x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
أسرة النبي (صلى الله عليه وآله)
آبائه
زوجاته واولاده
الولادة والنشأة
حاله قبل البعثة
حاله بعد البعثة
حاله بعد الهجرة
شهادة النبي وآخر الأيام
التراث النبوي الشريف
معجزاته
قضايا عامة
الإمام علي بن أبي طالب
الولادة والنشأة
مناقب أمير المؤمنين (عليه السّلام)
حياة الامام علي (عليه السّلام) و أحواله
حياته في زمن النبي (صلى الله عليه وآله)
حياته في عهد الخلفاء الثلاثة
بيعته و ماجرى في حكمه
أولاد الامام علي (عليه السلام) و زوجاته
شهادة أمير المؤمنين والأيام الأخيرة
التراث العلوي الشريف
قضايا عامة
السيدة فاطمة الزهراء
الولادة والنشأة
مناقبها
شهادتها والأيام الأخيرة
التراث الفاطمي الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن (عليه السّلام)
التراث الحسني الشريف
صلح الامام الحسن (عليه السّلام)
أولاد الامام الحسن (عليه السلام) و زوجاته
شهادة الإمام الحسن والأيام الأخيرة
قضايا عامة
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسين (عليه السّلام)
الأحداث ما قبل عاشوراء
استشهاد الإمام الحسين (عليه السّلام) ويوم عاشوراء
الأحداث ما بعد عاشوراء
التراث الحسينيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام السجّاد (عليه السّلام)
شهادة الإمام السجّاد (عليه السّلام)
التراث السجّاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الباقر
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الباقر (عليه السلام)
شهادة الامام الباقر (عليه السلام)
التراث الباقريّ الشريف
قضايا عامة
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الصادق (عليه السلام)
شهادة الإمام الصادق (عليه السلام)
التراث الصادقيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الكاظم (عليه السلام)
شهادة الإمام الكاظم (عليه السلام)
التراث الكاظميّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن موسى الرّضا
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الرضا (عليه السّلام)
موقفه السياسي وولاية العهد
شهادة الإمام الرضا والأيام الأخيرة
التراث الرضوي الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الجواد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
شهادة الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
التراث الجواديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن محمد الهادي
الولادة والنشأة
مناقب الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
شهادة الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
التراث الهاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي العسكري
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
شهادة الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
التراث العسكري الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن الحسن المهدي
الولادة والنشأة
خصائصه ومناقبه
الغيبة الصغرى
السفراء الاربعة
الغيبة الكبرى
علامات الظهور
تكاليف المؤمنين في الغيبة الكبرى
مشاهدة الإمام المهدي (ع)
الدولة المهدوية
قضايا عامة
النبي يعرض نفسه على القبائل لحمايته من قريش « صلى الله عليه وآله »
المؤلف: الشيخ علي الكوراني
المصدر: السيرة النبوية عند أهل البيت عليهم السلام
الجزء والصفحة: ج1، ص460-477
2024-09-16
272
1 - بدأ ( ( صلى الله عليه وآله ) ) يعرض نفسه على القبائل من السنة الرابعة
أ . كان العرب يحجون إلى مكة في شهر ذي الحجة ، ويعتمرون في رجب ، ويقيمون بعد الحج سوقهم المشهور سوق عُكاظ . وقد أمر الله نبيه ( صلى الله عليه وآله ) أن يلتقي بشخصياتهم ويطلب منهم أن يحموه ليبلغ رسالة ربه ، لأن قريشاً منعته من تبليغها .
ففي تفسير العياشي : 2 / 253 عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « اكتتم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بمكة سنين ليس يظهر وعلي معه وخديجة « عليهما السلام » ، ثم أمره الله أن يصدع بما يؤمر فظهر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فجعل يعرض نفسه على قبائل العرب » .
وقال اليعقوبي : 2 / 36 : « كان رسول الله يعرض نفسه على قبائل العرب في كل موسم ، ويكلم شريف كل قوم ، لا يسألهم إلا أن يؤووه ويمنعوه ويقول : لا أكره أحداً منكم ، إنما أريد أن تمنعوني مما يراد بي من القتل ، حتى أبلغ رسالات ربي » .
وفي الطبقات : 1 / 216 : « مكث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ثلاث سنين من أول نبوته مستخفياً ثم أعلن في الرابعة فدعا الناس إلى الإسلام عشر سنين ، يوافي الموسم كل عام ، يتتبع الحاج في منازلهم بعكاظ ومجنة وذي المجاز ، يدعوهم إلى أن يمنعوه حتى يبلغ رسالات ربه ولهم الجنة ، فلا يجد أحداً ينصره ولا يجيبه ، حتى إنه ليسأل عن القبائل ومنازلها قبيلة قبيلة ويقول : يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا وتملكوا بها العرب وتذل لكم العجم ، وإذا آمنتم كنتم ملوكاً في الجنة . . جاءنا ثلاثة أعوام بعكاظ ومجنة وبذي المجاز ، يدعونا إلى الله عز وجل ، وأن نمنع له ظهره ، حتى يبلغ رسالات ربه » . والطبري : 2 / 84 ، وسبل الهدى : 2 / 451 والحلبية : 2 / 153 .
وعدَّ منهم المقريزي في الإمتاع : 1 / 49 خمس عشرة قبيلة ، قال : « عرض نفسه على القبائل أيام الموسم ودعاهم إلى الإسلام وهم : بنو عامر ، وغسان ، وبنو فزارة ، وبنو مرة ، وبنو حنيفة ، وبنو سليم ، وبنو عبس ، وبنو نصر ، وثعلبة بن عكابة ، وكندة ، وكلب ، وبنو الحارث بن كعب ، وبنو عذرة ، وقيس بن الخطيم » .
يضاف إليهم قبيلة ثقيف حيث قصدهم إلى الطائف ، والأوس والخزرج ، الذين قبلوا عرضه وبايعوه ، فهاجر إليهم . وآخرون .
وقال ابن هشام : 2 / 288 إن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أتى بني كندة فأبوا عليه ، وأتى بني عبد الله من بني كلب فلم يقبلوا منه ما عرضه عليهم . وأتى بني حنيفة فدعاهم إلى الله وعرض عليهم نفسه ، فلم يكن أحد من العرب أقبح عليه رداً منهم .
