علم الحديث
تعريف علم الحديث وتاريخه
أقسام الحديث
الجرح والتعديل
الأصول الأربعمائة
الجوامع الحديثيّة المتقدّمة
الجوامع الحديثيّة المتأخّرة
مقالات متفرقة في علم الحديث
أحاديث وروايات مختارة
علم الرجال
تعريف علم الرجال واصوله
الحاجة إلى علم الرجال
التوثيقات الخاصة
التوثيقات العامة
مقالات متفرقة في علم الرجال
أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)
اصحاب الائمة من التابعين
اصحاب الائمة من علماء القرن الثاني
اصحاب الائمة من علماء القرن الثالث
علماء القرن الرابع الهجري
علماء القرن الخامس الهجري
علماء القرن السادس الهجري
علماء القرن السابع الهجري
علماء القرن الثامن الهجري
علماء القرن التاسع الهجري
علماء القرن العاشر الهجري
علماء القرن الحادي عشر الهجري
علماء القرن الثاني عشر الهجري
علماء القرن الثالث عشر الهجري
علماء القرن الرابع عشر الهجري
علماء القرن الخامس عشر الهجري
وجه الحاجة إلى علم الرجال
المؤلف: الشيخ محمد طالب يحيى آل الفقيه
المصدر: سدرة الكمال في علم الرجال
الجزء والصفحة: ص 23 ـ 27
27/10/2022
1618
بعد العلم بوجود أخبار مدسوسة بزيادة أو نقيصة أو مطلقا أو معارضة ظاهرية أو غيرها من الأسباب، كان لا بد من دراسة الراوي ليعلم سقمه من صحته، فيكون قرينة حينئذ على إمكان الأخذ بالخبر أو تركه.
قال الشيخ النجاشي (رحمه الله) في ترجمة وهب بن وهب - أبو البختري - «روى عن أبي عبد الله (عليه السلام) وكان كذّاباً وله أحاديث مع الرشيد في الكذب» (1).
وقال في ترجمة يونس بن ظبيان «مولى، ضعيف جداً لا يلتفت إلى ما رواه، كل كتبه تخليط» (٢).
ولما كانت معظم الأحكام الشرعية الفرعية، جزئية كانت أو كلية معتمدة على الأحاديث الواردة عن المعصوم (عليهم السلام) كان لا بد من دراسة الخبر من جهة سنده المتوقفة على معرفة آحاد الرواة، لتكون النتيجة المستنبطة سليمة صحيحة من هذه الجهة.
وقد تلخص مما تقدم أن فائدة علم الرجال تمييز الأخبار الصحيحة - بالمعنى الأعم - من غيرها لتعتمد في عملية استنباط الحكم الشرعي ويترك غيرها.
لكن على الرغم مما قدمنا نرى جمعاً من علمائنا أعرضوا عما ذكرنا وذلك لذهابهم إلى صحة الكتب الأربعة - الكافي والفقيه والتهذيب والاستبصار - بل ذهب بعضهم إلى صحة ما هو أشمل منها وأعم - كصاحب الوسائل - وأن جميعها صادر عن المعصوم (عليه السلام) ولا أقل من أنها حجة علينا ويمكننا العمل بها دون الرجوع إلى أسانيدها، وأن السند المذكور في الخبر إنما هو لمجرد التبرك لا أكثر، وإلا فالأخبار حجة علينا يجب العمل بها جميعاً.
وهؤلاء الأعلام يعرفون في أوساطنا بالأخباريّين، وكذا غيرهم كالحشوية منا، بل وبعض الأصوليين كالميرزا النائيني الذي صحح الكافي، ومفتي الشيعة الذي صحّح الوسائل كله.
هذا وقد استند الأخباريّون في مقالتهم هذه إلى أدلة بلغت أكثر من عشرين دليلاً أو قرينة حاولوا من خلالها إثبات حجية الأخبار دون الحاجة إلى سند، ومعها تنتفي الحاجة إلى علم الرجال (3).
ومن أهم ما اعتمدوه دليلاً أنّ الرواة من أصحاب المعصومين (عليهم السلام) عملوا بجد حتى يوصلوا الأحاديث نقية بلا دس ولا زيادة ولا نقيصة، لذا لم يصححوا رواية الأخبار من الأصول أو المصنفات دون الرجوع إلى أربابها، بل سمعوا الأحاديث ودونوها بأمانة وقرؤوها على مشايخ الإجازة مباشرة حتى لا يتعرض الخبر للتحريف أو غيره، ولذا نلاحظ أن جمعاً من الرواة لم يكونوا ليقرأوا الأحاديث على أصحابهم الرواة إلا أن يعلموا منهم الوثاقة، بل لو كان في الجمع شخص مشكوك فيه، لأعرضوا عن القراءة عليهم حتى يخرج من المجلس أو تؤجل القراءة خشية أن يكتب المشكوك فيه شيئاً ومن ثم يدس فيه ما ليس منه كما فعل عبدالله بن المغيرة.
