي يحس فيها الطفل بالراحة في أحضان أمه. كما أن رقابة غسل جسمه وإلباسه ملابسه وإعجاب الأم وإعزازها لأطرافه الصغيرة تعرفه قيمة تلك الأطراف - وهذه الأشياء كلها هي ما يفتقده الطفل، إن محبة أمه وسرورها به هي غذاؤه الروحي - وهنا نعيد القول بأن مقارنة ذلك بالصحة الجسمية تؤدي إلى حقيقة العلاقة بالأم فتقدم الأم في لبنها الغذاء المطلوب للطفل محتوياً على المخلوط الصحيح تماماً دون حاجة إلى عمل تحليل كيمائي أو إلى اتباع معادلة. إنه إذا ما نقصت هبات الطبيعة وجب إذاً على العلم أن يدرس حقيقة هذه الهبات ليصل إلى أحسن وسيلة يمكن أن تقوم بالتعويض عنها.
إن حاجة الأطفال التامة إلى عناية أمهاتهم المستمرة ستؤثر على كل من يقرأون هذا الكتاب وسيسأل البعض - هل من الممكن ألا أترك طفلي أبدا؟ ومع أن الأمر في حاجة إلى مزيد من المعرفة قبل ذكر الإجابة الصحيحة إلا أنه من الممكن ذكر بعض النصائح. ففي المرتبة الأولى يجب أن ندرك أن ترك أي طفل لم يبلغ الثالثة من عمره يعتبر أمراً خطيراً إنما يتخذ فقط لصالح الطفل ولأسباب كافية، وإذا ما أتخذ هذا القرار يجب أن يخطط له بعناية ويجب ألا يوضع الطفل مع أناس لا يعرفهم مهما كانت الأسباب، ولهذا يحسن اختيار الأقارب والجيران. ومن المفيد أن تكون هناك فترة انتقال لبضعة أيام يكون الطفل خلالها تحت رعاية كل من الأم وبديلتها، وبهذا نعطي الطفل فرصة يتواءم فيها مع الشخص الجديد، كما نعطي بديلة الأم فرصة معرفة ما يحبه الطفل وما يكرهه. ويجب أن تدرك بديلة الأم أن الطفل سيحزن لترك أمه وخاصة في ساعة النوم، وأنه سيظل من متعلقاً بها طالباً رعايتها أكثر من أي طفل عادى في نفس سنه، وفي هذه الحالة ستكون للعبة المفضلة قيمة كبيرة خاصة، ويحس الطفل الذي يزيد عمره على ثمانية عشر شهراً ببعض الراحة إذا ما حصل على بطاقات البريد وكذلك على الهدايا التذكارية التي ترسلها إليه أمه وأيضاً من تأكيدها بأنها ستعود إليه سريعاً. وكل هذه الأمور تستحق التنظيم دائماً سواء كانت تبدو واضحة أو غير واضحة، وأخيراً يجب ألا يصيب الاكتئاب بديلة الأم إذا ما عادت الأم الحقيقية. حين يترك الطفل البديلة وينبذها دون كلمة شكر كما لو كانت ملابس قديمة.
ويجب على الأم طبعاً أن تهيء نفسها على أن طفلها سيغضب من عودتها، ومع أنه قد يحقق آمالها بتحيتها في حرارة فيجب ألا تتعجب من فتوره وابتعاده عنها لمدة ساعات أو لمدة يوم أو اثنين، ويجب أن تأخذ في اعتبارها أنه قد لا يذكرها وإن كان في هذا طعنة نجلاء لكبريائها، وفضلا عن ذلك فإنه حتى بعد أن يستجيب لها فستظل هناك صعوبات، إذ أنه قد يصبح شديد التعلق بها. كثير المطالب منها والغيرة عليها. ولو عولج ما عنده من قلق بحنان وعطف فستسير الأمور تدريجياً سيرها العادي، أما إذا استمر ما به من قلق فسيؤدي ذلك إلى المتاعب.
من الطبيعي أن تعمل الأم على أن يكون الوقت الذي تقضيه بعيداً عن طفلها أقصر ما يمكن، ولو أن ذلك قد يكون خارجاً عن إرادتها في بعض الأحيان، ويميل كثير من الأمهات والآباء إبان العطلة إلى ترك أطفالهم تحت رعاية جداتهم، ولكن يحسن ألا تزيد تلك المدة على أسبوع أو عشرة أيام.
عندما يبلغ الطفل الثالثة من عمره يمكن بلا خوف أخذ إجازات أطول بعيداً عنه، على أن يكون تحت رعاية شخص يحبه ويثق به، شريطة أن يقدر ذلك الشخص ويحترم ما سوف ينتاب الطفل من قلق حتمي.
وتقتضي رعاية الأطفال الصغار والرضع وقتاً وخبرة من الأم، ولكن كما ازدادت معرفتها بطبيعة ذلك المخلوق الذي ترعاه كانت تلك الرعاية أسهل وأكثر جدوى فهي في ذلك كالبستاني الذي كلما زادت معرفته بطبيعة النباتات التي يزرعها سهل عمله. وتستطيع الأم العادية في ضوء هذا الإدراك الاعتماد على ما تمليه عليها غرائزها على أساس الحقيقة السعيدة القائمة على أن الحنان الذي تمليه هذه الغرائز هو ما يحتاجه الطفل.
ولهذا فإن أول كتاب من الكتب الأساسية المقررة عن العناية بالطفل عنوانه: (لقد ذهب هذا الخنزير الصغير إلى السوق).