علم الحديث
تعريف علم الحديث وتاريخه
أقسام الحديث
الجرح والتعديل
الأصول الأربعمائة
الجوامع الحديثيّة المتقدّمة
الجوامع الحديثيّة المتأخّرة
مقالات متفرقة في علم الحديث
أحاديث وروايات مختارة
علم الرجال
تعريف علم الرجال واصوله
الحاجة إلى علم الرجال
التوثيقات الخاصة
التوثيقات العامة
مقالات متفرقة في علم الرجال
أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)
اصحاب الائمة من التابعين
اصحاب الائمة من علماء القرن الثاني
اصحاب الائمة من علماء القرن الثالث
علماء القرن الرابع الهجري
علماء القرن الخامس الهجري
علماء القرن السادس الهجري
علماء القرن السابع الهجري
علماء القرن الثامن الهجري
علماء القرن التاسع الهجري
علماء القرن العاشر الهجري
علماء القرن الحادي عشر الهجري
علماء القرن الثاني عشر الهجري
علماء القرن الثالث عشر الهجري
علماء القرن الرابع عشر الهجري
علماء القرن الخامس عشر الهجري
أحوال عدد من رجال الأسانيد / وهب بن وهب (أبو البختري).
المؤلف: أبحاث السيّد محمّد رضا السيستانيّ جمعها ونظّمها السيّد محمّد البكّاء.
المصدر: قبسات من علم الرجال
الجزء والصفحة: ج1، ص 571 ـ 578.
2023-04-26
1362
وهب بن وهب أبو البختري (1):
روى الحميري (2) بإسناده عن السندي بن محمد عن أبي البختري وهب بن وهب عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهم السلام) أنه قال: ((قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل مات وترك ورثة فأقرّ أحد الورثة بدين على أبيه أنّه يلزمه ذلك في حصته بقدر ما ورث..)).
والسندي بن محمد هو (أبان بن محمد البجلي) ابن أخت صفوان بن يحيى الذي قال فيه النجاشي (3): (كان ثقة، وجهاً في أصحابنا الكوفيين) فسنده إلى أبي البختري صحيح.
وروى هذا الخبر أيضاً الصدوق (قدس سره) (4) بسنده إلى أبي البختري، وسنده في المشيخة (5) ينتهي إلى محمد بن خالد البرقي عن أبي البختري، ولا بأس بهذا السند إلى أبي البختري أيضاً.
ورواه أيضاً الشيخ (قدس سره) في تهذيبه في ثلاثة مواضع (6) مبتدئاً في الجميع باسم محمد بن أحمد بن يحيى صاحب نوادر الحكمة، فيظهر أنه أخذ الرواية من كتابه، وهو قد رواها عن أبي عبد الله عن السندي بن محمد عن وهب بن وهب أبي البختري.
والظاهر أن المراد بأبي عبد الله في هذا السند هو محمد بن أحمد أبو عبد الله الرازي الجاموراني الذي ضعّفه القميون ــ كما حكاه ابن الغضائري (7) ــ واستثنوه من رجال نوادر الحكمة، وليس المراد به أبا عبد الله البرقي محمد بن خالد، فإنه يروي عن أبي البختري مباشرة لا مع الواسطة، كما مر في طريق الصدوق إليه.
وأيضاً أن محمد بن أحمد بن يحيى يروي عن البرقي بواسطة ولده أحمد لا مباشرة، وعلى هذا فهذا السند إلى أبي البختري ضعيف بالجاموراني.
وأما أبو البختري نفسه فهو ممن اتفق رجاليو الخاصة والعامة على ضعفه وكذبه.
فعن الفضل بن شاذان (8): (إنه كان من أكذب البريّة)، وقال النجاشي (9): (كان كذاباً)، وقال ابن الغضائري (10): (كذاب عامي)، وقال الشيخ (قدس سره) (11): (كان ضعيفاً لا يعوّل على ما ينفرد به).
وحكى أبو حاتم (12) عن شعيب بن اسحاق أنه قال: (كذاباً هذه الأمة وهب بن وهب ورجل آخر).
وحكى ابن حبان (13) عن يحيى بن معين أنه قال: (كان قوم ببغداد يضعون الحديث كذابين منهم أبو البختري القرشي المدني وهب بن وهب القاضي).
