x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
الفضائل
الاخلاص والتوكل
الامر بالمعروف والنهي عن المنكر
الإيثار و الجود و السخاء و الكرم والضيافة
الايمان واليقين والحب الالهي
التفكر والعلم والعمل
التوبة والمحاسبة ومجاهدة النفس
الحب والالفة والتاخي والمداراة
الحلم والرفق والعفو
الخوف والرجاء والحياء وحسن الظن
الزهد والتواضع و الرضا والقناعة وقصر الامل
الشجاعة و الغيرة
الشكر والصبر والفقر
الصدق
العفة والورع و التقوى
الكتمان وكظم الغيظ وحفظ اللسان
بر الوالدين وصلة الرحم
حسن الخلق و الكمال
السلام
العدل و المساواة
اداء الامانة
قضاء الحاجة
فضائل عامة
آداب
اداب النية وآثارها
آداب الصلاة
آداب الصوم و الزكاة و الصدقة
آداب الحج و العمرة و الزيارة
آداب العلم والعبادة
آداب الطعام والشراب
آداب الدعاء
اداب عامة
حقوق
الرذائل وعلاجاتها
الجهل و الذنوب والغفلة
الحسد والطمع والشره
البخل والحرص والخوف وطول الامل
الغيبة و النميمة والبهتان والسباب
الغضب و الحقد والعصبية والقسوة
العجب والتكبر والغرور
الكذب و الرياء واللسان
حب الدنيا والرئاسة والمال
العقوق وقطيعة الرحم ومعاداة المؤمنين
سوء الخلق والظن
الظلم والبغي و الغدر
السخرية والمزاح والشماتة
رذائل عامة
علاج الرذائل
علاج البخل والحرص والغيبة والكذب
علاج التكبر والرياء وسوء الخلق
علاج العجب
علاج الغضب والحسد والشره
علاجات رذائل عامة
أخلاقيات عامة
أدعية وأذكار
صلوات و زيارات
قصص أخلاقية
قصص من حياة النبي (صلى الله عليه واله)
قصص من حياة الائمة المعصومين(عليهم السلام) واصحابهم
قصص من حياة امير المؤمنين(عليه السلام)
قصص من حياة الصحابة والتابعين
قصص من حياة العلماء
قصص اخلاقية عامة
إضاءات أخلاقية
التوبة في القرآن
المؤلف: السيد عبد الاعلى السبزواري
المصدر: الاخلاق في القران الكريم
الجزء والصفحة: 414- 424
24-6-2021
2273
{ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [النساء: 17، 18]
لما ختم سبحانه وتعالى الآيات السابقة بالتوبة ، وبين أن بها تسقط العقوبة والحد الشرعي ، ذكر عز وجل في هاتين الآيتين الشريفتين حقيقة من الحقائق الإلهية التي امتاز بها الإسلام عن سائر الأديان السماوية ، فبين عز وجل حكم التوبة وأنها حق من حقوق العبد على خالقه ومربيه ، وقد وصف نفسه بالرحمة وذكر شروط التوبة ومواردها التي تقبل من الإنسان ، والموارد التي لا تقبل.
كما بين عز وجل أن التوبة إنما تكون وفق النظام الربوبي المتقن المبني على الحكمة والعلم.
والآية من الآيات المتعددة التي ترغب العاصين إلى هذه الموهبة الربانية وتحرضهم إلى التوبة قبل فوات الأوان.
لأنما ذكر عز وجل هذه الحقيقة ضمن الأحكام الإلهية ، لما لها من الأهمية الكبرى في تربية الإنسان وهدايته إلى السعادة والكمال ، ولا تخلو الآيتان من الارتباط بالآيات الأخرى.
قال تعالى : {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ} [النساء : 17].
بيان لحقيقة من الحقائق الإلهية التي كشف عنها القرآن الكريم بما لم يكشف عنها كتاب سماوي آخر ، فائه بين حقيقة التوبة وشروطها ومواردها وآدابها وآثارها .
ويمكن اعتبارها بحق من التعاليم المختصة بهذا الكتاب العزيز ، وأنها لم تكن بهذه الخصوصية في سائر الشرايع الإلهية ، وقد اهتم القرآن المجيد بها اهتماماً بليغاً حتى ورد ذكرها فيه بما يزيد على ثمانين موردا ، وسميت سورة من سور القرآن المجيد باسم التوبة.