وذكر ابن هشام عن ابن إسحاق أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قصد سويد بن صامت ، أخا بني عمرو بن عوف ، وكان سويد حكيماً شاعراً ، فدعاه إلى الله وإلى الإسلام ، فقال له سويد : فلعل الذي معك مثل الذي معي ، فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : وما الذي معك ؟ قال : مجلة لقمان ، يعني حكمة لقمان ، فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إعرضها عليَّ فعرضها عليه فقال له : إن هذا الكلام حسن ، والذي معي أفضل من هذا ، قرآن أنزله الله تعالى عليَّ هو هدى ونور ، فتلا عليه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) القرآن ، ودعاه إلى الإسلام فلم يبعد منه وقال : إن هذا القول حسن ، ثم انصرف عنه ، فقدم المدينة على قومه ، فلم يلبث أن قتلته الخزرج ، فإن كان رجال من قومه ليقولون : إنا لنراه قد قتل وهو مسلم ، وكان قتله قبل يوم بعاث . .
« وهو لا يسمع بقادم يقدم مكة من العرب له اسم وشرف ، إلا تصدى له ، فدعاه إلى الله وعرض عليه ما عنده » .
وفي مسند أحمد : 3 / 322 : أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان معروفاً في الأمصار ، فكان الرجل يخرج من اليمن أو من مصر فيأتيه قومه فيقولون : إحذر غلام قريش لايفتنك !
ب . كان يذهب إلى دعوة القبائل ومعه زيد بن حارثة ، أو علي ( عليه السلام ) ، وروت المصادر أن أبا بكر بعد أن أسلم ذهب معه ذات مرة ، كما في ثقات ابن حبان : 1 / 80 عن علي قال : « لما أمر الله رسوله ( صلى الله عليه وآله ) أن يعرض نفسه على قبائل العرب ، خرج وأنا معه وأبو بكر ، حتى دفعنا إلى مجلس من مجالس العرب ، فتقدم أبو بكر فسلم وقال : ممن القوم ؟ قالوا : من ربيعة . قال : وأي ربيعة أنتم أمن هامتها أم من لهازمها ؟ فقالوا : لا ، بل من هامتها العظمى . قال أبو بكر : وأي هامتها العظمى أنتم ؟ قالوا : من ذهل الأكبر . قال أبو بكر : فمنكم عوف الذي يقال له لا حُرَّ بوادي عوف ؟ قالوا : لا . قال : فمنكم بسطام بن قيس صاحب اللواء ومنتهى الأحياء ؟ قالوا : لا . قال : فمنكم جساس بن مرة حامي الذمار ومانع الجار ؟ قالوا : لا . قال : فمنكم الحوفزان قاتل الملوك وسالبها أنفسها ؟ قالوا : لا . قال : فمنكم أصهار الملوك من لخم ؟ قالوا : لا . قال أبو بكر : فلستم إذا ذهلاً الأكبر ، أنتم ذهل الأصغر . فقام إليه غلام من بني شيبان يقال له دغفل حين بَقَل وجهه ، فقال : على سائلنا أن نسأله ! يا هذا إنك سألتنا فأخبرناك ولم نكتمك شيئاً ، فممن الرجل ؟ فقال أبو بكر : أنا من قريش . فقال الفتى : بخ بخ أهل الشرف والرئاسة ، فمن أي القرشيين أنت ؟ قال : من ولد تيم بن مرة . قال : أمكنت والله الرامي من صفاء الثغرة ، فمنكم قصي الذي جمع القبائل من فهر ، فكان يدعى في قريش مجمعاً ؟ قال : لا . قال : فمنكم هاشم الذي هشم الثريد لقومه ورجال مكة مسنتون عجافُ ؟ قال : لا . قال : فمن أهل الحجابة أنت ؟ قال : لا . قال : فمن أهل الندوة أنت ؟ قال : لا . قال : فمنكم شيبة الحمد عبد المطلب مطعم طير السماء ، الذي كأن وجهه القمر يضئ في الليلة الظلماء الداجية ؟ قال : لا . قال : فمن أهل السقاية ؟ قال : لا . واجتذب أبو بكر زمام الناقة فرجع إلى رسول الله فقال الغلام :
صادف درأ السيل درأً يدفعه * يُهيضه حيناً وحيناً يصدعه !
أما والله لو ثبت ! قال فتبسم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال عليٌّ : فقلت يا أبا بكر لقد وقعت من الأعرابي على باقعة « داهية » ! فقال لي : أجل يا أبا الحسن ، ما من طامة إلا وفوقها طامة ، والبلاء موكل بالمنطق !
قال علي : ثم دفعنا إلى مجلس آخر عليهم السكينة والوقار فتقدم أبو بكر [ وكان مقدماً في كل خير ] فسلَّم وقال : ممن القوم ؟ فقالوا : من شيبان بن ثعلبة ، فالتفت أبو بكر إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، ما وراء هؤلاء القوم عز ، هؤلاء غُرَرُ قومهم وفيهم مفروق بن عمرو ، وهانئ بن قبيصة ، والمثنى بن حارثة ، والنعمان بن شريك . وكان مفروق بن عمرو قد غلبهم جمالاً ولساناً ، وكان غديرتان تسقطان على تربيته ، وكان أدنى القوم مجلساً من أبي بكر فقال أبو بكر : كيف العدد فيكم ؟ فقال مفروق : إنا لنزيد على ألف ، ولن يغلب ألف من قلة . فقال أبو بكر : وكيف المنعة فيكم ؟ قال مفروق : علينا الجهد ولكل قوم جد . قال أبو بكر : كيف الحرب بينكم وبين عدوكم ؟ قال مفروق : إنا لأشد ما نكون غضباً حين نلقى ، وإنا لأشد ما نكونن لقاء حين نغضب ، وإنا لنؤثر الجياد على الأولاد ، والسلاح على اللقاح ، والنصر من عند الله ، يديلنا مرة ويديل علينا أخرى . لعلك أخو قريش ؟ قال أبو بكر : وقد بلغكم أنه رسول الله فها هو ذا . قال مفروق : قد بلغنا أنه يذكر ذلك ، قال : فإلى مَ تدعو يا أخا قريش ؟ قال : أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأني رسول الله وأن تؤووني وتنصروني ، فإن قريشاً قد تظاهرت على أمر الله ، فكذبت رسله واستغنت بالباطل عن الحق ، والله هو الغني الحميد .
فقال مفروق بن عمرو : إلى مَا تدعونا يا أخا قريش ؟ فتلا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ . الأنعام : / 151 .