ونحو ما ذكر كلمات أخر أوردها ابن عدي (14) والعقيلي (15) والنسائي (16).
وقد يقال: إنّه إذا كان أبو البختري بهذه المثابة من الضعف فكيف روى عنه ابن أبي عمير الذي ادعى الشيخ (قدس سره) أنه عرف بأنه لا يروي ولا يرسل إلا عن ثقة! ألا يُعد هذا شاهداً على عدم صحة تلك الدعوى وكونها اجتهادية محضة؟!
أقول: رواية ابن أبي عمير عن أبي البختري وردت في موضع واحد فقط من التهذيب (17) حيث روى فيه الشيخ (قدس سره) بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن محمد بن خالد البرقي عن ابن أبي عمير عن أبي البختري عن أبي عبد الله (عليه السلام).
ولكن الظاهر أنّ اسم أبن أبي عمير في هذا السند حشو، فإنّ محمد بن خالد يروي عن أبي البختري بلا واسطة، بل هو من رواة كتابه كما يظهر من الفهرست، فيبعُد أن يكون قد روى هذه الرواية عنه مع الواسطة، مع أن الظاهر أنها كانت في كتابه، حيث رواها الحميري (18) عن السندي بن محمد عن أبي البختري، والسندي من رواة كتاب أبي البختري أيضاً.
وبالجملة: لا يمكن إثبات رواية ابن أبي عمير عن أبي البختري بمثل السند المذكور.
ومهما يكن فلا إشكال في ضعف أبي البختري وعدم قبول رواياته.
ولكن هنا شيء، وهو أن المولى القهبائي حكى في مجمعه (19) في ترجمة أبي البختري عن ابن الغضائري أنه قال بشأنه: (كذاب عامي إلا أن له عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) أحاديث كلها يوثق بها).
فيمكن أن يقال: إن الرجل وإن كان ضعيفاً جداً إلا أن روايته المروية عن
الصادق (عليه السلام) موثوق بها استناداً إلى شهادة ابن الغضائري، وهي شهادة قيمة جداً، لما عرف عن الرجل من دقته وتشدده، حتى اتهم بأنه يتشبث في القدح بأدنى شبهة، فشهادة مثله شهادة مهمة يُعتد بها.
ويمكن أن يؤيد هذا ــ أي اعتبار روايات أبي البختري عن الصادق (عليه السلام) ــ بعدم استثناء ابن الوليد وسائر القميين رواياته المروية في كتاب نوادر الحكمة التي منها الرواية المبحوث عنها، فإن الرجل تسالموا على ضعفه كما مر، فلولا أن رواياته الواردة في نوادر الحكمة هي مما يوثق بها لكان ينبغي استثناؤها أيضاً كما استثنوا روايات جمع من الضعفاء.
وأيضاً يمكن أن يؤيد ذلك برواية السندي بن محمد عن أبي البختري رواياته عن الصادق (عليه السلام)، والسندي كما تقدّم كان ثقة وجهاً في أصحابنا الكوفيين فرواية مثله عن أبي البختري الذي مر أنه قد قيل فيه أنه أكذب البرية مما ليس له وجه صحيح في حد ذاته، حيث تقدم أن الرواية عن الشخص المشهور بالكذب والوضع كان أمراً غير مقبول عندهم، ويثير الاستغراب إذا كان الراوي من الثقات الأجلاء، والسندي بن محمد كان كذلك، فلا بد أن توجّه رواياته عن أبي البختري ــ وهي كثيرة تزيد على مائة وخمسين رواية في ما وصل بأيدينا ومعظمها في كتاب قرب الإسناد ــ من جهة كونها روايات يوثق بها عند الأصحاب، فلهذا لم يجد ضيراً في رواياتها عنه.
وبالجملة: السندي بن محمد ليس كالبرقي الذي صرحوا بأنه لم يكن يتورع عن النقل عن الضعفاء ليقال: إن روايته عن أبي البختري لا تثير الاستغراب، بل السندي بن محمد كان ثقة وجهاً في أصحابنا الكوفيين فلا بد أن يكون الوجه في روايته عن أبي البختري هو كون روايات الرجل مما يوثق بها عند الأصحاب.