والتوبة في نظر الإسلام من الأمور المعدودة التي لها جوانب متعددة ، فهي عملية تربوية تربي الإنسان تربية دينية مبنية على الحقيقة دون الوهم والخيال ، كما أنها عملية إصلاحية ، تصلح النفوس الفاسدة وتهذبها وتزكيها وتصلح المجتمع وتجعله في المسار الصحيح ، كما أنها فضيلة أخلاقية ؛ وهي من أجل مكارم الأخلاق. ونحن ذكرنا ما يتعلق بها في قوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } [البقرة : 159، 160] ، فراجع الآية الكريمة.
ومادة (توب) تدل على الرجوع ، سواء استعملت بالنسبة إليه عز وجل أم استعملت بالنسبة إلى العبد، قال تعالى : {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا} [التوبة: 118] ، وتوبة الله تعالى على العبد هي الرجوع عليه بالرحمة والتوفيق وغفران الذنوب ، وتوبة العبد هي الرجوع إلى الله تعالى بالندامة والانصراف عن المعصية.
والمستفاد من الآيات الواردة في هذا الموضوع أن توبة العبد محفوفة بتوبتين من الله تعالى :
إحداهما : التوفيق لها ، لأن العبد محتاج بذاته وهو الفقير إليه عز وجل ، قال تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ } [فاطر: 15] ، فإذا وفقه الله تعالى للتوبة ، تاب ورجع إليه عز وجل بالندامة والانصراف عن المعصية.
الثانية : توبة الله تعالى عليه بالقبول والغفران ، فتكون مطهرة للعبد منا أصاب نفسه بسبب المعصية من القذارات والنجاسات المعنوية ، فيحصل بها التقرب إليه عز وجل.
و(على) في قوله تعالى : {على الله} تفيد اللزوم والثبوت ، وهو يرادف الوجوب ، وإنما وجبت التوبة لأنها من أفراد رحمته التي أوجبها على نفسه ، قال تعالى {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: 54] ، واستعمال (على) في الوجوب واللزوم كثير ولا ضير في ذلك.
إلا ما يقال : من أن استعمال الوجوب بالنسبة إليه عز وجل أمر مستنكر ، بل لا يصلح لأنه لا سلطة على الله تعالى يوجب بها عليه ، ولذا ذكر بعض المفسرين أن هذه العبارة وأمثالها التي هي ظاهرة في وجوب بعض الأشياء على الله قد جاءت على طريق العرب في التخاطب ، ولا يفهم منه إلا أنه واقع لا محالة.
ولا يخفى أن ذلك تطويل لا طائل تحته ، وما ذكره أنما هو تغيير في ظاهر اللفظ ، فلا مانع من إيجاب الله تعالى على نفسه أمورا تقتضيها حكمته المتعالية ، وقد نطق بها القرآن الكريم وشهد بها العقل السليم من دون أن يكون لغيره سلطة عليه يوجب عليه شيئاً أو يكلفه بتكليف ، فإذا كانت التوبة من مصاديق الرحمة الإلهية التي وعد بها عباده ، والله لا يخلف الميعاد ، فيجب عليه قبول توبة عباده من هذه الجهة أيضاً.
ثم إن إطلاق الآية الشريفة يشمل جميع أقام التوبة من الفكر والشرك والضلال وأنحاء الفسق والعصيان ، إلا ما يستثنيه سبحانه وتعالى بعد ذلك.
نعم ، تختلف أنحاء التوبة ، ففي بعض المعاصي تكون بالإيمان بالله تعالى ، وفي البعض الآخر تكون بأداء الحقوق ، وفي ثالث بإيقاع الحد ، وفي رابع باجتناب الكبائر ، وفي خامس بالطاعة والمواظبة على الصلاة ، وقد ذكرنا جميع ذلك في مبحث التوبة ، فراجع آية 160 من سورة البقرة.
قال تعالى : { لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ} [النساء : 17].