قال مفروق : وإلى مَا تدعو يا أخا قريش ؟ فتلا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالآحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِى الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْىِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ . « النحل / 90 » . فقال مفروق : دعوت والله يا أخا قريش إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال ، وكأنه أحب أن يشركه في الكلام هانئ بن قبيصة ، فقال : وهذا هانئ بن قبيصة شيخنا وصاحب ديننا . فقال هانئ : قد سمعت مقالتك يا أخا قريش وإني أرى إن تركنا ديننا واتبعناك على دينك لمجلس جلسته إلينا ، زلةٌ في الرأي وقلةُ فكر في العواقب ، وإنما تكون الزلة مع العجلة ، ومن ورائنا قوم نكره أن نعقد عليهم عقداً ، ولكن ترجع ونرجع وتنظر وننظر ! وكأنه أحب أن يشركه في الكلام المثنى بن حارثة فقال : وهذا المثنى بن حارثة شيخنا وصاحب حربنا .
فقال المثنى : قد سمعت مقالتك يا أخا قريش والجواب هو جواب هانئ بن قبيصة ، في تركنا ديننا واتباعنا إياك على دينك ، وإنما أنزلنا بين ضرتين !
فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ما هاتان الضرتان ؟ قال : أنهار كسرى ومياه العرب ، وإنما نزلنا على عهد أخذه علينا كسرى لا نحدث حدثاً ولا نؤي محدثاً ، وإني أرى هذا الأمر الذي تدعو إليه مما تكرهه الملوك ، فإن أحببت أن نؤويك وننصرك مما يلي مياه العرب فعلنا . فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ما أسأتم في الرد إذ أفصحتم بالصدق ، وإن دين الله لن ينصره إلا من أحاطه الله من جميع جوانبه ، أرأيتم إن لم تلبثوا إلا قليلاً حتى يورثكم الله أرضهم وديارهم وأموالهم ويفرشكم نساءهم ، أتسبحون الله وتقدسونه ؟ فقال النعمان بن شريك : اللهم نعم . قال : فتلا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا . وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا . الأحزاب / 45 .
ثم نهض قابضاً على يد أبي بكر وهو يقول : يا أبا بكر أية أخلاق في الجاهلية ما أشرفها ، بها يدفع الله بأس بعضهم عن بعض » !
ورواه السمعاني في الأنساب : 1 / 38 ، ابن كثير في النهاية : 3 / 173 ، السيرة : 2 / 160 واعتبره غريباً فقال : « وأغرب من ذلك وأطول ما رواه أبو نعيم والحاكم والبيهقي » .
ورواه في تاريخ دمشق : 17 / 293 ، مطولاً وليس فيه مديح أبي بكر على لسان علي بقوله [ وكان مقدماً في كل خير ] ولذلك وضعناها بين معقوفين ، لأنها من كلام الراوي . لكن الإشكال في قوله : « فدفعنا إلى مجلس الأوس والخزرج فما نهضنا حتى بايعوا رسول الله . لأن بيعة الأنصار كانت قبل هجرة النبي بسنتين وسنة » .
أقول : هذه الرواية على ما فيها تعطي صورة عن دعوة النبي ( صلى الله عليه وآله ) لقبائل العرب في المواسم ، كما تدل على أن وقتها في آخر الفترة المكية عندما بايع الأنصار .
ج - . كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يقول للذين يزورهم : « يا بني فلان إني رسول الله إليكم ، يأمركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً ، وأن تخلعوا ما تعبدون من دونه ، وأن تؤمنوا وتصدقوني وتمنعوني حتى أبين عن الله ما بعثني به » .
« قولوا لا إله إلا الله تفلحوا وتملكوا العرب وتذل لكم العجم . وإذا آمنتم كنتم ملوكاً في الجنة » . « سبل الهدى : 2 / 451 » . « هل من رجل يحملني إلى قومه فإن قريشاً قد منعوني أن أبلغ كلام ربي » . تاريخ الذهبي 1 / 281 .
« لا أكره أحداً على شئ . من رضي الذي أدعوه إليه فذلك ، ومن كره لم أكرهه ، إنما أريد منعي من القتل حتى أبلغ رسالات ربي » . السيرة الحلبية : 2 / 158 .
« ألا رجل يعرض على قومه فإن قريشاً قد منعوني أن أبلغ كلام ربي عز وجل . فأتاه رجل من همذان فقال : ممن أنت ؟ فقال الرجل : من همذان ، فقال : هل عند قومك من منعة ؟ قال : نعم ثم إن الرجل خشي أن يخفره قومه فأتى رسول الله فقال : آتيهم أخبرهم ثم آتيك من قابل . قال : نعم . فانطلق وجاء وفد الأنصار في رجب » . السيرة الحلبية : 2 / 153 ، مجمع الزوائد : 6 / 35 وفتح الباري : 7 / 171 .
د . وكانت القبائل ترفض دعوته ( صلى الله عليه وآله ) لأن زعماء قريش قاموا بحملة من السنة الأولى على وفود الحجاج : « يقولون لمن أتى مكة : لا تغتروا بالخارج منا ، والمدعي النبوة » . مجمع البيان : 6 / 131 ، الكشاف : 2 / 406 والواحدي : 1 / 598 .
وقد فسروا المقتسمين في سورة الحجر / 89 ، بالستة عشر الذين أرسلهم الوليد بن المغيرة إلى مداخل مكة ، ليحذروا الوفود من النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، لكنه بعيد .
والمؤكد أن موقع قريش في العرب ، ونشاطها المعادي للنبي ( صلى الله عليه وآله ) في موسم الحج والعمرة كانا السبب في رفض القبائل حمايته ، فكانت تجيبه : « أسرتك وعشيرتك أعلم بك حيث لم يتبعوك » . « ترون أن رجلاً يصلحنا ، وقد أفسد قومه » . « السيرة الحلبية : 2 / 155 و 158 وسبل الهدى 2 / 451 » . « يا محمد إعمد لطيتك . أي إمض لوجهك وقصدك . ويقال : إلحق بطيتك وبنيتك ، أي بحاجتك » . لسان العرب : 15 / 20 .
