1

x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

الحياة الاسرية

الزوج و الزوجة

الآباء والأمهات

الأبناء

مقبلون على الزواج

مشاكل و حلول

الطفولة

المراهقة والشباب

المرأة حقوق وواجبات

المجتمع و قضاياه

البيئة

آداب عامة

الوطن والسياسة

النظام المالي والانتاج

التنمية البشرية

التربية والتعليم

التربية الروحية والدينية

التربية الصحية والبدنية والجنسية

التربية العلمية والفكرية والثقافية

التربية النفسية والعاطفية

مفاهيم ونظم تربوية

معلومات عامة

الاسرة و المجتمع : الحياة الاسرية : مشاكل و حلول :

مشكلة النظام

المؤلف:  د. محمد أيوب شحيمي

المصدر:  مشاكل الاطفال...! كيف نفهمها؟

الجزء والصفحة:  ص236 ــ 240

26-1-2023

1104

من أكثر المشكلات التي يشكو منها الأهل والمربون، هي مشكلة النظام، فهم يشكون بأن أطفالهم غير منظمين، هم فوضويون في ترتيب حاجياتهم وكتبهم وثيابهم فوضويون في توقيت تناول طعامهم، وأوقات دراستهم، وتنظيم حياتهم اليومية لا يميزون أحياناً بين ما هو مقبول ومحبب، وما هو مكروه وغير مقبول، وبالإضافة إلى ذلك فهم لا يشعرون بالمسؤولية، ولا يكترثون للعقاب، وغالباً ما تترافق هذه الصفات مع الأنانية والشغب والشجار مع الرفاق في المدرسة، وفي الحي فتزداد وطأتها على الأهل.

والحقيقة (أن الأطفال المشكلين هم الأطفال الذين نمت لديهم اتجاهات خاطئة، نحو ما يحيط بهم، نحو الأسرة أو المدرسة، نتيجة لظروف معينة في الحياة، أو أخطاء تربوية يقع فيها الأهل أو المربون)(1)، والسؤال المطروح دائماً هو: متى نعلم الطفل النظام؟.

ـ في السنوات الأولى لا نستطيع تعليم الطفل شيئاً ثابتاً ودائماً، لكن يمكن أن نضع الأساس في هذه السنوات (وأساس النظام هو الحب المتبادل والاحترام)(2).

فالطفل يطيع عندما يحب، ويعصي أو يخالف إذا كره، وهذا مؤشر واضح على أن النظام مرتبط إلى حد بعيد بالطاعة والمحبة والاحترام، وكثيراً من الأطفال يهتمون بتحسين سلوكهم المدرسي إزاء المدرسين الذين يحبونهم ويطمحون في نيل ثقتهم ورضاهم.

وخير وسيلة لتعويد الطفل على النظام (وهو المقلّد دائماً)، ويعيش في عالم المحسوسات هو أن نكون له القدوة الحسنة، فباتباعنا للنظام سواء في حياتنا اليومية البيتية أم في حقل العمل، أم في اتباع قوانين الدولة والمجتمع اللذين ننتمي إليهما، والطفل يراقب ويقلد، فبذلك نعطيه دروساً عملية في إطاعة النظام والمحافظة عليه.

ومن ناحية ثانية يجب معاملة الطفل بالرفق والحنان والعاطفة أثناء إرشاده إلى النظام وتجنب القسوة المفرطة لأنه كما يقال (من أطاع عصاك عصاك)، ويجب أن يفهم الطفل أن النظام لا يتبع لذاته وإنما لغاية فيها راحة الشخص نفسه وراحة المجتمع.