هكذا يمكن أن يقرب الاعتماد على الرواية المذكورة.
ولكن لا يمكن المساعدة على هذا التقريب، فإنه وإن كان الموجود في النسخة المطبوعة من مجمع الرجال في نقل كلام ابن الغضائري هو ما ذكر، ولكن
الملاحظ أن العلامة في الخلاصة (20) أورد في ترجمة أبي البختري العبارة الآتية: (كان كذاباً قاضياً عامياً إلا أن له أحاديث عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) كلها لا يوثق بها)، وهذه العبارة وإن لم يسندها العلامة (قدس سره) إلى ابن الغضائري إلا أن المظنون قوياً بل المطمأن به أنها مقتبسة من كلامه، لما يعرفه المتتبع من أن من دأب العلامة (قدس سره) أن يقتبس أحياناً من كلمات الرجاليين مقاطع ويوردها في ترجمة الرواة من دون أن يسندها إلى أصحابها، ومن يحتمل كون العبارة المذكورة له هو ابن الغضائري لا غير.
ومن المعلوم أن المعنى يستقيم على كلا الوجهين ــ أي مع وجود (لا) النافية وعدم وجودها ــ إذ على الأول يكون الاستثناء عن كون أبي البختري عامياً، وعلى الثاني يكون الاستثناء عن كونه كذاباً، فلا يمكن ترجيح أحد النقلين على الآخر بلحاظ سياق الكلام.
فالنتيجة: أنه لا تثبت شهادة ابن الغضائري بكون روايات أبي البختري عن الصادق (عليه السلام) موثوقاً بها.
بل يمكن أن يقال: إن الظاهر أن ما في مجمع الرجال غلط مطبعي أو من سهو القلم، لأن السيد التفريشي (21) أورد عن ابن الغضائري ما حكاه القهبائي ولكن بإثبات (لا) النافية كما في الخلاصة، وقد أوضحت في بحثي حول رجال ابن الغضائري (22) أن المولى عبد الله التستري الذي قضى شطراً من عمره في جبل عامل متتلمذاً لدى علمائها قد اطلع فيه على كتاب (حلّ الإشكال) للسيد ابن طاووس بنسخته الأصلية في مكتبة الشهيد الثاني (رضوان الله عليه) فانتزع منها كتاب (الضعفاء) لابن الغضائري، وحمل النسخة المنتزعة إلى إصفهان، حيث أدرجها تلميذه التفريشي في كتابه (نقد الرجال)، كما أدرجها تلميذه الآخر القهبائي في كتابه (مجمع الرجال)، فمصدر القهبائي والتفريشي في ما ينقلانه عن ابن الغضائري واحد، وحيث إن ما نقله التفريشي يطابق ما ذكره العلامة في الخلاصة يتأكد أن نسخة المولى عبد الله التستري ــ التي هي مصدر القهبائي ــ كانت مشتملة على (لا) النافية.
ويؤكد ذلك أيضاً أن هذا الكتاب ــ أي ما انتزعه التستري ــ قد طبع أخيراً اعتماداً على بعض النسخ المخطوطة وفيه أيضاً (لا يوثق بها) (23) بإثبات (لا) النافية، فهذا يوجب الاطمئنان بأن ما أورده القهبائي عن ابن الغضائري من سهو القلم أو من غلط الطباعة.
هذا مضافاً إلى أن تعميم القول ــ ومن مثل ابن الغضائري ــ بأن روايات أبي البختري عن الصادق (عليه السلام) كلها يوثق بها مع ما عرف به الرجل من كذبه حتى على الإمام (عليه السلام) ــ كما سيأتي ــ بعيد في نفسه.
لا يقال: ولكن تعميم عكسه بأنه لا يوثق بشيء من رواياته عنه (عليه السلام) لا يخلو عن بُعد أيضاً، فإن الشخص مهما كان ضعيفاً فإنه لا يكذب في جميع ما ينقله، بل يكون بعضه مطابقاً للواقع، ولا سيما فيما ينسبه إلى الإمام الصادق (عليه السلام)، ولو لم يكن كذلك فكيف اعتمد أرباب الجوامع كالمشايخ الثلاثة ــ الكليني والصدوق والشيخ (قدّس الله أسرارهم) ــ على جملة من رواياته؟!