ه - . وقد قبلت بعض القبائل دعوة النبي ( صلى الله عليه وآله ) لكنها اشترطت أن يكون لها الحكم بعده فأجابهم بأن الأمر ليس له ، بل لله تعالى وقد عين له أهلاً ، وكان يشرط عليهم أن لاينازعوا الأمر أهله ! « أتى بني عامر بن صعصعة فدعاهم إلى الله عز وجل وعرض عليهم نفسه ، فقال له رجل منهم يقال له بيحرة بن فراس : والله لو أني أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب ، ثم قال له : أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك ثم أظهرك الله على من خالفك أيكون لنا الأمر من بعدك ؟ قال : الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء . قال فقال له : أفنهدف نحورنا للعرب دونك فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا ! لا حاجة لنا بأمرك ! فأبوا عليه .
فلما صدر الناس رجعت بنو عامر إلى شيخ لهم قد كانت أدركته السن حتى لا يقدر أن يوافي معهم المواسم ، فكانوا إذا رجعوا إليه حدثوه بما يكون في ذلك الموسم ، فلما قدموا عليه ذلك العام سألهم عما كان في موسمهم ، فقالوا : جاءنا فتى من قريش ثم أحد بني عبد المطلب يزعم أنه نبي يدعونا إلى أن نمنعه ونقوم معه ونخرج به إلى بلادنا . قال : فوضع الشيخ يديه على رأسه ثم قال : يا بني عامر هل لها من تلاف ، هل لذناباها من مُطَّلب ؟ ! والذي نفس فلان بيده ما تقوَّلها إسماعيلي قط وإنها لحق فأين رأيكم كان عنكم » ! ابن هشام : 2 / 289 والطبري : 2 / 84 .
وكذا قبيلة كندة اليمانية : « حدثني أبي عن أشياخ قومه أن كندة قالت له : إن ظفرت تجعل لنا الملك من بعدك ؟ فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إن الملك لله يجعله حيث يشاء ، فقالوا : لا حاجة لنا فيما جئتنا به » . سيرة ابن كثير : 2 / 159 ونحوه : 4 / 114 .
وفي التراتيب الإدارية للفاسي : 1 / 2 : « كان يطوف على القبائل في أول أمره لينصروه فيقولون له ويكون لنا الأمر من بعدك ؟ فيقول : إني قد منعت من ذلك » .
و . أخذ ( صلى الله عليه وآله ) بيعة الأنصار على حمايته ، وحماية أهل بيته : ، وأن لا ينازعوهم الأمر . ففي المناقب : 1 / 305 ، وأوسط الطبراني : 2 / 207 ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « أشهد لقد حدثني أبي عن أبيه عن جده عن الحسين بن علي ، قال : لما جاءت الأنصار تبايع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على العقبة قال : قم يا علي . فقال علي : على ما أبايعهم يا رسول الله ؟ قال : على أن يطاع الله فلا يعصى ، وعلى أن يمنعوا رسول الله وأهل بيته وذريته مما يمنعون منه أنفسهم وذراريهم . ثم كان الذي كتب الكتاب بينهم » .
وفي الكافي : 8 / 261 ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « وأخذ عليهم عليٌّ أن يمنعوا محمداً وذريته مما يمنعون منه أنفسهم وذراريهم . . نجا من نجا ، وهلك من هلك » .
وفي مناقب ابن سليمان : 2 / 165 : « فالتزمتها رقاب القوم ووفى بها من وفى » .
وفي شرح الأخبار : 2 / 159 : « عن الحسن البصري أنه قال : قاتل الله معاوية سلب هذه الأمة أمرها ، ونازع الأمر أهله ، واستعمل على المؤمنين علجاً ، يعني زياداً » .
هذا ، وقد ورد عن الأئمة « عليهم السلام » ذمُّ الأنصار ، لأنهم لم يفوا ببيعتهم لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في حماية أهل بيته ، وأن لا ينازعوهم الأمر بعده !
وفي تفسير الطبري : 28 / 59 ، عن قتادة : « بايعه ليلة العقبة اثنان وسبعون رجلاً من الأنصار ، ذكر لنا أن بعضهم قال : هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل ؟ إنكم تبايعون على محاربة العرب كلها أو يسلموا . ذكر لنا أن رجلاً قال : يا نبي الله ، اشترط لربك ولنفسك ما شئت ، قال : أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً وأشترط لنفسي أن تمنعوني وأهل بيتي وذريتي مما منعتم منه أنفسكم وأبناءكم . قالوا فإذا فعلنا ذلك فما لنا يا نبي الله ؟ قال : لكم النصر في الدنيا والجنة في الآخرة » .
وفي البخاري : 8 / 88 وموطأ مالك : 2 / 445 عن عبادة بن الصامت : « بايعنا رسول الله على السمع والطاعة في اليسر والعسر المنشط والمكره ، وأن لاننازع الأمر أهله » . وفي فتح الباري : 13 / 6 وعمدة القاري : 24 / 179 : « والمراد بالأمر الملك والإمارة » .
وعلى ذلك كانت بيعة الحديبية ! قال النووي في شرح مسلم : 13 / 2 : « وفي حديث ابن عمر وعبادة : بايعنا على السمع والطاعة ، وأن لا ننازع الأمر أهله » .
ز . وبعد أن نازعت قريش الأمر أهله ، وأخذت دولة النبي ( صلى الله عليه وآله ) واضطهدت عترته ، كذبت على النبي ( صلى الله عليه وآله ) بأنه كان يقصد بشرط عدم منازعة الأمر أهله ، منازعة قريش وليس عترته ! قال السيوطي في الدر المنثور : 6 / 18 : « عن علي وابن عباس قالا : كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يعرض نفسه على القبائل بمكة ويعدهم الظهور ، فإذا قالوا : لمن الملك بعدك ؟ أمسك فلم يجبهم بشيء ، لأنه لم يؤمر في ذلك بشيء حتى نزلت : وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ . « الزخرف / 44 » ، فكان بعدها إذا سئل قال : لقريش ، فلا يجيبوه ! وقبلته الأنصار على ذلك » .
أقول : لاحظ أنهم زعموا أن الوحي نزل عليه : وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ ، ومعناه أن القرآن لك ولقريش ، فالخلافة لقريش ! وقد جعلوا ذلك على لسان علي وابن عباس ليقولوا إن بني هاشم أنفسهم رووا أن الملك بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) حق شرعي لقريش ، وليس لبني هاشم ، ولا للأنصار لأنهم بايعوا النبي ( صلى الله عليه وآله ) على ذلك !