(للذين) خبر ، و(التوبة) مبتدأ ، و(على الله) متعلق بما تعلق به الخبر ، وقيل غير ذلك ، و(بجهالة) حال من فاعل (يعملون) والباء للسببية ، و(السوء) هو العمل القبيح الذي يسوء فاعله بارتكابه ، وهو لا يليق به سواء كان كفراً أم معصية كبيرة أم صغيرة ، و (الذين) عام يشمل المؤمن والكافر معاً ، فالجملة تبين حالهما، لأنهما معاً يعملان السوء.
و(العمل) أعم من الجوارح أو عمل القلوب.
والتعبير به - مع أن الكفر من أعمال القلوب - لبيان أن الكفر سيئة ومنشأ للأعمال السيئة.
والجهالة من الجهل مقابل العلم، والمراد بها إما عدم العلم بالموضوع أو الحكم أو هما معا ، قصوراً أو تقصيراً ، وفي الكل لا يتحقق العصيان حتى يتحقق موضوع التوبة ، لأن مقتضى ما هو المتواتر بين المسلمين عن نبينا الأعظم (صلى الله عليه واله) : " رفع عن أمتي ما لا يعلمون " ، عموم الحكم لجميع أفراد عدم العلم . إلا أن يدعى الانصراف عن مورد التقصير ، كما عن جمع من العلماء من تحقق العصيان في الجهل التقصيري ، وهو مقتضى ظاهر بعض الأخبار أيضا ، فلا تكون الجهالة في المقام بهذا المعنى بلا إشكال.
أو المراد بالجهالة في المقام فعل كل ما لا ينبغي صدوره عن العاقل المتوجه إلى نفسه والعارف - ببصيرته - ما فيه صلاحه عن ما يسؤؤه ، كما في قوله تعالى حكاية عن يوسف (عليه السلام) : {قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ} [يوسف: 89] ، فما يصدر حينئذ عن الفرد إنما يكون من داع نفساني غالب على ما تقتضيه القوة العاقلة ، فيكون مغلوباً لنفس أمارة وداعية شهوية أو غضبية ، وغواية الشيطان الذي يمني الإنسان بالسوء وحب العاجل والتغاضي عن الجزاء ، فإن جميع ذلك توجب الغفلة والوقوع في الجهالة ، فيغفل عن وجه قبح الفعل وذمه مع كون الفاعل إنما يفعل عن علم وإرادة ، وعلى هذا تكون الجهالة قيداً توضيحياً ، لكن معصية تصدر عن الهوى ، وغلبة الشهوى والغضب ، فتكون صادرة عن الجهالة ، ولذا لو سكنت ثائرة الغضب وخمد لهيب الشهوة ورأى جزاء عمله عاد إلى العلم وزالت الجهالة وندم على فعلهن ومنا ذكرنا يظهر السر في قوله (صلى الله عليه واله) : " كفى بالندم توبة ".
هذا إذا لم يكن صدور الذنب عن المكابرة للحق وعناد معه ، وإلا فإن ذلك يرجع إلى خبث الذات ورداءة الفطرة ، ومعهما لا يرجع إلى الحق بالتوبة ويستمر على ذلك طول حياته ، إلا إذا لحقته العناية الربانية فيرجع عن عناده ولجاجته وتلحقه الندامة ، وفي غير هذه الحالة لا يكون المعاند نادما ، وإن أظهر الندامة فإنما يكون لحيلة يحتالها لنفسه فراراً عن الجزاء ونحوه ، ويدل عليه رجوعه إلى غيه ولجاجته لو ارتفعت الضرورة ، كما قال تعالى : {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الأنعام: 28].
ومما ذكرنا يظهر أن القيد يمكن أن يكون احترازياً أيضا ، فيكون المراد به أن لا يكون الذنب عن عناد ولجاجة واستعلاء على الله تعالى ، ويشهد لذلك عدم تقييد عمل السيئات بالجهالة في الآية التالية ، فإن المنساق منها هو التعمد والتجبر على الله تعالى، كما يشهد قوله تعالى : {وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ} [النساء: 18] ، فالحالة التي تكون بين الموت وعمل السيئة على أقسام :
الأول : أن يكون مبادراً إلى التوبة بعد عمل المعصية ، فهذا تقبل التوبة منه.