فإنّه يقال في الجواب عنه: إنّه لا يبعد أن يكون الوجه في تعميم ابن الغضائري عدم الوثوق بشيء من روايات أبي البختري عن الصادق (عليه السلام) هو أنه لم يكن قد تتلمذ لدى الإمام (عليه السلام)، فاقتضى ذلك عدم الوثوق بنقله مطلقاً، إما من حيث كذبه عليه (عليه السلام) أو اعتماده على آخرين في النقل ولم يسمهم، أو أنه قد أخذ تلك الروايات من بعض الكتب، ولا ينافي هذا الوثوق بمضمون بعض الروايات بلحاظ بعض القرائن والشواهد ومطابقتها مع روايات أخرى ونحو ذلك، وهذا ما يوجه اعتماد المشايخ الثلاثة على جملة من رواياته.
والشاهد على عدم تتلمذ أبي البختري على الإمام الصادق (عليه السلام) (24) هو ما ورد في مصادر الجمهور (25) في قضية كذب بها أبو البختري على الإمام (عليه السلام) وأسند إليه ما لم يقله، فقال المعافى التيمي في ذمه:
إذا توافى الناس للمحشر * * * ويل وعول لأبي البختري
بالكذب في الناس على جعفر * * * من قوله الزور وإعلانه
للفقه في بدو ولا محضر * * * والله ما جالسه ساعة
يمر بين القبر والمنبر * * * ولا رآه الناس في دهره
هذا وأمّا عدم استثناء ابن الوليد روايته المذكورة من كتاب نوادر الحكمة، فيمكن أن يوجّه بأن ابن الوليد لما استثنى مرويات الجاموراني استغنى بذلك عن استثناء روايات الضعفاء ممن روى عنهم الجاموراني ومنهم أبو البختري.
ولكن هذا الكلام لا يجدي لأن لأبي البختري بعض الروايات في كتاب نوادر الحكمة مما روي بسند معتبر إليه كالتي رواها (26) عن أحمد بن محمد عن أبيه ــ أي محمد بن خالد البرقي ــ عن أبي البختري، ومثلها ما رواها (27) عن أبي جعفر عن أبيه عن وهب، والمراد بـ(أبي جعفر) في كلام محمد بن أحمد بن يحيى هو أحمد بن محمد بن خالد البرقي. فالتوجيه المذكور لا يأتي في هذه الموارد.
والأولى أن يقال: إنّ مصب الاستثناء في كلام ابن الوليد ومن تبعه هو الروايات المشتملة على الغلو والتخليط، وحيث لم يجد ابن الوليد في نوادر الحكمة من روايات أبي البختري ما يتضمن الغلو والتخليط لم يجد وجهاً لاستثنائها، وهذا لا يقتضي الوثوق بصدورها مطلقاً بل لا بد من اقتران كل واحدة منها بشاهدٍ أو قرينة.
وأما روايات السندي بن محمد عن أبي البختري فالظاهر أنها من جهة روايته عنه كتابه، والحميري الذي كان بصدد تأليف قرب الإسناد إلى الصادق (عليه السلام) وجد بغيته في هذا الكتاب فأدرجه في مؤلفه.
ولكن مع ذلك فرواية السندي بن محمد عن أبي البختري ــ المعروف بكونه كذاباً وضاعاً ــ لا تخلو من استغراب.
اللهم إلا أن يقال: إنه لا وجه لاستغرابها، فإن السندي وإن ذكر النجاشي في حقه أنه: (كان ثقة وجهاً في أصحابنا الكوفيين) إلا أنه لا يقتضي براءته من كل عيب، حتى مثل الرواية عن كذاب من قبيل أبي البختري، فالنجاشي بنفسه قال (28) في ترجمة أحمد بن أبي زاهر أنه (كان وجهاً بـ(قم)) ومع ذلك قال: (حديثه ليس بذلك النقي)، فكون الشخص ثقة ووجهاً لا يعني أنه لا عيب ولا نقص فيه.
وكيف كان فقد ظهر مما تقدم أنه لا يمكن الالتزام باعتبار روايات أبي البختري والاعتماد عليها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