وهم بذلك يكذبون أنفسهم بأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لم يوصِ ولا سأله أحدٌ عن الخلافة ! فالصحيح أن خلافته ( صلى الله عليه وآله ) كانت مطروحة من أول بعثته وأن القبائل كانت تطمع بها وتشرط عليه أن تكون لها بعده فلا يقبل ، فترفض حمايته !
ثم كذبوا عليه بأنه كان يجيب القبائل بأن الملك بعده لقريش ! فلو صح لسألته القبائل : كيف تريد أن نحميك من قريش أن تقتلك ، وتجعل لها الخلافة دوننا !
ولو كان الذكر في قوله تعالى : وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ ، يعني الخلافة ، لوجب أن تكون الخلافة لكل الناس ، لأنه تعالى قال : إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ .
بل هذا الحديث من مكذوباتهم لإعطاء الشرعية لنظام « الخلافة » الذي أسسوه في السقيفة ! وقد اعترف الذهبي بأنه موضوع ! قال في ميزان الإعتدال : 2 / 255 ، في ترجمة راويه : « سيف بن عمر الضبي الأسيدي : مصنف الفتوح والردة وغير ذلك قال أبو حاتم : متروك . وقال ابن حبان : اتهم بالزندقة . . مكحول البيروتي سمعت جعفر بن أبان سمعت ابن نمير يقول : سيف الضبي تميمي . كان سيف يضع الحديث ، وقد اتهم بالزندقة » !
2 - استمرت مفاوضة النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) مع الأنصار بضع سنين
أ . روى الطبري في تفسيره : 4 / 46 ، والثعلبي : 3 / 164 ، وغيرهما ، في تفسير قوله تعالى : وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا :
« فإنها عداوة الحروب التي كانت بين الحيين من الأوس والخزرج في الجاهلية قبل الإسلام . يزعم العلماء بأيام العرب أنها تطاولت بينهم عشرين ومائة سنة . وهم أخَوان لأب وأم ! فلم يسمع بقوم كان بينهم من العدواة والحرب ما كان بينهم .
ثم إن الله عز وجل أطفأ ذلك بالإسلام وألف بينهم برسوله محمد ( صلى الله عليه وآله ) فذكرهم جل ثناؤه إذ وعظهم ، عظيم ما كانوا فيه في جاهليتهم من البلاء والشقاء بمعاداة بعضهم بعضاً ، وقتل بعضهم بعضاً ، وخوف بعضهم من بعض ، وما صاروا إليه بالإسلام واتباع الرسول ( صلى الله عليه وآله ) والإيمان به وبما جاء به من الائتلاف والاجتماع » .
ب . وكانت آخر الحروب بين الأوس والخزرج حرب بُعاث ، اسم حصن للأوس قبل الهجرة بخمس سنين « الحاكم : 3 / 421 » وقيل بثلاث « فتح الباري : 2 / 367 » .
وكانوا حينذاك يتفاوضون مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ورووا أن أياس بن معاذ الأشهلي الأوسي كان أسلم وبايع النبي ( صلى الله عليه وآله ) ورجع إلى قومه ، فوقعت الحرب وقُتل فيها ، فعدوه من الصحابة . « معجم السيد الخوئي : 4 / 159 » ومعناه أن المفاوضة استمرت نحو أربع سنين ، حتى بيعة العقبة التي هاجر النبي ( صلى الله عليه وآله ) على أثرها .
ج - . وأول من سمع من النبي ( صلى الله عليه وآله ) من أهل المدينة فتية فيهم أياس بن معاذ الأشهلي الأوسي كما في رجال الطوسي / 22 ، وعده صحابياً ، وكبير الطبراني : 1 / 276 : « لما قدم أبو الحيسر أنس بن رافع مكة ومعه فتية من بني عبد الأشهل فيهم إياس بن معاذ يلتمسون الحلف من قريش على قومهم من الخزرج ، سمع بهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأتاهم فجلس إليهم فقال : هل لكم إلى خير مما جئتم له ؟ قالوا : وما ذاك ؟ قال : أنا رسول الله بعثني إلى العباد أدعوهم إلى أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ، وأنزل الله عليَّ الكتاب ، ثم شرع لهم الإسلام ، وتلا عليهم القرآن . فقال إياس بن معاذ وكان غلاماً حدثاً : أي قومي ، هذا والله خير مما جئتم له ! قال فأخذ أبو الحيسر أنس بن رافع حفنة من البطحاء فضرب بها في وجه إياس وقال : دعنا منك ، فلعمري لقد جئنا لغير هذا . قال فصمت إياس وقام عنهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وانصرفوا إلى المدينة فكانت وقعة بعاث بين الأوس والخزرج ، ثم لم يلبث إياس بن معاذ أن هلك . قال محمود بن لبيد : فأخبرني من حضره من قومه عند موته أنهم لم يزالوا يسمعونه يهلل الله ويكبره ويحمده ويسبحه حتى مات . فما كانوا يشكون أن قد مات مسلماً ، لقد كان استشعر الإسلام في ذلك المجلس حين سمع من رسول الله ما سمع » . والطبقات : 3 / 437 ، الطبري : 2 / 85 ووثقه مجمع الزوائد : 6 / 36 .
وقيل أول من رأى النبي ( صلى الله عليه وآله ) : أبو الحيسر ، أو سويد بن الصامت . تفسير الطبري : 4 / 46 .
د . ثم جاء بعدهما أسعد بن زرارة وذكوان بن عبد قيس ، فالتقيا بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) وأسلما . قال الطبرسي في إعلام الورى : 1 / 136 : « قال علي بن إبراهيم : قدم أسعد بن زرارة وذكوان بن عبد قيس في موسم من مواسم العرب وهما من الخزرج ، وكان بين الأوس والخزرج حرب قد بغوا فيها دهراً طويلاً ، وكانوا لا يضعون السلاح لا بالليل ولا بالنهار ، وكان آخر حرب بينهم يوم بعاث وكانت للأوس على الخزرج ، فخرج أسعد بن زرارة وذكوان إلى مكة في عمرة رجب يسألون الحلف على الأوس ، وكان أسعد بن زرارة صديقاً لعتبة بن ربيعة فنزل عليه فقال له : إنه كان بيننا وبين قومنا حرب ، وقد جئناك نطلب الحلف عليهم . فقال له عتبة : بعدت دارنا من داركم ، ولنا شغل لا نتفرغ لشئ . قال : وما شغلكم وأنتم في حرمكم وأمنكم ؟ قال له عتبة : خرج فينا رجل يدعي أنه رسول الله سفَّه أحلامنا وسب آلهتنا وأفسد شباننا وفرق جماعتنا ! فقال له أسعد : من هو منكم ؟ قال : ابن عبد الله بن عبد المطلب ، من أوسطنا شرفاً وأعظمنا بيتاً !