الثاني : أن يكون بانياً على الطغيان والعصيان إلى أن يحضر بعض علامات الموت فيتوب حينئذ ، والمنساق من الآيات الشريفة عدم قبول التوبة حينئد ، قال تعالى : {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ} [غافر: 84، 85] ، لأن التوبة إنما تقبل في ظرف اختيار العبد وتمشي القصد الجدي منه ، وهو لا يتحقق في وقت ظهور علامات الموت وورود الإنسان في الإشراف على أول منازل الآخرة وهو البرزخ ، إذ لا اختيار له.
الثالث: ما إذا كان بانيا على التوبة بحسب الفطرة، ولكن تساهل فيها لغلبة الشهوات الدنيوية ، حتى إذا حضر بعض علامات الموت التي لا تسلب الاختيار ويتحقق منه القصد الجدي في الطاعة والمعصية ويترتب عليهما الآثار الشرعية والعرفية فتاب عن قصد ، فحينئذ تقبل التوبة إن كانت جامعة للشرائط ، كما تقبل وصيته ، قال تعالى : {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 180] ، والروايات الدالة على قبول التوبة حتى إذا بلغت النفس الحلقوم تختص بهذه الصورة ، فتقبل التوبة لتحقق موضوعها.
وبالجملة : بعد إرجاع بعض الآيات إلى بعض يستفاد منها أن عدم قبول التوبة إنما لأجل عدم تحقق الموضوع ، كما في صورة العناد واللجاج ، أو لأجل عدم تحقق ظرفها وهو الاختيار والقصد للطاعة والمعصية ، ونرجو منه جلت عظمته أن يدخل عباده في قوله عز شأنه في القدسيات : " اغفر ولا أبالي ".
وقد ظهر من جميع ذلك أن الاحتمال الأول وهو كون القيد احترازيا ، وإن كان اوفق للقواعد ، فإن المعروف أن الأصل في القيود أن يكون احترازياً إلا أن كونه توضيحياً أوفق لسعة رحمته.
قال تعالى : {ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ} [النساء : 17].
القريب من الأمور الإضافية وله مراتب كثيرة، وقد استفاد العلماء من هذا اللفظ الفورية العرفية في التوبة ، وهي في نفسها حسن ، لأن العصيان حجاب بين العبد والمعبود ودرن للروح ، والعقل يحكم بإزالة الدرن والنجاسة عن اللباس والبدن فضلا عن الروح ، وهذا لا ينافي أن تكون الجملة إشارة إلى المسارعة وعدم التساهل ، فيكون المراد من القريب الزمان القريب قبل ظهور الموت وبروز آيات الآخرة، بحيث لا يعد تأهلا في أمر التوبة حتى تفوت الفرصة بحضور علامات الموت.
وبالجملة: المراد من قوله تعالى : { من قريب } التوبة في عهد قريب من قبل أن تموت الشهوات وتسقط دواعي المعصية ، بل تكون في حال صراع النفس مع القوة العاقلة ، فترغم النفس الأمارة ويقلع عن المعصية ندما ، ويرغب في الطاعة شوقاً إلى رضاء الله تعالى وطلباً لعفوه وغفرانه ، ويؤدي حقوق الناس وحقوق الله سبحانه وتعالى لو كانتا عليه ، ففي كل وقت صح إبراز ما في الضمير والإرادة الجدية من القلب تقبل التوبة ، كما عرفت آنفا.
قال تعالى : { فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [النساء: 17].
أولئك اسم الإشارة الموضوع للبعيد ، وهو مبتدأ وخبر جملة :
" يتوب الله عليهم " ، وعديت التوبة بـ " عليهم " لتضمنها معنى العطف والرحمة ، أي : أنه تعالى يعطف عليهم بقبول التوبة ويعود بالرحمة.
وإنما أشار إليهم بالبعيد إعلاماً بعلو قدرهم وتعظيم شأنهم ، لأنهم تابوا على حقيقة التوبة ، والتفريغ بالفاء المفيدة لسببية ما قبلها لما بعدها ، ولبيان أن قبول التوبة من مصاديق ذلك الوعد الذي قرره تعالى في صدر الآية الكريمة.
قال تعالى : { وكان الله عليما حكيما}.