بعض الأهل يزعزعون مفهوم النظام في أذهان أطفالهم نتيجة سوء تطبيقهم للنظام فمرة يطلبون إلى الطفل اتباع نظام معين، ويهملون ذلك في مرات أخرى، أو أن تطلب الأم إلى الطفل اتباع نمط معين من النظام، فيأتي الأب ليطلب اتباع نمط آخر مغاير، ذلك يحبط همة الطفل الذي يرفض النظام بشكليه فلعله بسلبيته يتخلص من الاحراج أمام أبويه؟!، هذا بالإضافة إلى الأضرار التربوية الأخرى التي يلحقها تعارض آراء الوالدين حول الموضوع الواحد في تربية الطفل.

وحتى يكون النظام أمراً محبباً ومقبولاً ومعقولاً من قبل الطفل، يجب أن يكون واقعياً، لا يفوق طاقة الطفل وإلا نفر منه. أو لم تر أن الديانات السماوية لم تطلب إلى معتنقيها بالتكليف فوق الطاقة: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[البقرة: 286]، وربما كان ذلك من قبيل تهيئة الأجواء المريحة للفرد، وحفاظاً على رسالة السماء من أن تترك وتهمل لصعوبة تطبيقها: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}[البقرة: 185]، فكيف بالطفل الذي يكلف باتباع نظام قاس يفوق طاقته على التحمل، فهو لا شك سيعمد إلى الفوضى المريحة، ويفضلها ألف مرة على النظام القاسي الشديد.

بعض الأطفال النابهين يسألون والديهم عن أسباب الأوامر التي يطلبون إليها تنفيذها ويناقشونهم أحياناً في جدواها وصحتها أو عدم جدواها وعدم صحتها، ويعتبر الأهل ذلك من قبيل التحدي لإرادتهم، أو هو نوع من التمييع والمماطلة تمهيداً لرفض الأوامر، وإهمال النظام المرسوم لأطفالهم من قبلهم، فيعتري هؤلاء الأهل الانفعال الغضبي الشديد، ويصرخون في وجوه الأطفال (نحن نطلب ذلك)، أو بصيغة الأمر المفرد (أنا أطلب إليك ذلك...)، (أطلب إليك أن تفعل ، ودون مناقشة...)، وهكذا يظهر الأب أو الأم بصورة الديكتاتور الذي يريد أن يطبق النظام والقانون بالقوة، دون السماح بمناقشته، ويتحول الطفل بدوره إلى منفذ للنظام على غير قناعة منه بذلك، بل لمجرد الإطاعة القسرية، وخشية العقاب، وتعتمل النقمة في داخله، وتكتب لتظهر في ما بعد بصور سلوكية شتى منها عدم احترام النظام لأنه تلون بلون السلطة الظالمة.

ومن وجهة النظر التربوية، فنحن ندعو إلى الحوار الهادئ الهادف مع الطفل لنجعله يتبنى ايديولوجية اتباع النظام، ويؤمن جيداً بأن النظام هو طريق الخلاص، وبواسطته نحقق المجتمع الأفضل ونريح أنفسنا ونريح الآخرين، ونضمن سلامتنا وسلامة الآخرين، حينئذ يصبح النظام - بعد الاقتناع والحوار- نابعاً من ذات الطفل، وليس مفروضاً عليه من الخارج.

وللأسف الشديد، فنحن كمربين، والدين ومدرسين، نتمسك إلى حد بعيد بمفهوم السلطة التي يجب أن تنفذ دون نقاش، إنها الطريقة التي عوملنا بها، والنظم السياسية التي نشأنا في ظلها، تتمثل لدينا في عمليات إسقاطية على أطفالنا. فنحن لا نقاصص الطفل لأنه رفض الأمر، أو لأنه لم يتبع النظام أو خالفه، بل لأنه لم ينفذ أوامرنا، وكأننا ونحن نعاقبه، نقتص منه لأنفسنا، لكرامتنا، التي نحس بأنها ضعفت، أو أسيء إليها من قبل هذا الطفل. من أجل ذلك يجب إعادة النظرة إلى ذواتنا تربوياً فلعلنا نكون نحن السبب في كراهية أطفالنا للنظام من خلال سلوكنا مع الأطفال.