وكان أسعد وذكوان وجميع الأوس والخزرج يسمعون من اليهود الذين كانوا بينهم - النضير وقريظة وقينقاع - أن هذا أوان نبي يخرج بمكة يكون مهاجره بالمدينة ، لنقتلنكم به يا معشر العرب . فلما سمع ذلك أسعد وقع في قلبه ما كان سمع من اليهود ، قال : فأين هو ؟ قال : جالس في الحجر ، وإنهم لا يخرجون من شعبهم إلا في الموسم ، فلا تسمع منه ولا تكلمه ، فإنه ساحر يسحرك بكلامه . وكان هذا في وقت محاصرة بني هاشم في الشعب . فقال له أسعد : فكيف أصنع وأنا معتمر ، لا بد لي أن أطوف بالبيت ! قال : ضع في أذنيك القطن . فدخل أسعد المسجد وقد حشا أذنيه بالقطن ، فطاف بالبيت ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) جالس في الحجر مع قوم من بني هاشم ، فنظر إليه نظرة فجازه ! فلما كان في الشوط الثاني قال في نفسه : ما أجد أجهل مني ! أيكون مثل هذا الحديث بمكة فلا أتعرفه حتى أرجع إلى قومي فأخبرهم ؟ ثم أخذ القطن من أذنيه ورمى به وقال لرسول الله : أنعم صباحاً ، فرفع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) رأسه إليه وقال : قد أبدلنا الله به ما هو أحسن من هذا ، تحية أهل الجنة : السلام عليكم . فقال له أسعد : إن عهدك بهذا لقريب ، إلى ما تدعو يا محمد ؟ قال : إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، وأدعوكم إلى : أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ . وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ .
فلما سمع أسعد هذا قال له : أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ، يا رسول الله بأبي أنت وأمي أنا من أهل يثرب من الخزرج ، وبيننا وبين إخوتنا من الأوس حبال مقطوعة ، فإن وصلها الله بك فلا أجد أعز منك ، ومعي رجل من قومي فإن دخل في هذا الأمر رجوت أن يتمم الله لنا أمرنا فيك ، والله يا رسول الله لقد كنا نسمع من اليهود خبرك ، ويبشروننا بمخرجك ويخبروننا بصفتك ، وأرجو أن تكون دارنا دار هجرتك وعندنا مقامك ، فقد أعلمنا اليهود ذلك ، فالحمد لله الذي ساقني إليك . والله ما جئنا إلا لنطلب الحلف على قومنا ، وقد آتانا الله بأفضل مما أتينا له .
ثم أقبل ذكوان ، فقال له أسعد : هذا رسول الله الذي كانت اليهود تبشرنا به وتخبرنا بصفته ، فهلمَّ فأسلم فأسلم ذكوان ، ثم قالا : يا رسول الله ابعث معنا رجلاً يعلمنا القرآن ويدعو الناس إلى أمرك . فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لمصعب بن عمير ، وكان فتى حدثاً مترفاً بين أبويه يكرمانه ويفضلانه على أولادهما ولم يخرج من مكة ، فلما أسلم جفاه أبواه ، وكان مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في الشعب حتى تغير وأصابه الجهد فأمره رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بالخروج مع أسعد ، وقد كان تعلم من القرآن كثيراً ، فخرجا إلى المدينة ومعهما مصعب بن عمير فقدموا على قومهم وأخبروهم بأمر رسول الله وخبره ، فأجاب من كل بطن الرجل والرجلان ، وكان مصعب نازلاً على أسعد بن زرارة ، وكان يخرج في كل يوم فيطوف على مجالس الخزرج يدعوهم إلى الإسلام فيجيبه الأحداث ، وكان عبد الله بن أبيّ شريفاً في الخزرج ، وقد كان الأوس والخزرج اجتمعوا على أن يملكوه عليهم لشرفه وسخائه ، وقد كانوا اتخذوا له إكليلاً احتاجوا في تمامه إلى واسطة كانوا يطلبونها ، وذلك أنه لم يدخل مع قومه الخزرج في حرب بعاث ، ولم يعن على الأوس وقال : هذا ظلم منكم للأوس ولا أعين على الظلم ، فرضيت به الأوس والخزرج ، فلما قدم أسعد كره عبد الله ما جاء به أسعد وذكوان فتر أمره ، فقال أسعد لمصعب : إن خالي سعد بن معاذ من رؤساء الأوس ، هو رجل عاقل شريف مطاع في بني عمرو بن عوف ، فإن دخل في هذا الأمر تم لنا أمرنا فهلم نأتي محلتهم ، فجاء مصعب مع أسعد إلى محلة سعد بن معاذ فقعد على بئر من آبارهم واجتمع إليه قوم من أحداثهم وهو يقرأ عليهم القرآن ، فبلغ ذلك سعد بن معاذ فقال لأسيد بن حضير وكان من أشرافهم : بلغني أن أبا أمامة أسعد ابن زرارة قد جاء إلى محلتنا مع هذا القرشي يفسد شباننا فأته وانهه عن ذلك ! فجاء أسيد بن حضير فنظر إليه أسعد فقال لمصعب : إن هذا رجل شريف ، فإن دخل في هذا الأمر رجوت أن يتم أمرنا فاصدق الله فيه .
فلما قرب أسيد منهم قال : يا أبا أمامة يقول لك خالك : لا تأتنا في نادينا ولا تفسد شباننا واحذر الأوس على نفسك . فقال مصعب : أو تجلس فنعرض عليك أمراً فإن أحببته دخلت فيه وإن كرهته نحينا عنك ما تكرهه ؟ فجلس فقرأ عليه سورة من القرآن فقال : كيف تصنعون إذا دخلتم في هذا الأمر ؟ قال : نغتسل ونلبس ثوبين طاهرين ونشهد الشهادتين ونصلي ركعتين . فرمى بنفسه مع ثيابه في البئر ثم خرج وعصر ثوبه ، ثم قال : أعرض فعرض عليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، فقالها ثم صلى ركعتين ثم قال لأسعد : يا أبا أمامة ، أنا أبعث إليك الآن خالك ، وأحتال عليه في أن يجيئك . فرجع أسيد إلى سعد بن معاذ ، فلما نظر إليه سعد قال : أقسم أن أسيداً قد رجع إلينا بغير الوجه الذي ذهب من عندنا ، وأتاهم سعد بن معاذ فقرأ عليه مصعب : حم . تنزيل من الرحمن الرحيم . فلما سمعها قال مصعب : والله لقد رأينا الإسلام في وجهه قبل أن يتكلم فبعث إلى منزله ، وأتى بثوبين طاهرين واغتسل وشهد الشهادتين وصلى ركعتين . ثم قام وأخذ بيد مصعب وحوله إليه وقال : أظهر أمرك ولا تهابن أحداً .