قال المفيد (رحمه الله) في الإختصاص (4): «... لما صنف عبد الله بن المغيرة كتابه وعد أصحابه أن يقرأ عليهم في زاوية من زوايا مسجد الكوفة، وكان له أخ مخالف، فلما أن حضروا لاستماع الكتاب جاء الأخ وقعد، قال: فقال: انصرفوا اليوم، فقال الأخ: أين ينصرفون فإنّي أيضاً جئت لا جاءوا، قال: فقال له: لما جاءوا، قال: يا أخي، أُريت فيما يرى النائم أن الملائكة تنزل من السماء، فقلت: لماذا ينزلون هؤلاء؟ فقال قائل: ينزلون يستمعون الكتاب الذي يخرجه عبد الله بن المغيرة، فأنا أيضاً جئت لهذا، وأنا تائب إلى الله، قال فسر عبد الله بن المغيرة بذلك» (5).
ومن هذا يعلم دقة أصحاب الأصول الروائية وثباتهم في رواية الحديث.
وممّا استدلوا به أيضاً أنّ أصحاب الأئمة (عليهم السلام) عرضوا مصنفاتهم على المعصومين (عليهم السلام) مثل عبيد الله بن علي الحلبي والفضل بن شاذان ويونس بن عبد الرحمن وغيرهم، قال الشيخ: إنه عرض كتاب الحلبي على الصادق (عليه السلام) فلما رآه استحسنه وقال: ليس لهؤلاء مثله، أما كتاب الفضل فقد نظر فيه العسكري (عليه السلام) وترحم عليه وقال: أغبط أهل خرسان بمكان الفضل بن شاذان وكونه بين أظهرهم.
وأما كتاب يونس فقد قال عنه (عليه السلام): إنّ له بكل حرف نوراً يوم القيامة.
وغيرها من الكتب بما يدل على أنّ ما وصلنا كان محل رضى وقبول وتأييد المعصوم (عليه السلام) وعليه يحكم بصدور أو حجية الأخبار كلها، وبعد هذا لا داعي لعلم الرجال.
لكن مع هذا كله لا يصلح ما ذكر لتعميم الدليل إذ أن فعل ابن المغيرة لا ينطبق على جميع الرواة لا في زمانه ولا فيمن تأخر أو تقدم عنه، بل كان يروي الغث والسمين عن الثقات وغيرهم ومنهم ومن غيرهم، والتصريح بذلك في كتب الشيخ والنجاشي لا ريب فيه كما ذكر في ترجمة سهل بن زياد والبرقي وغيرهم.
ولهذا نرى كثيراً من الأخبار متعارضة متنافية، وقد حاول أصحاب المعصومين الرجوع إليهم (عليهم السلام) لتصحيح بعض الأخبار المتضاربة عندهم وعرفت بأخبار العرض.
وأمّا ما قيل بأنّ الكتب قد عرضت على المعصوم (عليه السلام) فصحّح الصحيح وأخرج الضعيف فإنّها مجرد دعوى بلا دليل بل المعلوم عدمه، إذ ما علم أنه عرض على الإمام (عليه السلام) لا يتجاوز أصابع اليدين، بل بعضها لم يدفع للإمام (عليه السلام) لتكون هذه سيرتهم، بل كان ذلك بالعرض كما حدث مع كتاب الفضل بن شاذان، ومع هذا كيف يقال بقطعية الصدور وأنها حجة علينا جميعا، ولذا كان لا بد من الرجوع إلى علم الرجال لتمييز الرجال صحيحهم من ضعيفهم كما فعل القدماء كالبرقي وابن عقدة وابن الغضائري والنجاشي والشيخ وغيرهم، فوثقوا الثقات منهم وضعّفوا الضعاف.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رجال النجاشي، ج2، ص 391.
(2) المصدر نفسه، ص 423.
(3) راجع الفائدة السادسة من المجلّد الثلاثين من وسائل الشيعة.
(4) سيأتي الكلام مفصّلاً حول الإختصاص إن شاء الله وأنّه للمفيد (رحمه الله) أو لغيره.
(5) الإختصاص، ص 85.