وعلينا أن نناقش أنفسنا حول أهمية وفعالية الأوامر أو (الأنظمة) التي نطلب إلى الأطفال تطبيقها، فالزمن يتغير، وربما يكون ما نطلب إليهم تطبيقه قد عفى عليه الزمن أو تجاوزه، فلذلك يقتضي التفكير في أمر هذه الأوامر، فما كان يمكن تطبيقه بالأمس، قد يصعب تطبيقه اليوم، ويجب أن يفهم الطفل أن تنفيذ القانون وإقرار النظام، لا مصلحة شخصية لنا فيه، بل هو من أجل صالح الطفل نفسه، ومن أجل صالح المجتمع، ولا بأس بالتساهل بين الفينة والأخرى، عدم تطبيق النظام، لترك الطفل يكتشف بنفسه مساوئ عدم تطبيق النظام، ليفهم من ذلك أهمية وفائدة تطبيقه على طريقة - والضد يظهر حسنه الضد -.

وينصح بعض المربين بترك الطفل يخوض تجربة فاشلة، شرط ألا تكون نتائجها مدمرة طبعاً، فالأهل والمدرسون حريصون كل الحرص على صحة أبنائهم ومستقبلهم، فلا يعقل أن يتركوا (يتجرعون السم للتجربة)، ولكن يمكن الخضوع لتجربة محدودة المخاطر، فيكون الاستنتاج العملي أكثر ثباتاً من المواعظ النظرية. فكما هو معروف: فالطفل لن يبتعد عن النار ما لم يحرق أصابعه.

أود هنا أن أورد حالة ميدانية من حالات الفوضى وعدم تطبيق النظام في ترتيب الملابس لأحد الأطفال:

(... نتيجة تأخره عن موعد المدرسة، وانهماكه في تحضير كتبه ولوازمه بسرعة، يسارع (نديم)، بالتوجه إلى المدرسة، مخلفاً وراءه ثياب النوم مبعثرة في أرجاء الغرفة، وبعضاً من كتبه في الغرفة الأخرى، أرادت الأم أن توجهه بطريقة لا ينساها، وبأسلوب ذكي. تناولت بعد عشر دقائق جهاز الهاتف لتتصل بإدارة المدرسة، وتحدثت مع الناظر حيث أخبرته بسلوك (نديم)، وطلبت إليه أن يوجه له الملاحظة أمام التلامذة مشفوعة بطلب شخصي منها بأن يعود إلى البيت فوراً لترتيب أغراضه ومن ثم يعود بعدها لمتابعة دروسه. وبالفعل فقد دخل الناظر، ونفذ طلب الأم ثم طلب إلى نديم - بناءً لطلب والدته - أن يذهب إلى البيت وينفذ المهمة ثم يعود وهكذا حدث. كان الدرس للجميع، وهكذا أرادته الأم، وأراده الناظر، تناقل الأطفال، هذه القصة الطريفة، بعضهم رأى الأمر سخيفاً، أو أنه أعطي من الأهمية أكثر من اللازم، ولكن نديم نفسه، وقد أصبح اليوم من خريجي الجامعة يقول: بأنه أعظم درس تلقاه في حياته، وكان له تأثير كبير على مسلكه الدراسي، وطريقة حياته اليومية).

إن التساهل في تطبيق النظام في البيت لجهة ترتيب الكتب والملابس، والحفاظ على المواعيد التي تحددها الأسرة لأفرادها كمواعيد الأكل والنوم والرحلات، يؤدي إلى اختلال النظام في الأمور الهامة والجوهرية. فمسألة النظام مسألة ترتبط بتنظيم شخصية الفرد وتطبعها بطابع مميز، وهي وراء الشخصية المتزنة والسليمة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1ـ د. عبد المنعم المليجي، د. حلمي المليجي، النمو النفسي، ص 411.

2ـ المصدر السابق، ص 412.