ثم جاء فوقف في بني عمرو بن عوف وصاح : يا بني عمرو بن عوف ، لا يبقين رجل ولا امرأة ولا بكر ولا ذات بعل ولا شيخ ولا صبي إلا خرج ، فليس هذا يوم ستر ولا حجاب . فلما اجتمعوا قال : كيف حالي عندكم ؟ قالوا : أنت سيدنا والمطاع فينا ولا نرد لك أمراً فمرنا بما شئت . فقال : كلام رجالكم ونسائكم وصبيانكم عليَّ حرام حتى تشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، فالحمد لله الذي أكرمنا بذلك ، وهو الذي كانت اليهود تخبرنا به ! فما بقي دار من دور بني عمرو بن عوف في ذلك اليوم إلا وفيها مسلم أو مسلمة ، وحول مصعب بن عمير إليه ، وقال له : أظهر أمرك وادع الناس علانية ، وشاع الإسلام بالمدينة وكثر ، ودخل فيه من البطنين جميعاً أشرافهم ، وذلك لما كان عندهم من أخبار اليهود » .
ه - . أرسل النبي ( صلى الله عليه وآله ) مصعب بن عمير ( رحمه الله ) إلى المدينة قبل ثلاث سنوات من هجرته مع أسعد بن زرارة ، وكان مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) في الشعب خوفاً من أهله بني عبد الدار ، وكان إرساله قبل بيعة العقبة الأولى بسنة أو نحوها ، فلا يصح قول ابن حجر : « كان قبل الهجرة بسنة واحدة » . فتح الباري : 3 / 60 .
وكان يأتي إلى مكة ثم يرجع إلى المدينة . قال ابن هشام : 2 / 299 : « ثم إن مصعب بن عمير رجع إلى مكة ، وخرج من خرج من الأنصار من المسلمين إلى الموسم مع حجاج قومهم من أهل الشرك ، حتى قدموا مكة » .
و كان لمصعب دور أساسي في بناء قاعدة الإسلام في المدينة ، كما كان أحد القادة في معركة أحد ، فهو من بني عبد الدار الشجعان الذين لهم لواء الحرب في قريش ، وقد أعطى النبي ( صلى الله عليه وآله ) لمصعب لواء الأنصار في أحُد فأجاد القتال ، وعندما انهزم المسلمون في الجولة الثانية ثبت مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقاتل حتى استشهد « رحمه الله » ، قتله أبيُّ بن خلف بن قميئة ، وقيل ظنه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
« أقبل يومئذ أبيُّ بن خلف وهو على فرس له وهو يقول : هذا ابن أبي كبشة بُؤْ بذنبك لا نجوتُ إن نجوتَ . ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بين الحارث بن الصمة وسهل بن حنيف يعتمد عليهما ، فحمل عليه فوقاه مصعب بن عمير بنفسه فطعن مصعباً فقتله ، فأخذ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عنزة « حربة » كانت في يد سهل بن حنيف ، ثم طعن أبياً في جربان الدرع ، فاعتنق فرسه فانتهى إلى عسكره وهو يخور خوار الثور ، فقال أبو سفيان : ويلك ما أجزعك إنما هو خدش ليس بشئ ! فقال : ويلك يا ابن حرب أتدري من طعنني ! إنما طعنني محمد وهو قال لي بمكة إني سأقتلك فعلمت أنه قاتلي ، والله لو أن ما بي كان بجميع أهل الحجاز لقضت عليهم ! فلم يزل يخور الملعون حتى صار إلى النار » . إعلام الورى : 1 / 178 والحاكم : 2 / 327 .
وقالت نسيبة بنت كعب رحمها الله : « خرجت أول النهار إلى أحُد وأنا أنظر ما يصنع الناس ، ومعي سقاء فيه ماء ، فانتهيت إلى رسول الله وهو في أصحابه والدولة والريح للمسلمين ، فلما انهزم المسلمون انحزت إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فجعلت أباشرالقتال وأذب عن رسول الله بالسيف وأرمي بالقوس حتى خلصت إليَّ الجراح . . أقبل بن قميئة وقد ولى الناس عن رسول الله يصيح : دلوني على محمد فلا نجوتُ إن نجا ! فاعترض له مصعب بن عمير وناس معه فكنت فيهم ، فضربني هذه الضربة ، ولقد ضربته على ذلك ضربات ، ولكن عدو الله كان عليه درعان » . الطبقات : 8 / 412 .
وفي تفسير القمي : 1 / 114 : « ونظر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى رجل من كبار المهاجرين قد ألقى ترسه خلف ظهره وهو في الهزيمة فناداه : يا صاحب الترس ألق ترسك ومُرَّ إلى النار ! فرمى بترسه فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا نسيبة خذي الترس فأخذت الترس وكانت تقاتل المشركين ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : لمقام نسيبة أفضل من مقام فلان وفلان » !
والذي أمره النبي ( صلى الله عليه وآله ) بإلقاء ترسه هو عمر ، وروى السرخسي في شرح السير الكبير : 1 / 200 ، أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) عندما مدح نسيبة سمى جماعة ممن فروا .
وروي أن عبد بن عمير أخا مصعب كان مع المشركين في أحُد فقتله مصعب ، وأن أخاه الآخر أبا عزة الشاعر أسر يوم أحد وقتله النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، لأنه كان أسر يوم بدر وأطلقه النبي ( صلى الله عليه وآله ) بلا فداء ، بشرط أن لا يعود فعاد وأسر في أحد « الخرائج : 1 / 149 » وروى البيهقي في السنن : 9 / 65 وغيره ، أن أبا عزة جمحي ، وليس ابن عمير .