أي : أن الله تعالى عالم بحقيقة الحال ، فيعلم شؤون عباده ومصالحهم ، ويعلم المخلص في توبته، حكيم في أفعاله، قد وضع التوبة وفق نظام محكم ، فلا تغره ظواهر الأحوال وصريف الأقوال.
وإنما ذكر هذين الاسمين لبيان أهمية الموضوع وأنه تابع لعلمه الأتم وحكمته المتعالية ، يضع التوبة في مواضعها وهو أرحم الراحمين.
قال تعالى : {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ} [النساء: 18].
بيان لحال من لا تقبل توبتهم ، وهم طائفتان :
احداهما : لأجل عدم تحقق موضوع التوبة منهم ، وهم الذين يعملون السيئات دوماً ولا يتحقق منهم الندم حتى إذا حضرهم الموت وانتفى أسباب العمل فلا داعي فيهم لعمل السيئات ، لانقطاع آمالهم وموت شهواتهم ، فلا تقبل توبتهم.
وإنما ترك عز وجل إعادة اسم الجلالة (على الله) لبيان انقطاع العناية الإلهية عنهم ، وللإعلام بأن التوبة الصحيحة لا تقع منهم ، لنفي موضوعها كما عرفت آنفا.
وإنما جمع عز وجل السيئات وأفردها في الآية السابقة ، وقال :
{ يعملون السوء} ، للدلالة على إحصاء سيئاتهم الكثيرة العديدة ، واستمرارهم على فعلها وإصرارهم على التكرار ، بلا فرق بين أن تكون السيئة المكررة من أنوع مختلقة أو من نوع واحد ، فإن التكرار يوجب التعدد لا محالة.
قال تعالى : {حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ} [النساء: 18].
أي : حتى اذا حضر الموت برؤية علاماته لاهية قلوبهم ، والجملة تدل على استهانتهم بالتوبة واستحقارهم لموجبات الرحمة والمغفرة ، فهم يدعون التوبة حال العجز ولم تتحقق حقيقتها عندهم ، ولم ترغب نفوسهم عن الذنب ، فإذا زال عنهم المهلكة عادوا إلى الذنب ورجعوا إلى المخالفة والعصيان ، كما يخبر عن ذلك قوله تعالى : {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا } [الأنعام: 28].
قال تعالى : {قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ } [النساء: 18]
أي : أنه في حال العجز واليأس يردد على لسانه التوبة في تلك الحال فقط ، من دون أن يكون ذلك من حاق نفسه.
والآية تدل على تحقق التوبة اللسانية مرة واحدة بلا استمرار عليها ، بخلاف الآية السابقة التي دلت على الاستمرار المستفاد من هيئة المضارع في قوله تعالى : { ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ} [النساء: 17] ، وهذه تؤكد ما ذكرناه آنفاً من أن التوبة منه ليست على الحقيقة ، فإنه التجأ إليها عند مشاهدة سلطان الآخرة وانقطاع أمله عن الدنيا بحضور الموت ، ولذا ذكر عز وجل : { قال إني} ، ولم يقل : (تاب) ونحو ذلك ، تحاشياً عن تسمية ما قاله توبة ، ونظير ذلك قوله تعالى حكاية عن المجرمين : {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ} [السجدة: 12]
قال تعالى : {وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ} [النساء: 18]
بيان لحال الطائفة الثانية ، وهم الذين يصدر عنهم الذنب عنادا ولجاجاً واستكباراً على الله تعالى ، فلا توبة لهؤلاء ، كما لا توبة لأولئك لأنهم تمادوا في الكفر فماتوا وهم كافرون ، فلم تصدر عنهم السيئات بجهالة ، بل عن عناد ولجاج ، فإذا مات الإنسان على هذه الحالة لا تنفعه التوبة ولا نجاة له بعد الموت ، وقد أكد القرآن الكريم ذلك في مواضع متعددة ، قال تعالى : {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ } [البقرة: 160 - 162].
قال تعالى : {أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا } [النساء: 18].
أي : أولئك الفريقان قد اعتدنا لهم وهيأنا لهم عذاباً أليماً مؤلماً ، جزاء لأعمالهم السيئة التي قدموها في دار الأعمال.
وقد ذكرهم باسم الإشارة للدلالة على بعدهم عن ساحة القرب والعناية الربانية.