وفي سيرة ابن هشام : 2 / 472 : « قال أبو عزيز : مرَّ بي أخي مصعب بن عمير ورجل من الأنصار يأسرني فقال : شد يديك به فإن أمه ذات متاع ، لعلها تفديه منك ! قال : وكنت في رهط من الأنصار حين أقبلوا بي من بدر ، فكانوا إذا قدموا غداءهم وعشاءهم خصوني بالخبز وأكلوا التمر ، لوصية رسول الله إياهم بنا ، ما تقع في يد رجل منهم كسرة خبز إلا نفحني بها ، قال : فأستحي فأردها على أحدهم فيردها عليَّ ما يمسها . قال ابن هشام : وكان أبو عزيز صاحب لواء المشركين ببدر بعد النضر بن الحارث ، فلما قال أخوه مصعب بن عمير لأبي اليسر وهو الذي أسره ما قال ، قال له أبو عزيز : يا أخي هذه وصاتك بي ؟ ! فقال مصعب : إنه أخي دونك ! فسألت أمه عن أغلى ما فدى به قرشي ؟ فقيل لها : أربعة آلاف درهم ، فبعثت بأربعة آلاف درهم ففدته بها » .
وقد بالغ الرواة في تصغير سنه يوم أسلم ، مع أن عمره كان فوق الثلاثين ، لأنه كان يوم استشهد بضعاً وأربعين سنة . عمدة القاري : 8 / 60 .
كما بالغوا في دوره في حرب أحُد ، وفي عده من المعذبين في مكة ، ويبدو أن أمه وأقاربه من بني عبد الدار اكتشفوا إسلامه فمنعوه من الذهاب إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ثم وافقوا على هجرته إلى الحبشة ، ثم رجع إلى مكة وكان مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) في الشعب . كما بالغوا في ترفه قبل الإسلام ، وهو صحيح إلى حد .
قال ابن سعد في الطبقات : 3 / 122 و 118 : « كان مصعب بن عمير رقيق البشرة ، حسن اللُّمَّة ، ليس بالقصير ولا بالطويل ، قتل يوم أحد على رأس اثنين وثلاثين شهراً من الهجرة وهو ابن أربعين سنة أو يزيد شيئاً ، فوقف عليه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهو في بردة مقتول فقال : لقد رأيتك بمكة وما بها أحدق أرق حلة ، ولا أحسن لمة منك ، ثم أنت شعث الرأس في بردة !
ثم خرج مصعب بن عمير من المدينة مع السبعين الذين وافوا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في العقبة الثانية من حاج الأوس والخزرج ، ورافق أسعد بن زرارة في سفره ذلك ، فقدم مكة فجاء منزل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أولاً ، ولم يقرب منزله فجعل يخبر رسول الله عن الأنصار وسرعتهم إلى الإسلام ، واستبطائهم رسول الله فسُرَّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بكل ما أخبره ، وبلغ أمه أنه قد قدم فأرسلت إليه : يا عاق أتقدم بلداً أنا فيه لا تبدأ بي ! فقال : ما كنت لأبدأ بأحد قبل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فلما سلم على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأخبره بما أخبره ، ذهب إلى أمه فقالت : إنك لعلى ما أنت عليه من الصبأة بعد ؟ ! قال : أنا على دين رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهو الإسلام الذي رضي الله لنفسه ولرسوله . قالت : ما شكرت ما رثيتك ! مرة بأرض الحبشة ومرة بيثرب ! فقال : أفر بديني أن تفتنوني ! فأرادت حبسه فقال : لئن أنت حبستني لأحرصن على قتل من يتعرض لي ! قالت : فاذهب لشأنك وجعلت تبكي ، فقال مصعب : يا أمهْ إني لك ناصح عليك شفيق ، فاشهدي أنه لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله . قالت : والثواقب لا أدخل في دينك فيزري برأيي ويضعف عقلي ، ولكني أدعك وما أنت عليه ، وأقيم على ديني ! قال : وأقام مصعب بن عمير مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) بمكة بقية ذي الحجة والمحرم وصفر ، وقدم قبل رسول الله إلى المدينة مهاجراً لهلال شهر ربيع الأول ، قبل مقدم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) باثنتي عشرة ليلة » .
وعندما انهزم المسلمون وتركوا نبيهم لسيوف المشركين ثبت معه مصعب واستشهد مع النفر الذين ثبتوا فاستشهدوا أو جرحوا ، فبقي هو وعلي ( صلى الله عليه وآله ) وحدهما ! فقاتل قتال الأبطال حتى أمره الله أن يستطل بصخرة ، وعليٌّ يرد عنه هجمات قريش فيقصد قائد الكتيبة فيقتله فتنهزم الكتيبة ، حتى يئس الكفار وانسحبوا ! وأنزل الله في وصف ذلك أربعين آية ! 139 - 179 آل عمران .
وفي ذلك الوقت العصيب جاءت فاطمة الزهراء « عليها السلام » من المدينة إلى المعركة كالصقر المنقض ، وواست رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بنفسها ، وضمدت جراحه !
ثم جاء النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى ميدان المعركة وصلى على الشهداء ودفنهم ومنهم عمه حمزة ، ومصعب بن عمير رضي الله عنهما . وروى الجميع أنه كبر على عمه حمزة سبعين تكبيرة ، وروى في الطبقات : 3 / 122 ، أنه ( صلى الله عليه وآله ) وقف على مصعب : « وهو في بردة مقتول فقال : لقد رأيتك بمكة وما بها أحدق أرق حلة ولا أحسن لُمَّةً منك ثم أنت شعث الرأس في بردة ! ثم أمر به أن يقبر فنزل في قبره أخوه
أبو الروم بن عمير ، وعامر بن ربيعة ، وسويبط بن سعد بن حرملة » .
ولا يصح نزولهم في قبره لأنهم فروا من المعركة ولم يحضروا دفن شهداء أحُد . ورووا أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقف على قبرهم وقال : « أشهد أنكم أحياء عند الله فزوروهم وسلموا عليهم ، فوالذي نفس محمد بيده لا يسلم عليهم أحد إلا ردوا عليه إلى يوم القيامة » .
مجمع الزوائد : 6 / 123 .
ولم يُعقب مصعب بن عمير « رحمه الله » إلا ابنته زينب ، وأمها حمنة أخت زينب بنت جحش . الطبقات : 8 / 241 ، أسد الغابة : 5 / 470 والإصابة : 3 / 163 .